الاعلام العربي بيد مَنْ؟

كتابات - طالب الشطري

الوسيلة الاعلامية جسد دمائه الخبر وفي عالم ثورة وسائل الاتصال الجماهيري تقاسمت سطوة السيطرة على الخبر في الكرة الارضية خمس وكالات انباء كبرى هي البريطانية رويترز والاميركيتين اليونايتد والاسيوشيتد برس ووكالة الانباء الصينية شينخوا والفرنسية فرانس برس .

تمتلك رويترز وفرانس برس خدمة عربية يميل ميزان التفوق فيها لصالح فرانس برس لجهة اعداد خبر متكامل الصياغة لاياخذ من المحرر أي جهد سوى تعديل التواريخ وابقاء الخلفية او حذفها اضافة الى ترشيق الخبر اذا جاز التعبير عن طريق حذف المكرر من العبارات داخل جسم الخبر اما رويترز فالخبر عادة ياتي منها خام تقريبا وهو مايتطلب جهدا ووقتا في صياغته .

ويحسب لفرانس برس السرعة في تغطية الاخبار السياسية واخبار الصراعات والحوادث فيما هناك تفوق نوعا ما لرويترز في مجال الخبر الاقتصادي .

يقع عقل المتلقي لوسائل الاعلام العربية تحت تاثير هاتين الوكالتين ونتيجة اختزال الجهود على المحررين تصل اخبار فرانس برس الى المتلقي العربي بكثافة اكبر من اخبار رويترز ويمكن للقارئ ملاحظة انه دائما يقرا خبرا يتصدره توقيع ا ف ب

يدار القسم العربي لفرانس برس من قبرص بايدي لبنانيين وفلسطينيين درجة احترافهم عالية يخرج من تحت ايديهم زادنا اليومي من الاخبار المكتوبة والمسموعة والمقروءة ويشكلون بمصطلحاتهم رؤى الناس ومواقفها من الاحداث .

يهتم المختص ربما بمصدر الخبر وينتظر من المرسل ان يطلعه على اسم المصدر ليتسنى لعقله اجراء حسابات سريعة لتحديد موقف من الخبر اما المتلقي غير المختص فلا يهتم بالمصدر وتوجد قلة من الناس تعرف مثلا ان وسائل الاعلام العربية صحافة اذاعة تلفزيون لها مرجعية اخبارية دائمة تتمثل بوكالات الانباء .

ايا كانت درجة المهنية فان الخبر لابد ان تضاف له درجة لونية من معده وتختلف قوة الدرجة من محرر الى اخر حسب الكفاءة المهنية والمحرر المحترف بمكنته ان يصبغ خبره بصبغة حياد تام في وقت ان خبره منحاز انحيازا تاما .

ومن الاعتقادات بشان عدم حيادية الخبر الفهم السائد بان الانحياز يتم تضمينه في الخبر بصورة مباشرة او غير مباشرة لكن مانراه ان اقوى انواع الانحياز هو التحكم بالاخبار بثا وحجزا وفقا لمصالح المرسل ولدينا هنا نماذج تطبيقية هي كل مرادنا من هذا التطويل على القارئ .

جليل ابراهيم غضبان صحفي محترف يحمل شهادة بكالوريوس في الصحافة من جامعة بغداد قسم الاعلام وهو حاليا محرر في فضائية حاول هذا الصحفي تحقيق اختراق يكسر حاجز سياسة التعتيم الاعلامي التي ينتهجها نظام الرئيس صدام حسين تجاه الوجودات المعارضة المسلح منها خاصة وبالاخص الموجود منها في مربع المياه والصحراء بين البصرة والعمارة والكوت والناصرية .

