النتائج 1 إلى 7 من 7
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    19 المستقبــــل الشيعــــي بعد ⚑لⲱـيⲱتانےۧ و الخا☫ـنائـےۧ | د. علي المؤمن





    للحصول على دراسة "المستقبل الشيعي بعد السيستاني والخامنئي" كاملة، في (45) صفحة، بصيغة (PDF)، مراجعة قناتي على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

    محتويات الدراسة

    المستقبل الشيعي: استشرافه وصناعته 5

    المفهوم الواقعي للمرجعية الدينية الشيعية 9


    وحدة القرار الشيعي واحتمال ظهور مرجعية مطلقة 11

    1 ـ السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني 12
    2 ـ السيد حسين الطباطبائي البروجردي 12
    3 ـ السيد محسن الطباطبائي الحكيم 12
    4 ـ السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي 13

    التصنيف العرفي لمراجع الدين الشيعة 14

    1- المرجعية العليا 15
    2- مراجع الصف الأول 16
    3- مراجع الصف الثاني 16

    الرأي العام الحوزوي الذي يصنع المشهد المرجعي 17

    المرجعية النجفية بعد آية الله السيستاني 20

    1 ـ شحة الخيارات 22
    2 ـ بروز الخطوط الخاصة داخل الحوزة 23
    3 ـ تزامن المراحل الصعبة النجفية والقمية والطهرانية 23

    الفقهاء المرشحون للمرجعية النجفية 24


    1- الشيخ محمد باقر الإيرواني 24
    2- الشيخ محمد هادي آل راضي 25
    3- الشيخ حسن الجواهري 25
    4- السيد علي الموسوي السبزواري 26
    5- الشيخ محمد السند 26
    6- السيد محمد رضا الحسيني السيستاني 27
    7- السيد علي أكبر الحسيني الحائري 27

    المرجعية وولاية الفقيه بعد آية الله الخامنئي 28

    الفقهاء المرشحون للمرجعية القمية 31
    1- السيد علي الحسيني المحقق الداماد 31
    2- الشيخ علي كريمي الجهرمي 32
    3- السيد محمد جواد العلوي البروجردي 32
    4- السيد علي أصغر الحسيني الميلاني 33
    5- السيد أحمد الموسوي المددي 33
    6- الشيخ صادق الآملي اللاريجاني 33
    7- الشيخ مهدي شب زنده دار الجهرمي 34

    الولي الفقيه بعد آية الله الخامنئي 34

    1- السيد هاشم الحسيني البوشهري 38
    2- السيد محمد مهدي مير الباقري 38
    3- الشيخ علي رضا الأعرافي 38
    4- الشيخ صادق اللاريجاني 39
    5- الشيخ محسن الأراكي (العراقي) 39

    النتائج والخاتمة 39

    الإحالات 43
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
    لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته، ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64










  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    المستقبل الشيعي:
    استشرافه وصناعته
    ____________
    د. علي المؤمن


    ينطوي موضوع مستقبل النظام الاجتماعي الديني الشيعي(1) على ثلاثة محاور رئيسة:

    1- دراسة واقع النظام الاجتماعي الديني الشيعي وعناصره ومكوناته العامة والخاصة، ومراجعة أدائه وتقويم مساراته، والعودة الى مبادئ مؤسسي النظام وقياداته، وثوابتهم وسلوكياتهم، والأهداف التي وضعوها لحراكاتهم، وخاصة المنظومات والكيانات والتنظيمات والمؤسسات التي يتمظهر فيها النهوض الشيعي الشامل، دون الاستغراق في الانشغالات الحكومية والسياسية والدفاعية، أو التوقف عند الإنجازات والنجاحات، التي تتسبب في غفلة أو تغافل عن أغلب السلبيات والأخطاء التي تكبر تدريجياً، ثم تتدحرج ككرة الثلج، لتطيح بالكثير من الإنجازات. وستكون مخرجات هذه الإجراءات وأشكالها ومضامينها، بمثابة معطيات الحاضر التي تنطلق منها عملية استشراف مستقبل النظام الاجتماعي الديني الشيعي وصناعته.

    2- استشراف مستقبل النظام الاجتماعي الديني الشيعي وتشوّف آفاقه، والوقوف على سيناريوهات هذا المستقبل كما ترسمها معطيات الحاضر، في إطار المنهجيات العملية التي وضعتها الدراسات المستقبلية (Future Studies) الحديثة أو ما يعرف بالمستقبلية (Futurism) وعلم المستقبليات (Futurology). ثم التخطيط لمستقبل النظام واستمرار صعوده ونهوضه، على مديات مختلفة، قصيرة ومتوسطة وبعيدة، وطرح البدائل المناسبة، وفق رؤية استراتيجية، تهدف الى صناعة هذا المستقبل(2)، وليس مجرد عملية استشراف وانسياق مع الأحداث الداخلية التي ستكتنفه، والخارجية التي ستحيط به.

    3- استشراف مستقبل الدوائر المتداخلة مع النظام الاجتماعي الشيعي؛ لأن الشيعة ليسوا كانتونات مستقلة عن بلدانهم ومجتمعاتهم العامة وأمتهم المسلمة، ولا يمكنهم تجاوز القوانين المحلية والدولية وتشكيل جزيرة أو جزر منعزلة عن العالم؛ بل هم جزء من بلدانهم، ومكون وطني أساس، ويتفاعلون تلقائياً مع نظمها السياسية والقانونية والاجتماعية، ويتحملون مسؤولية الشراكة الوطنية مع المكونات الأخرى، المسلمة وغير المسلمة، وكذلك هم مكون ديني إسلامي، وجزء من أمتهم الإسلامية، ويتحملون مسؤولية الشراكة الدينية مع المجتمعات السنية في البلد الواحد، والشراكة الدينية مع كل مسلمي العالم؛ لأن الغاية من صناعة المستقبل الشيعي هي أن يكون الشيعة شريكاً أساساً فاعلاً إيجابياً(3)، في بناء دولهم المستقلة المتطورة والضامنة لحقوق وحريات الجميع، وفي قرارها السياسي والديني، وفي صياغة قوانينها ومساراتها الداخلية والخارجية، وكذلك مساهمين أساسيين في إعادة بناء الأمة الإسلامية وقرارها ومساراتها ومصيرها.

    وبالتالي؛ فإن هناك خمس دوائر متداخلة في عملية الاستشراف والتخطيط والصناعة، ولن ينجح أي منها في تحقيق هدف صناعة مستقبل شيعي وطني أو مستقبل شيعي عام أو مستقبل وطني لكل بلد أو مستقبل إسلامي عام، بمعزل عن الدوائر الأُخر:

    أ‌- دائرة المجتمع الشيعي في البلد الواحد، وهي الدائرة الشيعية الوطنية.

    ب‌- دائرة النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وهي دائرة عامة تشمل جميع الشيعة في كل أنحاء العالم، كما تشمل جميع عناصر هذا النظام ومكوناته، وهي الدائرة العالمية الشيعية.ت‌- دائرة البلدان التي يسكن فيها الشيعة، وهي الدائرة الوطنية.

    ث‌- دائرة المجتمع الإسلامي في كل بلد يعيش فيه الشيعة، وهي الدائرة الاجتماعية الإسلامية الوطنية.

    ج‌- دائرة الأمة الإسلامية التي تشمل جميع البلدان المسلمة إضافة إلى المسلمين في البلدان الأخرى، وهي الدائرة الإسلامية العالمية العامة.

    وعلى مستوى الدائرة الشيعية العامة، موضوع بحثنا؛ فقد ظلت مظاهر صعود النظام الاجتماعي الديني الشيعي ونهوضه الشامل ونهوض مكوناته وتحديث سياقاته؛ تسير بوتيرة واحدة غالباً منذ العام 1979، وتحوّلت من مرحلة التدافع والصراع على بقاء المشروع الجديد في وجه التحديات الوجودية الكبيرة في العقدين التاسع والعاشر من القرن الماضي، إلى مرحلة الاندفاع والصعود المصطرد منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، رغم أن بعض محاور الصعود لا تزال متلكأة، كما هو الحال في آذربيجان والبحرين وشرق السعودية وباكستان، بسبب شدة القمع والحركات المضادة. وهذا النهوض يشتمل على محاور جغرافية وموضوعية ومؤسساتية، كما يحدث في إيران والعراق ولبنان واليمن وسوريا، إضافة إلى أفغانستان والهند وسورية وكثير من الدول الخليجية والعربية، وكذلك في أوروبـا وأمريكا في البعد الجغرافي، والمؤسسية، ويقصد به المؤسسات الحوزة العلمية والمرجعية والأحزاب السياسية وحركات المقاومة، والموضوعية ويشمل مجالات الحكم والسياسة والدفاع والتشريع والمعيشة والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والتجديد الفكري والفقهي.

    وبما أن عملية الإصلاح والتجديد والمأسسة والتطوير والتخطيط والتنمية الاستراتيجية هي عملية تخصصية، لأنها تستهدف موضوعات ومجالات ومؤسسات تخصصية؛ فإنّ هذا العملية ينبغي أن تتم على إيدي المتخصصين من داخل المؤسسات أنفسها.

    فلو أخذنا ـ مثلاً ـ منظومة المرجعية الدينية ومؤسستها العلمية الدينية؛ فإن من الطبيعي أن تكون عملية تجديد بناها وإعادة مأسستها والتخطيط لمستقبلها، من داخل المؤسسة وليس من خارجها، أي أنها ليست مهمة المثقف أو الأكاديمي الشيعي، الذي يعطي لبعضهم الحق في التنظير لثوابت المرجعية الدينية والتخطيط لإصلاحها. نعم؛ من الطبيعي أن تستمع الى أصحاب الاختصاصات في النظم والقانون الدستوري والقانون الدولي وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا والإدارة والاقتصاد والمال، وتستشيرهم في عملية التجديد والتخطيط، لأنّ المؤسسة الدينية الشيعية ليست مؤسسة فتوي، إنّما هي زعامة النظام الاجتماعي الديني الشيعي الذي يرعى شؤون الشيعة في ما يقرب من (120) دولة من دول العالم. ولهؤلاء الشيعة مجتمعات كبيرة، ومؤسسات ومساجد وحقوق شرعية ومشاكل مع السلطات، وعلاقات داخلية وخارجية، إشكاليات سياسية وثقافية وقانونية، ويقع الإشراف على حلها على عاتق المرجعية الدينية الشيعة. ومن البديهي أن تكون عملية التطوير وإعادة المأسسة والتخطيط منسجمة مع متطلبات الزمان والمكان وحاجات العصر، وكذلك مع طبيعة صلاحيات المرجعية وطبيعة مسؤوليات النظام الاجتماعي الديني الشيعي؛ فلو كانت صلاحيات وواجبات المرجع الأعلى الذي يقف على رأس النظام الاجتماعي الديني الشيعي؛ تتلّخص في الفتوى فقط؛ فلن تكون هناك حاجة إلى عملية إصلاح معقّدة، أي أن التجديد سينحصر في إطار الفكر الفقهي والفكر الأصولي وعلوم القرآن والحديث، باعتبار أن القضية قضية اجتهاد وفتوى وحكم شرعي لا اكثر، ولكن المرجع الديني ليس مفتياً وحسب، ولا تنحصر مهمته بالإفتاء، وإنّما بزعامة المجتمع الشيعي برُمّته. وقد أشرت في كتاب «الاجتماع الديني الشيعي»(4) إلى موضوع إيجاد مؤسسة من المجتهدين، يمثلون أهل الخبرة، ويكونون بمثابة مؤسسة استشارية لاختيار مراجع التقليد، كما تختار المرجع الأعلى المتصدي من بين المراجع المطروحين، وتعرِّفهم لجمهور الشيعة، كما تتحمل مسؤولية الاستشارة في كل الشؤون التي لها علاقة بالنظام الاجتماعي الديني الشيعي. ويكون هناك مجلس آخر من كل الاختصاصات العلمية والشرائح الاجتماعية، كالخبراء في السياسة والعلاقات الدولية والإدارة الاقتصاد وعلم الاجتماع والقانون والأنتروبولوجيا، لتقديم المشورة الى المرجعية الدينية ومكتبها مؤسساتها بشأن الموضوعات والقضايا والمصالح المتعلقة بالنظام الاجتماعي الديني الشيعي، لأن قضايا بحجم رعاية (400) مليون إنسان، بحاجة إلى عقول تنظيمية وإدارية، تعمل بحذر ودقة بإشراف المرجع وتوجيهه، لكي لا تصطدم بأصل تشريعي أو تكييف فقهي أو مصلحة عامة، لأنّ التخطيط وإعادة البناء ليست عملية اعتباطية أو مزاجية، أو فكرة ناجزة أو مقترح جاهز. وهذا اللون المنهجي والعلمي من الاستعانة بالمستشارين والخبراء، سيريح المرجع الأعلى، وسيزيل عن كاهله وكاهل مكتبه وفريقه المقرّب حملاً ثقيلاً، وسيجعل عملية اتخاذ القرارات وتنفيذها سهلة من قبل المرجع، وأكثر مقاربة للمصلحة.


