لماذا لا يوحد المسلمون المساجد ويزيلوا الصبغة الطائفية عنها؟
بمناسبة حدوث المجزرة البشعة التي تعرض لها المصلون الشيعة في كويتيا اعيد نشر مقال سابق كتبته تعليقا حول احداث مشابهة:
في ضوء الاشتباكات الطائفية والهجوم على المساجد في باكستان
لماذا لا يوحد المسلمون المساجد ويزيلوا الصبغة الطائفية عنها؟
عندما سمعت أخبار الهجمات المتبادلة على مساجد الشيعة والسنة في كراتشي وغيرها من المدن الباكستانية وقتل المصلين أثناء الصلاة ، أظلمت الدنيا بعيني وذرفت دمعا للوحدة الاسلامية ولوحدة الشعب الباكستاني المهددة من الأعداء ، وخشيت ان تمتد شرارات الحرب الطائفية المجنونة الى سائر أجزاء العالم الاسلامي. وبالرغم من معرفتي بسماحة الشعب الباكستاني المسلم وبتعايش الطائفتين الإسلاميتين منذ أمد طويل… فان صعود بعض الحركات المتطرفة في الأعوام الأخيرة جعلني أحتمل نجاحها في ضرب الوحدة الاسلامية تحت راية التكفير وإشاعة العنف والتطرف. وكانت موجة العنف الطائفي الراهنة قد حصدت آلاف الضحايا ولكنها اتخذت منحى خطيرا بالهجوم المسلح على المساجد أثناء الصلاة مما يحمل معه معنى عدم احترام مساجد الطرف الآخر واعتبارها كمساجد ضرار.
ومن المعروف ان الحركات المتطرفة التي تعتبر نفسها الممثل الوحيد للإسلام وتشكك في إيمان سائر المجتمع بما فيه من انظمة وأحزاب وطوائف وفرق مختلفة، تغوص في حروف النصوص وأعماق التاريخ لكي تلتقط مؤشرات واهية على كفر هذه الطائفة او تلك ، كما تعتمد على الانتقاء والتأويل في تفسير ما تعتبره إدانة للآخرين ومادة لإلصاق تهمة الشرك والكفر بهم.. ولا يقتصر هذا التطرف في العلاقة بين السنة والشيعة بقدر ما يشكل ظاهرة عامة في الحركة الاسلامية في كل مكان ومشكلة كبرى تعاني منها المجتمعات الاسلامية حتى ذات اللون الطائفي الواحد ، ومن المحتمل ان تتفاقم وتمتد لتعلن الحرب الداخلية على عامة المسلمين ، تماما كما فعل الخوارج في التاريخ حيث وصل بهم الحال ليس الى تكفير المجتمع الاسلامي وأئمة المسلمين فحسب وانما الى الهجوم على الحجيج والاعتداء على بيت الله الحرام وسرقة الحجر الأسود.
وإضافة الى وجود حالة من التطرف الفكري عند بعض أبناء الحركة الاسلامية في باكستان ، فان سلسلة نم الأحداث الدموية وعمليات الاغتيال المتبادلة لعبت دورا في إذكاء نار الفتنة الطائفية ، وقد ابتدأت تلك الأحداث باغتيال الكاتب احسان الهي ظهير بعد تأليفه لعدة كتب عنيفة ينتقد فيها الشيعة ويحاكمهم على ضوء التراث القديم والأقوال الفردية الضعيفة ، واغتيال رئيس حركة تطبيق الفقه الجعفري السيد عارف الحسيني في منتصف الثمانينات ،وتواصلت في شكل هجمات واشتباكات مسلحة خلال الأعوام الأخيرة ،واحتدمت خلال السنوات الماضية لتصل الى ذروتها في الهجوم على المساجد
وفي الحقيقة ان المرء ليصاب بالذهول والإحباط من أنباء النزاع الطائفي في باكستان ويزداد ألما وأسى وهو يرى بلدا إسلاميا كبيرا يواجه عدوا أكبر وتمزقه الحرب الطائفية. ومع إشفاقنا لانهيار الوحدة في ذلك البلد المسلم الفقير وما تسببه الحرب الطائفية من دمار ومآس فان الخوف الأكبر يكمن في امتداد الروح العدائية الطائفية الى سائر البلدان والتجمعات الاسلامية في كل مكان. وهو هدف استراتيجي يسعى اليه أعداء المسلمين في حربهم الطويلة لاضعافهم وتمزيقهم وتحجيم الصحوة الاسلامية وإجهاض المشروع الاسلامي النهضوي الوليد.
ولكن وفي غمرة هذه المشاعر المأساوية التي انتابتني وأنا اقرأ أخبار الانفجارات والهجمات بالقنابل والرصاص على أحد مساجد الشيعة قرأت في بعض الأخبار عن مبادرة المساجد السنية لدعوة الناس للتبرع بالدم لإنقاذ الضحايا الشيعة ورأيت في هذه الخطوة المباركة أكثر من القيام بعمل إنساني مطلوب ، وانما ضربة ذكية للفتنة الطائفية ودليلا على الوعي الشعبي والتلاحم الاسلامي واستنكار الأعمال الإجرامية التي يقوم بها مجهولون او متطرفون ، والتبرؤ منهم ، الا اني اعتقد ان المبادرات العفوية لا تكفي لوأد الفتنة التي تحتاج الى روح حضارية في التعامل معها وحل جميع الاشكالات التي قد تقع بين الأخوة بالتي هي أحسن وبالحوار والتفاهم ، وكذلك باتخاذ خطوات عملية بناءة واعلان المساجد كلها خالصة لله ، ورفع الأسماء الطائفية عنها ،كما تقول الآية الكريمة ( وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) وبالطبع فان هذه الدعوة لا تقتصر على باكستان فقط وانما هي موجهة الى المسلمين في كل مكان وحيث يوجد سنة وشيعة.
أحمد الكاتب
أحب في الله من يبغضني في الله