التيار الصدري - 1
أبان حكم الطاغية
كتابات - زياد خلف القاسم *
يرجع التيار الصدري في تاسيسه ونشاته الئ السيد محمد محمد صادق الصدر الاب الروحي والمحرك الحقيقي والمرجع الجماهيري الكبير وهو الاخر الامتداد الطبيعي للسيد المرجع العالم اية الله محمد باقر الصدر دما (لعلاقة العمومة بين العاالمين الجليلين ) ومنهجا لما اثر به الاستاذ (محمد باقر الصدر ) في شخصية طالبه المفضل (محمد محمد صادق الصدر ) .
وبعد ان قام السيد الصدر الاول بعمله السياسي ضد نظام الطاغية صدام معتمدا علئ النخبة الواعية من ابناء العراق الشرفاء بعد ان تاكد للسيد الصدر الاول ان الوضع الماهيري لم يكن بالمستوئ المطلوب ليتمكن من الاعتماد عليه في ذلك الوقت .
وحيث اشتدت الازمة بينه وبين النظام حتئ انتهت باعدام السيد الصدر الاول (رض) واخته العلوية (رض) في العام 1980 واستمر مسلسل الفتك العشوائي بطلبته ومقلديه ومتبعي منهجه السياسي .
استشهد السيد الصدر الاول مخلفا ورائه صرحا خالدا من المؤلفات الاسلامية في علم الاقتصا د
والفلسفة والمنطق بالاضافة للعلوم الاسلامية التقليدية الاخرئ .
وارثا نضاليا كبيرا جعله في مصاف العظماء من رجال هذه الامة بالاضافة الئ صفوة من الشباب الرسالي الواعي والذي اصبح نواة للعمل السياسي الاسلامي ضد نظام الطاغية المقبور..
في العام 1980 كان السيد الصدر الثاني يراقب الاحداث عن كثب وبكل هدؤ وقد انطبعت في ذاكرته لعلاقته الجوهرية فيها وكان مدركا لمواقف الاطراف وتاثيرها في ما جرئ
ومنذ ذلك العام وضع الصدر الثاني لنفسه هدفا ومشروعا تغييريا يعمل عليه بنفسه وفي الوقت والظرف الذي يراه مناسبا (انتبه عزيزي القارئ الفاضل )هنا تكمن عظمة السيد الصدر الثاني
فقد ظل يحمل مشروعه التغيري بين جنبيه لايطلع احدا عليه وقد مارس علئ نفسه الاقامة الجبرية والاعتكاف في المنزل فقد قضئ فترة طويلة مابين الدرس الحوزوي والبيت فقط واني اشبه الصدر الثاني في هذه الفترة الزمنية بوكلاء الامام الحجة المنتظر(عج) حيث حافظ الوكلاء الامناء (قدس)علئ قضيتهم وكذلك حافظ السيد الصدر الثاني علئ قضيته والاثنتان مقدستان كل التقديس.
اكثر من عقد من الزمن وهو يبني ويخطط لمشروعه التغييري العظيم الذي جاء في بداية تسعينات القرن المنصرم .فبعد وفاة المرجع الديني الاعلئ السيد ابو القاسم الخؤي خلفه السيد عبد الاعلئ السبزواري الذي لم يتزعم المرجعية الا بضعة اشهر رحل بعدها السيد السبزواري الئ جوار ربه.
وهنا جاء العمل في العلن والسيد الصدر الثاني يدرك ادراكا عميقا خطورته لم يكن خائفا من الموت ابدا بل كان حريصا اشد الحرص علئ اتمام مشروعه لانه كان متاكدا من موضوع الشهادة كما صرح بذلك مرات عديدة في خطبه ولقاءاته .
هذه المرة اعتمد الصدر الثاني في عمله علئ الجماهير عموما وليس النخبة فقط وبدا يعبا الجماهيرعبر اللقاءات وخطب الجمعة وكان عمله بمنتهئ الدقة من الجانبين الشرعي والجماهيري فحتئ طريقة اختياره لائمةالجمعة كانت مختلفة وكذلك الاجازات الممنوحة اليهم لادارة المساجد كانت محددة المدةاذا ثبت عدم اهلية احدهم تسحب منه الاجازة.