    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    الإحالات(1) حول النظام الاجتماعي الديني الشيعي وتعريفه وعناصره وهيكله، أنظر: د. علي المؤمن، «الاجتماع الديني الشيعي»، ط 1، ص 15-30.(2) حول الدراسات المستقبلية ومناهج الاستشراف المستقبلي الحديثة، أنظر: علي المؤمن، «الفکر الإسلامي المسقبلي: مقاربات فغŒ المنهجغŒة».(3) الحضور السلبي أو الإيجابي للشيعة في بلدانهم، له علاقة بسلوك أنظمة هذه البلدان تجاه الشيعة، وقوانين الدولة وأعرافها السياسية وأداء مؤسستها الدينية؛ فإذا كانت الدولة طائفية والنظام إقصائياً، والقوانين والأعراف تمييزية، والمؤسسة الدينية متطرفة؛ فإن حضور الشيعة في البلد سيكون سلبياً بشكل تلقائي، سواء من ناحية تفكيرهم أو سلوكهم أو تطلعاتهم، وإذا كانت نظرة الدولة متساوية لكل مواطنيها والنظام عادلاً في سلوكه تجاه الشيعة، ويمنحهم الحقوق والحريات السياسية والمذهبية والاجتماعية نفسها التي يعطيها للسنة؛ فإن حضور الشيعة سيكون إيجابياً بشكل تلقائي أيضاً. (4) «الاجتماع الديني الشيعي»، ط 1، ص 166-170.





  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    وحدة القرار الشيعي
    واحتمال ظهور مرجعية مطلقة
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    د. علي المؤمن


    لا شك أن الحديث عن مستقبل المرجعية الدينية الشيعية العليا، من الأمور التي ظلت تشغل الساحة الشيعية بعد العام 2010، وخاصة بعد تعرض المرجعين الأعليين السيد علي السيستاني والسيد علي الخامنئي إلى أكثر من وعكة صحية. ويتركز الحديث غالباً عن المرجع أو المراجع الذين سيأخذون مكانيهما، أو بالأحرى المرجع الشيعي المطلق الذي سيقود النظام الاجتماعي الديني الشيعي ويتزعم الحوزة العلمية، وهو احتمال يبقى ضعيفاً، بناء على معطيات الحاضر، لأن مرحلة ما بعد السيستاني والخامنئي لا تُنبئ بظهور مرجع واحد مطلق، يسد فراغهما، فضلاً عن أن يكون شبيهاً ببعض المراجع المعاصرين الراحلين الذي تفردوا بزعامة الطائفة الشيعية زعامةً مطلقةً، وبتقليد أغلبية الشيعة دون وجود منافس أو شريك له في مساحات التقليد والزعامة الدينية، سواء في البلد الذي يقيم فيه أو في البلدان الأُخرى، وتحديداً المراجع الأربعة: السيد أبي الحسن الإصفهاني والسيد حسين البروجردي، والسيد محسن الحكيم، والسيد أبو القاسم الخوئي، الذين لم تتوافر فرصة المرجعية المطلقة خلال القرن العشـرين الميلادي إلّا لهم، من بين عشرات مراجع الدين والفقهاء البارزين. وما يلي نبذة عن هؤلاء الأربعة؛ بهدف تكوين صورة واضحة عن مفهوم المرجعية المطلقة:

    1 ـ السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني: تزعم الشيعة من مقره في النجف الأشرف بعد وفاة المرجع الأعلى الشيخ فتح الله الإصفهاني (شيخ الشـريعة) في العام 1935، والشيخ الميرزا محمد حسين النائيني في النجف الأشرف في العام 1936، ثم الشيخ عبد الكريم الحائري في قم في العام نفسه. وقد استمر الإصفهاني زعيماً مطلقاً للشيعة مدة عشـر سنين، أي حتى وفاته في العام 1946.

    2 ـ السيد حسين الطباطبائي البروجردي: تزعم الشيعة وهو في قم، بعد وفاة السيد أبو الحسن الإصفهاني في النجف الأشرف في العام 1946، وبقي زعيماً مطلقاً للطائفة مدة أحد عشر عاماً، أي حتى تبلور زعامة السيد محسن الحكيم في النجف في العام 1958. وبقي المرجعان (البروجردي والحكيم) شريكان في زعامة الشيعة وموقع المرجعية العليا لمدة ثلاث سنوات تقريباً، أي حتى وفاة السيد البروجردي في العام 1961؛ إذ ثنيت الوسادة بعد ذلك إلى السيد محسن الحكيم.

    3 ـ السيد محسن الطباطبائي الحكيم: تفرد بزعامة الشيعة والمرجعية العليا في النجف الأشرف بعد وفاة السيد حسين البروجردي في قم في العام 1961، بعد أن كان السيد الحكيم يشارك السيد البروجردي الزعامة الدينية. وبقي السيد الحكيم زعيماً مطلقاً للطائفة لمدة تسع سنوات، أي حتى وفاته في العام 1970.

    4 ـ السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي: تقاسم زعامة الطائفة الشيعية مع السيد محمود الحسيني الشاهرودي بعد وفاة السيد محسن الحكيم في العام 1970، ثم تفرد بها بعد وفاة السيد الشاهرودي في العام 1974.
    واستمرت زعامته المطلقة في النجف الأشرف أقل من خمس سنوات، أي حتى تبلور المرجعية الكبيرة للسيد روح الله الخميني بعد العام 1979 في قم، بل في أنحاء إيران؛ الأمر الذي أدى إلى تناصف السيد الخوئي والإمام الخميني المرجعية الدينية العليا للشيعة لمدة عشر سنوات. وبعد وفاة الإمام الخميني في العام 1989، برزت المرجعية الكبيرة للسيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني في قم لتتناصف المرجعية العليا مع السيد الخوئي، واستمر الوضع هذا حتى وفاة السيد الخوئي في العام 1992. أي أن مجموع الفترة التي كان فيها للشيعة مرجع مطلق خلال القرن الميلادي العشـرين تبلغ (35) عاماً فقط، وهي الفترة التي تزعّم فيها هؤلاء الأربعة الواحد تلو الآخر الطائفة الشيعية. بينما كان هناك مرجعان أو ثلاثة يشتركون في الوقت نفسه في مساحات التقليد والزعامة، خلال فترة الأعوام الـ (65) الأُخر. وقد كانت مرجعية السيد الخوئي آخر مرجعية شيعية عالمية مطلقة، أي حتى العام 1979؛ إذ لم يتفرد بعد هذا التاريخ أي مرجع ديني بالزعامة الدينية للشيعة في العالم؛ إذ برز بعد وفاة الإمام الخميني في العام 1989 ثم السيد الخوئي في العام 1992، عدد من المرجعيات الكبرى في قم والنجف، وتحديداً السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني في قم والسيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري في النجف الأشرف، ثم بعد وفاتهما برزت مرجعيتا السيد علي الحسيني السيستاني في النجف الأشرف والسيد علي الحسيني الخامنئي في طهران، واللتان تتقاسمان (حتى الآن) الزعامة الدينية للشيعة في العالم. وسبق أن حصل هذا التناصف أو التقاسم في المرجعية العليا خلال مراحل أُخر من القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين؛ فبعد وفاة المرجع المطلق السيد الميرزا محمد حسن الشيرازي في سامراء العام 1889؛ توزعت المرجعية العليا بين أكثر من مرجع، ثم تبلورت في بداية القرن العشرين بين مرجعيتين عالميتين متشاركتين في النجف الأشرف، هما مرجعية الشيخ الآخوند محمد كاظم الخراساني والسيد محمد كاظم اليزدي. وبعد وفاة الشيخ الخراساني في العام 1908 لم يتفرد السيد اليزدي بالمرجعية العليا؛ إذ برز الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي مشاركاً معه. وبعد وفاة المرجعين خلال سنة تقريباً، برز الشيخ فتح الله الإصفهاني مرجعاً أعلى في النجف الأشرف، ولكن كان ينافسه مراجع آخرون. وبقي الحال على ما هو عليه حتى تفرد السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني بزعامة الطائفة في العام 1936؛ فكان أول مرجع ديني يتفرد بزعامة شيعة العالم منذ وفاة السيد الميرزا محمد حسن الشيرازي في العام 1889، والذي كان آخر سيد للطائفة في القرن التاسع عشر الميلادي، أي بعد مدة (47) عاماً، لم تجمع خلالها الشيعة على زعيم واحد. والحديث عن المرجعيات المطلقة ليس حديثاً عن ظاهرة فكرية أو نهضوية، وليس مقارنة بين إنجازات المراجع أو زعاماتهم النهضوية والسياسية وحجم تضحياتهم، ولا عن قومياتهم وجنسياتهم أو عن العلاقة بين حوزتي النجف وقم؛ بل عن حلقة تاريخية معاصرة من حلقات النظام الاجتماعي الديني الشيعي، اكتسحت خلالها المرجعيات الشيعية الأربع المذكورة ساحات التقليد والنفوذ الديني في عموم العالم، ولا سيما الساحات الشيعية الكبرى، والتي تشمل بلداناً ذات كثافة سكانية شيعية كبيرة، كالهند وباكستان وإيران، والتي تضم لوحدها (200) مليون شيعي تقريباً، إضافة إلى العراق وتركيا ولبنان والخليج وروسيا وآذربيجان وباقي دول التواجد الشيعي؛ لتكون هذه الحلقة أُنموذجاً لفهم طبيعة التفرد والتعددية في المرجعية العليا. ولا يعني تفرد السيد أبو الحسن الإصفهاني والسيد حسين البروجردي والسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي بالمرجعية العليا في فترات زمنية محددة من القرن العشرين الميلادي، عدم وجود مراجع دين كبار آخرين معاصرين لهم، يقلدهم عشرات ملايين الشيعة في العالم؛ لكن هذه المرجعيات الرديفة لم تتفرد بالزعامة الدينية للطائفة على مستوى العالم. وهناك من المؤرخين من يرى أنّ بعض هذه المرجعيات الرديفة تفردت في وقتها بزعامة الطائفة، كالشيخ الآخوند محمد كاظم الخراساني، والسيد محمد كاظم اليزدي، والشيخ محمد تقي الشيرازي، والشيخ عبد الكريم الحائري، والسيد عبد الهادي الشيرازي، والسيد محمود الشاهرودي، والإمام الخميني.

    وكما ذكرنا؛ فإنّ عدم التفرد بالزعامة الدينية الشيعية لا علاقة له بأعلمية المرجع وجهاده وتضحيته ودوره النهضوي وكفاءته القيادية ووعيه وحركيته. فالإمام الخميني ـ مثلاً ـ رغم أنّه الزعيم المطلق للنهضة الشيعية الإسلامية المعاصرة، ومؤسس العصر التاريخي السادس من عصور الشيعة الستة؛ لكنه لم يتفرد بالزعامة الدينية المحضة؛ بمعني أنّه لم يتفرد بساحات التقليد في كل العالم؛ بل كان يتناصفها في الأعوام 1979 إلى 1989 مع السيد الخوئي، إلى جانب مراجع كبار آخرين كالسيد الگلپايگاني، الذي كان حينها بمثابة زعيم الحوزة العلمية القمّية. ولعل وحدة القرار المرجعي القوي الذي يؤدي ـ عادة ـ الى وحدة قرار النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وقدرته على مواصلة عملية النهوض، هي في مقدمة القضايا التي يبقى النظام بحاجة إليها في حاضره ومستقبله. فالضرورات العقلائية المرتبطة بالشأن التدبيري والإداري والقيادي، تقود الى أهمية أن يكون للمجتمع الشيعي في الجانب الزمني الدنيوي، أي الشأن العام، زعيماً واحداً أو مديراً مدبراً كفأً واحداً، وهي غير القضايا العلمية والفقهية الكثيرة المختلف عليها وفيها، ويتم تناولها بحرية كاملة وانفتاح، ويكون التقدم والتفوق فيها للرأي الأرجح عادة، وهذا هو سبب حيوية الفقه الشيعي، وفيه يمارس جميع الفقهاء والمراجع أعمالهم العلمية والدينية والاجتماعية الى جانب المرجع الأعلى المتصدي بمطلق الحرية. أما وحدة النظام الاجتماعي الديني الشيعي وعالميته وتماسكه؛ فإنها تتطلب أن يكون هناك فقيه واحد يدير النظام أو فقيهين في مكانين مختلفين حداً أعلى، لا أن يكون لمائة فقيه الصلاحيات نفسها في الشأن العام في زمن واحد ومساحة حركة واحدة.

    وهذه القضية التنظيمية التدبيرية الإنسانية العقلائية لا يحتاج إثباتها الى عناء، فضلاً عن عدم تعارضها مع الأصول الشرعية، وهو ما تعارفت الحوزة العلمية على تسميته بالمرجعية المطلقة، أي المرجعية الواحدة المتفردة في قيادة النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وهو مفهوم عرفي لا يوجد له مصاديق في الواقع الشيعي دائماً، إنما تمر بعض الفترات التي تكون فيها ثنائية مرجعية قيادية، كما هو الحال منذ نهايات العقد العاشر من القرن الماضي وحتى الآن، بوجود المرجعيتين الأكبر اللتين تتشاركان قيادة النظام الاجتماعي الديني الشيعي، والمتمثلتين بمرجعيتي آية الله السيد علي السيستاني و آية الله السيد علي الخامنئي.


