 |
-
رصدنا أم رصدهم؟ حازم صاغيّة
رصدنا أم رصدهم؟
حازم صاغيّة الحياة 2004/11/9
مع إعادة انتخاب جورج بوش، تسارع القوى المتنازعة مع الولايات المتحدة الى ترتيب حساباتها. ودمشق، الأقرب الى الفلوجة، تبدو السبّاقة في محاولة التكيّف. فما كاد يذيع خبر الجدار الذي يُبنى على الحدود السورية - العراقية، حتى أمطرت السماء تنازلات. فقد أعلن فاروق الشرع، وزير الخارجية، ان بلاده ستوقع على بروتوكول أمني مع بغداد لضبط الحدود. وبلغة غير مألوفة في رئيس الديبلوماسية السورية، رأى ان مؤتمر شرم الشيخ قد يفيد العراق في تحسين الوضع الأمني «بمساعدة دول الجوار». واكتشف الشرع ايجابيات وتطورات جديدة في تصريحات بوش الأخيرة، ولم يفتْه تسجيل ان القرار الـ1559 لا يتضمن أي مسّ بسورية ولبنان.
وهذه المواقف التي تنقلب تماماً على ما كان يقال قبل أيام، تجد ما يوازيها في الاعلان عن ترك «الاقتصاد الاشتراكي المركزي» وتبني «اقتصاد السوق». وهذا، اذا ما صح، عنى التخلي عن الأقنوم الثالث من أقانيم البعث الثلاثة: الوحدة والحرية والاشتراكية والكفّ، تالياً، عن اتّباع الطرائق التي سُـيّر بها الاقتصاد السوري منذ 8 آذار (مارس) 1963.
وليست إيران بعيدة عن المواكبة وإن بطريقة أهدأ وأقل تعثّراً. فهي الأخرى أعلنت عن توصلها الى «اتفاق مبدئي» مع فرنسا وبريطانيا والمانيا بشأن ملفها النووي يتناول «التعاون السياسي والاقتصادي والأمني والتكنولوجي»، مشيرةً الى «تحول جذري» في علاقتها مع المجتمع الدولي. وإذ تم التذكير بمشروع قانون معروض على البرلمان الايراني هدفه حظر الأسلحة النووية، بات المرجّح ان تتخلى طهران عن التخصيب قطعاً للطريق على إدانة في مجلس الأمن تتلوها عقوبات مؤلمة بالضرورة. ويصح الترجيح نفسه في ما خص المدى الذي يمكن للموقف الصيني (والروسي؟) أن يبلغه، وهو مدى يجعله العناد الاميركي قصيراً ومتردداً.
لهذا لم يحل موقف بكين دون خطبة المرشد الأعلى خامنئي، في صلاة الجمعة، حيث قال إن الاسلام لا يجيز صنع أسلحة نووية وتملّكها. وقد وفّرت الخطبة مناسبة للخارجية الايرانية كي تعيد الى الأذهان فتوى سابقة لخامنئي بهذا المعنى.
ثم، إذا صحت الأخبار عن مساعٍ لتعديل الدستور الفلسطيني ينقل المجلس التشريعي السلطة بموجبها الى محمود عباس (أبو مازن)، كنا أمام تحولٍ كبير هو الآخر. فعباس الأبكر بين القادة الفلسطينيين في معارضة عسكرة الانتفاضة، والأعلى صوتاً في طلب السير على طريق التسوية تبعاً لاستراتيجية متماسكة لا ينفي بعضُها بعضَها الآخر.
بيد أن الوجهة المذكورة، والتي اذا ما تكاملت جعلت من معمر القذافي سبّاقاً ومؤسساً، تقف أمام «الساحة اللبنانية» وقوفاً يجمع بين العجز والمكر. فـ«دولة» حزب الله قررت ان ترسل «مرصاد ـ 1»، طائرةً من دون طيار «لاستطلاع» أراضي العدو ومستوطناته. ولئن اعترفت «هآرتز» بأن عدم اكتشاف الجيش الاسرائيلي الطائرةَ كفيل بأن «يُخجل كبار ضباطه»، تحولت عبارتها وعبارات اسرائيلية مماثلة الى عنتريات من النوع المعهود في كلامنا السياسي. فالبعض عندنا تحدث عن «خلق توازن في الجو»، والبعض الآخر عن «إرساء معادلة استراتيجية جديدة». وقد يدوم هذا الزجل يومين أو ثلاثة نكتشف بعدها، كما اكتشفنا مليون مرة قبلاً، ان «الكرامة» لا تُسترد بمجرد الدخول القوي في المواجهات بل بالخروج القوي منها. ولئن تحدثت اسرائيل عن مسؤولية السلطة اللبنانية، فالواضح ان كتفي الرئيسين اميل لحود وعمر كرامي أضيق من أن يتحولا مطاراً حربياً لـ«طائرات» حزب الله فيما تتهدّل أكتاف دمشق وطهران اللتين تتلمسّان طرقاً للخروج من الحروب... إلا في «ساحة» لحود وكرامي. وحين يكون الوضع الاجمالي على هذا النحو، ويكون لبنان وحده ذاهباً، باستحمار الآخرين له، الى حروب يعودون هم منها، تصبح «مرصاد ـ 1» رصداً لأحوالنا لا لأحوال العدو. فهم تحدثوا عن قصور مخجل، ونحن، الذين نقاتل وحدنا، تحدثنا عن «إرساء معادلة استراتيجية جديدة»!
هل نضيف أننا بحاجة فعلية الى رصد عيادي مدقق؟
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |