فقال له الحسين ع : رحمك الله يا مسلم، ثم تلا قوله تعالي ( منهم من قضى
نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) ، ودنا منه حبيب وقال : عزّ عليّ مصرعك يا مسلم أبشر بالجنة فقال مسلم بن عوسجة بصوت ضعيف بشّرك الله بخيريا أخي يا حبيب ثم قال حبيب : لو لمأعلم أني في الاثر لأحببت أن توصي ليبجميع ما يهمك فقال مسلم : أوصيكبهذا وأشار الى الحسين بن علي أن تموت دونه فقال : أفعل ورب الكعبة وفاضت روحه بينهما
(وصلت يابن ظاهر منيتي أنا ما وصيك بعيالي وبيتي ولا تحفظ أولادي وثنيتيان چان نيتك مثل نيتي اريدنّك تجاهد بثويتيبالحسين وعياله وصيتي)وصاحت جارية له وامسلماه يا سيداه ياابن عوسجتاه فتنادى أصحاب ابن الحجاج قتلنا مسلماًً فقال شبث بن ربعي لمن حوله : ثكلتكم امهاتكم أيقُتل مثل مسلم وتفرحون ! لرب موقفٍ له كريمٍ في المسلمين رأيته يوم « آذر بيجان » وقد قتل ستة من المشركين قبل تتام خيول المسلمين وحمل الشمر في جماعةمن اصحابه على ميسرة الحسين فثبتوا لهم حتى كشفوهم وفيها قاتل عبد الله ابن عُمير الكلبي فقتل رجالاً وشّد عليهم هاني
بن ثبيت الحضرمي فقطع يدهاليمنى وقطع بكر بن حي ساقه فأُخذ أسيراً وقُتل صبراً فمشت اليه زوجته ام وهب وجلست عند رأسه تمسح الدم عنه وتقول : هنيئاًلك الجنة اسأل الله الذي رزقك الجنة ان يصحبني معك فقال الشمر لغلامه : اضرب رأسها بالعمود فشدخه وماتت مكانهاوهي اول امرأة قُتلت يوم عاشوراء من
اصحاب الحسين بن علي وقطع رأسه ورمي به الى جهة الحسين فأخذته أمه ومسحت
الدم عنه ثم أخذت عمود خيمة وبرزت الى الأعداء فردّها الحسين وقال : ارجعي رحمك الله فقدوضع عنك الجهاد فرجعت وهي تقول : اللهم لا تقطع رجائي فقال الحسين : لايقطع الله رجاكي وحمل الشمر حتى طعن فسطاط الحسين بالرمح وقال : عليّ بالنار لأُحرقه على أهله فتصايحت النساء وخرجن من الفسطاط وناداه الحسين : يا ابن ذي الجوشن انت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي احرقك الله بالنار !وقال له شبث بن ربعي : أمرعباً للنساء صرت ؟ ما رأيت مقالاً اسوأمن مقالك ولا موقفاً اقبح من موقفك فاستحيا وانصرف وحمل على جماعته زهيربن القين في عشرة من اصحابه حتى كشفوهم عن البيوت ولما رأى عزرة بن قيس وهوعلى الخيل الوهن في اصحابه والفشل كلما يحملون بعث الى عمر بن سعد يستمّده الرجال فمدّه بالحصين بن نمير في خمسمائة من الرماة واشتّد القتال واكثراصحاب الحسين فيهم الجراح حتى عقروا خيولهم وارجلوهم ولم يقدروا ان يأتوهم إلاّ من وجه واحد لتقارب ابنيتهم فأرسل ابن سعد الرجال ليقوضوها عن ا يمانهم وعن شمائلهم ليحيطوا بهم فأخذ الثلاثة والأربعة من اصحاب الحسين يتخللون البيوت فيشدون على الرجل وهو ينهب فيقتلونه ويرمونه من قريب فيعقرونه فقال ابن سعد : أحرقوها بالنار فأضرموا فيها النار فصاحت النساءودُهشت الأطفال فقال الحسين : دعوهم يحرقونها فانهم اذا فعلوا ذلك لم يجوزوا اليكم فكانكما قال عليه السلام وكان أبو الشعثاء الكندي وهو يزيد بن زياد رامياً فجثاعلى ركبتيه بين يدي الحسين ورمى بمئة سهم و الحسين يقول : اللهم سدّدرميته واجعل ثوابه الجنة ثم حمل على القوم فقتل تسعة عشرة رجلا ًوقُتل والتفت ابو ثمامة الصائدي الى الشمس فرأها وقد زالت فقال للحسين : نفسي لكالفداء إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ، لا والله لا تُقتل حتى اقُتل دونك واحب أن القى الله وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها فرفع الحسين رأسه الى السماء وقال : ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين
