دموع في ألغربه
تجاذبت الحديث مع صاحبي وكان الحديث ذو شجون , وكيف لا ؟ وسنين طوال عجاف مرت وهي تفصلنا أجسادا وما علمت بأنها تشد قلوبنا إلى الحب والحنان , وعقدت بيننا أواصر الترابط الأزلـــي .
حاول أن يقول شيئا بتمتمة واضحة.. أراد أن يستفز بي أمرا ما.. فتارة يغريني بالوصف والإطراء وأخرى يثيرني بما نحن فيه من ضنك وعناء.
قال لي نحن هنا في نعيم ..
قلت ما أضيع الناس في ألغربه.
قال : ننام في هدوء وسكينه و .. و ...
قاطعته .. يا صاحبي ( حصيرة أمي أرق وأنعم من حرير الغرباء, وحضن وطني دفء وحنان .. وماء الفرانين أعذب من العذوبة نفسها )..
أحسست به يختنق .. غيرت ما أردت البوح به كي لا أخدش مشاعره المنكسرة لأن لي في هذا
الأمر الشيء الكثير ولكن ما حيلتي وقد بات صاحبي يكثر من التأوه والتأفف ..
قال لي بصوت منكسر حزين فيه من طرافته ومرحه مزيج من البؤس والأمل..
كيف حال الأهل والأصدقاء ؟ هل ما زال فلان يلهو ويدندن ؟ وما حال الآخر هل ما زال مشاكسا طريفا ؟ أم ( غيرته النوائب )؟ وبات يمطرني بسيل من الأسئلة التي أحسها سيوفا تقطع أشلائه المنهكة وقد أكثر من التأفف وهو يقول ( ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل )) وهنا أدركت متيقنا بأن صاحبي يعاني مثلما الآخرين في الغربة والضياع ..
قلت له كي أطوي عنده صفحة الألم والحسرة : أتعلم عندنا الطقس بارد جدا والمطر يتساقط وحبيباته الفضية تغسل كل ما في القلوب من هم وحيره وبؤس ؟
قال صاحبي: رأيت الثلوج تسقط على جميلتي الحبيبة ( بغداد ) وكأني بها عروسا في ليلة زفافها ترتدي ثوبها الأبيض الأنيق الزاهي ثم أردف متسائلا: كيف هي ( بغداد ) وما حال أهلها ؟
وكيف ( أبو نواس ) وشارعه الجميل ؟.. وهل ما زالت ( شهرزاد ) تقص الحكايات على ( شهريار ) كي يغفو على زقزقة العصافير ونسائم ( دجله ) العذبة ؟..
ويحك يا صاحبي قلتها: هل نسيت ما بدأت به ؟ وأين هذا من ذاك ؟ ألم تقل لي بأنك ومن معك في الغربة تعيشون في ألق وعنفوان ؟ فما بالك تسألني عن هذا وذاك ؟
قال لي وقد أخذ الحزن منه مأخذا ( صدقني أنه هراء ) فذرة من تراب وطني خير من قصور الدنيا.. وقبلة أم لولدها عند الصباح هي الدنيا وأجمل بكثير.. ولك أن تعرف يا صديقي العزيز..
شاطرته الرأي وأضفت إليه ( الوطن أغلى من العيون )
رد ناحبا : بل هو كل شيء ...
أقفل الخط دون وداع .. لأننا يوما سنلتقي ...
كامل خزعل جبر الساعدي