ابتداء من اذار عام 1991 كانت هذه المناطق تشهد صراعا عنيفا نعتقد انه كان وراء انهاك النظام وقد عمل غضبان على تنظيم العمل الاعلامي وعكس اخبار مايدور الى الخارج وقد عمل على تكوين شبكة علاقات مع مراسلي وسائل الاعلام وعمل على ايصال الاخبار التي تتضمن حرفية في الصياغة ومصداقية الى هؤلاء المراسلين لكن الذي حصل ان الاستجابة جاءت طيلة عقد من الزمن عبر وسائل اعلام دولة واحدة كانت تمتلك علاقات سيئة مع نظام صدام حسين ولو قدر لنا ان نتحرى عن الاسباب لوجدنا في الطريق الى ذلك امر لابد من كشفه مع انه جلي للعيان لكن كما يعلم القارئ فالنظر غير الابصار وكم من صديق عاتبنا بالقول انك كنت تنظر الي فلماذا لم ترني .

وسائل الاعلام العربية اجمالا تدار من قبل محررين من ثلاث جنسيات فلسطين مصر لبنان وبحكم اعتقادهم بخطورة دور الاعلام انغمس الفلسطينيون في العمل الاعلامي عن احتراف او عن ممارسة او عن طريق الملكية والمصريون عرفوا الطريق المريح في مهنة المتاعب هذه وهم كما يقول المثل المصري كسيبة كويسين وقد انقسموا الى قسمين قسم ركب امواج الخليج وقسم اخر اكتشف لعبة الترويج للانظمة الشمولية مقابل اموال سخية واخرون ولجوا من باب المهنة واللبنانيون مثلما برعوا في التجارة برعوا في مجال الاعلام وهذا الثلاثي هو الذي يمسك بدفة الاعلام العربي واليه تاتي الاخبار من زملاء في فرانس برس ورويترز .

اخر حراس البوابات الاعلامية واولها اذن هم الفلسطينيون والمصريون واللبنانيون وللمرء ان يحسب حجم التراكم في التوجيه ونوعه ابتداء من تغطية الخبر الى صياغته ثم اجراء التعديلات النهائية عليه وطريقة بثه وهو بايدي المحرر الذي تحدثنا عنه ومحكوم بسياسة منحازة سلفا والجميع داخل وعاء الانحياز السياسي والمذهبي والفكري والثقافي والعقائدي وايضا تحت تاثير الرشوة .

كان غضبان يعد اخبارا عن عمليات عسكرية كبيرة للجيش العراقي وايضا يغطي اخبار العمليات المسلحة للمعارضين لكن قائد ميداني مثل كريم المحمداوي وعشرات الاسماء الاخرى ظلت طي التعتيم الاعلامي مع ان هناك من يقوم بايصال اخبارها الى وسائل الاعلام التي تقوم بحجب هذه الاخبار تحت ذرائع شتى منها عدم تشجيع زعزة استقرار دولة مستقلة لكننا نرى اليوم نفس وسائل الاعلام تتبنى راي مختلف بشان ملثمين يرتكبون جرائم ويتم تسويقهم اعلاميا .

قدر لي ان اتحدث مع رئيس القسم العربي لوكالة الصحافة الفرنسية وسقت له مثالا على طبيعة الانحياز في التغطية الاخبارية اقدمت عليه الوكالة بشان ايران ففي يوم افتتاح ايران لسكة حديد طهران كرج وهي شريان حيوي بالفعل تجاهلت الفرنسية الخبر وبثت مكانه خبر طريف مفاده العثور على عقرب فوق مقعد طائرة ايرانية .

يتعدى الانحيازالصياغة والمعلومات والتوجيه الى طريقة بث الخبر فخبر لصالح الشعب العراقي يتراجع على صفحات القدس العربي الى الصفحات الداخلية وبمكانات بعيدة عن مساقط النظر اما خبر يلائم التوجهات في الصحيفة فياخذ مساحة الصفحة الاولى حتى لو كان عن شخص يضع عبوة ناسفة تحت انبوب نفط .

يقرا الخبر ومن خلال طريقة القراءة يتم توجيه الخبر فطريقة الالقاء يمكن لها ان تلحق الاساءة بمن تريد الوسيلة الاعلامية الاساءة اليه فخبر عن استلام اوراق اعتماد سفراء من قبل الرئيس عجيل الياور من الممكن ان يتحول الى سخرية سوداء بشخص الرئيس من خلال طريقة القاء جمال ريان او جميل عازر.

