[align=justify]بغداد/ محمد الساري

يزاول العراقيون على مدى عشرات السنين مهن وحرف يدوية وشعبية تداولوا الكثير منها عبر سنوات الممارسة التي ورثوها او تعلموها من آبائهم او الاجيال التي سبقتهم.. ومن طبيعة العراقيين الرجال والنساء على السواء هو حبهم للتجول والتبضع من الاسواق واحيانا للتطلع ومعرفة كل ما يتم عرضه او ما يقوم المهرة واصحاب الحرف اليدوية بانتاجه.. وقد تفنن اصحاب المهن في ذلك وطوروا مهاراتهم وادواتهم في العمل والبعض منهم اخذ بمزاوجة القديم والحديث من خلال استخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة في تطوير مهنته او الحرفة التي داوم على مزاولتها.. لكن ما يثير الملاحظة والانتباه هو تداخل الاحداث والمتغيرات وتأثيراتها في مزاولة الكثير من المهن والحرف.. اذ تندثر او تختفي البعض منها وتظهر وتنتشر مهن جديدة لم تكن مألوفة.. وقد يرد البعض من الخبراء في مجال المهنة والتسوق الى تأثير العرض والطلب والحاجة المتزايدة من قبل الافراد الى وجود مهنة جديدة لتلبية الاحتياجات والمتطلبات الحاصلة وفقا للتغيرات الجديدة.. ومن يتجول في اسواقنا المحلية هذه الايام بالرغم من تأثيرات الظروف الامنية القلقة فيها ورصدها باستمرار بعمليات تخريبية وتفجيرات الامر الذي يقلل من روادها وباعتها على السواء يلاحظ مع ذلك بروز مهن وحرف يدوية تحتاج احيانا الى بعض المهارات الالكترونية وفقا للمتطلبات والمتغيرات الحاصلة بعد التاسع من نيسان 2007ومن هذه المهن بيع وتصليح اجهزة الموبايل الهاتف النقال - والتفنن في عرض الموجودات منها واقتناء احدث الموديلات والانواع ولكون روادها كثيرون بسبب انتشار الموبايل ودخول شركات الهاتف النقال بكثرة بعد الاحداث نظرا لمنع ترويجها وتداولها خلال حكم النظام البائد.. وكذلك مهنة نصب وتصليح اجهزة الستلايت التي لم تكن مألوفة هي الاخرى بهذا الحجم والانتشار بين صفوف العراقيين، وهناك مهن اخرى لا يتسع المجال لعدها وحصرها اوجدتها الظروف والمتغيرات الحاصلة ومنها على سبيل المثال الانتشار الواسع لمحال بيع اقراص الـ “CD “ بجميع انواعها لا سيما الدينية التي لم يكن يسمح بانتشارها ابان حكم النظام البائد.. وكذلك مكاتب واكشاك بيع كارتات الارصدة لخطوط الموبايل التي وصلت الى مستوى التضارب والمنافسة والتباين في مستوى الاسعار.. وغيرها من المهن الاخرى.. في حين شهد هذا المجال اختفاء او انزواء مهن وحرف اخرى بعد التغيرات الحاصلة نظرا لاغراق الاسواق بشتى البضائع الالكترونية والغذائية والبلاستيكية والنسيجية الامر الذي قضى بشكل ملحوظ على مهن صناعة المفروشات والاقفاص والسلال والحصران وبعض الصناعات البلاستيكية والغذائية نظرا للمنافسة القوية في مجال العرض والطلب والاسعار التي تلقي بضلالها القوية في جميع المنافسات الحاصلة..

(الحرمان والمنع.. والانفلات)

يقول السيد اكرم سالم - صاحب محل بيع وتصليح الموبايل - انه اوجد هذه المهنة اسوة بزملائه بعد سقوط النظام البائد نظرا للطلب الحاصل عليها وكثرة متداوليها مؤكدا حرمان العراقيين من هذه التقنيات التكنلوجية طوال عقود مضت بسبب المنع الذي لا مبرر له- ويضيف سالم.. ان مزاولة مهنة بيع وتصليح اجهزة الموبايل هي مهنة شيقة وسهلة في نفس الوقت فضلا عن كونها تدر دخلا ماليا لا بأس به.. مبينا انه يقتني احدث الاجهزة المتطورة ويقوم بشراء وبيع كل ماهو متداول بين الناس لاسيما الشباب الذين يعدون من افضل الزبائن لانهم يحبون التغيير باستمرار وبالتالي نحن نحقق فروقات احيانا كبيرة في البيع والشراء لهذه الاجهزة التي نبيعها اليوم لتعود الينا بعد اسبوعين باسعار اقل مع محافظتها على مواصفاتها المتوفرة.