وانتشر حب هذا القائد الجماهيري في قلوب الناس بشكل عجيب وخصوصا الفقراء والمهمشين من ابناء العراق فقد كان الرجل المطاع من غير اي سلطة تنفيذية او قسرية فلم تكن لديه شرطة او حزب سياسي او اجهزة مخابرات او استخبارات .
.وغدت الجماهير يوما بعد يوم لاتطيع الا مايامر به ولاتنتهي الا عما ينهئ عنه ونحن كعراقيين نعرف مدئ صعوبة هذه المسالة لان الشخصية العراقية بطبيعتها صعبة الترويض وعصية الرضا عن اي شئ.
وكان السيدالصدر دقيقا في مراقبة جماهيره عارفا بمسنوئ نضجها ووعيها الاخذين بالاتساع عموديا(مستوئ الوعي ) وافقيا (اتساع رقعة الجماهير لتشغل كافة محافظات الجنوب العراقي ).
فقد كان يخضع الجماهير للتجارب بين الحين والاخر ببعض الفتاوئ الشرعية ليتاكد من ولاءها له وبالتالي الئ الله عزوجل .
اتسع وكبر وانتشر التيار الصدري ليسع الجماهير العراقية فقد اولئ السيد اهتمامه وحاور كل فئات المجتمع بالحسنئ وبالمشترك مابين السلوك الاسلامي والسلوك الاجتماعي الاخر فقد خاطب العشائر وشيوخها من خلال كتابه فقه العشائر وحتئ شريحة الغجر وجد معهم قناة للتفاهم وايجاد سبل لحل مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية لآعادة تاهيلهم ودمجهم بالمجتمع مع كل مايحفظ لهم كرامتهم.وكانت الوفود تدخل في التيار افواجا وتاتي لتتبرك بالسيد وسؤاله عن مسالة شرعية او اجتماعية وكانت ترجع الئ مدنها مطمئنة للاجوبة والحلول الشافية .
وتعاطف الكثير من عناصر الشرطة والامن العراقي مع التيار وكثيرا مارددت بيت الشعر للشاعر الجواهري الكبيرالذي يقول.
ألج’ البيوت عليهم أغري
الوليد بشتمهم والحاجبا
وبالجانب الاخر لم يكن صدام حسين وامنه ومخابراته بالغافلين عما يحدث بل علئ العكس تماماا
اخذ صدام وجلاوزته بالتضييق علئ السيد الصدر وتياره وحاولوا استصدار فتاوئ من سماحته بالجهاد لكن السيد بحنكته السياسية كان يتخلص من هذا الضغط ولو الئ حين لكسب الوقت.وفي احدئ المناسبات ارسل دكتاتور العراق ممثله محمد حمزة الزبيدي الئ السيد الصدر واحتدم النقاش بين السيد وممثل الطاغية حيث هدد محمد حمزة السيدالصدر فما كان من الليث الابيض إلا ان وضع عصاه بصدر ممثل الطاغية ولكزه بها مخرجا اياه خارج المجلس.
وهنا اذكر لكم هذه الحدثة
كثيرا ماكان تذهب وفود من اهالي مدينتي الثورة(الصدر) لزيارة السيدالصدر الثاني وكان السيد من جانبه يوليها اهتماما كبيرا فقد كان يقول لهم أهلا بالنجف الاكبر انتم النجف الاكبر ونحن النجف الاصغر إن نجحت صلاة الجمعة في الثورة نجحت في باقي مدن العراق . وفي احدئ الزيارات ألقئ الشاعر العراقي المعروف جواد الحمراني قصيدة في حضرة السيد الصدر الثاني وكما لايخفئ علئ القارئ العزيز ان الشاعرالشعبي الشاب جواد الحمراني شاعر مهم ليس الان ولكن منذ فترة طويلة وقد كتب قصائد كثيرة مغناة من قبل مطربين معروفين امثال المطرب سعدون جابر والمطرب عبد فلك ويشهد بشاعريته شعراء عراقيين كبار أمثال الشاعر الكبير كاظم اسماعيل الكاطع ومواقفه النضالية مشهودة ويعرفها أهالي مدينة الثورة منذ كان يافعا وهو القائل بحق ابطال مدينة الثورة في الثمانينات.