المصلحة وليس الحقيقة او المهنية هي التي حكمت موقف الاعلام العربي من قضية الشعب العراقي عامة وقضية الشيعة والكرد خاصة وهناك نقاش حول السبل الناجعة للتعامل مع هكذا اعلام وتتعالى اصوات لاسكات الاعلام العربي في الساحة العراقية من خلال مقاطعته وطرد مظاهره ونرى ان هذه اضعف السبل واقلها علمية وفائدة فالاعلام المعادي يكشف لك نقاط ضعفك وقد لاترى فيه ماتحب الا انه يكشف توجهات سياسية تريد ان تعرفها وتحريض تريد ان تقف على حدوده ووسائل الاعلام العربية بالاخص يمكن التعامل معها مثل التعامل مع الكلاب النابحة فليس العاقل من يكمم فم كلب بل العاقل من يميز ما وراء النباح والتجربة المعروفة الناجحة ان يتم كشف عورات الانظمة الشمولية المحيطة بنا وفضحها امام الشعوب التي تتسلط عليها ولعل في تجربة الايرانيين مع قناة الجزيرة خير مثال فقد بثت قناة الجزيرة اعلانات عن لقاء مع مسعود رجوي زعيم تنظيم مجاهدي خلق فصعدت وسائل الاعلام الايرانية هجومها على امير قطر ونظامه واخذ القسم العربي في اذاعة طهران يبث برنامجا تحت عنوان الرسالة الاعلامية في الفضائيات العربية وصل الى عصب حساس بشان ظروف تاسيس الجزيرة وعلاقتها بتسويق اسرائيل وهو يعني حكما تحريض رجال الدين في قم على غلق مكتب الجزيرة وطرد الكوكتيل الديني المذهبي غسان بن جدو(مسيحي ثم مسلم سني فمسلم شيعي) من طهران فاثمرت الحملة عن تفاهم بين الطرفين تم بموجبه استبدال اللقاء مع رجوي بلقاء مع احمد الكاتب .

على الشيعي ان يغسل يده بصابون رقي من وسائل الاعلام العربية والايرانية وله ان يتذكر انها اوصلته الى حد التشكيك بالمسلمات فمقابره الجماعية لم تحظى الا بلقطات عابره وادوات التعذيب وصلها مصور الجزيرة وقال هذه ادوات التعذيب لكن الكاميرا سرعان ما صعدت لسطح مبنى الامن العامة تصور شخص يسرق مكبر صوت ولم نر ادوات التعذيب وتجاوزت قنوات العمل الصحفي الى عمل اللصوص فسرقت وثائق ونقلتها الى بلدانها وراح المذيعون يقلبون وثائق تخص دولة اخرى وزيفت قنوات اخرى قضايا كبرى ومنها مسالة المهجرين حيث اختزلتها باللقاء بين مراسلها وامه وشقيقاته .

لاتزال القضايا الكبرى يتم تمييعها وطمس حقائقها ولايزال التحليل يحتل مكان الخبر والخبر المفبرك مكان الخبر الصادق والخبر السلبي مكان الخبر الايجابي لايزال هناك دعم علني للتخريب في العراق من قبل الاعلام العربي بل ولانستبعد ان تتضمن نشرات الاخبار شفرات سرية لتوجيه الارهابيين فكل شيئ يظل قائما .

ان امامنا ان ناخذ الفاس ونحطم هذا الصنم بان نتحدث عن بشار الاسد وعن خامنئي وعن حمد بن ثاني وعن عبدالله بن الحسين وعن القذافي وعن شيخ زايد بتحريض يمتلك ارقام وادلة وشواهد وقبل كل شيئ نحطم صنم القضية الفلسطينية ليتادب الفلسطيني وما نحن فيه صراع سياسي طائفي عرقي الطرف الاخر فيه لايمتلك أي اخلاقيات سوى اخلاقيات القتل والالغاء والتسقيط وعلينا ان نقول له بهدوء شديد اننا ضدك مادمت ضدنا مهما كانت قضيتك وان جاوزت الحد بالوقوف مع عدونا سنقف مع عدوك انها الشريعة التي اتفقت عليها كل الاديان فلا نكن مشاريع للخديعة .