[align=justify]بغداد - محمد جياد

مشهد درامي مؤثر وتراجيديا مأساوية تعبر عن عمق المعاناة وصبر المواطن على تحملها.. ذلك المشهد الذي انحصر بين ثنايا قاعة صغيرة في معهد الطب العدلي لاتتجاوز مساحتها الخمسين مترا مربعا حيث امتلأت بجموع من الرجال والنساء تشترك بهدف واحد وهو معرفة مصير اولادها المجهول لكن هذه العيون التي كانت تنظر الى شاشة لاتتجاوز 28 بوصة مركونة في احدى زوايا غرفة الادلة الجنائية كانت تعرف مصير اولادها المحزن والاليم ومع ذلك تريد الحصول على ادلة واقعية تثبت وفاة محبيها من خلال العثور على الجثة المطلوبة..!

لكن عمق المأساة يتجسد اكثر فاكثر حين تحدق جيدا في الحاضرين الجالسين متراصين تغطي وجوههم المتعبة عيون ترنو وتنظر نحو صور لجثث امتلأت بالدماء والتعذيب والاهمال تم التقاطهـــا من قبل شعبة المفقودين المجهولي الهوية من الاموات بغية تسهيل مهمة دفنهم من قبل اناس محسنين والعمل على وضع ارقام وبيانات دالة بغية ايصال الخبر والمعلومة القاسية والاليمة الى ذويهم..!

انها معاناة يومية ومستمرة تجدها امام ابواب الطب العدلي في بغداد والمحافظات لكن مشهدها المؤلم يتجسد كثيرا في اورقة المعهد في بغداد حيث عمد القائمون على الحمايةوالموظفون على ادخال المواطنين اللاهثين للبحث عن ذويهم على شكل وجبات وجماعات متتابعة بغية فسح المجال للتعرف على الجثث نظرا لضيق مساحة القاعة التي تم وضع الحاسوب فيها لتسهيل مهمة البحث عن الجثث ومن قبل ذويهم وسط شعور يراود الجميع بان نبأ الحزن والخبر الاليم ات لامحالة..!

يقول المواطن اسعد هادي الاسدي انه يبحث عن اخيه المفقود منذ شهرين لكن دون جدوى وانه يأتي يوميا وبشكل مستمر بعد انهاء جولات البحث المكوكية المعتادة مؤكدا شعوره بالاحباط واليأس والحزن لكنه يستدرك قائلا اعرف ان اخي ميت لامحالة لكني اريد جثته لانصب مأتم العزاء.. وارتاح من قلق الليل وهم النهار ومحاصرة الاهل والاقارب والاصدقاء الذين ما انفكوا يسألونني في الذهاب والاياب.. هل عثرت على اخيك.وتقول السيدة ام نوري.. انها تشعر بالتعب والملل من طول البحث عن زوجها المفقود منذ شهر وانها اتجهت الى معهد الطب العدلي كونها تدرك بان زوجها مقتول وانها تريد ان تتأكد من خلال العثور على جثته .. مؤكدة ايمانها بالقدر المكتوب..!

مجموعة من الشبان كانوا يتوسدون بعضهم وهم يتصارخون وينظرون الى بعضهم بالحسرة والاسف والاعياء.. مندهشين لما اصاب اخاهم الكبير بعد ان عثروا عليه توا وتسلموا جثته حيث تم اخبارهم بانه قتل خلال انفجار وانه موجود في معهــد الطب العدلـــي وسط دهشة الموت المفاجىء وفداحة الموقف ومأساة المشهد.. يظل المواطن هو الانسان المجهد والمتعب والصبور والذي ما انفك يبحث عن احزانه لتصبح احلاما موعودة وموهومة لبعضهم حيث مشهد البحث عن الحل المفقود.. تتصدر هذه الاحلام المزدوجة![/align]