    التصنيف العرفي لمراجع الدين الشيعة

    يعتمد تصنيف مصاديق المرجعية الدينية الشيعية، كونها مطلقة أو عليا أو أولى أو ثانية، على المعايير والسياقات المتعارفة داخل الحوزة العلمية، وهي معايير توصيفية واقعية وليست مفهومية أو نظرية، أي أنها تستند إلى ما هو كائن، وليس إلى ما ينبغي أن يكون. وأهمها حجم المرجعية ومساحة نفوذها الدغني وتأثيرها، ونسبة مقلديها، ليس في العراق أو إيران وحسب، وإنما في كل العالم، إضافة إلى ما يستقر عليه الرأي العام الحوزوي الذي تصنعه جماعات أهل الخبرة والضغط. أمّا الأعلمية والعدالة؛ فهما شرطان للمرجعية وليسا معيارين لقياس نفوذها الديني ومساحة مقلديها، وهكذا الأمر بالنسبة للمعايير الترجيحية، كالأصلحية والأكفئية والتصدّي للشأن العام، والبعد النهضوي والإصلاحي والتضحوي في شخصية المرجع. وإحراز هذه الشروط، سواء الأساسية أو الترجيحية، هو نسبي ولا يمكن الإجماع عليه، بسبب عدم وجود مقاييس مؤسَّسية متفق عليها، بالرغم من الأهمية البالغة لهذه الشروط، بل لعل بعضها يمثل شرطاً يساوق مفهوم الزعامة الدينية الاجتماعية، ولكنه يبقى شرطاً غير متفق عليه ولا يدخل ضمن السياقات المتعارفة في الحوزة العلمية ومنظومة المرجعية. وبالتالي؛ فإنّ تصنيف المرجعيات لا علاقة له بالاشتراطات الطموحة ذات المداليل الواسعة جداً، والتي لا مدخلية حقيقية لها في تحديد أحجام المرجعيات وتصنيفها؛ إنما يستند التصنيف إلى معايير واقعية كما ذكرنا. ووفقها يتم تصنيف واحدة من المرجعيات بأنها مطلقة، أي تتفرد في زعامة الطائفة الشيعية في العالم، وبعضها مرجعية عليا، أي تتفرد نسبياً أو تتناصف النفوذ مع مرجعية عليا أُخرى، وأخرى مرجعية من الصف الأول، وهي التي تلي المرجعية العليا من حيث النفوذ وعدد المقلدين، ولا تقتصر على مرجع واحد، بل عدد من المراجع، وهكذا بالنسبة لمراجع الصف الثاني. وهذه التصنيفات لا تمثل رتباً وظيفية ولا مقولات فقهية أو علمية، ولا تصدر عن مؤسسة رسمية، ولكنها ــ في الوقت نفسه ــ ليست وهمية ولا خيالية، إنما هي تصنيفات عرفية تدبيرية تصف واقعاً قائماً على الأرض. وعلى مستوى الواقع؛ يمكن القول إنّ المدرستين الأبرز اللتين تتقاسمان مساحة النفوذ الديني والتقليد منذ حوالي أربعة عقود وحتى الآن، هما: مدرستي المرجعين الكبيرين السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي والسيد روح الله الموسوي الخميني، وهما الزعيمان اللذان اقتسما المرجعية العليا للشيعة بين العامين 1979 و1989، أي حتى وفاة الإمام الخميني، ولا يزالان يقتسمانها في تلاميذهما وتلاميذ تلاميذهما. وتعود جذور مدرسة السيد الخوئي إلى مدرسة الميرزا الشيخ محمد حسين النائيني، والموصولة بمدرسة الشيخ الآخوند محمد كاظم الخراساني في النجف، وهي المدرسة التي أنجبت جميع مرجعيات النجف العليا بعد رحيل زعيم الطائفة السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني، كالسيد محسن الحكيم والسيد محمود الشاهرودي والسيد الخوئي. بينما ينتمي الإمام الخميني إلى مدرسة الشيخ عبد الكريم الحائري، مؤسس الحوزة العلمية المعاصرة في قم، والتي أنجبت مرجعيات قم العليا بعد رحيله، كالسيد محمد رضا الگلپايگاني والسيد محمد كاظم الشريعتمداري والإمام الخميني، وهي المدرسة التي تعود جذورها أيضاً إلى مدرسة الآخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني في النجف الأشرف. وبالنظر لعدم وجود مرجعية شيعية مطلقة منذ العام 1979؛ فإن المرجعيات الحالية (حتى نهاية العام 2024) تصنّف إلى ثلاثة أصناف: 1- المرجعية العليا: المرجعية العليا منذ أواخر تسعينات القرن الميلادي الماضي تتمثل في مرجعين، هما السيد علي الحسيني السيستاني والسيد علي الحسيني الخامنئي، اللذان يتقاسمان الزعامة الدينية للطائفة الشيعية في العالم. والحديث هنا عن الزعامة الدينية ومساحات التقليد وليس القيادة. ويمكن القول إنّ 80% من شيعة العراق وإيران وبلدان الخليج ولبنان وسورية والهند وباكستان وأفغانستان وآذربيجان وروسيا وبلدان شرق آسيا ونيجيريا ومصر وباقي بلدان إفريقية وأُوروبا والأمريكتين، يقلدون السيد السيستاني والسيد الخامنئي. أما الـ 20% الباقين من الشيعة المقلدين؛ فإنّهم يرجعون بالتقليد إلى المراجع الآخرين، سواء مراجع الصف الأول أو الثاني. ولعل أغلب المسلمين والمتشيعين الجدد، ولا سيما في شرق آسيا وإفريقية وأُوروبا، يرجعون بالتقليد أيضاً إلى السيد علي الخامنئي والسيد علي السيستاني، وهما المرجعان الأنشط تبليغياً خارج المساحات التقليدية للشيعة. مع التأكيد على أنّ الأرقام المذكورة المتعلقة بنسب التقليد ليست عشوائية؛ بل هي نتيجة متابعة واستقراء مستمرين للمجتمعات الشيعية منذ ما يقرب من ربع قرن، فضلاً عن الاستعانة بالمؤسسات البحثية والتبليغية ذات العلاقة.


    2- مراجع الصف الأول:

    يبلغ عدد مراجع الصف الأول في النجف وقم، ستة مراجع، هم: الشيخ محمد إسحاق الفياض، وهو أفغانستاني يقيم في النجف، والشيخ بشير حسين النجفي، باكستاني يقيم في النجف، والشيخ حسين الوحيد الخراساني، إيراني يقيم في قم، والثلاثة يمثلون امتداداً لمدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي، والسيد موسى الشبيري الزنجاني، وكلاهما إيرانيان يقيمان في قم ويمثلان امتداداً لمدرسة السيد حسين البروجردي وحوزة قم، والشيخ حسين النوري الهمداني، وهو إيراني يقيم في قم ويمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخميني وحوزة قم. 3- مراجع الصف الثاني: يبلغ عدد مراجع الصف الثاني في النجف وقم، ستة مراجع أيضاً، هم: الشيخ جعفر السبحاني التبريزي والشيخ عبد الله الجوادي الآملي والشيخ محمد علي گرامي القمي، والثلاثة إيرانيون يقيمون في قم ويمثلون امتداداً لمدرسة الإمام الخميني وحوزة قم، والسيد صادق الحسيني الشيرازي، وهو عراقي من أصل إيراني، يقيم في قم ويمثل مدرسة السيد محمد الشيرازي وحوزة كربلاء، والسيد علاء الدين الموسوي الغريفي، وهو عراقي يقيم في النجف ويمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف، والشيخ محمد اليعقوبي، عراقي يقيم في النجف ويمثل امتداداً لمدرسة السيد محمد الصدر وحوزة النجف. وفضلاً عن رجوع الشيعة إلى مراجع الدين الأحياء الأربعة عشـر المذكورين: المرجعين الأعليين ومراجع الصف الأول الستة ومراجع الصف الثاني الستة؛ فإنّ هناك من الشيعة من لا يزال ـ بناءً على فتوغŒ أحد المراجع الأحياء ـ باقياً على تقليد المراجع المتوفين، وخاصة الإمام الخميني والسيد الخوئي والسيد عبد الأعلى السبزواري والسيد محمد الصدر والسيد محمد رضا الگلپاغŒگاني والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد تقي بهجت والسيد محمد باقر الصدر. ولعل الأخير هو أقدم مرجع ديني متوفي لا يزال لديه مقلدون. وفي ما يتعلق بالتصنيف المذكور؛ أود أن أشير ــ مرة أُخرى ــ إلى أن منهجي البحثي هو وصفي تحليلي، ككل دراسات علم الاجتماع الديني؛ فأنا أصف المشهد الشيعي والحوزوي كما هو، وأحلله وأدرسه وفق فهمي الموضوعي للنظام الاجتماعي الديني الشيعي وسياقات الحوزة العلمية، وتوجهات الرأي العام الحوزوي، وخاصة في النجف وقم، أي أن التصنيف المذكور لا يمثل رأيي ورغبتي وصناعتي، بل هو ما يكشف عنه الواقع. وبالتالي؛ فإن عدم ذكري لأسماء علماء دين معروفين، إيرانيين وعراقيين وأفغانستانيين وباكستانيين وبحرانيين، ضمن التصنيف المذكور، هو ليس تجاهلاً مني؛ بل لأنّ سياقات الحوزتين النجفية والقمية وتوجهات الرأي العام الحوزوي، تجعلهم خارج معايير التصنيف. ويعزز ذلك المزاج العام للشارع الشيعي المتدين، والذي يميل ـ غالباً ـ تقليدي إلى الالتزام بالرأي العام الحوزوي التقليدي.



    التصنيف العرفي لمراجع الدين الشيعة

    يعتمد تصنيف مصاديق المرجعية الدينية الشيعية، كونها مطلقة أو عليا أو أولى أو ثانية، على المعايير والسياقات المتعارفة داخل الحوزة العلمية، وهي معايير توصيفية واقعية وليست مفهومية أو نظرية، أي أنها تستند إلى ما هو كائن، وليس إلى ما ينبغي أن يكون. وأهمها حجم المرجعية ومساحة نفوذها الدغني وتأثيرها، ونسبة مقلديها، ليس في العراق أو إيران وحسب، وإنما في كل العالم، إضافة إلى ما يستقر عليه الرأي العام الحوزوي الذي تصنعه جماعات أهل الخبرة والضغط. أمّا الأعلمية والعدالة؛ فهما شرطان للمرجعية وليسا معيارين لقياس نفوذها الديني ومساحة مقلديها، وهكذا الأمر بالنسبة للمعايير الترجيحية، كالأصلحية والأكفئية والتصدّي للشأن العام، والبعد النهضوي والإصلاحي والتضحوي في شخصية المرجع. وإحراز هذه الشروط، سواء الأساسية أو الترجيحية، هو نسبي ولا يمكن الإجماع عليه، بسبب عدم وجود مقاييس مؤسَّسية متفق عليها، بالرغم من الأهمية البالغة لهذه الشروط، بل لعل بعضها يمثل شرطاً يساوق مفهوم الزعامة الدينية الاجتماعية، ولكنه يبقى شرطاً غير متفق عليه ولا يدخل ضمن السياقات المتعارفة في الحوزة العلمية ومنظومة المرجعية. وبالتالي؛ فإنّ تصنيف المرجعيات لا علاقة له بالاشتراطات الطموحة ذات المداليل الواسعة جداً، والتي لا مدخلية حقيقية لها في تحديد أحجام المرجعيات وتصنيفها؛ إنما يستند التصنيف إلى معايير واقعية كما ذكرنا. ووفقها يتم تصنيف واحدة من المرجعيات بأنها مطلقة، أي تتفرد في زعامة الطائفة الشيعية في العالم، وبعضها مرجعية عليا، أي تتفرد نسبياً أو تتناصف النفوذ مع مرجعية عليا أُخرى، وأخرى مرجعية من الصف الأول، وهي التي تلي المرجعية العليا من حيث النفوذ وعدد المقلدين، ولا تقتصر على مرجع واحد، بل عدد من المراجع، وهكذا بالنسبة لمراجع الصف الثاني. وهذه التصنيفات لا تمثل رتباً وظيفية ولا مقولات فقهية أو علمية، ولا تصدر عن مؤسسة رسمية، ولكنها ــ في الوقت نفسه ــ ليست وهمية ولا خيالية، إنما هي تصنيفات عرفية تدبيرية تصف واقعاً قائماً على الأرض. وعلى مستوى الواقع؛ يمكن القول إنّ المدرستين الأبرز اللتين تتقاسمان مساحة النفوذ الديني والتقليد منذ حوالي أربعة عقود وحتى الآن،

