كنا نحنُ المظلومين الاغلبية الصامتة من الشعب العراقي , الاغلبية التي ساقها صدام وأزلامه البعثيين الى المقابر الجماعية والمنافي الجليدية وبطون الحيتان في البحار والمحيطات وأحواض التيزاب في قصر النهاية وابي غريب والرضوانية وأقبية سجونه من زاخو حتى الفاو بل وحتى سفاراته في دول العالم , وبعثنا أحياءً في توابيت نجوب المطارات لنلقي حتفنا على أقذر أيادٍ خلقها الله , تلك هي الأيادي البعثية التكريتية الصدامية , كنا نحلم نحن الذين نمثل مئات الآلاف بل والملايين من الشعب العراقي أن نسحل صداما بأيدينا في شوارع العراق وأزقته أو أن نراه كذلك , ولكن الرياح أبت الا أن تجري بما لا تشتهي سفن أبناء العراق وذوي المقابر الجماعية والمشردين وثوار انتفاضات صفر ورجب وشعبان واطلال حلبجة والأنفالات , فقد شاءت الأقدار أن يُزال صدام بأيدي من أتوا به قبل خمس وثلاثين عاماً . وخرج صدام من حفرته خائفاً مغمى عليه مذعورا مقمل تجوب البراغيث لحيته العفنة فكان مشهداً مخزيا له ولمحاميه من العربان أمثال البكري وعطوان والمسفر وأصحاب الكوبونات النفطية في الأردن أحباب رئيس الوزراء أياد علاوي ! . كان حقاً مشهدا أثلج صدور الثكالى من العراقيات وابتهج شعب العراق وساد الفرح وعم الارتياح لمشهد الذل الصدامي الذي قرَّت به عيون العراقيين .
ولكن الفرحة لم تدم حتى وقد أوفد المقلوع بريمر كل من الثلاثي الوقح الباجه جي والجلبي وموفق الربيعي ليزوروا صداما في سجنه حيث سأله الربيعي بغباء لا نظير له في التاريخ يوم سأله ( لماذا قتلت محمد باقر الصدر) ليوفر لصدام فرصة الاستهزاء برمز العراق الصدر الشهيد ليقول بكل وقاحة (الصدر أم الرِجل ؟ ) بلغة استهزائية صدامية . من يومها عرفنا أن إهانة الشعب العراقي ستستمر على يد صدام وهو في زنزانته ما دام العراق محكوما بقوات الاحتلال التي لا تعرف ثقل وهول جرائم صدام بحق الشعب العراقي فليس من سمع بالظلم كمن وقع عليه . وتوالت الاهانات للعراقيين وكان اعلان قوات الاحتلال اعتبار صدام أسير حرب لينعم بزيارات دورية من قبل منظمة الصليب الأحمر ويتبادل الرسائل مع زوجاته وبناته وليستضيف ملك الاردن بناته في أحد قصوره ويستضيف فيل قطر ساجدة في أحد القصور قريبا من محمد المسفر وقناة الجزيرة . ثم توالت المكرمات لصدام وأزلامه فتم اطلاق سراح الشيخلي وسعدون حمادي والصحاف وماهر عبدالرشيد وابناء سبعاوي وعنيفص وحبوش الخ , وتم التتويج بالغاء قرار اجتثاث البعث والعمل على عودة البعثيين ليس الى دوائرهم الوظيفية وحسب انما الى مناصب سياسية من بوابة حزب الوفاق الوطني ( من اسمه وفاق مع البعثيين ) .
ولم تنته المهازل عند هذا الحد حتى جاء فيلم محاكمة صدام في محكمة عراقية – شكليا – علنية في وقت لا يخفى على ذي أدنى حس سياسي إن المقصود منها تحقيق أمور عديدة أهمها الدعاية الاعلامية السياسية لبوش وعلاوي في آن واحد وستستمر اللعبة حتى تصل ذروتها في الاسابيع الاخيرة قبل الانتخابات الامريكية في نوفمبر المقبل ومن جهة أخرى لكي يدغدغوا مشاعر الشعب العراقي التواق لاجراء الحكم العادل بحق الطاغية المجرم صدام من أجل الترويج لحكومة علاوي لتكون باكورة أعمالها محاكمة صدام وللتغطية على مشروعية منصب علاوي نفسه حيث تم تعيينه قسرا من قبل بريمر , ولكي لا يلتفت العراقيون الى تنصيب جورج كيسي عضو هيئة الاركان بالبنتاغون آمرا للقوات الامريكية وغيرها في العراق باسم آمر القوات المتعددة الجنسيات وتم التنصيب بحضور بديل بريمر المستر نجروبونتي مما يعني الشكلية الصارخة لتسليم السلطة للعراقيين , ولإيهام العراقيين أيضا بأن العراق اليوم يعيش السلطة المستقلة والدليل أن الحكومة تحاكم صدام في يوم 30 حزيران ذلك اليوم الذي تردد آلاف المرات على ألسن بوش وباول ورامسفيلد وبريمر وامتدادتهم من العراقيين من عيار علاوي وربيعي .
