الدجيـــــــــل.. مدينــــــــــة وقضيــــــــــة!
صافي الياسري
في بداية الخمسينيات من القرن الماضي قتل احد اخوال صدام حسين على الطريق العام بين سامراء وبغداد ولم يعرف قاتله في حينها وبعد تسلم صدام سدة الحكم تحركت عشيرته واجبرت اهالي الدجيل على دفع دية القتيل عنوة برغم براءتهم، وقد اعترف المجرم صدام في كتابه (رجال ومدينة) ان عمومته هم القتلة هكذا تبدأ قصة الدجيل مع صدام حسين وفي تسلسلها ساكتفي بعرض قسم من شهادات اهل المدينة:
المهندس الزراعي الشيخ محمد حسن محمود المجيد الزبيدي: والدي هو الشيخ محمود المجيد الزبيدي رئيس بلدية الدجيل وأحد شيوخ المنطقة البارزين، ديوانه عامر بالزوار وقد فض العديد من النزاعات العشائرية وقدم الكثير من الخدمات للمدينة، ولم يستجب والدي للدعوات التي وجهت اليه للانضمام الى حزب البعث كمار رفض كل مغريات وهدايا صدام حسين الشخصية فهو يعرف أوّلياته تماما، وعلى هذا احتجزه صدام في 20/11/1980 وقيل لنا في حينها انه حجز احترازي وحجز معه اخي الاستاذ عبد المحسن لكن هذا الحجز الاحترازي لم ينته وقد اكتشفنا بعد سقوط النظام انه قد اعدم هو وشقيقي فضلا عن عدد كبير من سكان المدينة ولم نعرف حتى هذه اللحظة اين دفنوا!
الشيخ آصف ابراهيم الحمزة (شيخ الخزرج): في بداية عام 1982 اعتقل عدد كبر من اهالي المدينة ومن ابناء عشيرتي دون ان يبلغ ذوو المعتقلين عن سبب الاعتقال او سنده القانوني ولا عن مصيرهم ولم يسمح لاحد حتى بالسؤال عنهم.
السيد ابراهيم صالح الخفاجي (احد العائدين من ايران بعد ان هرب خشية العقاب) يقول: كان عمري يومها 15 عاما وقد رايت موكب صدام يدخل المدينة يوم 8/7/1982 وهو يوم النكبة.. الموكب ضم 12 سيارة مرسيدس وحلقت في الجو 7 طائرات هليكوبتر.. وتقدم الموكب على شارع الدجيل العام حتى مركز شرطة الدجيل، وعندها نزل صدام حسين من سيارته واعتلى بناية مركز الشرطة والقى خطابا غاضبا على جماهير المدينة وشتمهم علنا ثم نزل وواصل موكبه السير حتى مدرسة الابراهيمية عندما تصدى له عدد من الشباب بينهم عبد الستار توفيق وحسين حسن وكريم كاظم جعفر وفارس جاسم الامين وحازم جاسم محمد علي حسون ومحروس محمد الهادي ومحمد عبد الجواد وآخرون واطلقوا النار على موكبه، عندها بدأ الاحداق تأخذ منحى اخر، فقد اغلقت المدينة ومنع التجول فيها ثلاثة ايام، بينما استمرت المواجهات المسلحة ستة ايام سقط فيها العديد من الشهداء وقتل عدد كبير من حراس صدام، حتى دخل المدينة لواء الحرس الجمهوري الاول بقيادة طاهر عبد الرشيد ودخلت ايضا مجموعات حزبية في 44 سيارة ليلاند - طابقين-
يقول السيد احمد العبيدي الدجيلي:
اعتقل في اليوم الاول 8/7/1982، 1450 شخصا من سكان الدجيل واستمر العقاب الجماعي ستة ايام وشمل كل عشائر المدينة (الخرابطة، العبيد آل جيب الظاهر، خفاجة، الزبيد، السادة الموسوية، الخزاعل،السلاميين، الخزرج) ويؤكد سكان المدية ان النصيب الاوفر من الاعتقالات والاعدامات الفورية التي نفذها برزان التكريتي مدير المخابرات آنذاك كان من حظ العبيد.