    هما: مدرستي المرجعين الكبيرين السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي والسيد روح الله الموسوي الخميني، وهما الزعيمان اللذان اقتسما المرجعية العليا للشيعة بين العامين 1979 و1989، أي حتى وفاة الإمام الخميني، ولا يزالان يقتسمانها في تلاميذهما وتلاميذ تلاميذهما. وتعود جذور مدرسة السيد الخوئي إلى مدرسة الميرزا الشيخ محمد حسين النائيني، والموصولة بمدرسة الشيخ الآخوند محمد كاظم الخراساني في النجف، وهي المدرسة التي أنجبت جميع مرجعيات النجف العليا بعد رحيل زعيم الطائفة السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني، كالسيد محسن الحكيم والسيد محمود الشاهرودي والسيد الخوئي. بينما ينتمي الإمام الخميني إلى مدرسة الشيخ عبد الكريم الحائري، مؤسس الحوزة العلمية المعاصرة في قم، والتي أنجبت مرجعيات قم العليا بعد رحيله، كالسيد محمد رضا الگلپايگاني والسيد محمد كاظم الشريعتمداري والإمام الخميني، وهي المدرسة التي تعود جذورها أيضاً إلى مدرسة الآخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني في النجف الأشرف. وبالنظر لعدم وجود مرجعية شيعية مطلقة منذ العام 1979؛ فإن المرجعيات الحالية (حتى نهاية العام 2024) تصنّف إلى ثلاثة أصناف:

    1- المرجعية العليا:

    المرجعية العليا منذ أواخر تسعينات القرن الميلادي الماضي تتمثل في مرجعين، هما السيد علي الحسيني السيستاني والسيد علي الحسيني الخامنئي، اللذان يتقاسمان الزعامة الدينية للطائفة الشيعية في العالم. والحديث هنا عن الزعامة الدينية ومساحات التقليد وليس القيادة. ويمكن القول إنّ 80% من شيعة العراق وإيران وبلدان الخليج ولبنان وسورية والهند وباكستان وأفغانستان وآذربيجان وروسيا وبلدان شرق آسيا ونيجيريا ومصر وباقي بلدان إفريقية وأُوروبا والأمريكتين، يقلدون السيد السيستاني والسيد الخامنئي. أما الـ 20% الباقين من الشيعة المقلدين؛ فإنّهم يرجعون بالتقليد إلى المراجع الآخرين، سواء مراجع الصف الأول أو الثاني. ولعل أغلب المسلمين والمتشيعين الجدد، ولا سيما في شرق آسيا وإفريقية وأُوروبا، يرجعون بالتقليد أيضاً إلى السيد علي الخامنئي والسيد علي السيستاني، وهما المرجعان الأنشط تبليغياً خارج المساحات التقليدية للشيعة. مع التأكيد على أنّ الأرقام المذكورة المتعلقة بنسب التقليد ليست عشوائية؛ بل هي نتيجة متابعة واستقراء مستمرين للمجتمعات الشيعية منذ ما يقرب من ربع قرن، فضلاً عن الاستعانة بالمؤسسات البحثية والتبليغية ذات العلاقة.


    2- مراجع الصف الأول:

    يبلغ عدد مراجع الصف الأول في النجف وقم، ستة مراجع، هم: الشيخ محمد إسحاق الفياض، وهو أفغانستاني يقيم في النجف، والشيخ بشير حسين النجفي، باكستاني يقيم في النجف، والشيخ حسين الوحيد الخراساني، إيراني يقيم في قم، والثلاثة يمثلون امتداداً لمدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي، والسيد موسى الشبيري الزنجاني، وكلاهما إيرانيان يقيمان في قم ويمثلان امتداداً لمدرسة السيد حسين البروجردي وحوزة قم، والشيخ حسين النوري الهمداني، وهو إيراني يقيم في قم ويمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخميني وحوزة قم.

    3- مراجع الصف الثاني:

    يبلغ عدد مراجع الصف الثاني في النجف وقم، ستة مراجع أيضاً، هم: الشيخ جعفر السبحاني التبريزي والشيخ عبد الله الجوادي الآملي والشيخ محمد علي گرامي القمي، والثلاثة إيرانيون يقيمون في قم ويمثلون امتداداً لمدرسة الإمام الخميني وحوزة قم، والسيد صادق الحسيني الشيرازي، وهو عراقي من أصل إيراني، يقيم في قم ويمثل مدرسة السيد محمد الشيرازي وحوزة كربلاء، والسيد علاء الدين الموسوي الغريفي، وهو عراقي يقيم في النجف ويمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف، والشيخ محمد اليعقوبي، عراقي يقيم في النجف ويمثل امتداداً لمدرسة السيد محمد الصدر وحوزة النجف. وفضلاً عن رجوع الشيعة إلى مراجع الدين الأحياء الأربعة عشـر المذكورين: المرجعين الأعليين ومراجع الصف الأول الستة ومراجع الصف الثاني الستة؛ فإنّ هناك من الشيعة من لا يزال ـ بناءً على فتوى أحد المراجع الأحياء ـ باقياً على تقليد المراجع المتوفين، وخاصة الإمام الخميني والسيد الخوئي والسيد عبد الأعلى السبزواري والسيد محمد الصدر والسيد محمد رضا الگلپاغŒگاني والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد تقي بهجت والسيد محمد باقر الصدر.

    ولعل الأخير هو أقدم مرجع ديني متوفي لا يزال لديه مقلدون. وفي ما يتعلق بالتصنيف المذكور؛ أود أن أشير ــ مرة أُخرى ــ إلى أن منهجي البحثي هو وصفي تحليلي، ككل دراسات علم الاجتماع الديني؛ فأنا أصف المشهد الشيعي والحوزوي كما هو، وأحلله وأدرسه وفق فهمي الموضوعي للنظام الاجتماعي الديني الشيعي وسياقات الحوزة العلمية، وتوجهات الرأي العام الحوزوي، وخاصة في النجف وقم، أي أن التصنيف المذكور لا يمثل رأيي ورغبتي وصناعتي، بل هو ما يكشف عنه الواقع. وبالتالي؛ فإن عدم ذكري لأسماء علماء دين معروفين، إيرانيين وعراقيين وأفغانستانيين وباكستانيين وبحرانيين، ضمن التصنيف المذكور، هو ليس تجاهلاً مني؛ بل لأنّ سياقات الحوزتين النجفية والقمية وتوجهات الرأي العام الحوزوي، تجعلهم خارج معايير التصنيف. ويعزز ذلك المزاج العام للشارع الشيعي المتدين، والذي يميل ـ غالباً ـ تقليدي إلى الالتزام بالرأي العام الحوزوي التقليدي.







  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي


    خيارات المرجعية النجفية
    بعد آية الله السيستاني
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    د. علي المؤمن


    تعدّ مرحلة ما بعد السيد علي السيستاني، البالغ (94) عاماً من عمره (مواليد العام 1930)، مرحلة صعبة ومعقدة؛ إن لم تكن الأصعب قياساً بالمراحل التاريخية التي تشظّت فيها الخيارات؛ كمرحلة ما بعد وفاة شيخ الشريعة الإصفهاني في العام 1920، والذي خلفه أربعة مراجع كبار: الشيخ الميرزا محمد حسين النائيني والشيخ ضياء الدين العراقي والشيخ عبد الكريم الحائري والسيد أبو الحسن الإصفهاني، ولم يتفرد الإصفهاني بالمرجعية العليا إلّا بعد وفاة العراقي والنائيني والحائري، وهي شبيهة بمرحلة ما بعد رحيل السيد أبي الحسن الإصفهاني في العام 1946، والذي خلّف بعده المراجع الثلاثة: السيد حسين البروجردي والسيد عبد الهادي الشيرازي والسيد محسن الحكيم، ولم تستقر المرجعية العليا نهائياً للسيد الحكيم إلّا بعد وفاة البروجردي في العام 1961، وكذلك مرحلة ما بعد رحيل الإمام الخميني في العام 1989؛ إذ كان هناك السيد أبو القاسم الخوئي والسيد محمد رضا الگلپاغŒگاني والشيخ محمد علي الأراكي، ثم مرحلة ما بعد وفاة السيد الخوئي في العام 1992، والتي كان يشغلها المرجع السيد محمد رضا الگلپاغŒگاني إلى جانب السيد عبد الأعلى السبزواري والشيخ محمد علي الأراكي، ثم أعقبتهم مرحلة السيد علي السيستاني والسيد علي الخامنئي والسيد محمد الصدر والسيد محمد سعيد الحكيم والشيخ حسين الوحيد الخراساني والشيخ ناصر مكارم الشيرازي، وهي الأسماء التي ظلت الأبرز بعد رحيل السيد الگلپاغŒگاني والسيد السبزواري. وقد تبدو الخيارات في النجف الأشرف بعد رحيل مرجعه الأعلى السيد علي السيستاني، سهلة ومحددة في ظاهرها؛ لأنّها منحصرة تقريباً في مرجعي الصف الأول المتعارفين حوزوياً: الشيخ محمد إسحاق الفياض، البالغ (94) عاماً (مواليد العام 1930) والشيخ بشير حسين النجفي البالغ (82) عاماً (مواليد العام 1942)، ولكنهما ليسا خيارين نهائيين ويسدان الفراغ فعلياً؛ لأنهما طاعنان في السن أيضاً، ويعانيان من أمراض الشيخوخة المعتادة، ولعلهما يرحلان قبل السيد السيستاني، كما توقعنا بالنسبة للسيد محمد سعيد الحكيم(1)، وفق الموازين الطبيعية المنظورة، أو بعده بوقت قصير. وتعود صعوبة مرحلة ما بعد السيستاني الى الأسباب الثلاثة الرئيسة التالية:

    1 ـ شحة الخيارات: وتحديداً الخيارات التي تستطيع استيعاب الشارع الشيعي العراقي المتحرك، وتمارس الرعاية العامة للنظام الاجتماعي وحركة الدولة؛ بالنظر لما بات يترتب على مرجع النجف من واجبات تجاه النظام العام بعد العام 2003؛ إذ إنّ عراق ما قبل العام 2003 يختلف عن عراق ما بعد العام 2003، وهو اختلاف ينعكس على واجبات المرجعية وأدائها، ويفعِّل تلقائياً ولايتها على الحسبة العامة والنظام المجتمعي العام بشكل واسع. وبالتالي؛ فإنّ المعضلة ليست في موضوعة المرجع الأعلم؛ بل في المرجع الأكفأ في إدارة الشأن العام، والذي يحظى بالمقبولية العامة.

    2 ـ بروز الخطوط الخاصة داخل الحوزة:

    وهذه الخطوط لا تستطيع الآن تحدّي مرجعية السيد السيستاني في حياته؛ لكنها تنتظر رحيله؛ ليكون لها حضورها القوي والفاعل في الشأن العام. وهذا يعني ظهور محاور جادة من الخلافات والتعارضات على المستويين الخاص والعام.

    وهنا تتضاعف خطورة شحة الخيارات في الخط المرجعي العام، وخاصة إذا أصبحت هذه المحاور محط تجاذب الأجندات السياسية وأجندات الخصوم المذهبيين.

    3 ـ تزامن المراحل الصعبة النجفية والقمية والطهرانية: لعل مرحلة ما بعد السيستاني ومراجع الصف الأول في النجف، ستتزامن مع مرحلة ما بعد الخامنئي ومكارم الشيرازي والوحيد الخراساني ومراجع الصف الأول في قم، وجميعهم طاعنون في السن، وهو ما يزيد صعوبة الموقف الشيعي العام، والموقف المرجعي النجفي بشكل خاص؛ إذ إنّ وجود المرجعيات الكبيرة النافذة على المستوى الشيعي العالمي في النجف وإيران، يلعب دوراً في الدعم المتبادل والتعاون؛ لكن غياب مرجعيات قم المؤثرة معنوياً، سيعمِّق المشكلة في النجف؛ بل في أغلب بلدان الحضور الشيعي. والذي لا شك فيه أنّ مرجع النجف الأعلى بعد السيستاني سيكون من داخل النجف؛ لأسباب كثيرة، بعضها يتعلق بالمسار التاريخي لمنظومة المرجعية الشيعية، ومركزية النجف التقليدية في هذه المنظومة، والآخر يتعلق بالواقع الاجتماعي والسياسي الشيعي العراقي بعد العام 2003، والثالث يتعلق بوجود خيارات مرجعية ربما تكون مقبولة داخل النجف، وإن كانت شحيحة وصعبة. ولذلك؛ فإنّ احتمال رجوع حوزة النجف إلى مرجعية من خارجها أمرٌ مستبعد، بصرف النظر عن مدخلية شرطي الأعلمية والعدالة والمعايير الترجيحية الأُخر. وليس الحديث هنا عن موضوع مرجعية التقليد وحسب؛ لأنّ التقليد لم يكن يوماً معضلة؛ بل عن المرجعية العليا المتصدّية للشأن العام.



    وثمة أربعة مشاهد نجفية مفترضة لمرحلة ما بعد السيستاني، وهي مشاهد تدخل في دائرة الاحتمالات، ونطرحها هنا بصرف النظر عن نسبة تحققها:

    1ـ مشهد تسنم أحد الشيخين النجفي والفياض موقع المرجعية العليا في النجف، وهذا المشهد يصطدم بعقبة تقدمهما في العمر وإصابتهما بأمراض الشيخوخة، كما ذكرنا، ولذلك؛ من الطبيعي إلغاء هذا المشهد، والحديث عن مرحلة ما بعد النجفي والفياض أيضاً.