أنظروا أيهاالمسلمون دعا الحسين بن علي سلام الله عليه لهذا العبدالصالح بأعظم دعاءٍوهو أن قال ( جعلك الله من المصلين) فمرّروا أولادكم وعوّدوا بناتكم معاشرالمسلمين علي الصلاة في دور الصغر فأن دور الصغر أذاصلّي الانسان فيه لايسعه أن يترك الصلاة في الكبر وأن الصلاة تنهي عنالفحشاء والمنكر فقالالحسين : نعم هذا اول وقتها سلوهم أن يكفّوا عنّا حتى نصلّي فقال الحصين : أنها لا تُقبل فقال حبيب بن مظاهر : زعمت أنها لا تُقبل منآل الرسول وتُقبل منك يا حمار فحمل عليه الحصين فضرب حبيب وجه فرسه بالسيف فشبت به ووقع عنه واستنقذه اصحابه فحملوه وقاتلهم حبيب قتالاشديداً فقتل على كبرسنهِ اثنين وستين رجلاً وحمل عليه بديل بن صريم فضربه بسيفه وطعنه آخرمن تميم برمحه فوقع إلى الأرض فذهب ليقوم وإذا بالحصين يضربه بالسيف على رأسه فسقط لوجهه ونزل اليه التميمي واحتز رأسه فهز مقتله الحسين فقال : عندالله احتسب نفسي وحماة اصحابي واسترجع الحسين كثيراًوخرج من بعده الحربن يزيد الرياحي ومعه زهير بن القين يحمي ظهره فكانإذا شّد أحدهماواستلحم شّد الآخر واستنقذه ففعلا ساعةً وان فرس الحر لمضروب على اُذنيه وحاجبيه و الدماء تسيل منه فبرز إليهم وهو يرتجز ويقول:
إني أنا الحر ومأوى الضيفي
أضرب في أعناقكم بالسيفي
عن خير من حلّ بأرض الخيفي
أضربكم ولا أري من حيفي
حتي قتل منهم جماعه كثيرة علي كبر سِنّه وحملأصحاب الحسين الحر ووضعوه أمام الفسطاط الذي يقاتلون دونه وكان به رمق فقال الحسين له وهو يمسح الدم عنه : أنت الحر كما سمّتك أمك وانت الحر فيالدنيا والآخرة وعلي قولٍ أنت حر في الدنيا وسعيد في آلاخرة ورثاه رجل من أصحاب الحسين وقيل : علي بن الحسين
لـنعم الحرُّ حرُ بني رياح
صبور عند مشتبك الرماح
ونعم الحرُّ إذ فادى حسيناً
وجاد بنفسه عند الصباح
اجلى الفواطم مجلة القتوت......ورج الغاضرية وحامى البيوت
عكب ماشافت امن مذهبه الموت.....طاح وفيض دمه على الثرى يسيل
اجاه حسين مثل الليث يهدر ......ودمع عينه عليه يحدر (ينشر)
امك ما خطت من سمتك حر.....مسح عنا التراب ومدمعه يسيل
ومن ناداه الرجس ياخيلنا وصاح.....عمامه بغيض سلت بيض الصفاح
ابذيج ( في تلك) الخيل نادت بني رياح ...عميد الحر عجب ينداس بالخيل
على خشوم الزلم لازم نشيله.....وكل مجتول تنهض ليه جبيلة( قبيلة)
تسل بيض السيوف وتعتنيله ( تذهب اليه).....لعند المعركة وجثته تشيل
الغيرة شالته بعز الظهيرة.....الكل منهم عليه شالته الغيرة
ابس ظلوا الما عدهم عشيرة...ضحايا عل الترب من غير تغسيل
وقام الحسين الى الصلاة فصلّي بمن بقي من أصحابه صلاة الخوف وتقدم امامه زهيربن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي في نصف من اصحابه ويقال إنه صلّى واصحابه فرادى بالايماء ولما أُثخن سعيد بالجرح سقط الى الارض وهويقول : اللهم العنهم لعن عادٍ وثمود وأبلغ نبيك مني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فاني اردت بذلك ثوابك في نصرة ذرية نبيك صلى الله عليه وآله وسلم والتفت الى الحسين قائلا : أوفيت يا ابن رسول الله ؟ قال : نعم أنت امامي في الجنة ثم قال سعيد أبلغه أني تركت حسيناً في الأثر وقضى نحبه فوجدبه ثلاثة عشر سهماً غير الضرب والطعن
ولما فرغ الحسين من الصلاة قال لأصحابه : ياكرام هذه الجنة قد فتّحت أبوابها واتصلت أنهارها وأينعت ثمارها وهذا رسول الله والشهداء الذين قتلوافي سبيل الله يتوقعون قدومكم ويتباشرون بكم فحامواعن دين الله ودين نبيه وذبّوا عن حرم الرسول فقالوا : نفوسنا لنفسك الفداء ودماؤنا لدمك الوقاء فوالله لا يصل اليك والى حرمكسوء وفينا عرق يضرب ووثبوا الي خيولهم فعقروها ولم يبقِ مع الحسين فارسإلاّ الضّحاك بن عبد الله المشرقي يقول : لّما رأيت خيل أصحابنا تعقرأقبلتُ بفرسي وأدخلتها فسطاطاً لأصحابناواقتتلوا أشد القتال وكان كل منأراد الخروج ودّع الحسين بقوله : السلام عليك يا ابن رسول الله فيجيبه الحسين وعليك السلام ونحن خلفك ثم يقرأ (ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظروما بدلوا تبديلا) وخرج أبو ثمامةالصائدي فقاتل حتى اُثخن بالجراح وكان مع عمر بن سعد ابن عم له يقال له قيس بن عبد الله بينهما عداوة فشّد عليه وقتله وخرج سلمان بن مضارب البجلي وكان ابن عم زهير فقاتلوخرج بعده زهير بن القين فوضع يده على منكب الحسين وقال مستأذناً