الشايب من يموت انشك الهدوم
جا يا ثوب النشكة علة العراريس
وقد رفع جواد الحمراني السلاح بوجه النظام مرات كثيرة واشدها علئ ما أذكر أبان الانتفاضة الشعبانية عام 1991 وقد أ مضئ فترة طويلة من الزمن مختفيا من اعين النظام يعاني شظف العيش لآنه لايستلم الحصة التموينية طيلة فترة الحصار خوفا من معرفة عنوانه والقاء القبض عليه ظل يعاني الوضع المادي الصعب مع زوجته وبناته وابنه يشاطره صديقه الوفي عباس اقتسام الحصة التموينية المخصصة لعائلته .ومن الجدير بألذكر أن جواد الحمراني آثر ان لايكتب الشعر إلا للامام الحسين وآل بيت النبوة (عليهم افضل الصلاة والسلام) .وقد أعتزل كتابة الشعرفيما عدا ذالك منذ زمن ليس بألقصير .
وهنا أهدي القارئ العزيز بعض الابيات من القصيدة التي القاها الشاعر في حضرة السيد الصدر الثاني .
فدائي وطامع بتوفيقي وياك أحب وشوفتك لعيوني موصوفة
قبلك مامدحت بشعري إنسان بس جدك حسين وظهره وجفوفة
جل الخالقك من طين خلاك تتلكة السيوف بهامة مكشوفة
من يوم الجرح لليوم لولاك ماكامت أبد رجلين للكوفة
لآنك مو بحر عادي من البحور أنت أول بحر يتجاوز جروفة
وأنت أول أمام إيكسر الجام أخفة العملقة وعماق المجذوفة
ولآنك مو أسم عادي من الاسماء أنت أول أسم بارود بحروفة
ولآنك دم جديد علة الشرايين موجب دمك وأي سالب تعوفة
داخو بيك مولاي لآن ماعدهم ايمان ان الله يحمي اليحمي معروفة
يللي بالصدر دايخ ومرتاب مو ذنب النهر كربتك مزروفة
مولاي الصدر موس علة بلعوم حفر كبرة صدك بس دفن بي خوفة
البقاء الان بس لابن الجماهير وتوزع عليها بكل بكل جسم قطعة
بوكت الغربلة تتهود إسلام وتسلم ايهود وتتبخر بشمعة
ألف عما ر ياسر وأشتر وياك ويادم التريدة بكيفك توزعه
هاهو الصدر شوكة وبالعيون كلما طاح المريض أيزيد الجرعة
ومن حبلت أباطل والصدر كام شك بطن الخميس وطلع الجمعة
وبعد أن فرغ الشاعر من القاء قصيدته اراد السيد أن يهديه هدية فما كان من جواد إلا أن يطلب هديته بنفسه حيث قال أريد عصاك فتبسم السيد عارفا القصد قائلا أي واحدة فأجابه التي لكزة بها ممثل الطاغية والعصا ماثلة للان في بيت الشاعر جواد الحمراني
نرجع الئ صلب الموضوع . لقد
ادئ ضغط السلطة علئ التيار الصدري الئ اعتقال اتباع السيد وائمة جمعته ووصل الامر بين صدام واركان حكمه من جانب والسيد الصدر الثاني واتباعه من الجانب الاخر ان فهم الاثنان ان الوقت هو الحكم بينهما والوقت في صالح السيد الصدر الثاني واتباعه عندئذ هدد السيد الصدر الحكومة في خطبة الجمعة بضرورة اطلاق صراح ائمة الجمعة بقوله (رددوا معي ثلاث اطلاق صراح اائمة الجمعة وإلا.)
