أكره لكم أن تكونوا سبابـين

هذه الجملة المباركة نطق بها فم ولي الله وحجته على عباده أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وذلك عندما نقل له بأن بعضاً من عسكره يسبون معاوية وجنوده وهم أنداده والخارجين عن طاعة الله تعالى وطاعته ، وهو إنما يجسد بقوله هذا خلق الإسلام الرفيع والمسلم الحقيقي الذي لا يعتدي على أحدٍ ولا يشمت بالآخرين لأنها ليست الغاية التي ينشدها حتى في منازلة أعداءه وإنما غايته رضا الله جل وعلا (( ولا يطاع الله من حيث يعصى)) فإذا كان سب المنافقين والخارجين عن طاعة الله تعالى قد كرهه أمير المتقين فما حاله عندما يسمع من ينتسب إليه بدينه ومذهبه يتناول سب القيادات الدينية التي تحاول بكل ما مكنها الله تعالى من وسائل تراها مناسبة للدفاع عن دين الله العلي القدير ، وفي هذه المرحلة الحرجة من حياة الأمة التي اشتدت بها الفتن ودارت بها الدوائر بشكل سريع ومريع نسمع بمليء الآذان من يتناول رجال ديننا الكرام من علماء أو قادة بالسب والذم عشرات المرات في اليوم والليلة ، وليت هؤلاء وأمثالهم يسمعون علياً (عليه السلام) وهو يخطب في جنده ينهاهم عن سب معاوية ومنافقيه فكيف يرضى بسب مؤمن أو مسلم وإنَّ حرمة المؤمن كما يعلم جميع المسلمين لأعظم قدراً عند الله تعالى من حرمة الكعبة المشرفة ، لقد مرت الكوارث الشديدة وهدّمت الجوامع والدور السكنية في مدينة الفلوجة وقُتل المئات من الشيوخ والنساء والأطفال ولكن عندما يُلتقى بأبناء المدينة من قبل رجال الإعلام لا يطعنون برجالهم الذين يقاتلون قوات الاحتلال رغم وجود الكثير من الشبه التي تحيط بهذه المنازلة فلا تجدهم ينعتونهم إلا بالمجاهدين والأبطال ومثلهم أهل فلسطين عندما سقطت صواريخ صدام الملعون على مقربة منهم قاصدة الصهاينة( كما يدّعي) وتهدمت بيوت الفلسطينيين آنذاك إلا أنهم خرجوا يهتفون باسمه لأن المقصود بالمجابهة هو العدو المشترك الذي استباح المحرمات ، ولم يأتي إلى هاهنا إلا لسحق الإسلام و أهله وهيهات له ذلك .
وبغض النظر عن صواب أو خطأ المنهج الذي يتخذه قائد من قادتنا أو مرجع من مراجعنا في مجابهة قوات الاحتلال أفلا ينبغي علينا أن نناقش الفكرة ( إن كنا من أهل الاختصاص ويحق لنا المناقشة) من غير أن نطعن بالمفكر ، ثم لنلقي نظرة إلى الوراء ونتفحص التاريخ لنعلم إن ( زيد بن علي (عليه السلام)) لم يخرج في حربه ضد الطغيان بإذن صريح من الإمام المفترض الطاعة ومثله كذلك المختار والتوابين فيما ينقل إلا أننا نجد المعصومين (عليهم السلام) عندما يذكرونهم يعبرون عنهم بالشهداء والأبطال ، فهل قرأنا في التاريخ أحد من المؤمنين يسب ويلعن زيد بن علي (عليه السلام) لأنه اتخذ سياسة تختلف عن سياسة الإمام الصادق (عليه السلام) أو إن مؤمناً كان يسب الإمام الصادق (عليه السلام) لأنه لم يقاتل آنذاك ، ولن يعسر علينا فهم المعنى لأننا جميعاً نثق بالحديث المتواتر عمن لا ينطق عن الهوى (صلوات الله تعالى عليه وعلى آله) (( إنما الأعمال بالنيّات)) فإن المرء يدان بنيته فويل لمن حرك شفتيه بسب من أخلص نيته لله تعالى وادعى عليه كذباً من غير تثبيت (( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)) ، (( وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)) ، فاتقوا الله جل وعلا يا آل الله تعالى من أن تنطق الألسن بما لا يحمد عقباه غداً في يوم لا ينفع المسيئون معذرتهم ولات حين ندم.
اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل الدين واعصمنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن إنك سميع مجيب.