    2ـ مشهد تسنم أحد مراجع الصف الثاني في النجف موقع المرجعية العليا، كالسيد علاء الدين الغريفي والشيخ محمد اليعقوبي، وهو مشهد لا يحظى بنسبة يعتد بها من القبول؛ بسبب مشكلة قبول الرأي العام الحوزوي بمرجعياتهم، ولذلك؛ لا مهرب من إلغاء مشهد مراجع الصف الثاني أيضاً، بعد أن تم إلغاء مشهد مراجع الصف الأول.

    3ـ مشهد قبول النجف بأحد المراجع النجفيين المقيمين في قم، أي الذين تخرجوا في حوزة النجف، ولا يزالون يحتفظون بمنهجيتها وبارتباطهم النفسي بها، أمثال الشيخ حسين الوحيد الخراساني والسيد كاظم الحائري(2).

    وهذا المشهد لا حظوظ له أيضاً؛ لأنّ المراجع النجفيين في قم طاعنين في السن ومرضى، ولن يستطيع أيّ منهم العودة إلى النجف. ويدخل في هذا المشهد أيضاً بعض علماء الدين العراقيين والإيرانيين في قم، كالسيد كمال الحيدري، وهؤلاء لا يحظون بمقبولية الرأي العام الحوزوي النجفي، وبالتالي؛ يلغى هذا المشهد أيضاً. 4ـ مشهد بروز أحد الفقهاء من أساتذة البحث الخارج المرموقين في النجف، وهم كُثر،

    وأبرزهم: الشيخ محمد باقر الإيرواني والشيخ محمد هادي آل راضي والشيخ حسن الجواهري والسيد علي السبزواري والشيخ محمد السند والسيد محمد رضا السيستاني والسيد علي أكبر الحائري، وهو المشهد الذي يبدو أنه أكثر واقعية.الفقهاء المرشحون للمرجعية النجفية ذكرنا بأن مشهد تقدّم أحد فقهاء النجف الكبار، من غير المراجع الحاليين، لشغل موقع المرجعية المتصدية بعد آية الله السيستاني، هو المشهد الأكثر قبولاً وواقعية لدى الرأي العام الحوزوي النجفي، وأبرز هؤلاء الفقهاء:

    1- الشيخ محمد باقر الإيرواني: من أُسرة علمية دينية نجفية تعود بنسبها إلى الشيخ الفاضل الإيرواني، النازح من منطقة آذربيجان. ولد في النجف الأشرف في العام ظ،ظ©ظ¤ظ©، ودرس في مدارس منتدى النشر التي كان يشرف عليها الشيخ محمد رضا المظفر.

    وخلال مرحلة الدراسة الثانوية انضم إلى الدراسات الدينية في الحوزة العلمية، حتى بلغ مرحلة البحث الخارج، فحضر دروس السيد محمد باقر الصدر والسيد أبو القاسم الخوئي والسيد علي السيستاني والسيد محمد سعيد الحكيم. وبدأ بتدريس مرحلة السطوح العالية، حتى هجرته إلى إيران، حيث استمر بتدريس السطوح العالية ثم البحث الخارج بدءاً من العام 1991.

    ثم عاد إلى النجف الأشرف بعد سقوط النظام البعثي، واستأنف دروس البحث الخارج، ويُعدّ درسه أكبر درس في النجف حالياً.

    2- الشيخ محمد هادي آل راضي: من أحفاد الشيخ راضي النجفي، جد الأُسرة العلمية الدينية النجفية المعروفة بآل راضي، وهي فرع من عشيرة آل عِلي، إحدى عشائر بني مالك. ولد في العام 1949 في النجف الأشرف، درس في مدارس منتدى النشر التي كان يشرف عليها الفقيه المجدد الشيخ محمد رضا المظفر، إلى جانب انخراطه في سلك العلم الديني، وتدرج في مراحل الدراسة حتى بلغ مرحلة البحث الخارج، فتتلمذ عند السيد الشهيد محمد باقر الصدر، والسيد أبو القاسم الخوئي وآخرين. ثم هاجر إلى إيران في العام ظ،ظ©ظ¨ظ* بعد إعدام أُستاذه السيد محمد باقر الصدر وملاحقة تلامذته. وبعد أكثر من عشر سنوات على تدريس مرحلة السطوع العالية في الحوزة العلمية في قم، بدأ بتدريس البحث الخارج في العام 1992. وبعد سقوط النظام البعثي، عاد إلى النجف الأشرف وواصل التدريس وأداء واجباته الدينية والعلمية.

    3- الشيخ حسن الجواهري: من أُسرة علمية دينية نجفية شهيرة، تعود إلى مؤسسها مرجع الشيعة في زمانه الشيخ محمد حسن النجفي المعروف بـ «الجواهري» نسبة إلى كتابه الفقهي «جواهر الكلام». ولد في العام ظ،ظ©ظ¤ظ© في مدينة النجف الأشرف، وجمع بين الدراستين الأكاديمية والدينية، فتخرج في كلية الفقه في العام ظ،ظ©ظ§ظ،. كما بلغ مرحلة البحث الخارج، وحضر خلالها دروس والده الشيخ محمد تقي الجواهري، إضافة إلى السيد أبو القاسم الخوئي والسيد الشهيد محمد باقر الصدر. واعتقل في العام 1979 بتهمة النشاط السياسي الإسلامي، ثم أُبعد إلى إيران، وحينها استأنف الدراسة والتدريس والعمل العلمي والفكري والواجبات الدينية في الحوزة العلمية في قم، وحضر دروس الميرزا الشيخ جواد التبريزي والشيخ حسين الوحيد الخراساني. وبدأ بتدريس البحث الخارج في العام 1988، وكان عضواً في مجمع الفقه الإسلامي في جدة، وعضواً في المجمع العالمي لأهل البيت، قبل أن يعود إلى النجف بعد سقوط النظام البعثي في العام 2003، ويستأنف في الحوزة العلمية مهامه العلمية والدينية.


    4- السيد علي الموسوي السبزواري: نجل المرجع الديني السيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري، ولد في النجف الأشرف في العام 1945 درس البحث الخارج على والده والسيد أبو القاسم الخوئي. ويذكر مطلعون أنّ والده أوصاه ـ قبل وفاته ـ بعدم التصدّي للمرجعية، والاهتمام بالشأن العلمي وقضاء حوائج الناس، ولذلك يستبعد هؤلاء إعلان السيد علي السبزواري نفسه مرجعاً للتقليد، فضلاً عن معاناته من مشاكل صحية مزمنة.

    5- الشيخ محمد السند: ولد في العام 1961 في العاصمة البحرينية المنامة. جمع في بلده البحرين بين الدراستين الأكاديمية والدينية، ثم واصل دراسته الجامعية في لندن، كما استأنف الدراسة في الحوزة العلمية في قم في العام 1980، حتى مرحلة البحث الخارج؛ فحضر بعد العام 1984 دروس مراجع قم الكبار، كالسيد محمد الروحاني والميرزا الشيخ هاشم الآملي والسيد محمد رضا الگلپايگاني والميرزا الشيخ جواد التبريزي، إلى جانب تدريسه مرحلة السطوح، وبعد عشر سنوات بدأ بتدريس البحث الخارج. ثم انتقل في العام 2010 إلى النجف الأشرف، وواصل التدريس في حوزتها العلمية.

    6- السيد محمد رضا الحسيني السيستاني: الابن الأكبر لمرجع النجف الأعلى السيد علي السيستاني. ولد في النجف الأشرف في العام 1962، ودرس في حوزتها العلمية، حتى بلغ مرحلة البحث الخارج، فحضر دروس والده والسيد أبو القاسم الخوئي والسيد علي البهشتي. برز دوره العام بعد سقوط نظام البعث، من خلال إدارة شؤون والده ومكاتب المرجعية العليا، وشكّل حلقة التواصل بين والده والدولة العراقية والكتل السياسية والمؤسسات الاجتماعية.

    7- السيد علي أكبر الحسيني الحائري: شقيق المرجع السيد كاظم الحائري، ومن أُسرة دينية علمية تعود جذورها إلى مدينة شيراز الإيرانية. ولد في مدينة النجف الأشرف في العام 1948، ودرس في حوزتها العلمية حتى حضر دروس البحث الخارج عند السيد محمد باقر الصدر وغيره من فقهاء النجف. كان من المجاهدين والمعارضين لنظام البعث منذ بدايات شبابه، من خلال قربه من السيد محمد باقر الصدر وانتمائه إلى الحركة الإسلامية العراقية، ولعب دوراً أساسياً في انتفاضة رجب في العام 1979، والتي أدت إلى إطلاق سراح السيد محمد باقر الصدر. وبعد اعتقاله؛ حكم بالسجن المؤبد، ثم تم إبعاده إلى إيران في العام 1980، فواصل عمله الجهادي والعلمي انطلاقاً من مدينة قم، واستأنف حضور دروس البحث الخارج عند شقيقه السيد كاظم الحائري وغيره من مراجع قم، إلى جانب تدريس مرحلة السطوح. ثم شرع بتدريس البحث الخارج في قم، واستأنفه بعد عودته إلى النجف الأشرف في أعقاب سقوط النظام البعثي. والقدر المتيقن؛ أنّ أغلب هؤلاء الفقهاء السبعة المعترف باجتهادهم وفقاهتهم وفضلهم من قبل الرأي العام الحوزوي، سيبادر إلى طباعة رسالته العملية ويطرح نفسه مرجعاً للتقليد بعد مرحلة السيستاني، وسيرجع إليه جزءٌ مهم من الشيعة. وبرغم تكافؤ الفرص ــ نسبياً ــ بينهم؛ إلّا أن الأنظار تتوجه بشكل أكبر إلى ثلاثة منهم، هم: الشيخ محمد باقر الإيرواني والشيخ هادي آل راضي والشيخ حسن الجواهري(3).

    وهي المرة الأولى في تاريخ المرجعية الدينية الشيعية والحوزة العلمية النجفية؛ أن يكون جميع المرشحين لتبوء موقع المرجعية الدينية في النجف، هم من مواليد النجف الأشرف، وأنّ أغلبهم من الأُسر العراقية الدينية العلمية المعروفة. ورغم أن المشهد الرابع هو الأكثر مقبوليته وواقعيته؛ لكنه لن يوحد المرجعية النجفية، ولن يفرز مرجعاً أعلى بديلاً للسيد السيستاني؛ بل إنّه يفرز تعددية تلقائية في المرجعية لفترة من الزمن، ربما لا تقل عن عشر سنوات تعقب رحيل السيستاني؛ لأنّ أياً من الفقهاء المذكورين لا يمكنه أن يحظى بالإجماع النسبي من الرأي العام الحوزوي؛ لأسباب موضوعية وشخصية كثيرة. وستكون الجهة الأهم التي يعوّل عليها حسم المشهد، هي مرجعية السيد السيستاني نفسها، والتي يستمع إلى رأيها أغلب أساتذة البحث الخارج والسطوح العالية في النجف، والذين يشكلون شبكة حقيقية لأهل الخبرة. وبما أنّ بيت السيد السيستاني في النجف ومكتبه في قم؛ ركنان أساسيان في مرجعيته؛ فإنّ إشارة المرجع الأعلى السيد السيستاني ودعم بيته ومكتبيه في النجف وقم؛ ستكون مفصلية في تحديد مرجع النجف لمرحلة ما بعد السيد السيستاني. أما الذين يطرحون أنفسهم مراجع تقليد خارج الأعراف الحوزوية والسياقات التقليدية الصارمة للتدرج المرجعي، سواء كانوا عراقيين أو إيرانيين أو باكستانيين أو لبنانيين، بمن فيهم أغلب أصحاب الرسائل العملية الحاليين في النجف وكربلاء والكاظمية وقم ومشهد وغيرها؛ فإنهم سيبقون خارج دائرة الترشيح لموقع المرجعية العليا أو مرجعيات الصف الأول؛ لأن حرق المراحل والسعي غير المشروع وغير المتوازن والمتعجل لبلوغ مستوى الاجتهاد ثم المرجعية، يلفت أنظار أهل الخبرة في الحوزة (أساتذة السطوح والبحث الخارج) لهذا الخلل الكبير في الالتزام بالسياقات الدراسية
    والاجتهادية، وهو يؤدي إلى توقف تقدم عالم الدين، وإن أصبح ـ فيما بعد ـ أعلم المراجع الأحياء وأكفأهم.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    الإحالات

    (1) «الاجتماع الديني الشيعي»، ط 1، ص 300.

    (2) أعلن السيد كاظم الحائري في آب/ أغسطس 2022، عن اعتزاله العمل المرجعي؛ لأسباب صحية، ورغم كون هذا القرار نادراً على طول التاريخ الشيعي؛ إلّا أنه يستند الى قاعدة شرعية أساسية من قواعد الفقه السياسي الإسلامي، وشرط من شروط تولي المرجعية، وهو شرط الكفاءة، أي القدرة الواقعية على ممارسة مهام المرجعية في ولاية الحسبة وحفظ النظام العام، بصرف النظر عن أسباب عدم القدرة، ولكن لا شك أن القدرة البدنية والذهنية أحد هذه الأسباب. وبالتالي؛ فإن موضوع الاعتزال لا يرتبط بالمتغيرات السياسية أو الإيثار الشخصي أو التنازل لمرجعية أخرى، لأنه ليس موضوعاً شخصياً، بل موضوع فقهي صرف.

