ازمة النجف
دبلوماسية القوة وقوة الدبلوماسية



صراع بين دبلوماسيتين في ازمة النجف التي ما زالت مشتعلة منذ اكثر من عشرين يوماً، اذ كلما ارتفع صوت احداها يخفت صوت الاخرى تلقائياً، الا ان في بعض الاحيان تسيران معاً من اجل حسم الموقف وحقن الدماء.
واقرب انموذج للحالة الاخيرة، هي مبادرة المصالحة التي اطلقها المؤتمر الوطني العراقي، وحظيت بتأييد سياسي من جميع الاطراف الفاعلة في المشهد السياسي العراقي، واطلقت التصريحات من العراقيين وابديا الاستعداد الكامل للحوار بمباركة الحكومة المؤقتة. وتحمل الوفد الذي نقل بمروحية اميركية الى النجف، مخاطر هذه المهمة في وقت كان القصف شديداً على البلدة القديمة المحيطة بضريح الامام علي”كرم الله وجهه “، ولم يتسن للوفد اللقاء بالسيد مقتدى الصدر وذلك لصعوبة ومخاطر الوصول الى ضريح الامام تحت القصف.
واستغرب المراقبون، من الجو العام الذي اطلقت فيه المبادرة، و جرى تنفيذها بالسرعة التي نفذت بها، وما تلاها من تصريحات واشتراطات على الطرف الاخر، اذ ان الجو العام”القتالي “ لم يسمح لهذه المبادرة ان تولد على الارض، وانما احبطتها او اجلتها”دبلوماسية القوة “ التي تعالى فيها اصوات الرصاص والقذائف براً وجواً، مما لا يتيح للاطراف المتنازعة الجلوس على طاولة المفاوضات والتحدث في التفاصيل الكبيرة والصغيرة للوصول الى حل يرضي طرفي النزاع.
ويبدو ان السيد حسين الصدر، قد ادرك لاحقا اهمية انتقاد المفردات في التعامل مع هذه الازمة و حساسية وقع كل مفردة على الطرف الاخر “السيد مقتدى الصدر “ حين استدرك مؤخرا “في حديث للصباح في العدد المرقم” حين قال انها ليست شروطاً وانما طلبات، ويقصد من وراء ذلك، النقاط الثلاث التي اعلنتها الحكومة مع اطلاق المبادرة وهي ان يعلن السيد مقتدى الصدر بنفسه عبر الفضائيات حل جيش المهدي، وتحويله الى منظمة سياسية وان يخلي الصحن الحيدري، ويغادر المدينة”.
وكما يرى المراقبون ان الفرق كبير بين شروط وطلبات وهذا ما ادركه السيد حسين الصدر بدبلوماسية هادئة لحل الازمة والتخفيف من حدة لغة دبلوماسية القوة، وتنازل عن مطلب الظهور في الفضائيات والاعلان عن حل جيش المهدي بان يبعث رسالة الى المؤتمر الوطني العراقي تتضمن ذلك وهذا ايضا اجراء في حد ذاته يعبر عن كياسة عالية في التعامل الدبلوماسي مع الازمة بعيدا عن دبلوماسية القصف والقوة. ويؤكد المراقبون ان هذا لا يعني ان الطرف الاخر في الازمة كان بعيدا عن الدبلوماسية وانما ايضا بادر الى اطلاق تصريحات واتخذ خطوات لاظهار التعامل الدبلوماسي واستجابته للمبادرات وفق تصوراته وشروطه التي يراها مناسبة لحل الازمة.
واخر تلك المبادرات هي اخلاء الصحن الحيدري من مقاتلي جيش المهدي والمعتصمين فيه، وتسليم المفاتيح الى المرجعية الدينية والتي علقت الى اشعار اخر وذلك لاتمام اجراء وتشكيل لجنةلجرد الموجودات ووضع المفاتيح في ظرف مختوم كما طلبت ذلك المرجعية وهو اجراء سليم حتى لا تطال التهم او ما شابه بعد هذه العمليات الاجرائية اذا ما تمت احد الاطراف المسلمة او المستلمة.
ويشير المراقبون في اجواء كل ما يجري من مبادرات ومفاوضات فان الغموض مازال سائداً ولم تفض الى نتائج ايجابية تبعث الامن في حل سريع للازمة اذ مازالت القوات الاميركية تمارس عملياتها على الارض وفي السماء والاهالي غادروا المدينة حفاظا على ارواحهم.
في انتظار ما ستعرج عنه المفاوضات العلنية او التي تجري بوساطات من اطراف اخرى وهي وساطات قد لا تقل شأناً عن المعلن ويبدو ان التصريح الاخير لنائب رئيس الجمهورية ابراهيم الجعفري في امكانية الحل السلمي للنجف هو احتمال قائم رغم العمليات العسكرية التي تشهدها المدينة القديمة وضريح الامام علي “ع”.
ويرى المراقبون ان في هذا الفضاء الساخن كله فان الحكومةالمؤقتة مازالت متمسكة بالحكمة والصبر مغلبة قوة الفعل الدبلوماسي على الارض في حل هذه الازمة على دبلوماسية القوة التي يصر عليها بعض اطراف الحكومة المؤقتة، وهذا الاصرار من لدن الحكومة هو لتجنيب الشعب العراقي المزيد من اراقة الدماء اذ كفى نزيفا وان الاوان لينعم العراق بالحرية والاستقرار بعيدا عن العنف وصوت الرصاص.
وبعيدا عن توقعات المراقبين وتمنياتهم فان جميع ابناء العراق يفضلون انتصار قوة الدبلوماسية على دبلوماسية القوة اذ انهم يرون في خيار السلام كل هذه الازمة هو الخيار الامثل والافضل لجميع العراقيين من اجل ان يعيشوا حياة هانئة رغيدة، وليساهموا في بناء وطنهم الغالي بعيدا عن لغة الرصاص والقتل والعنف والتخريب والاغتيالات.
بغداد ـ الصباح


[line]تعليق [line]
وأنا واحدٌ منهم