يقول السيد احمد حسن محمد العبد الله: اعتقلت عائلتنا بأكملها، والدي رجل كبير السن وكذلك اخوتي محمد وسالم وسعد وحسين وحسن وفالح ومحمود وعلي وجواد وابراهيم واخواتي الخمس وثلاث من زوجات اخوتي وثمانية اطفال دون العاشرة هم اولاد اخي محمد وستة اطفال هم اولاد أخي فالح واربعة اطفال هم اولاد اخي سالم واقتيدت العائلة باكملها الى سجن المخابرات الخاص في (ابو غريب) وقد توفي والدي خلال جلسات التعذيب التي تمت بناء على اوامر مباشرة من برزان التكريتي الذي كان يومها مديرا للمخابرات والشهيد والدي كان يبلغ 77 عاما من العمر! وهو من مواليد 1905.
السيد علي حسن محمد العبد الله: كان عمري يومها 12 سنة وعمر اخوي احمد ومحمود التوأمين 14 سنة، اقتادوا عائلتنا كلها الى مقر الحزب حيث كان هناك (سمير الشيخلي) وعلى باب المقر تناثرت جثث عدة شهداء من ابناء المدينة، عارية ومضرجة بالدماء، وكان سمير يصرخ بنا: مجرمون.. خونة.. كفرة.. بعد ذلك اخذونا الى سجن ابي غريب وفي السجن كان سوء التغذية سببا اساسا في انقطاع حليب الامهات وموت عدد من الاطفال وحصلت حالة اسقاط لواحدة من زوجات اخوتي وفي 18/6/1984 في شهر رمضان. قبل العيد بأيام قلائل اخذونا من (ابو غريب) الى معتقل في صحراء السماوة -نكرة سلمان- وابقوا عدداً من اخوتي في (ابو غريب) (بنية الاعدام) وقد تم اعدامهم فعلا كما عرفنا بعد سقوط النظام وفي (نكرة سلمان) كان يتم تجهيزنا بالمواد الغذائية شهريا، لكن المواد المجهزة لم تكن تكفي اكثر من عشرة ايام.
وكان هذا سببا رئيسا لموت عدد كبير من اهل المدينة، وكنا نضطر لشرب مياه البئر غير الصالحة للشرب لنبقى احياء، ونحن في هذا المعتقل لا نملك وسائل اتصال، ولا جهاز راديو ومحاولة الهرب تعني الانتحار في صحراء مجهولة المعالم.
السيد علي عباس جاسم صالح الخفاجي:
ولدت في سجن (ابو غريب) وقد أعدم والدي قبل ولادتي، في المعتقل الصحراوي كان معي عدد كبير من الاطفال ومن عائلتي كانت هناك والدتي وعماتي الاربع وعمة والدي الضريرة البالغة يومها 70 عاما وحين عدت الى الدجيل -لا تضحك مني- استغربت شكل (الطماطة) والنقود.. ولم اكن اعرف كيف اتعامل مع البرتقالة!
وكنت اكره اللون -الزيتوني- والخاكي، فهذان اللونان يرمزان عندي لحراس المعتقل وحين خدمت في فوج الدفاع السابع في التاجي كنت اكره نفسي وانا ارتدي الخاكي.
انا لم استطع اكمال دراستي الابتدائية لانني اضطررت للعمل مبكرا..
نعم انا حرمت من الدراسة..
وحرمت من اللعب..
والذي حرمني هو صدام حسين.
هذا ما يقوله علي.
كبر الاطفال بعد ان قتلت طفولتهم في المعتقلات وشهاداتهم الان ينقصها الكثير من الوضوح لكنها مليئة بالدلالات والرموز.
يقول علي:
ما زلت اجهل كيفية التعامل مع البرتقالة هل تصدق؟.