    (3) اللافت للنظر أن الشيخ محمد باقر الإيراوني والشيخ محمد هادي آل راضي والشيخ حسن الجواهري يشتركون في كثير من المواصفات؛ ففضلاً عن كونهم أصدقاء مقربين؛ فإن الثلاثة من مواليد النجف في العام 1949، والثلاثة ليسوا من السادة، ومن أسر علمية دينية نجفية، وقد دخلوا الحوزة النجفية في وقت متقارب، ودرسوا البحث الخارج عند السيد الخوئي والسيد محمد باقر الصدر في الدورات نفسها، واستطاعوا التوفيق في مناهجهم الفقهية والأصولية وسلوكهم العام بين مدرستي الخوئي والصدر، أي أنهم متطابقون تقريباً في هذا المجال، ثم هاجروا إلى إيران خلال سنة واحدة، وسكنوا قم ودرسوا في حوزتها، وبلغوا درجة الاجتهاد وشرعوا بتدريس البحث الخارج في أوقات متقاربة، والثلاثة عادوا إلى النجف الأشرف بعد سقوط نظام البعث في أوقات متقاربة. ثم سيتصدّون للمرجعية في وقت واحد، ويُتوقع أن يتحولوا إلى مراجع كبار خلال بضع سنوات.







  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي



    توضيح بشأن مرشحي المرجعية
    وولاية الفقيه بعد السيستاني والخامنئي
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
    علي المؤمن


    رداً على استفهامات الأحبة القراء والمتابعين، ومداخلاتهم واعتراضاتهم، والذين علقوا على العام أو راسلوني على الخاص أو اتصلوا، بشأن بعض مضامين دراسة "المستقبل الشيعي بعد السيستاني والخامنئي"، التي بدأتُ بنشر قسمها الأول في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، وخاصة ما يتعلق بأسماء المرشحين لمواقع المرجعية النجفية والمرجعية القمية وولاية الفقيه؛ أقول: فيما يتعلق بالأسماء الواردة والتي سترد، ومعايير فرزها وترشيحها؛ فأنا لا أتحدث في إطار قناعاتي، إنما أكشف عن الواقع الذي يصنعه الرأي العام الحوزوي، أي أنني أصف الواقع وأدرسه وأحلله، كما أراه وأتشوفه، بعيداً عن رغباتي وترجيحاتي ومعاييري الخاصة، وهو ما يفرضه منهج علم الاجتماع الديني الشيعي الذي أكتب في إطاره. أما قناعاتي بشأن مستقبلية منظومة المرجعية وشروطها الواقعية المطلوبة ومعايير الاجتهاد والعدالة والاعلمية والكفاءة وسايكولوجيا المرجع وصلاحيات المرجع وتساوق المرجعية والقيادة ومجلس أهل الخبرة لترشيح المراجع؛ فقد طرحتها في كتابي "الاجتماع الديني الشيعي"، وخلاصتها:

    1- إن عنوان المرجعية ليس عنواناً علمياً وإفتائياً وحسب، لأن المرجع الديني الشيعي، وخاصة المرجع الأعلى المتصدي للشأن العام، ليس مفتياً، شأنه شأن المفتي السني، ولا أستاذاً متبحراً في الفقه والأصول والتفسير والرجال والدراية، شأنه شأن الأستاذ الجامعي، بل إن عنوان المرجعية يساوق القيادة الاجتماعية الدينية، وهو ما تفرضه ولاياته الحصرية على الفتوى والحقوق الشرعية والقضاء والنظام العام، كما ورد في أحاديث أئمة آل البيت.

    2- لا يمكن لمفهوم الاجتهاد التقليدي ولا مفهوم الأعلمية الموروث، والتي يصعب إحرازها، أن يكونا معيارين كافيين لإفراز المرجع الأعلى، وفق صلاحياته العامة الواسعة؛ بل أنهما معياران ينفعان لفرز الأستاذ الأكبر والمفتي الأعظم.

    3- إن الكفاءة في المرجع الأعلى هو شرط أساس، وليس مكملاً، كما أنه ليس مرجحاً في حال كان هناك فقيهان متساويان في الأعلمية وحسب؛ إنما يكون مرجحاً حتى في حال كان هناك فقيهاً أعلماً وفقيهاً أكفأً، وهنا تكون الكفاءة هي المرجحة، والمتقدمة على الأعلمية. والمقصود بالكفاءة هنا: ملكة التدبير والإدارة والقيادة والحكمة والبصيرة بالشأن الحوزوي والشأن العام.

    4- إن مفهوم (المرجع الأصلح)، هو المفهوم اللصيق بمتطلبات الواقع الشيعي وحاجاته وآماله، والمراد منه المرجع الذي تتوافر فيه شروط الاجتهاد والعدالة والكفاءة مجتمعةً؛ وإن لم يكن أعلماً، أي أن المرجع الأصلح هو المؤهل لمنصب المرجعية العليا والزعامة الدينية للشيعة في كل العالم.

    5- إن شرط العدالة، هو الآخر، بحاجة إلى إعادة تعريف وتكييف، ينسجمان مع حقيقة موقع المرجعية وصلاحياتها ومساحات عملها؛ فلا يكفي أن يكون الفقيه حائزاً على ملكة التقوى وعدم الظلم وحسب؛ إنما أن يكون المرجع الأعلى عادلاً في اهتمامه بكل شؤون الشيعة في كل العالم؛ بما في ذلك حقوقهم وحرياتهم المذهبية والسياسية والمدنية، وأمنهم الفردي والمجتمعي، وليس عباداتهم وشؤونهم الدينية المحضة وحسب، وبخلافه ستكون هناك علامات استفهام كبرى على عدالة المرجع الذي يرى أتباعه يظلمون ولا يتحرك نظرياً وعملياً للدفاع عنهم ونصرتهم، حتى وإن كانوا في أقصى بقاع الأرض، بل ليس من العدالة أن لا يفكر المرجع بتعزيز قواعد الوقاية لشيعة العالم في مواجهة كل أنواع التحديات العقدية والفكرية والثقافية والمجتمعية والمعيشية والسياسية.

    6- إن المرجعية الشيعية لا يمكن أن تكون مرجعية محلية أو وطنية أو قومية، إنما هي مرجعية عالمية تتجاوز حدود المدن والبلدان والقوميات؛ بوصفها قائدة النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وبالتالي؛ لا يكون المرجع مرجعاً أعلى إلّا إذا حاز على تقليد أغلبية الشيعة في كل العالم، وليس أغلبية شيعة العراق أو إيران أو بلدان الخليج وحسب. ومن خلال ذلك يتم قياس أحجام المرجعيات ودائرة نفوذها الاجتماعي الديني. وهو ما ينطبق على الشياع أيضاً؛ فالشياع والانتشار والشهرة في قرية أو مدينة أو بلد أو بين أتباع عشيرة وقومية، ليس له قيمة ولا يعد معياراً؛ إنما المعيار هو الواقع الشيعي من المغرب العربي وحتى اندونيسيا.

    7- إن مهاماً بتلك الضخامة والسعة والخطورة؛ بحاجة إلى عمل مؤسساتي كبير، ومجالس ترشيح وتخطيط واستشارة ورقابة وتنفيذ بإشراف المرجع الأعلى؛ من أجل استيعابها، وحسن إدارتها. 8- إن تنويع المهام وتوزيعها وضبطها، محلياً وعالمياً، بين المرجع الأعلى من جهة، والولي الفقيه من جهة أخرى، وباقي مراجع التقليد من جهة ثالثة، ومؤسساتهم ووكلائهم؛ تتطلب وجود تدابير مؤسساتية عالية المستوى والدقة؛ من أجل تكامل الأدوار وصيانة وحدة الموقف الشيعي، المحلي والعالمي.



    أنظر: التفاصيل والشروحات والاستدلالات والتوثيق في كتاب "الاجتماع الديني الشيعي: ثوبت التأسيس ومتغيرات الواقع"








  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي


    المرجعية وولاية الفقيه
    بعد آية الله الخامنئي
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    د. علي المؤمن


    ربما تكون مرحلة ما بعد السيد علي الخامنئي البالغ (85) عاماً من العمر (مواليد العام 1939)، مؤجلة على المستوى القريب، وفق المعايير الطبيعية، كونه يتمتع بصحة جيدة، فضلاً عن ثبات وضع الدولة الإيرانية واستقرار مجتمعها ونظامها السياسي. وقد تطول مرحلة بقاء السيد الخامنئي في موقع المرجعية الدينية والقيادة الرسمية لفترة لا تقل عن خمس سنوات. ولكن؛ وإن كانت هذه المرحلة مؤجلة مؤقتاً؛ فإنها ستكون صعبة على إيران وعموم الواقع الشيعي العالمي؛ بل لعلها على مستوى موقع القيادة الرسمي ستكون أكثر صعوبة وتعقيداً من مرحلة ما بعد السيد السيستاني النجفية؛ لأنّ السيد الخامنئي يمثل المرجعية الدينية من جهة وقيادة الدولة من جهة أُخرى، وقد ظل الوهج المعنوي لمرجعيته الدينية ومساحة مقلديه، يضفي قوة إضافية على موقع القيادة الرسمي، ونفوذاً معنوياً خارج حدود إيران، وهو ما سيفقده القائد القادم فيما لو لم يكن مرجع تقليد فعلي. ويبدو صعباً، عند تشوّف المشهد الإيراني، إيجاد شخصية واحدة تملأ الفراغين اللذين سيتركهما السيد الخامنئي على المدى المنظور؛ بالنظر لصعوبة الشروط التي ينبغي توافرها في المجتهد الذي يجمع الموقعين، الديني المتمثل بالمرجعية العليا، والرسمي المتمثل بولاية الفقيه العامة الحاكمة. ومن هذه الشروط، أن يكون المجتهد الذي ينبغي أن يشغل موقع القيادة الحاكمة، معتقداً بولاية الفقيه المطلقة نظرياً وعملياً، وأن يكون على دراية بشؤون الدولة وعملها، وكفؤاً في مجال إدارة النظام العام وتدبيره، وواعياً بتعقيدات السياسة، وخاصة السياسة الدولية، وهو ما يلخّصه الفقهاء بشرط «الكفاءة»، الذي يضاف إلى الشـرطين الأساسيين الآخرين «الفقاهة» و«العدالة». وهذه الشروط يصعب إيجادها في فقيه بعيد عن الدولة والنظام، ولم يسبق له أن شغل موقعاً رأسياً فيها. فالسيد علي الخامنئي ـ مثلاً ـ شغل موقع رئاسة الجمهورية لدورتين كاملتين، قبل أن يتسلم موقع الولي الفقيه الحاكم، كما كان عضواً في مجلس خبراء الدستور ثم مجلس خبراء القيادة، أي أنّه كان يعي وعياً ميدانياً دقيقاً بعمل الدولة ومتطلباتها التفصيلية. وربما يوجد عدد غير قليل من مراجع الحوزة القمية ممن يُعدّ قريباً من الدولة وشغل مواقع رسمية فيها؛ كالشيخ ناصر مكارم الشيرازي والسيد موسى الشبيري الزنجاني والشيخ جعفر السبحاني التبريزي والشيخ حسين النوري الهمداني والشيخ عبد الله الجوادي الآملي، وهم يمثلون اليوم أبرز مراجع الصفين الأول والثاني، وأغلبهم من تلاميذ الإمام الخميني، غير أنّ هؤلاء وغيرهم أكبر سناً من السيد الخامنئي، ومعدل أعمارهم (94) عاماً تقريباً، ويعاني أغلبهم من أمراض الشيخوخة الطبيعية. لذلك؛ ينبغي هنا الحديث عن فقيهين يملآن الفراغ الذي سيتركه السيد الخامنئي، وليس فقيهاً واحداً، أحدهما للقيادة والآخر للمرجعية؛ ما يعني فصل الموقعين لأول مرة منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في العام 1979 فصلاً مؤقتاً، كما كانت عليه حالة السيد الخامنئي في أول خمس سنوات من قيادته، أي قبل أن يتم طرح مرجعيته. وهذا يعني أن البحث سيتجه نحو فقهاء من خارج مواقع مرجعيات التقليد الحالية، ومن خارج الأسماء المعروفة المذكورة أعلاه؛ لأنّ موقع القيادة في دستور الجمهورية الإسلامية وفي الفقه لا يشترط أن يكون الولي الفقيه مرجعاً للتقليد؛ بل يكفي أن يكون مجتهداً. ولا شك أنّ توافر الآليات المتعارفة والمقننة في إيران، على الصعيدين المرجعي والقيادي، سيسهل عملية الحسم، ويوصلها إلى النتيجة المطلوبة، وأهمها وجود جماعة مدرسي الحوزة التي ترشح مراجع التقليد، ومجلس خبراء القيادة الذي ينتخب الولي الفقيه الحاكم (قائد الدولة)؛ وإن لم تكن هذه الآليات مقبولة عند جميع المهتمين بالشأن المرجعي، وبينهم أصحاب الخطوط المرجعية الخاصة من خصوم الجمهورية الإسلامية.المرجعية القمية بعد الخامنئي ومراجع الصف الأول أول ما يتبادر إلى الذهن في هذا المجال هو أن يتم طرح أسماء مرجعيات الصفين الأول والثاني في حوزة قم؛ لتخلف مرجعية السيد الخامنئي، كما هو الحال مع النجف، وأبرزهم: الشيخ حسين الوحيد الخراساني البالغ من العمر (103) عاماً (مواليد العام 1921) والشيخ حسين النوري الهمداني البالغ (99) عاماً من عمره (مواليد 1925) ، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي البالغ (97) عاماً (مواليد 1927)، والسيد موسى الشبيري الزنجاني البالغ (96) عاماً (مواليد 1928) والشيخ جعفر السبحاني البالغ (95) عاماً (مواليد 1929) والشيخ عبد الله الجوادي الآملي البالغ (90) عاماً (مواليد 1934)، وهم المعوّل عليهم في تزعم المرجعية العليا في إيران؛ لكن العامل الأساس الذي يلغي هذا المشهد برمته، هو أن جميع هؤلاء المراجع طاعنون في السن ويعانون من أمراض الشيخوخة أيضاً.