(مهن حديثة.. وسهلة)

ويشير ساهي المولى - صاحب كشك لبيع كارتات وخطوط الموبايل - الى انه يستمتع كثيرا بعمله الحالي بالقياس الى عمله السابق - مصلح اجهزة تلفزيون ومسجل - مؤكدا وجود زبائن ورواد كثيرين فضلا عن كونه يقوم بمساعدة الزبائن الذين ليس لديهم اجهزة نقال باجراء مكالماتهم نظير اجور متواضعة.. ويقارن المولى بين مهنته السابقة والحالية مشددا على سهولة ونظافة المهنة الحالية فضلا عن حصوله على الكثير من المهارات والخبرات في مجال عمل اجهزة الموبايل والكمبيوتر نظرا لتوفر الوقت والمال اللذان ساعداه كثيرا في تطوير مهاراته التي ستساعده مستقبلا - حسب قوله - في الحصول على الوظيفة اللائقة والمناسبة ليعيش بكرامة واستقرار.

“مهنة متعبة لكنها تدر الكثير”

اما السيد عدنان محمد - صاحب مكتب لبيع وتصليح ونصب اجهزة الستلايت - فيتطرق الى المتاعب والجهد الذي يبذله في ممارسة هذه المهنة بالرغم من المردود المالي المرتفع والذي يحقق له فرص ومجالات اوسع مما كانت في السابق.. مؤكدا عدم امتلاكه للوقت الكافي لتلبية متطلبات الزبائن التي عادة ما تكون نصب اجهزة الستلايت وبرمجتها في المنازل فضلا عن ترك العاملين معه بمجرد امتلاكهم لمهارات نصب هذه الاجهزة وقيامهم بالعمل لحسابهم الخاص..

بعضهم يبحث عن البديل

اما السيد رحيم لفته.. صاحب ورشة لتصليح الاجهزة والملفات الكهربائية بانواعها.. فيعبر عن تذمره وعدم رضاه عن مهنته التي اصبحت لا تماشي التطورات والتغيرات الحاصلة - حسب قوله - مؤكدا وجود اجهزة كهربائية جديدة تباع باثمان زهيدة تؤثر على مهنته الامر الذي جعل الكثير من الناس يهملون اجهزتهم العاطلة ويحبذون شراء اجهزة جديدة نظرا لرخص اسعارها بالرغم من عدم جودة نوعياتها او رداءتها.. ويتطرق السيد لفته الى هموم العمل في هذه المهن حاليا معربا عن امله في الحصول على وظيفة مناسبة تحقق له دخلا مناسبا تكفيه هو وعياله وعندها يهجر هذه المهنة.

ولباعة “البالات” همومهم

ويشير باعة الملابس القديمة “البالات” احمد ورحيم وعباس وثامر وكريم الذين يزاولون هذه المهنة في منطقة الباب الشرقي منذ سنين الى انهم لا يعرفون غير هذه المهنة بالرغم من كسادها في الظروف الراهنة بسبب كثرة عرض الملابس الجديدة وباسعار مناسبة فضلا عن تأثيرات الظرف الامني التي قللت كثيرا من الزبائن بسبب التخوف والقلق لا سيما بعد حصول التفجيرات في الاسواق ومنها الباب الشرقي.. مؤكدين انهم احيانا لا يحصلون على ما يكفي لسد لقمة العيش لهم ولعيالهم لكنهم لم يجدوا البديل.. معربين عن املهم في ايجاد فرص عمل جديدة لهم من خلال مراجعاتهم المستمرة الى مكتب شؤون العاطلين في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية..

مهن لا تقوى على المنافسة

ولاصحاب الحرف اليدوية كصناعة الابسطة والسجاد العراقي المحلي والحصران والاسرة التي تستخدم المواد الاولية من النخيل والالياف همومهم ومعاناتهم ايضا نظرا للكساد الكبير والملحوظ في مجالات الانتاج والتسويق لبضاعتهم التي كانت رائجة قبل التغيرات الحاصلة نظرا لدخول مواد مستوردة وتباع باسعار ارخص مما تباع به بضاعتهم.. وكذلك الحال بالنسبة للحرفيين العاملين في صناعة سوق الصفارين المتنوعة والكاسدة هي الاخرى.. وصناعة المواد البلاستيكية التي انزوت كذلك لعدم قدرتها على المنافسة في مجال الجودة والتطور وغيرها من المهن والحرف الشعبية الاخرى..

متطلبات متزايدة.. ومهن منزوية

وبالرغم من ان البعض يعد ذلك من حسنات التطور والانفتاح الذي شهد جميع المجالات ليصل احيانا حد الانفلات.. الا ان العاملين في المهن القديمة او تلك التي شهدت اندثارا وانزواء بسبب قلة روادها وزبائنها وقلة الطلب عليها. يجدون في ذلك ضررا اصاب مصادر ارزاقهم وجعلهم يعانون الامرين بسبب تأثيرات الظرف الامني وعدم قدرتهم على تأدية متطلباتهم الحياتية والاسرية المتراكمة والمتواصلة والمتزايدة نظرا لظهور منافذ صرفيات جديدة في مجال التيار الكهربائي والمحروقات والايجارات المتزايدة.. وكان الله في عون الجميع..[/align]