أقـدم هديت هادياً مهديّاً فـاليوم القى جَدَّك النبيّاوحـسناً والمرتضى عليّاً وذا الجناحين الفتى الكميّا وأسد الله الشهيد الحيا
فقال الحسين : وأنا القاهما على أثرك ، وفي حملاته يقول :أنا زهير وأنا ابْن القين أذودكم بالسيف عن حسينفقتل مئة وعشرين ، ثم عبط عليه كُثير بن عبد الله الشعذي والمهاجر بن أوس فقتلاه فوقف عليه الحسين ودعا له وجزّاه خيرا وقال : لعن الله قاتليك ولعن الذين مُسخوا قردة وخنازير وجاء عمرو بن قرظة الانصاري ووقف أمام الحسين يقيه من العدو ويتلقى السهام بصدره وجبهته فلم يصل إلى الحسين سوءٌ ولما كثر فيه الجراح التفت إلى أبي عبد الله وقال : أوفيت يا ابن رسول الله ؟قال : نعم انت امامي في الجنة فاقرأ رسول الله مني السلام واعلمه اني في الاثر وخرَّ ميتاً فنادى أخوه علي وكان مع ابن سعد : يا حسين ياكذاب (أنما أقول كلمته حتي تطلع علي خبث هؤلاء الافراد) غررت اخي حتى قتلته فقال عليه السلام : إني لم اغر اخاك ولكن الله هداه واضّلك فقال : قتلني الله إن لم اقتلك ثم حمل على الحسين ليطعنه فاعترضه نافع بن هلال الجملي فطعنه حتى صرعه فحمله اصحابه وعالجوه وبرأ ورمى نافع ابن هلال الجملي بنبال مسمومةكتب اسمه عليها وهو يقول ( أرمي بها معلمةً أفواقهامسمومةً تجري بهاأخفاقها)فقتل اثني عشر رجلاً سوى من جرح ولما فنيت نباله جرد سيفه يضرب فيهم فأحاطوا به يرمونه بالحجارة والنصال حتى كسروا عضديه واخذوه اسيراً فأمسكه الشمر ومعه اصحابه يسوقونه فقال له ابن سعد : ما حملك على ما صنعت بنفسك ؟قال : إن ربّي يعلم ما اردت ، فقال له رجل وقد نظر إلى الدماء تسيل علىوجهه ولحيته : أما ترى ما بك ؟ فقال :والله لقد قتلت منكم اثني عشر رجلا ًسوى من جرحت وما ألوم نفسي على الجهد ولو بقيت لي عضد ما أسرتموني ثم قتله الشمر ولما صرع واضح التركي مولى الحرث المذحجي استغاث بالحسين فأتاه أبو عبد الله واعتنقه فقال : من مثلي وابن رسول الله (ص) واضع خده على خدّي ! (أنظر الي الحسين بن علي رجل الدين وألانسانيه يضع خده مرةً علي خّد ولده علياً الاكبر وكذلك ايضاً مرة اخري يضع خدّه علي خدّ غلامٍ تركي إذ لا يُفرّق إمامنا سلام الله عليه بين افراد النوع إلانساني فالدين إلانساني هو الدين إلاسلامي ) ثم فاضت نفسه الطاهرة ومشيا لحسين الي أسلم مولاه واعتنقه وكان به رمق فتبّسم وافتخر بذلك ومات رضوان الله عليه ونادى يزيد بن معقل : يا بُرير كيف ترى صنع الله بك ؟ فقال : صنعالله بي خيراُ وصنع بك شراً فقال يزيد : كذبت وقبل اليوم ما كنت كذاباأتذكر يوم كنت أماشيك في (بني لواذن) وأنت تقول كان عثمان مسرفاً ومعاويةضالاً وإن إمام الهدي علي بن أبي طالب قال : بُرير : بلى اشهد ان هذا رأيي فقال يزيد : وانا اشهد انك من الضالين فدعاه برير الى المباهلة فرفعاايديهما الى الله سبحانه يدعوانه أن يلعن الكاذب ويقتله ثم تضاربا فضربه بُرير على رأسه ضربةً قدّت المغفر والدماغ فخر كأنما هوى من شاهق وسيف بُرير ثابت في رأسه وبينا هو يريد ان يخرجه إذ حمل عليه رضا بن منقذ العبدي واعتنق بُريراً واعتركا فصرعه بُرير وجلس على صدره فاستغاث رضا بأصحابه ،فذهب كعب بن جابر بن عمرو الازدي ليحمل على برير فصاح به عفيف بن زهير بن أبي الأخنس: هذا بُرير بن خضير القاري الذي كان يقرؤنا القرآن في جامع الكوفة فلم يلتفت اليه وطعن بُريراً في ظهره فبرك برير على رضا وعضّ وجهه وقطع طرف انفه وألقاه كعب برمحه عنه وضربه بسيفه فقتله وقام العبدي ينفض التراب عن قبائه وقال : لقد انعمت عليّ يا اخا الازد نعمة لا أنساها أبداًولما رجع كعب بن جابر الى أهله عتبت عليه امرأته النوار وقالت : اعنت على ابن فاطمة وقتلت سيد القراء لقد اتيت عظيماً من الأمر والله لا اكلمك من رأسي كلمة أبداً فقال :
سـلي تـخبري عنّي وانت ذميمة
غـداة حـسين والـرماح شوارع