كل هذه القاصمات من التعمد والايغال في التجاوز على العراقيين تهون لو أن بداية محاكمة عادلة قد جرت للمجرم صدام , ولكن الطامة الكبرى إن المحاكمة المزعومة ماهي الا لعبة غير تم اعدادها لمقاصد السياسة ولم يلتفت أصحابها الى مدى الحيف والظلم الذي الحقوه بحق ضحايا صدام وذويهم فيما جرى اليوم في محكمة صدام . كنا نتشوق أن نرى صداما وقد مثل أمام المحكمة موضوعا في قفص وقد كبلوا يديه الآثمتين المشبعتين بدماء العراقيين لا أن نرى صداما جالسا وقد لبس الملابس النظيفة الجميلة وشذب لحيته ووفروا له الورقة والقلم ليجلس على الكرسي من جديد رافعا أصابعه بنفس الطريقة المعهودة !!!!!!! والأنكى من ذلك أظهروه لنا وهو يخطب ليعطي دروس في الدفاع عن شرف العراقيات من جديد في تبريره لغزو الكويت . أظهروه لنا وهو يستهزي بالقاضي والقضاء العراقي ويرفض التوقيع على التهم الموجهة اليه الا بحضور المحامي ويستجيب له القاضي بكل لطف واحترام وتقدير لم يحظى بمثل هذا التقدير ولا عراقي واحد لا في زمن صدام وبعثه النجس ولا في زمن بريمر وأذنابه , لم يحظ أحد بذلك سوى جلاد العراق صدام هذا اليوم , فأي خدمة كبرى قدمتموها على طبق من ذهب للمجرم صدام وأبواقه أمثال شبيلات والبكري والمسفر والقائمة الطويلة .
متى حاكم صدام العراقيين ووجه لهم التهم علنا ؟
متى سمعتم أن عراقيا في عهد البعث الصدامي رفض توقيعا على الاتهام الموجه له الا بحضور المحامي ووافقت المحكمة على ذلك ؟
هل تم استجواب سكان المقابر الجماعية ؟
أم هل اعطى صدام قلما وقرطاسا للشهيد الصدر ليدون ويناقش المحقق ؟
متى ومتى ومتى ؟ وألف متى وألف علامة استفهام على هذه المحاكمة وهذا التوقيت ومظهر صدام وحريته وكاد أن يحاكم القاضي !
كان يجب أن تُنتزع اعترافات صدام بأي طريقة وتسجيلها يالصوت والصورة ليكشف المعلن والمستور من جرائمه لتبقى ارشيفا عراقيا في متحف الاجرام البعثي يذهب لمشاهدته طلاب المدارس في العراق بعد عشرات السنين .
هل تتوقعون من صدام أن يعترف بالتهم الموجهة اليه ويبصم على جرائمه بهذه الصورة التي رأيناها اليوم وهو مدلل وأمام وسائل الاعلام العالمية ؟
ألا يوجد قاض تحقيق في العراق غير المدعو رائد جوحي الذي ارتبط اسمه بقضية اغتيال مجيد الخوئي ونصبوه قاضي تحقيقها واتخذه بريمر ذريعة لاصدار مذكرة اعتقال مقتدى الصدر وحصل ما حصل ؟
ثم كيف يصرح وزير العدل بعد المحاكمة ان الادلة اذا لم تثبت على صدام سيُطلق سراحه فورا ! يا سلام على العدل والعدالة ووزارتها في العراق الجديد , هل تحتاج جرائم صدام الى اثبات يا وزير العدل ؟
إن ما جرى في محكمة اليوم ماهي الا وسيلة اعلامية أرادوا لها أن تخدم بوش وعلاوي وقد خدمت صدام أكثر مما توقعتم وأهانت الشعب العراقي الذي لاقى الويلات من صدام ولا زال ولم يزل . نريد أن نرى صداماً مكبل المعصمين أقرع الرأس مهطعه ذليل , نريد له منظرا يسر العراقيين ويغيض العربان والعجمان .
نسخة منه الى أرض السواد
http://www.iraqsawad.net/a522.htm
نسخة منه الى كتابات
http://kitabat.com/r22039.htm