    ولا يختلف الأمر عن المرجعيات الرديفة الأصغر سناً، كالشيخ محمد علي گرامي القمي البالغ (86) عاماً (مواليد 1938). ومن خلال ذلك؛ يتبيّن أنّ السيد علي الخامنئي هو أصغرهم سناً، وأنه يتمتع بصحة جيدة ولا يعاني من أمراض الشيخوخة، وأنه ربما يرث أغلب مقلدي مراجع إيران، وكثير من مقلدي مراجع النجف في بلدان العالم. لذلك؛ فإنّ الواقعية هنا تستدعي الحديث عن مرحلة ما بعد آية الله الخامنئي ومرجعيات الصف الأول والصف الثاني، وليس مرحلة ما بعد السيد الخامنئي وحسب. أمّا الخطوط المرجعية الخاصة، كالمرجعية الشيرازية، أو الشخصيات التي طرحت مرجعياتها خارج السياقات المتعارفة؛ فليس لها أية حظوظ في بلوغ المرجعية العليا أو مرجعيات الصف الأول في قم؛ لأنّ أعراف الحوزة القمية وسياقاتها لا تختلف كثيراً عن المعايير والسياقات النجفية، وتشمل هذه القاعدة علماء دين إيرانيين وعراقيين وأفغانستانيين وباكستانيين معروفين في قم. ويبدو أنّ الاحتمال الأقرب إلى التحقق في إيران، في مرحلة ما بعد السيد الخامنئي ومراجع الصفين الأول والثاني الطاعنين في السن، هو الاحتمال المرجّح نفسه في النجف في مرحلة ما بعد السيستاني ومراجع الصف الأول؛ أي بروز فقهاء من أساتذة البحث الخارج المرموقين، ممن طرحوا أو لم يطرحوا أنفسهم مراجع تقليد حتى الآن، ومن المؤكد أنّ أغلبهم سينشر رسالته الفقهية العملية بعد رحيل مراجع الصفين الأول والثاني في قم، وأبرز هؤلاء: السيد علي المحقق الداماد، والشيخ علي كريمي الجهرمي، والسيد محمد جواد العلوي البروجردي، والسيد علي أصغر الميلاني، والسيد أحمد المددي، والشيخ صادق الآملي اللاريجاني، والشيخ مهدي شب زنده دار الجهرمي، ومعدل أعمارهم (75) سنة، وما يلي نبذة عن سيرهم: 1- السيد علي الحسيني المحقق الداماد: ولد في مدينة قم في العام 1941 في أسرة علمية دينية؛ فجدّه لأُمّه هو المرجع الشيخ عبد الكريم الحائري الذي أعاد تأسيس الحوزة العلمية في قم، ووالده الفقيه المعروف السيد محمد المحقق الداماد. درس العلوم الدينية في حوزتي قم والنجف، وبعد بلوغه مرحلة البحث الخارج درس عند كبار فقهاء قم، كأبيه السيد محمد المحقق الداماد، والسيد محمد رضا الگلپايگاني، والميرزا الشيخ هاشم الآملي، وفي النجف الأشرف درس على السيد أبو القاسم الخوئي والشيخ حسين الحلي. شغل بين العامين 1981 و1991 عضوية المجلس الأعلى لإدارة الحوزة العلمية في قم، كما صبّ اهتمامه في الفترة نفسها على أسلمة وتدوين قوانين السلطة القضائية. وهو حالياً رئيس هيئة أمناء جامعة المفيد (أكبر جامعة دينية أكاديمية في قم).

    2- الشيخ علي كريمي الجهرمي: ولد في مدينة جهرم (من توابع شيراز) في العام ظ،ظ©ظ¤ظ*، وهو صهر المرجع الديني الراحل الشيخ لطف الله الصافي الگلپايگاني، أي أنّ زوجته هي حفيدة مرجع قم الأعلى الراحل السيد محمد رضا الگلپايگاني. بدأ دراسته الدينية في مدينتي جهرم وشيراز، ثم انتقل إلى قم ليدرس في حوزتها العلمية مرحلة السطوح ثم البحث الخارج، فحضر عند مراجع قم الكبار، كالميرزا الشيخ هاشم الآملي والإمام الخميني والشيخ محمد علي الآراكي والسيد محمد رضا الگلپايگاني. وبعد عشرين عاماً من تدريس مرحلة السطوح العالية، بدأ في العام 1992بتدريس البحث الخارج.

    3- السيد محمد جواد العلوي البروجردي: ولد في مدينة قم في العام 1952 في أُسرة علمية دينية؛ فجدّه لأُمّه هو مرجع قم الأعلى السيد حسين البروجردي، وأبوه الفقيه السغŒد محمد حسغŒن العلوي البروجردي. تدرج في الدراسة الدينية في حوزة قم حتى وصل إلى مرحلة البحث الخارج، فحضر عند الشيخ الوحغŒد الخراساني والسغŒد محمد الروحاني والشيخ عبد الله الجوادي الآملي. ثم بدأ البحث الخارج منذ العام 1991، وأعلن مرجعيته في العام 2018، رغم تحفظ جماعة مدرسي الحوزة العلمية في قم على ذلك.

    4- السيد علي أصغر الحسيني الميلاني: ولد في النجف الأشرف في العام 1947 في أُسرة علمية دينية إيرانية وعراقية عريقة، فجدّه هو المرجع الديني السيد محمد هادي الميلاني ووالده السيد نور الدين الميلاني من كبار علماء كربلاء. درس مرحلتي المقدمات والسطوح في الحوزة العلمية في كربلاء، ثم انتقل إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته في البحث الخارج، إلّا أنّ موجات التهجير التي شنها نظام البعث، ضد من أسماهم التبعية الإيرانية، طالته في العام 1970، فانتقل إلى مدينة مشهد وحضـر دروس البحث الخارج عند جده السيد محمد هادي الميلاني. ثم هاجر إلى مدينة قم، ومارس تدريس مرحلة السطوح إلى جانب حضوره دروس كبار فقهائها، كالسيد محمد رضا الگلپايگاني والشيخ حسين الوحيد الخراساني والسيد محمد الحسيني الروحاني والشيخ مرتضى الحائري. ثم بدأ بتدريس البحث الخارج في العام 1992.


    5- السيد أحمد الموسوي المددي: ولد في النجف الأشرف في العام 1953 في أسرة علمية دينية؛ فجدّه لأُمّه هو مرجع النجف الأعلى السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني، وأبوه الفقيه السيد محمد المددي، أكمل دراسة السطوح العالية في النجف، ثم حضر بحوث الخارج عند السيد أبو القاسم الخوئي بدءاً من العام 1969.

    وحين أراد العودة إلى العراق بعد أدائه فريضة الحج في العام 1980، منعته سلطات البعث، فاضطر إلى الذهاب إلى إيران، واستقر في مدينة قم، وحضر لفترة وجيزة دورس السيد محمد رضا الگلپايگاني والشيخ مرتضى الحائري والشيخ حسين الوحيد الخراساني والميرزا الشيخ جواد التبريزي، وما لبث أن بدأ بإعطاء دروس البحث الخارج.

    6- الشيخ صادق الآملي اللاريجاني: ولد في النجف الأشرف في العام 1960 في أُسرة علمية دينية؛ فأبوه هو الشيخ الميرزا هاشم الآملي، أحد كبار مراجع النجف وقم، كما أنه صهر الشيخ حسين الوحغŒد الخراساني، أحد كبار مراجع قم.. وبدأ دراسته الدينية في العام 1977 بعد تخرجه في الثانوية. وخلال سنوات قليلة أتمّ مرحلتي المقدمات والسطوح، وبدأ بحضور الدراسات العليا (البحث الخارج) على يد كبار فقهاء قم، أمثال: والده، والشيخ حسين الوحيد الخراساني. ثم بدأ بعد العام 1989 بتدريس البحث الخارج في الفقه وأُصوله. انتُخب عضواً في مجلس خبراء القيادة لدورتين الثالثة والرابعة، وعضواً في مجلس صيانة الدستور، ثم رئيساً للسلطة القضائية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الفترة من 2009 إلى 2019، ثم رئيساً لمجمع تشخيص مصلحة النظام.

    7- الشيخ مهدي شب زنده دار الجهرمي: ولد في مدينة جهرم (من توابع محافظة شيراز) في العام 1953 في عائلة علمية دينية؛ فأبوه هو الفقيه المعروف الشيخ حسين شب زنده دار، وانتقل مع والده إلى قم، وفيها بدأ دراسته في حوزتها العلمية، وتدرج في المراحل العلمية حتى بلغ مرحلة البحث الخارج، فحضر دروس الشيخ مرتضى الحائري والشيخ حسين الوحيد الخراساني والميرزا الشيخ جواد التبريزي. ثم أخذ يقدم دروس البحث الخارج منذ العام 1985.

    وبعد بضع سنوات أصبح عضواً في مجلس إدارة الحوزة العلمية في قم، إضافة إلى عضوية مجلس صيانة الدستور منذ العام 2013. وعلى خلاف حوزة النجف؛ فإن هناك ثلاث مؤسسات حوزوية رأسية في قم لها دور أساس في ترشيح المرجعية الجديدة، هي: جماعة مدرسي الحوزة العلمية، والمجلس الأعلى لإدارة الحوزة العلمية، والمجلس الأعلى للحوزات العلمية في إيران، إلّا أنّ الدور المركزي يبقى لجماعة مدرسي الحوزة العلمية في قم، والتي تتألف من (56) مجتهداً، أغلبهم من كبار أساتذة البحث الخارج، وهي المؤسسة الشيعية الدينية الأكثر نفوداً، والتي تمثل ما يعرف حوزوياً بـ «أهل الخبرة»، أي أنّها بمثابة مجلس شورى حوزوي ينظم عمل أهل الخبرة وجماعات الضغط الداخلي. ومما يزيد من نفوذ هذه الجماعة أنّ أغلب أعضائها هم في الوقت نفسه أعضاء في مجلس إدارة حوزة قم ومجلس الحوزات العلمية في عموم إيران من جهة، ومجلس الخبراء ومجلس صيانة الدستور التابعين للدولة من جهة أُخرى؛ أي أنّهم مساهمة أساسية ومباشرة في تنظيم عملية حسم موقع المرجعية في قم ويسهلها؛ بل حسم موقع ولاية الفقيه في مرحلة ما بعد السيد الخامنئي أيضاً.الولي الفقيه بعد آية الله الخامنئي عادةً ما يغلب الحديث في إيران وخارجها عن مستقبل منصب الولي الفقيه في إيران، والشخصية التي يمكن أن تملأ فراغ آية الله الخامنئي، على الحديث عن المرجعيات الدينية البديلة، وخاصة بعد تداول السيد الخامنئي هذا الموضوع في اجتماعه بمجلس الخبراء في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024؛ حيث شدد على أهمية أن يخرج المجلس بنتيجة عملية في هذا الشأن؛ للتحضير لاختيار الولي الفقيه الثالث في تاريخ الجمهورية الإسلامية. وهذا لا يعني وجود طارئ معين أو حدث مستجد؛ بل هو استمرار لتأكيداته السابقة التي بدأها منذ العام 2016.

