عدنان عبد غركان
الرفاعي مدينة هادئة تحتضن نهر الغراف بجرفيه غافيه على اديم لكش واوما وتجود بما هو جيد في مجالات الثقافة
والفنون والعلوم والجهاد .
منذ القديم والعرب برعوا في تشخيص الامراض وطرق علاجها والوقاية منها والعرب سباقون في هذا المجال . فقد
سبقوا الافرنج وعموم دول اوربا في صناعة الاعشاب وطب العقاقير كما انهم عرفوا الجراحة وتفتيت الحصى ....
والتاريخ يحدثنا عن اولئك الجنود الاوفياء للانسانية فها هو (الرازي يتحدث في موسوعته الطبية في الجدري
والحصبة وهو اول من استخدم الشعر في خياطة الجروح ... وكذلك ابن سينا الذي شخص اليرقان واستخدم الحقنة
الشرجية كذلك ابن الهيثم في كتاب البصريات وابن النفيس الذي اكتشف الدورة الدموية وعلي بن عباس الاهوازي
وهو اول من اخرج اللوزتين بعملية جراحية ناجحة ) كل هذه الاكتشافات جعلت من هؤلاء ومن جاء بعدهم ان يبحثوا
... اساليب العلاج لما اكتشفوا .. وكل المدن العراقية يتواجد فيها عشابون ... يوم كانت المستشفيات شبه معدومة
والاطباء اعدادهم بعدد الالوية انذاك والرفاعي واحدة من تلك المدن التي لم يدخلها الطبيب الا في عام 1936وقبل
الدخول في الحديث عن العشابين الذين كانوا يؤدون دور الطبيب لابد لنا من القاء نبذه تاريخية عن سوق تلك المدينة
الذي يتصدره العشابون فقد كان السوق القديم والذي يعد اول سوق انشا في المدينة منذ عام عام 1889يوم جاء
الحاج صالح الكرادي إلى تلك القصبة الصغيرة لينشأ سوقا فيها والذي مكانه الان (شارع الاطباء) وبالتعاون مع ال
السوز وال حمادي اعتمر ذلك السوق فكان من اول العشابين فيه مزيد ال عطيه وهو خال الشاعر المرحوم قيس لفته
مراد والذي قال فيه يوم جاء في زيارة لمسقط رأسه ومدينه صباه حيث استعاد ذكريات الطفولة وذلك من خلال ماجاء
في ملحمة الفانوس ... وكما يقول لمدن الطفولة نكتها وحلاوة طعمها والفه ملامحها حتى لكان لملامح مدن طفولتها
امهاتنا والاثيرات من حبيباتنا .. وهناك يقف امام ذلك الزقاق وبقايا جدار ذلك الحانوت الذي كان يحتله خاله ليبيع فيه
الاعشاب والعطور حيث انتقل إلى السوق الحديث بعد ان شب حريق في ذلك السوق التهم مخازنه ومقاهيه .. كان ذلك
السوق الجديد الذي انشئه الشيخ موحان الخير الله والذي يعد من اطول الاسواق واكثرها انتظاما وهوما اكده الاستاذ
عبد الرزاق الحسيني بكتابه المرسوم (العراق قديما وحديثا ) حيث جاء فيه انها سوق طويلة تتفرع فيها اسواق
حيث عريضة وفيها مباني اميرية حسنة تجاورها قصور لبعض الشيوخ فخمة عندما بدا اصحاب الحوانيت والمحلات
الطفوله000الانتقال إلى السوق الجديد وكان ذلك عام 1943قال الشاعر قيس لفته مراد في ديوانه ( الغربة في مدن
)
او هذي مدينتي ... اين اهلي ورفاقي ؟
واين ... اين اللدات ...
كل شيء تغير اليوم فيها ...
الورى والبيوت والطرقات كل شيء فيها غريب .... غريب شب جيل وجاء جيل جديد .. بعد
والطاعنون في السن ماتوا دورة دورة وتمضي الحياة
كان هذا الزقاق سوقا قديما ذات يوم مضى بدون رجوع
الحوانيت من صفيح وطين وسقوف مرفوعة من جذوع
في النهايات كان دكان خالي ...
000اقدم العطارين في السوق كانا وخليط من الحوائج شتى
لم تجد قط في الرفوف مكانا
فهي من حولة وبين يديه
في قوايرها وفي الاطياف كل ماتبتغيه
في الاسواق من افاويه مسقط .. وعمان
وعطور الهنود والسوادن
وعقود بديعة الاطواق وماريا ذوات ايد رقاق
وحلي للرؤوس والاعناق
00كل شيء هنا بدكان خالي

. فهي عبارة عن تحقيق صحفي ووصف لتلك الحوانيت واولئك العشابين نقلها الينا شاعرنا قيس لفته مراد ... فكان
خاله مزيد ال عطيه والحاج علاوي الحاج فتيت وهم من اقدم العشابين في مدينة الرفاعي يوم كانت تكتظ حوانيتهم
بتلك الاعشاب التي تعتبر من مصادر الادوية النباتية والتي كانت ولازالت علاجها فعالا لكثير من الامراض المتوطنة
والطارئة ... وهي حرفة من الحرف الرائجة ... فكان كل حانوت يحتوي على الحبه السوداء والثوم والبابنك والجلبار
والحرمل والنوه والوسمه والعسل والكتان وعرق السوس والكرفس وشراب البنفسج واوراق القرع والحناء
والزعفران والسماق وغيرها من تلك المواد والتي تعتبر من المواد الاولية في صناعة الادوية وجاء بعد هؤلاء جيل
اخر وارتحل ايضا منهم المرحوم عبود لفته والمرحوم عبد السادة لفته والمرحوم خليل ابراهيم الجاسم والمرحوم
حسن زباله ... وغيرهم وجاء بعد هؤلاء جيل ثالث منهم المرحوم شاكر شبيب وكاظم السيفاوي وصهيود خشان و
المرحوم عبد علي كاظم العوده ونعيم محسن ابو عقيل والمرحوم علي الحاج صاحب واخرهم علي خليل ابراهيم
والذي لازال يعمل في السوق .. وكان هؤلاء يتمتعون بخبره تؤهلهم إلى اعطاء العلاج المناسب لكل حالة فكان كل
واحد منهم بصيراً وحاذقا وعارفا وملما بمواصفات كل مادة يحتويها حانوته كما له دراية تامة ومعرفة في عمليات
الخلط والتي يسمونها (الخبطة ) والتي تعمل لكثير من الامراض منها التهاب المجاري البولية والتخلص من الغازات
والامراض الجلدية والام المفاصل .. واخير نقول كان للعشابين تاريخ حافل في اكتشاف الكثير من العلاجات لامراض
مستعصية . كما كان لهم الفضل الكبير في معالجة ابناء المدينة من الراحلين وخلال اكثر من ثلاث اجيال0

المصادر
1-47 مجلة التراث الشعبي العدد2 لسنة 1982ص .
2-عبد الرزاق الحسيني / العراق قديما وحديثا
3- الغربة في مدن الطفولة / قيس لفته مراد

المصدر: الرفاعي نت