خطار مدينة الصدر
لا يوجد في مدينة الصدر ضريح ومقبرة عريقة ومواقع لها قيمة تاريخية تشد اهتمام العالم المتحضر.. هنا يعيش الكثير من الناس، حوالي 2 مليون نسمة، غالبيتهم من الشيعة، في بيوت صغيرة متواضعة متلاصقة .. الشوارع قذرة.. قطع كلينكس وورق جرائد على الارض..المجاري تطفح في بعض المناطق والروائح تزكم الانوف..والماء الذي يسري في الانابيب ليس افضل بكثير.. الناس يشتكون من طغيان صدام، وكذلك من تجاهل النظام الحالي لاحتياجاتهم التي كان النظام السابق افضل في تحقيق بعضها.....
قطع اقمشة سوداء تتدلى من النوافذ اول ما شاهدته في مدينة الصدر.. وعلى كل قطعة اسماء من قتلوا في حرب النجف الاخيرة.. قرأت على قطعة قماش رثاء لشاب استشهد وهو "يدافع عن وطنه". بعض الاقمشة تحوي صور الشهيد.. شاهدت بعض الاقمشة وعليها 3 اسماء.. وبجوارها صورة للعلم العراقي.. وكلمات عن القوات الامريكية الغازية.. غالبية الشهداء شبان صغار، فقراء، بلا وظائف، انظموا الى جيش المهدي، ربما في محاولة للتحكم في مسار حياة تجرفهم لا يعرفون الى اين.. ولكن هناك افراداً ذهبوا بين الضحايا لم يكن لهم في الصراع ناقة ولا حتى قطة .. مثل فتى في الرابعة عشر قُتل حين انفجرت قنبلة كان المفترض ان تتفجر في دورية للغزاة..
مجازر النجف اثرت في هذه المدينة.. المسماة باسم شهيد 1999. فقد خشت الدولة انتقامهم لما حدث في النجف.. ففرضت حضر التجول من الرابعة مساء حتى الثامنة صباحاً. ومع ذلك، فقوات الصدر تستمر في نشاطاتها الليلية ضد القوات الامريكية.. شاهدتهم يشعلون النار في اطار عجلة، ويتركوه على قارعة الطريق حتى ذاب الاسفلت.. ثم وضعوا اللغم في الاسفلت.. وبعد بضع ساعات عاد الطريق كما كان.. وحين ستمر الدورية الامريكية، سيفجر احدهم اللغم من بعيد.. وان كان تلغيم الطريق سهلاً، فكيف سيمكن تطهير الارض فيما بعد من جميع هذه الالغام؟
مثل باقي مدن العراق، تعاني مدينة الصدر من افتقاد الامان.. فاطلاق النار قد يحدث في اي مكان وفي اي وقت..والناس تحاول الفرار باطفالها من من حي لآخر..ولكن من يضمن ان المكان الجديد لن يتكرر فيه ما حدث في القديم؟ البعض يتمنى ان تتدخل الدولة.. لتفكيك الالغام..وفرض الامن. البعض من شدة المعاناة يقول ان ايام صدام الشرير كانت اقل سوءاً من المعاناة الحالية.. على الاقل حينذاك لم يكن هدف الجميع الوصول للمال.. وكانت الدولة قادرة على تقديم الماء الصالح للشرب للناس..
البعض يكره الدولة والامريكان وجيش المهدي .. وكل شيء.. اما ابو ثائر الكنعاني، ممثل جيش المهدي هنا، فيقول: كونا جيش المهدي بعد ان اشتدت حدة الجرائم من قتل وخطف ونهب.. وازدادت بشكل غير طبيعي استفزازات الجنود الامريكان لنا، بل وحدثت اعمال ارهابية وتم تفجير سيارات مفخخة.. لذلك اضطررنا لتكوين هذا الجيش الشعبي لنجعل الحياة اقل سوءاً للناس في هذه المناطق"..
نظراً لسوء الاوضاع المعيشية هنا، وكثرة الالغام، وحضر التجول، ونقاط التفتيش المحيطة بكل طريق للدخول والخروج ، ووحشية الهجوم الامريكي المتوقع على مدينة الصدر، صار الناس يسمونها مدينة الموت...

المحجوب..