    وتتزايد أهمية الحديث عن هذا الموضوع؛ بالنظر لما يشكله موقع الولي الفقيه من تأثير أساس على واقع إيران والشيعة والمنطقة برمتها، بل والعالم في بعض أوجهه، وخاصة أن آية الله الخامنئي يجمع بين موقع المرجع الدينية وموقع الولي الفقيه الرسمي، ويحظى بتقليد ما يقرب من 40% من المؤمنين الشيعة، من الجزائر وحتى إندونيسيا، وليس في إيران وحسب، وما يشكله ذلك من معادلة تأثير وتأثر ديني واجتماعي وثقافي وسياسي. وخلافاً لموقع المرجعية الدينية الشيعية الذي يتم اختيار من يشغله وفق السياقات التقليدية المتعارفة في النجف وقم؛ فإنّ الولي الفقيه (القائد/ رئيس الدولة) في الجمهورية الإسلامية الإيرانية يختاره مجلسٌ رسمي من الفقهاء من أهل الخبرة، يُنتخب أعضاؤه انتخاباً شعبياً مباشراً كل ثمان سنوات، اسمه «مجلس خبراء القيادة»، وهي سلطة علمية سياسية خبروية مستقلة، تتألف من (88) مجتهداً، وتختص بانتخاب الولي الفقيه (قائد الدولة) ومراقبته وعزله، أي أن الولي الفقيه يتم انتخابه انتخاباً
    شعبياً غير مباشر، أي عبر مجلس الخبراء المنتخب شعبياً. وقد بدأ مجلس الخبراء منذ العام 2016، بالبحث بجدية في موضوع خلافة آية الله الخامنئي، بعد أن طلب منه السيد الخامنئي حينها من مجلس الخبراء خلال اجتماعه بهم حينها، أن يفكروا عملياً في اختيار القائد البديل، مرجحاً أن يكون المرشحون في حدود (10) شخصيات. وقرر المجلس تشكيل لجنة ثلاثية سرية لدراسة المرشحين المؤهلين، أي الذين تنطبق عليهم شروط الاجتهاد، والعدالة والتقوى، والكفاءة السياسية والإدارية، والحكمة والبصيرة، وهي الشروط التي فصّلها دستور الجمهورية الإسلامية، فضلاً عن المرجِّحات غير المدونة، كالسيادة، أي انتسابه لذرية رسول الله، وأن يكون ملتزماً بنهج الإمام الخميني والإمام الخامنئي، وخاصة في مجال السياسة الخارجية.

    وباشرت اللجنة الثلاثية بدراسة عشرات الملفات للمرشحين المحتملين، دون أن تكشف عن أي من النتائج التي تتوصل إليها، حتى لمجلس الخبراء نفسه، لأن قرار المجلس كان مبنياً على قاعدة السرية في عمل اللجنة، وأن يتم طرح المرشحين على مجلس الخبراء في حال وفاة آية الله الخامنئي أو استقالته أو عزله، وتترك اللجنة حينها للمجلس حرية تداول الأسماء ودراستها وانتخاب من يراه مناسباً للموقع. وحينها بدأت التكهنات والتوقعات بالظهور من مختلف الأوساط الداخلية والخارجية؛ فطُرحت أسماء معروفة ومشهود لها بالمستوى العلمي والعدالة والكفاءة والممارسة الإدارية والسياسية، كرئيس الجمهورية الأسبق الشيخ أكبر الرفسنجاني (ت 2016) ورئيس القضاء الأسبق السيد محمود الهاشمي (ت 2018) والفقيه والمفكر الأُصولي الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي (ت 2020) ووزير الاطلاعات الأسبق الشيخ محمد ري شهري (ت 2022). إلّا أن أكثر شخصيتين تم التركيز عليهما ـ فيما بعد ـ هما رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الشيخ صادق اللاريجاني ورئيس الجمهورية السابق السيد إبراهيم رئيسي.

    ثم أصبحت الأنظار تتجه ـ تحديداً ـ إلى السيد إبراهيم رئيسـي، وكان رأي اللجنة الثلاثية المذكورة بأن يأتي رئيسي خلفاً للسيد الخامنئي في موقع القيادة شبه محسوم. غير أنّ وفاته في العام 2024، أعادت فتح ملف البديل القيادي للسيد الخامنئي، وحينها طُرح اسم الشيخ صادق اللاريجاني مرة أخرى، فضلاً عن أسماء جديدة، بعضها معروف شعبياً وإعلامياً، والآخر لا يحظى بالشهرة نفسها؛ كالسيد حسن الخميني والسيد أحمد الخاتمي والسيد مجتبى الخامنئي والشيخ محسن الأراكي والشيخ علي رضا الأعرافي والسيد هاشم الحسيني البوشهري والسيد محمد مهدي مير الباقري وآخرين. غير أن تداول هذه الأسماء لم يصدر من اللجنة الثلاثية التي شكلها مجلس الخبراء، بل هو جزء من تكهنات المراقبين والمعنيين. ويمكن القول إن عقبات أساسية تقف أمام بعض هذه الشخصيات، وخاصة السيد حسن الخميني، حفيد الإمام الخميني، بسبب عدم قبول ترشيحه سابقاً لمجلس الخبراء، ما يعني عدم تمتعه بشرط الاجتهاد، وكذلك السيد أحمد الخاتمي، إمام جمعة طهران المؤقت؛ بسبب عدم تمتعه بالمقبولية من كثير من التيارات السياسية الأساسية. أما السيد مجتبى الخامنئي، الابن الثاني لآية الله الخامنئي؛ فإنّ أباه رفض تداول اسمه وترشيحه، لأن ذلك يعني ـ كما أكد ـ توريث الحكم، فضلاً عن أنه لا يوافق أن يكون أولاده وأحفاده وأصهاره في مناصب حكومية ومواقع سياسية ومالية، رغم أن السيد مجتبى الخامنئي يتمتع بشرط الاجتهاد، وهو أحد أساتذة البحث الخارج (الدراسات العليا) في الحوزة. وربما كان تركيز الجماعات السياسية المعارِضة للجمهورية الإسلامية على اسم السيد مجتبى الخامنئي؛ بوصفه المرشح الأوفر حظاً، تقف وراءه تسريبات المؤسسات الإيرانية الرسمية المعنية؛ لصرف الأنظار عن المرشح الحقيقي. وبالتالي؛ يمكن القول إن أسماء الشخصيات الخمسة التي تبقى في دائرة الاحتمالات، والتي يبلغ متوسط أعمارها (65) سنة، هي:

    1- الشيخ صادق اللاريجاني: سبق الحديث عن سيرته في فقرة سابقة.

    2- الشيخ محسن الأراكي (العراقي): ولد في النجف الأشرف في العام 1956، في عائلة علمية دينية؛ فوالده كان من كبار فقهاء النجف. بدأ الشيخ الأراكي دراسته في النجف الأشرف في العام 1968، وكان من أبرز أساتذته آية الله السيد محمد باقر الصدر. هاجر إلى إيران في العام 1976 بعد ملاحقته من سلطات البعث، بسبب تعاونه مع الحركة الإسلامية العراقية وانخراطه في حركة الإمام الخميني في الوقت نفسه. وفي قم استأنف دراسته العليا في حوزتها على يد كبار فقهائها، كالشيخ الوحيد الخراساني والسيد كاظم الحائري. وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران انخرط في سلك القضاء، ثم ابتعثه آية الله الخامنئي الى بريطانيا وكيلاً عاماً عنه، وهناك أسس «المركز الإسلامي» و«جماعة علماء المسلمين في بريطانيا»، كما حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة بورتسموث البريطانية في الفلسفة المقارنة.


    وبعد عودته إلى إيران في العام 2004، تم تعيينه أميناً عاماً للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وعضواً في جماعة مدرسي الحوزة العلمية في قم، وعضواً في المجلس الأعلى لإدارة الحوزة العلمية في قم، كما انتخب عضواً في مجلس الخبراء، وهو اليوم أحد كبار الفقهاء في الحوزة ومن أساتذة البحث الخارج فيها.

    3- الشيخ علي رضا الأعرافي: ولد في العام 1959في مدينة ميبد (محافظة يزد) في عائلة علمية دينية؛ فقد كان والده فقيهاً معروفاً وصديقاً مقرباً من الإمام الخميني. بدأ دراسته الحوزوية في قم في العام 1970، واستمر منتظماً فيها حتى حصوله على درجة الاجتهاد، وكان من جملة أساتذته: السيد كاظم الحائري والشيخ الوحيد الخراساني والشيخ مرتضى الحائري. تسنم عدد من المناصب الإدارية الحوزوية منذ ثمانينات القرن الماضي، ثم أصبح رئيساً لـ«المركز العالمي للعلوم الإسلامية» ثم جامعة المصطفى العالمية حتى العام 2017.

    كما عمل عضواً في المجلس الأعلى للثورة الثقافية، وعضواً في جماعة مدرسي الحوزة العلمية، ورئيساً لمجلس إدارة الحوزات العلمية في إيران، وعضواً في مجلس صيانة الدستور، كما تم انتخابه عضواً في مجلس الخبراء في العام 2021، وهو اليوم أحد فقهاء قم البارزين. 4- السيد هاشم الحسيني البوشهري: ولد في العام 1956 في بوشهر (جنوب إيران).التحق في مطلع شبابه بالحوزة العلمية في قم، وتدرج في الدراسة حتى حاز درجة الاجتهاد، وكان من أبرز أساتذته: الميرزا هاشم الآملي والشيخ ناصر مكارم الشيرازي والشيخ حسين الوحيد الخراساني والميرزا جواد التبريزي. وإلى جانب تدريسه البحث الخارج (الدراسات العليا) في حوزة قم؛ فإنه شغل عدداً من المناصب الرأسية فيها، أهمها رئاسة مجلس إدارة الحوزة، ورئاسة جماعة مدرسي الحوزة، فضلاً عن كونه إمام الجمعة المؤقت في قم، كما انتخب عضواً في مجلس الخبراء، ثم النائب الأول لرئيس المجلس. 5- السيد محمد مهدي مير الباقري: ولد في مدينة قم في العام 1961، ودرس في حوزتها العلمية في سن مبكرة، وكان من أبرز أساتذته في مرحلة الدراسات العليا: الميرزا جواد التبريزي والشيخ حسين الوحيد الخراساني والشيخ محمد تقي بهجت والشيخ جعفر السبحاني، ويعد اليوم من كبار فقهاء قم وأحد أساتذة البحث الخارج في حوزتها، إضافةً إلى كونه أحد أهم المفكرين الإسلاميين الناشطين في المجال البحثي والتنظيري وتجديد الفكر الإسلامي، ويشتهر بالخطب والحوارات الدينية الفكرية التي تمثل التيار الديني والسياسي الأصولي في إيران، وهو يميل إلى الأعمال العلمية والفكرية والتنظيرية أكثر من الأعمال الإدارية والسياسية والمناصب الحكومية، ولذلك لم يتسلم أي منصب إداري حوزوي أو منصب حكومي، باستثناء عضوية مجلس خبراء القيادة ورئاسة أكاديمية العلوم الإسلامية في قم. وهناك إجماع لدى الرأي العام الحوزوي على اجتهاد هؤلاء الخمسة وفقاهتهم واستقامتهم واعتدال مواقفهم العلمية والحوزوية والاجتماعية والسياسية.

    ورغم ذلك؛ فإن هناك من يُضعف من حظوظ كل واحد منهم؛ فالشيخ صادق اللاريجاني أخفق في الفوز في انتخابات مجلس الخبراء التي جرت في العام 2023، أما الشيخ محسن العراقي فأصوله عراقية، في حين أن الشيخ علي رضا الأعرافي ليس لديهم خبرة في إدارة الدولة؛ فضلاً عن كون هؤلاء الثلاثة (اللاريجاني والعراقي والأعرافي) ليسوا من السادة (ذرية رسول الله)، وهو معيار شكلي ترجيحي، يميل إليه عموم الشيعة غالباً، سواء في العراق أو إيران أو البلدان الأخرى. كما يرد إشكال عدم امتلاك الخبرة في إدارة الدولة على السيد هاشم الحسيني البوشهري والسيد محمد مهدي مير الباقري، باستثناء عضويتهما في مجلس الخبراء؛ إذ تتلخص خبراتهما الإدارية في المجالات العلمية والحوزوية. ولعل من الطبيعي أن ترد هكذا ملاحظات وغيرها على جميع من يتصدى لموقع المرجعية والقيادة. ويُعتقد أن انتخاب الولي الفقيه القادم سيتم بسلاسة، ودون حدوث إشكالات أمنية وسياسية؛ بالنظر لاستحكام المنظومة المؤسساتية للدولة، بما في ذلك المؤسسات الدينية والسياسية والعسكرية، وقدرتها على تجاوز الحدث، ومنع حدوث أي خلل في حركة النظام، ووضوح عمل السلطة الدستورية المعنية بانتخاب الولي الفقيه الجديد، فضلاً عما سرّبه خلال نيسان/ إبريل 2024 عضو مجلس الخبراء السيد محمد علي الجزائري بأن الولي الفقيه القادم قد تم تحديده من قبل مجلس الخبراء، لكن اسمه سيبقى قيد السرية؛ تبعاً لقرار المجلس؛ للحيلولة دون تعرضة للخطر؛ ما يعني تصفير احتمالات بروز خلافات بين المجتهدين الـ (88) حول شخصية الوالي الفقيه الجديد.


    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
    الإحالات(1)

    لم يكن السيد علي الخامنئي مرجعاً دينياً حين انتخب لمنصب القائد، ولكن بعد وفاة المرجع الأعلى السيد محمد رضا الموسوي الگلبايگاني في العام 1993 ثم المرجع الشيخ محمد علي الأراكي في العام 1994؛ حين طرحت الأوساط العلمية الدينية في إيران، وخاصة جماعة مدرسي الحوزة العلمية في قم وجماعة علماء طهران، مرجعية السيد الخامنئي، والتي تحولت خلال عشر سنوات إلى إحدى المرجعيتين الشيعيتين الأعليين على مستوى العام.(2) «دستور الجمهورية الإسلامية في إيران»، المادتان 107ـ 108. أنظر: د. علي المؤمن، «القانون الدستوري والنظام السياسي في إيران»، ص 167 -175.(3) المصدر السابق.







  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي






ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني