نشرت مؤخراً مكتبة الإمام الخوئي (ره) رسالة خطيّة كان قد أرسلها الشهيد السيد محمد باقر الصدر (ره) إلى السيد الخوئي (ره)، جواباً عن ملاحظات سجّلها السيد الخوئي على كتاب غاية الفكر في مباحث الاشتغال من علم الأصول، والذي أهدى السيد الصدر نسخة منه إلى أستاذه السيد الخوئي بعد طباعته.
ويمكن بالتمعّن في هذه الرسالة العثور على أشياء عديدة، ولكنّي أركّز على مطلبين فيها:
الأول: الأدب الرفيع، والسّامي، والعاطفة الجيّاشة في مخاطبة الأستاذ، وإبداء كبير الاحترام له، والتقدير لمنزلته ومقامه وفضله على تلميذه. وهذا المطلب واضح في الرسالة كوضوح الشمس، وبيّن كبيان الأمس، والبيان منا يحجب شمس بيان السيد الصدر.
الثاني: أشار السيد الصدر في خاتمة الرسالة إلى مطلب مهم، يفيد طلبة العلوم الدينية والمحققين فيها، فقد أشار إلى كلام للسيد الخوئي وأجاب عنه، وهو تعليل عدم ذكر السيد الصدر لرأي السيد الخوئي في الكتاب في مسألة معيّنة، والأحسن إثبات نصّ كلامه حيث قال رفع مقامه: «وأما ما ذكرتم من العتاب فإن كنتم تعنون بعدم توضيح ما اخترتم عدم ذكر مسلككم في العلم الإجمالي من كون المقدار المنكشف هو المردّد، فإني قد ذكرته في ص (١٧)، إلّا أنكم لما لم تكونوا قد ذكرتموه على منبر بحثكم الشريف وإنما كان نتيجة لمباحثة خاصة جرت بينكم وبين تلميذكم الصغير كاتب هذه السطور، ولذا ذكرته مختصراً ولم أنسبه إليكم. ولو كنتم قد قرّرتموه في مجلس البحث لذكرته مفصّلاً منسوباً إليكم، كما ذكرت في ص (٤٠) جوابكم عن شبهة التخيير.. لأنكم ذكرتم ذلك في البحث مراراً».
وهذه النقطة مهمة جداً في الموارد التي نقل فيها السيد الصدر آراء للسيد الخوئي، ولكن لا يعثر عليها بالرجوع إلى تقريرات بحث السيد الخوئي المطبوعة والمتداولة. ولا بأس في الإشارة إلى مثال: ففي بحث العلم الإجمالي وحين يقع البحث عن جريان الأصول العملية في بعض أطراف العلم الإجمالي، وفي المقام الإثباتي منه يتم عرض إشكال، وفي هذا الإشكال يعرض السيد الصدر مجموعة أجوبة ويناقشها، وينسب اثنين منها إلى السيد الخوئي، وهنا ربما يقال، بل قيل، إن هذه الأجوبة غير موجودة لا في كتاب دراسات في علم الأصول ولا في كتاب مصباح الأصول، ولا في غيرهما، وهكذا الحال في موارد أخرى!
أقول: إن ما ذكره السيد الصدر في ذيل رسالته للسيد الخوئي يفيد في أمرين :
١- أن السيد الصدر قد أخذ تلك الآراء والأفكار من السيد الخوئي مشافهة وفي مجلس المباحثة الخاصة، ولم يطرحها السيد الخوئي على منبر درسه العام حتى يقال إنا لا نعثر عليها في تقريرات بحثه. وبالتالي فيكون نقل السيد الصدر بنفسه مصدراً.
٢- أنه في الموارد التي ينقل فيها السيد الصدر رأياً للسيد الخوئي ويكون مغايراً لما هو في تقريرات بحث السيد الخوئي المطبوعة والمتداولة، فهنا يُصار إلى المعارضة، ولا معنى لتقديم ما هو مكتوب في التقرير على نقل السيد الصدر مشافهة، لأن نقل السيد الصدر مشافهة عن السيد الخوئي والتقرير في مستوى واحدٍ ومصافّ فارد، إذ ينقل السيد الصدر عن المباحثة الخاصة مع السيد الخوئي، وهذا النقل ومِن مِثل السيد الصدر له اعتباره الذي لا يمكن تجاوزه بسهولة وتقديم المكتوب عليه، بل لا بد من المصير في تلك الموارد إلى المعارضة وعدم الجزم بالرأي الواقعي للسيد الخوئي (ره)، إذا لم تكن ثمّة مرجّحات وقرائن على واحد منهما.
وعلى كلّ حال، فمنهما يؤخذ، وبهما يُقتدى، قدّس الله نفسيهما بما أعطيا وقدّما علماً وأدباً وفكراً وتقى، وتفانياً في سبيل الدين وشريعة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله).
١٠ رمضان ١٤٤٦
#مازن_المطوري
![]()