الي آخر أبياته ونادي حنظلة بن سعد الشبامي : يا قوم إني اخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعادٍ وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلماً للعباد يا قوم اني اخاف عليكم يوم التّناد يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ومن يُضلل الله فما له من هاد يا قوم لا تقتلواحسيناً فيُسحتكم الله بعذابٍ وقد خاب من افترى فجّزاه الحسين خيراً وقال : رحمكالله انهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم اليه من الحق ونهضوا اليك ليستبيحوك واصحابك فكيف بهم الآن وقد قتلوا اخوانك الصالحينقال : صدقت يا ابن رسول الله أفلا نروح الى آلاخرة ؟ فأذن له فسّلم علىالحسين وتقدم يقاتل حتى قُتل رضوان الله عليه واقبل عابس بن شبيب الشاكري على شوذب مولى شاكر وكان شوذب من الرجال المخلصين وداره مألفاً للشيعة يتحدثون فيها فضل أهل البيت فقال : يا شوذب ما في نفسك ان تصنع ؟ قال : اُقاتل معك حتى اُقتل فجزّاه خيراً وقال له : تقدم بين يدي أبي عبد الله (ع) حتى
يحتسبك كما احتسب غيرك وحتى أحتسبك فان هذا يوم نطلب فيه الاجر
بكل ما نقدرعليه فسلّم شوذب على الحسين وقاتل حتى قُتل ووقف عابس امامأبي عبد الله (ع) وقال : ما امسى على ظهر الارض قريب و لا بعيد أعز عليّمنك ولو قدرت انادفع الضيم عنك بشيء أعز عليّ من نفسي لفعلت السلام عليك ،اشهد اني علىهداك و هدى أبيك و مشى نحو القوم مصلتاً سيفه و به ضربة على جبينه فنادى : ألا رجل فأحجموا عنه لأنهم عرفوه اشجع الناس فصاح عمر بنسعد : أرضخوه بالحجارة فرمي بها فلما رأى ذلك القى درعه ومغفره وشد علىالناس وانه ليطرد اكثر من مئتين ثم تعطّفوا عليه من كل جانب فقُتل رضوان الله عليه ووقف جون مولى أبي ذر الغفاري امام الحسين يستأذنه فقال عليه السلام : يا جون إنماتبعتنا طلباً للعافية فأنت في اذن مني فوقع على قدميه يقبلهما ويقول : أنافي الرخاء ألحس قِصاعكم وفي الشدة أخذلكم سيدي ان ريحي لنتن وحسبي للئيم ولوني لأسود فتنفس عليّ بالجنة ليطيب ريحي ويشرف حسبي ويبّيض لوني لا واللهلا افارقكم حتى يختلط هذا الدم الاسود مع دمائكم أهل البيت فأذن له الحسين فقُتل خمساً وعشرين وقُتل فوقف عليه الحسين وقال : اللهم بيِّض وجهه وطيِّب ريحه واحشره مع محمدٍ (صلي الله عليه وآله وسلم) وعرِّف بينه وبينآل محمد( عليهم السلام) فكان من يمرب المعركة يشم منه رائحة طيبة اذكى من المسك
وكان أنس بن الحارث بن نبيه الكاهلي شيخاًً كبيراًصحابياً رأى النبي وسمع حديثه وشهد معه بدراً وحنيناً ، فاستأذن الحسين وبرز شادّاً وسطه بالعمامة رافعاً حاجبيه بالعصابة ، ولما نظر اليه الحسين بهذه الهيئة بكى وقال : شكراً لله لك يا شيخ فقتل على كبر سنهِ ثمانيةعشر رجلاً وقُتل وجاءعمرو بن جنادة الانصاري بعد أن قُتل أبوه وهو ابنإحدى عشرة سنة يستأذن الحسين هذا وقد أمرته أمه من قبل ذلك وقالت له : ولدي قم وأنصر ريحانة رسول الله بعد ما ألبسته لامة حربه فخرج يستأذن من الحسين بن علي فلما نظر إليه الحسين قال لأصحابه : هذا غلام قُتل أبوه في الحملة الأُولى ولعل أُمه تكره خروجه الي المعركه ردّوه الي الخيمة فأقبل الغلام يسعي نحو الحسين عجلاً خائفاً من أن يصّده أصحاب أبي عبدالله عن مراده وقصده فصاح : سيدي أبا عبد الله أن أمي هي التي ألبستني لامة حربي فأذن لي يا بن رسول الله حتي أرزق الشهادة بين يديك فجزّاهالأمام خيرا فبرز وهو يقول أميري حسينٌ
