هناك حل منطقي وضعه أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب عليه السلام للانسان الذي يختلط عليه الحق والباطل فهو سلام اللَّه عليه يقول أولا :
وأيم اللَّه لابقرنّ بطن الباطل حتّى أُخرج الحقّ من خاصرته...(1)
وفي هذا ينقسم الناس أيضاً الى صنفين:
صنف يرى عائشة (أم المؤمنين) تركب جملها قاطعةً الفيافي والقفار طلباً للثأر لدم الخليفة (المظلوم) عثمان، ومعها طلحة الذي قيل ان النبي صلى الله عليه وآله سماه (طلحة الخير) ومعه الزبير حواري رسول اللَّه الذي بشّر النبيقاتله بالنار...
فيما يَرى هذا الإنسان الساذج البرىء في الجانب الآخر علياً عليه السلام بكل ما يحمل من أوسمة الفخار ونياشين الثناء التي قلّده إياها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، ومعه عمار الذي (تقتله الفئة الباغية) و ابو ذر الذي (لم تقلّ الرمضاء ولا الخضراء أصدق ذي لهجة منه) وكذلك الحسن والحسين (سيدا شباب أهل الجنّة)... بنصّ النبي أيضاً.
وهنا يأتي القول الفصل لعلي حين يطالبه أحد هؤلاء البسطاء بسيف يفرّق بين أهل الحق وأهل الباطل،
فيجيبه - عليهالسلام:
أعرف الحق تعرف أهله واعرف الباطل تعرف أهله ... إنّ الحق لا يُعرف بالرجال وانّما يُعرف الرجال بالحقّ
ولكن كيف يا أبا الحسن وللرجال حق في أقوال النبيصلى الله عليه وآله وثنائه عليهم ولهم حق القول الفصل، وحين يختلط حابل الأقوال بنابلها يأتي قوله الآخر (سلام اللَّه عليه) :
ان الذي طلب الحق فأخطأه ليس كمن طلَب الباطل فأصابه
وهنا يضع اصبعه على الجرح، أي على المنطلق وعلى النية وعلى الهدف، فيسقط ما بأيدي المغرضين الذين يعرفون أنفسهم ويعرفون منطلقاتهم وأهدافهم أكثر من غيرهم وهل مسعاهم هو رضا اللَّه وخشية يوم الحساب، أو أن سعيهم وكدحهم (لدنيا يُصيبها أو امرأة ينكحها) وفي ذلك فصلخطاب...
وحيث يترك المرء لضميره ووجدانه، فيأتي التأريخ لينقل عنعائشة قولها في يوم الجمل: (وددتُ لو متّ قبل هذا اليوم بعشرين عاماً)
وهيالقائلة بعد رجوعها من البصرة: (واللَّه إن قعودي عن يوم الجمل لأحبّ اليّ، لو أتيح لي، من أن يكون لي عشرة بنين من رسول اللَّه...)2
وبالرغم من ان علياً بقي يشتم أكثر من سبعين عاماً (لأنه حارب أم المؤمنين) وحسابه نيته طبعاً، ولكن الخلود يبقى من نصيب عليّ، والشتيمة الباطلة تذروها رياح الحق، وتكفيرها عمل صالح وتوبة صادقة وعودٌ الى الحق والرجال، ولو بعد سنين عجاف.
فهل نرجع الى انفسنا قليلا ونرى هل نحن مع الحق أو مع الرجال ..؟
أتمني ذلك .... ولكن ....
قيصر الركابي
المصادر :
1) نهج البلاغة: محمد عبدة ج 1 / ص 200
2) انظر: طه حسين - الفتنة الكبرى ج 2 / ص 59