وفي يوم الجمعة المصادف 19 02 1999 وبعد ان فرغ السيد الصدر الثاني (رض) من اداء الصلاة اقفل راجعا الئ بيته في حي الحنانة واذا بالمدافع الرشاشة الالية تنهمر علئ جسده الشريف بوابل من الرصاص الاثم ليحيل ذالك الجسد الرقيق الناصع البياض الئ قطعة حمراء من الدماء الطاهرة الزكية تعطر النجف الاشرف بكامله وليس ساحة ثورة العشرين فقط نقل السيد الئ المستشفئ من قبل بعض المارة وبه رمق من الحياة اما ولداه السيد مصطفئ والسيد مؤمل فقد قضيا في مكان الحادث .بعدها بقليل صعدت روح السيد الصدر الثاني الئ الرفيق الاعلئ راضية مرضية.
وهكذا طويت صفحة حياة السيد الشهيد السعيد الصدر الثاني الخاصة فقط اما نور علمه وتأثير سلوكه وشخصيته في الجماهير فباقية خالدة مابقيت الاجيال .
وفي رأي الشخصي المتواضع أن السيد الشهيد الصدر الاول والشهيد الصدر الثاني أفضل شخصيتين اسلاميتين شيعيتين شهدتهما المرجعية الدينية في العراق خلال قرن من الزمن
يضاف لهم السيد المرجع الديني آية الله علي السيستاني لما يلعب من دور ايجابي علئ الساحة السياسية والاجتماعية العراقية في هذه المرحلة الصعبة من تأريخ شعبنا العراقي ووطننا الغالي.
لم تكن العلاقة بين السيد الصدر الثاني وباقي المرجعيات علئ مايرام فقد شابتها الكثير من عدم الثقة والتشكيك وصل في أحيان كثيرة الئ العداء الصريح في داخل العراق وخارجه فقد سمحت لي الظروف ان اراقب الاحداث .في داخل العراق الئ فترة منتصف العام 1998 وبعد ذالك عشت الظرف عند سفري الئ سورية فقد كانت المرجعيات والاحزاب السياسية الاسلامية تشكك بل وتعمل ضد مرجعية السيد الصدر فعندما قدمت الئ السيدة زينب (ع)في سورية لم يكن هناك مكتب للسيد الصدر وعندما سألنا عن ذلك نظر لنا الاخوان بعين الريبة والشك مع العلم ان لكافة المرجعيات الشيعية سواء كانت مقيمة في ايران او لبنان او العراق مكاتب وحسينيات في السيدة زينب وكلما تقدم مكتب السيد بطلب للحكومة السورية لفتح مكتب كان يرفض بتدخل من الاحزاب السياسية والمرجعيات الدينية والحال اكثر سوءأفي ايران بل وأزيد علئ ذلك أنه لم تكن هناك صورة فوتوغرافية للسيد الصدر الثاني فقط رايت صورة لدئ احد اصحاب المحلات لم يجرؤ علئ تعليقها بل أحتفظ بها متكئة علئ منضدة مكتبه المتواضع . وسبحان مغير الاحوال في اليوم الاول لآستشهاد السيد انتشرت الصور والرسوم والمآتم الكل يتسابق لآقامة العزاء أما الجماهير العراقية هناك فقد عاشت الهرج والمرج الرجل الذي كان بالامس مرجع السلطة وذراعها اليمين أصبح اليوم بطل شهيد .
ولهذه الاسباب بقيت العلاقة بين التيار الصدري وباقي المرجعيات غير جيدة وخصوصا انها خرجت الئ السطح وتدخل بها عموم الناس وكثيرا ماكانت حديث الناس العامة ومصدر لآختلافاتهم .
* كاتب واعلامي لندن
http://www.kitabat.com/i1964.htm