( أميري حسينٌونعم الأميرسرور فؤاد البشير النذيرعلي ٌوفاطمةٌ والداه فهل تعلمون له من نظيرله طلعةٌ مثل شمس الضحيله غرّةٌ مثل بدر المنير)فقاتل قتال الابطال فأحاط أعداء به من كل جانب أردوه الي الأرض صريعا فاحتزورأسه ورموا به نحو الخيام فسعت الي رأسه أمه فمسحت الدم عنه وأخذتهوضربتبه رجلاً قريباً منها فمات وعادت الى المخيم فأخذت عموداً وقيلسيفاًوانشأت تقول : (أنا عجوز في النسا ضعيفة خاوية بالية نحيفة أضربكمبضربةعنيفة دون بني فاطمة الشريفة ) فردّها الحسين إلى الخيمة بعد أناصابت بالعمود رجلين (وما رضي الحسين سلام الله عليه بأن تخرج امرأة من سائر نساءالمسلمين امام الأعداء امام الرجال الأجانب فصونوا حلائلكم معاشر المسلمين كما تصونون ديناركم ودرهمكم) وقاتل الحجاج بن مسروق الجّعفي حتى خُضّب بالدماء فرجع الى الحسين يقول : ( اليوم القي جدك النبيا ثم أباك ذا الندي عليا ذاك الذي نعرفه الوصيا) فقال الحسين : وأناالقاهما على أثرك فرجع يقاتل حتى قُتل ولما اُثخن بالجراح سويد بن عمرو بنأبي المطاع سقط لوجهه وظُنَّ انه قُتل فلما قُتِلَ الحسين وسمعهم يقولون : قُتل الحسين أخرج سكينةً كانت معه فقاتل بها وتعطّبوا عليه فقتلوه وكان آخر من قتل من الأصحاب بعد الحسين عليه السلام ولما لم يبق مع الحسين إلاأهل بيته عزمواعلى ملاقاة الحتوف ببأس شديد وحفاظ مر ونفوس أبية واقبل بعضهم يودّع بعضاً واول من تقدم هو شبيه رسول الله علي ٌ الأكبر وكان شبيهاً برسول الله خلقاًوخُلقاً ومنطقاً فأحطن به النسوة وقلن أرحم غُربتنا فليس لنا طاقة علي فراقك فلم يأبي بكلامهن واستأذن أباه فبرز علي فرسٍ للحسين يسمي لاحقاً وهويقول : (أنا علي بن الحسين بن علي نحن وبيت الله أولي بالنبي أضربك مبالسيف أحمي عن أبي ضربةغلامٍ هاشميٍ علوي تالله لا يحكم فينا ابن الدعي) ولم يتمالك الحسين دون أن رفع شيبته المقدّسه نحو السماء وأرخي عينيهبالدموع وقال :اللهم أشهد علي هؤلاء القوم فقد برز إليهم أشبه الناس برسولك محمّدٍ صلّي الله عليه وآله وسلّم وكنا إذ أشتقنا الي رؤيه نبيك نظرنا إليه اللهم امنعهم بركات الأرض وفرّقهم تفريقاً واجعلهم طرائق قدداًولا ترضِ الولاة عنهم ابداً فأنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلونناوصاح ببن سعد : قطع الله رحِمك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله ثم تلا قوله تعالي :
( إِنّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَعِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ )ولم يزل يقاتل حتي قتل سبعين رجلاً وقدأشتّد به العطش فرجع الي أبيه يستريح ويذكر ما اجهده من العطش فبكى الحسين وقال : واغوثاه ما أسرع الملتقى بجدّك فيسقيك بكأسه الأوفي شربةً لا تظمأبعدها أبداً
(نادي يبويه شربة بمية چبدي يبويه اتگوي واگوم للگوم وحديي بوية انفطركبدي وحگ جدي العطش والشمس والميدان والحر يگله منين جيب المايي بني وطگ روحي وحمت چبدي ولسبني يبويه استخلف الله العمر واصبر يگله والدمع يسفح من العين يابعدي وبعد كل الناس يحسين يگله اصبر وگلبي صار نصين اشلون اصبريبويه والصبر مر) فقتل مئتين واتاه سهم وقع في حلقه وطعنه مُرةبن منقذالعبدي بالرمح في ظهره وضربه بالسيف على رأسه ففلق هامته وتابعه الناس بأسيافهم حتي قطّعوه إرباً فجاء إليه الحسين وأنكّب عليه يقول قتل الله قوماً قتلوك ما اجرأهم علي الله وعلي انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفا ثم أخذ بكفه من دمهِ الطاهر ورمي به نحو السماء فلم يسقط منه قطرة وامر فتيانه أن يحملوه الى الخيمة فجاؤا به إلى الفسطاط الذي كانوايقاتلون أمامه وحرائر بيت الوحي ينظرن اليه محمولاً قد جللته الدماء بمطارف منالعز حمراء وقد وزّع جثمانه الضرب والطعن فاستقبلنه بصدور دامية وعولةً تصكُّ سمع الملكوت وامامهن كبيرة البيت الهاشمي (زينب العقيلة) صارخةً نادبة فألقت بنفسها عليه تضم اليها جمام نفسها الذاهب وحمى خدرها المنثلم وعماد بيتها المنهدم وخرج من بعده عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالبوهو يقول : اليوم القى مسلماً وهو أبي وعصبة بادوا علي دين النبي