وما زلت اكره اللون الزيتوني والخاكي فهما يرمزان الى حراس المعتقل، وحين خدمت في الجيش في فوج الدفاع السابع في التاجي كنت انظر الى نفسي نظرة كره لاني كنت ارتدي الخاكي.. لم استطع اكمال دراستي الابتدائية فقد اضطررت للعمل من اجل العيش، لقد حرمت من الدراسة كما حرمت من اللعب.
علي عمره الان 23 عاما.
كبر الاطفال بعد ان قتلت طفولتهم في المعتقلات وشهادتهم الان ينقصها الكثير من الوضوح، لكنها مليئة بالدلالات والرموز، اما النساء، فالدجيل مدينة محافظة.. حتى ان الشهود رفضوا ذكر اسمائهن لكنهم تحدثوا عن معاناتهن ومع ذلك فان المخفي من عذاباتهن يمكن التكهن به من النظر الى وجوه تسبق الدمعة فيها حتى الذكريات.
هذا ما يخص السكان.. اما الارض..
فقد هاجمها طه ياسين رمضان واعدم كل اشجار النخيل والبرتقال والكروم والرمان.. كل شجرة مثمرة ولم تترك بلدوزراته تلك البساتين العامرة الا ارضا خرابا، شقت فيها طرق الدبابات بعد ان صودرت من اصحابها الذين اعدموا او هجروا او هربوا خارج العراق. دفن نهر الدجيل بالكامل وتحولت الاف الدونمات من الاراضي الزراعية المعطاء الى اراض قاحلة.
امر صدام بتغيير اسم المدينة من الدجيل الى (الفارس).
أُرْفِق بهذه الشهادات رقم الحكم الصادر من محكمة الثورة في 14/6/1984 القاضي باعدام 135 شخصا من سكان المدينة والمرسوم الجمهوري الذي وقعه صدام حسين في 16/6/1984 بالمصادقة على قرار الحكم المشار اليه ومحضر تنفيذ الحكم في 23/3/85 وفقا للمادتين 156/157/2 وبدلالة المواد 49 و50و51 من ق.ع ومصادرة اموالهم المنقولة وغير المنقولة، وقد وقع على قرار الحكم العقيد الحقوقي طارق هادي شكر والعقيد الحقوقي داود سلمان شهاب ورئيس المحكمة عواد حمد البندر.
اما الذين تم الحكم عليهم بالاعدام فهم طالب عبد جواد ومحمد عبد جواد وحسن علي حسين وثائر عباس علي وقاسم عبد علي ومحمود سرحان حميد وعدنان حسن لطيف وفارس محمد هادي وعباس ياسين محمود وعلي امير حسين وهاشم علي وفخري عباس حسن وحافظ محمد هادي وعلي محمد هادي واحمد عبد جواد ومسلم عبد علي وفارس جاسم محمد ومحمد هجول عباس وعلي رشيد كاظم ومحمد رشيد كاظم وعامر دحام سلطان وحسن دحام سلطان وعلي دحام سلطان وهادي عبد الوهاب وظافر حسن هادي ومحمد محمود جاسم عبد الحسين ومحمد وامين محمد وزامل محمد هادي وقاسم محمد لطيف وسالم عبد عباس علي وصاحب جاسم محمد وناجي كاظم الجعفر وسعد جميل ايوب وامين جاسم امين وابراهيم عبد الامير جواد وثامر جسوم محمد وعبد الله ياسين محمود وعلي ياسين محمود وجبار جواد مصطفى وسهيل نجم عبود وسبهان جسوم محمد وسالم حسن محمد ومظهر جميل ايوب وجميل ايوب يوسف وفالح حسن محمد ومحمد حسن محمد ولطيف حسن لطيف وحسن مهدي جعفر وعبد جواد كاظم ودحام سلطان حسن وجعفر جاسم امين وحيدر جاسم حسين ومسلم جاسم امين وعمار واحمد جاسم وقاسم محمد جاسم وثامر هاني سهيل ومهدي عبد الامير نصيف وعبد الرسول علوان واياد رشيد كاظم.
http://www.almadapaper.com/sub/12-556/p10.htm#1