فقتل جماعة بثلاث حملات ورماه يزيد بن الرقادالجهني بسهم فاتقاه بيده فسمرها الى جبهته فما استطاع ان يزيلها عن جبهته فقال : اللهم انهم استقلّونا واستذلّونا فاقتلهم كما قتلونا وبينا هو على هذا إذ حمل عليه رجل برمحه فطعنه في قلبه ومات ولما قُتل عبد الله بن مسلم حمل آل أبي طالب حملة واحدة فصاح بهم الحسين عليه السلام : صبراً علىا لموت يا بني عمومتي والله لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم فوقع فيهم عون بن عبد الله بن جعفرالطيار وامه العقيلة زينب واخوه محمد وامه الخوصاءوعبد الرحمن بن عقيل بنأبي طالب واخوه جعفر ابن عقيل ومحمد بن مسلم بن عقيل وأصابت الحسن المثنى ثمانية عشر جراحة وقطعت يده اليمني ولم يُستشهدوخرج أبو بكر بن اميرالمؤمنين عليه السلام واسمه محمد وامه شرية قتله زحربن بدر النخعي ثم خرج عبد الله بن عقيل فما زال يضرب فيهم حتى اُثخنبالجراح وسقط الى الارض فجاءاليه عثمان بن خالد التميمي فقتله وخرج أبوبكر بن الأمام الحسن عليهالسلام وهو عبد الله الاكبر وامه ام ولد يقالل ها رملة فقاتل حتى قُتل وخرج من بعده اخوه لامه وأبيه القاسم وهو غلام لم يبلغ الحُلم فلما نظر اليه الحسين عليه السلام اعتنقه وبكى اذن له فبرزكأن وجهه شقة قمر وبيده السيف وعليه قميص وإزار وفي رجليه نعلان فمشى يضرب بسيفه فانقطع شسع نعله اليسرى وأنف ابن النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم أن يحتفي في الميدان فوقف يشد شسع نعله وهو لا يزن الحرب الا بمثله غير مكترث بالجمع ولا مبالبالالوف وبينا هو على هذا إذ شد عليه عمرو ب نسعد بن نفيل الازدي وضربهبالسيف علي رأسه ففلق هامته وصاح الغلام ياعماهوأمه واقفه بباب الخيمةتنظر إليه وهي مدهوشة فأتاه الحسين وضرب قاتلهفاتقاه بالساعد فأطنها منالمرفق فصاح صيحة عظيمة سمعها العسكر فحملت خيلابن سعد لتستنقذه فأستقبلتهبصدورها ووطأته فمات وانجلت الغبرة واذاالحسين قائم على رأس الغلام وهويفحص برجليه والحسين يقول : بعداً لقوم قتلوك خصمهم يوم القيامة جدّكثماحتمله ورجلاه يخطان في الأرض فألقاه مع علياً الاكبر وقتلى حوله منأهلبيته ولما رأى العباس عليه السلام كثرة القتلى في أهله قال لأخوته منأمّهوأبيه عبد الله وعثمان وجعفر : تقدّموا يا بني أُمي حتى أراكم نصحتمللهولرسوله والتفت الى عبد الله وكان أكبر من عثمان وجعفر وقال : تقدم ياأخيحتى أراك قتيلا وأحتسبك فقاتلوا بين يدي أبي الفضل حتى قُتلوابأجمعهم ولم يستطع العباس صبراً بعد قتل إخوته وأولاد عمه وأخيه وكان آخرمن بقي مع الحسين فستأذنه قال : (ياأخي أنت صاحب لوائي ) قال العباس : قدضاق صدري وأريد أن آخذ ثأري من هؤلاء المنافقين فقال الحسين : إذاً فأطلب لهؤلاءالأطفال قليلٌ من الماء فذهب العباس الى القوم ووعظهم وحذّرهم غضبا لجبّارفلم ينفع ورجع الي الحسين يخُبره فسمع الأطفال ينادون العطش العطش فركب جواداً وأخذ الِقربة وقصد الفرات فأحاط به أربعة آلاف ورموه بالنبال فلم يأبي بجمعهم ولم ترعه كثرتهم فكشفهم عن المشرعة ودخل الماء واغترف منهليشرب فتذّكر عطش الحسين فرمي الماء وقال :يا نفس من بعد الحسين هوني
وبعده لا كنت أن تكوني
هذا الحسين وارد المنون
وتشربين بارد المعين
(شلون أشرب واخويه حسين عطشان دجله والحرم واطفال رضعان وظل گلب العليله ولهان ياريت الماي بعده لا حلاو ظل هذا الماي يجري بطول حيّراضوگه گبل چبدي حسين هيهات وظل طفله والعطش ماي واظل موت كرم والعمر گصّر)
ثم ملأ القربة وتوجه نحو المخيم فأخُذ عليه الطريق وجعل يضرب فيهم وهو يقول
( لا أرهب الموت اذا الموت زقا حتي اُواري في المصاليت لقي )اني انا العباس اغدو بالسِقا ولا اهاب الموت يوم الملتقي
فكمن له زيد بن الرّقاد من وراء نخلةٍ وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي فضربه على يمينه فبراها وأخذ السيف بشماله وقال (والله إن قطعتم يميني إني أُحامي ابداً عن ديني ) فحافظوا عن دينكم ايهاالمسلمون وتمّسكوا به فأنه خير دينٍ ( وعن امامٍ صادقٍ اليقينِ نجل النبي الطاهر الامينِ) فكمن له حكيم بن الطفيل من وراءِ نخلة فضربه علي شماله فقطعها فضّم اللواء الي صدره وتكاثروا عليه وأتته السهام كالمطر فأصاب القربة سهم وأريق ماؤها وسهمأصاب صدره وسهم أصاب عينه وضربه رجل بالعمودعلى رأسه ونادي عليك مني السلام ابا عبد الله فأتاه الحسين ورأه مقطوعا ليمين واليسار مُرتثاً بالجراحا انحني عليه وبكي بكاءً عاليا وقال : آلان انكسر ظهري وقلّت حيلتي وشمُت بي عدّوي ثم حمل عليه ذويد بن بثير ويقول : بنا اين تفرّون وقد فتتم عمودي فبينا امامنا جالس عند ابي الفضل واذابأبي الفضل التفت فقال سيدي ماتريد أن تصنع قال أريد حملك الي المخيّم
( نادي ياخويه حسين خليني بمچاني يگله ليش يازهرة زماني
يا خويه واعدت سكنه تراني ابميهومستحي منهه ومگدرياخويه منين جتك المنية وتگضي بالشمس والعطش والحر) فبعد هيئةٍ فاضت روح أبي الفضل في حجر أبي عبد الله الحسين فرجع الحسين الي المخيّم منكسراًحزيناً يكفكف دموعه بكمه وقدتدافعت الرجال على مخيمه فصاح فأتته سكينة وسألته عن عمها فاخبرها بقتله وسمعته زينب
فصاحت : وا أخاهوا عباساه وا ضيعتنا بعدك وبكين النسوة وبكى الحسين معهن وقال :
وا ضيعتنا بعدك ولما قُتل العباس التفت الحسين فلم ير احداً ينصره ونظر الى أهله وصحبه مجزّرين كالأضاحي وهو إذ ذاك يسمع عويل الايامي وصراخالأطفال صاحبأعلى صوته : هل من ذاب عن حرم رسول الله ؟ هل من موحد يخاف الله فينا ؟هل من مغيث يرجو الله في اغاثتنا ؟ فأرتفعت اصوات النساءبالبكاءونهض السجاد (ع) يتوكأ على عصا ويجر سيفه لانه مريض لا يستطيع النهوض فصاح الحسين بأم كلثوم احبسيه لئلا تخلو الأرض من نسل آل محمد فأرجعته الى فراشه وهي تنادي
(يخويه ومالك معي وگومك عالغبره مطاعي انا منين اجيب المرتضي منين عن كربلة يابه غبت وين )ثم انه عليه السلام أمر عياله بالسكوت وودّعهم وكان عليه جبة خز دكناءوعمامة مورَّدة ارخى لها ذوابتين والتحف ببُردة رسول الله ولبس درعه وتقلد بسيفه وطلب ثوباً لا يرغب فيه أحد يضعه تحت ثيابه لئلا يجرد منه فانه مقتول مسلوب فأتوه بتّبان فلم يرغب فيه لانهمن لباس الذلة وأخذ ثوباًخرقاً وخرّقه وجعله تحت ثيابه ودعا بسراويل ففزرها ولبسها لئلا يسلبها ودعا بولده الرضيع يودعه فأتته زينب بابنه عبدالله وأمه الرباب فأجلسه فيحجره يقبله ويقول بعداً لهؤلاء القوم اذا كان جدّك المصطفى خصمهم
ثم أتى به نحو القوم يطلب له الماء فرماه حرملة بسهم فذبحه فتلقى الحسين الدم بكفه ورمى به نحو السماء فلم تسقط منه قطرة وقال هون ما نزل بي انه بعين الله تعالى اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل ناقةصالح إلهي إن كنت حبست عنا النصر فاجعله لما هو خير منه وانتقم لنا منا لظالمين وأجعل ما حلّ بنا في العاجل ذخيرةً لنا في الآجل اللهم انت الشاهدعلى قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمد صلى الله عليه وآلهوسمع عليهالسلام قائلا يقول : دعه يا حسين فان له مرضعاً في الجنة فجاء به الي قرب خيمة (العقيلة زينب) ورجع به الي أمه لأن الأم لا تتوكد أن تري ولدهامقتول أمامها فخرجت إليه العقيلة فلما نظرت الي الطفل وإذا به مذبوح من الوريدالي الوريد والسهم نابتٌ في نحرهِ ودمه مسفوح علي صدره
(نادت يخويه الطفل عني دغطيهانا مالي گلب يحسين اصد ليهاشوفن ذبيح ومدري جليهخويه خذتهالعطش الحگ عليههذا الخفت منه طحت بيه ) وحفر له الحسين سلام الله عليه بجفن سيفه ودفنه مرملاً بدمه ويقال وضعه مع قتلى أهل بيته وتقدّم نحو القوم مصلتاً سيفه آيساً من الحياة ودعا الناس الى البراز فلم يزل يقتل كل من برز اليه حتى قتل جمعاً كثيراً ثم حمل على الميمنة وهو يقول :الموت اولي من ركوب العار والعار اولي من دخول الناروحمل على الميسرة وهو يقول :
انا الحسين بن علي آليت أن لا أنثني
أحمي عيالات أبي أمضي علي دين النبي
وأعياه نزف الدم فجلس على الارض ينوء برقبته فانته ىاليه في هذا الحال مالك بن النسر فشتمه ثم ضربه بالسيف على راسه وكان عليه برنس فامتلأا لبُرنس دماً فقال الحسين : لا أكلت بيمينك ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين ثم ألقى البُرنس واعتم على القلنسوة قال هاني بن ثبت الحضرمي : اني لواقف عاشر عشرة لما صرع الحسين إذ نظرت الى غلامٍ من آل الحسين عليه ازاروقميص وفي اذنيه درتان وبيده عمود من تلك الأبنية وهو مذعور يتلفت يميناًوشمالا فأقبل رجل يركض حتى اذا دنا منه مال عن فرسه وعلاه بالسيف فقتله وذلك الغلام هو محمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب وكانت امه تنظراليه وهي مدهوشة ثم انهم لبثوا هُنيئةً وعادوا الى الحسين واحاطوا به وهوجالس على الأرض لا يستطيع النهوض فنظر عبد الله بن الحسن السبط وله احدى عشرةسنة الى عمه وقد أحدق به القوم فأقبل يشتد نحو عمه وأرادت زينب حبسه فأفلت منها وجاء الى عمه وأهوى بحر بن كعب بالسيف ليضرب الحسين فصاح الغلام : يا ابن الخبيثة أتضرب عمّي الحسين ؟ فغضب اللعين من كلامه فضرب الغلام بسيفه فاتقي الضربة بيده فأطنها الى الجلد فاذا هي معلقة فصاح الغلام : ياعماه لقد قطعوا يدي ونظر الي أمه في باب الخيمه فنادي يا أماه لقد قطعوا يميني فضّمه الحسين إليه فقال يا بن اخي اصبرعلي ما نزل بك واحتسب في ذلكا لخير فان الله تعالى يلحقك بآبائك الصالحين ورفع يده قائلا : اللهم ان متعتهم الى حينٍ ففرقهم تفريقاً واجعلهم طرائق قدداً ولا تُرِضِ الولاةعنهم ابداً فانهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلونا ورمي الغلام حرملة بن كاهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمه وبقي الحسين مطروحاًعلي الأرض ملياً ولو شاؤوا ان يقتلوه لفعلوا الا ان كل قبيلة تتكل على غيرها وتكره الاقدام فصاح الشمر : ما وقوفكم وما تنتظرون بالرجل وقد اثخنته السهام والرماح احملوا عليه فضربه زرعة بن شريك على كتفه الايسر ورماه الحُصين في حلقه وضربه آخر على عاتقه وطعنه سنان بن انس في ترقوته ثم في بواني صدره ثم رماه بسهم في نحره وطعنه صالح بن وهب في جنبه قال هلال ب ننافع كنت واقفاً نحو الحسين فرأيته يجود بنفسه فوالله ما رأيت قتيلا قط مضمخاً بدمه احسن منه ولا انور وجهاً ولقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله فاستسقى في هذه الحال ماءً فأبوا ان يسقوه وقال له رجل لا تذوق الماءحتى ترد الحامية فتشرب من حميمها فقال عليه السلام :انا ارد الحامية وإنما ارد على جدي رسول الله واسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدرواشكو اليه ما ارتكبتم مني و ما فعلتم بي فغضبوابأجمعهم حتى كأن الله لم يجعل في قلب احدهم من الرحمة شيئاً واقبل فرس الحسين يدور حوله ويلطخ ناصيته بدمه فصاح ابن سعد دونكم الفرس فانه من جياد خيل رسول الله فأحاطت به الخيل فجعل يرمح برجليه حتي قتل جماعةً فقال ابن سعد دعوه لننظر ما يصنع فلما أمن الجواد الطلب اقبل نحو الحسين يمرغ ناصيته بدمه ويشمه ويصهل صهيلا عالياً قال أبو جعفرالباقر (ع) كان يقول : (الظليمة ، الظليمة ، من امة قتلت ابن بنت نبيها)
وتوجه نحو المخيم بذلك الصهيل فلما نظرن النساء الى الجواد مخزياً والسرج عليه ملويا خرجن من الخدور على الخدود لاطمات وبالعويل داعيات وبعدالعز مذللات والى مصرع الحسين مبادراتفواحدة تحنو عليه تضُّمه وأخري عليه بالرداء تظللوأخري بفيض النحر تصبغ شعرها وأخري تفّديه وأخري ُتقبلهوأخري علي خوفٍ تلوذ بجنبه وأخري لما قد نالها ليس تعقل
ونادت أُم كلثوم : وامحمداه واابتاه واعلياه واجعفراه واحمزتاه هذا حسين بالعراء صريع بكربلا ونادت زينب : وا اخاه واسيداه وا اهل بيتاه ليت السماء أطبقت على الأرض وليت الجبال تدكدكت على السهل وانتهت نحو الحسين وقد دنا منه عمر بن سعد في جماعة من أصحابه والحسين يجود بنفسه فصاحت : أي عمر ايقتل أبو عبدالله وأنت تنظر اليه ؟فصرف بوجهه عنها ودموعه تسيل على لحيته فقالت : ويحكم امافيكم مسلم ؟ فلم يجبها احد ثم صاح ابن سعد بالناس : انزلوا إليه وأريحوه فبدر إليه شمرفرفسه برجله وجلس على صدره وقبض على شيبته المقدّسة وضربه بالسيف اثنتي عشرة ضربة واحتز رأسه المقدس
واااااااا إماماااااااااه واااااااا حسيناه وااااااااا سيداه