قبل الرئيس العراقى جلال طالبانى أوراق اعتماد السفير الأمريكي الجديد لدى بغداد، زالماى خليل زاد، ليكون خلفا لجون نجروبونتى، الذي عين سفيرا للولايات المتحدة بالأمم المتحدة قبل تعيينه مؤخرا رئيسا لأجهزة المخابرات الأمريكية المختلفة.

عمل خليل زاد سفيرا لبلاده فى أفغانستان، واختير مبعوثا للرئيس الامريكى جورج بوش فى العراق، ولعب دورا هاما فى تنسيق مواقف المعارضة العراقية فى الداخل والخارج قبل الإطاحة بنظام الرئيس العراقى صدام حسين فى الحرب التى قادتها الولايات المتحدة ضد العراق فى 2003 .

ولد خليل زاد ، او كينج (الملك) زاد، كما يشتهر فى الأوساط الأمريكية بمدينة مزار الشريف الأفغانية . وبعد دراسته فى الجامعة الأمريكية ببيروت سافر خليل زاد للولايات المتحدة حيث حصل على الدكتوراه من جامعة شيكاغو وتزوج من أمريكية واستقر هناك.

عمل خليل زاد مديرا بإحدى شركات النفط الأمريكية قبل أن يترقى فى المناصب بوزارتى الخارجية والدفاع فى عهد الرئيسين رونالد ريجان وجورج بوش الأب. وفى عهد الرئيس الامريكى الحالى، عمل خليل زاد فى مجلس الأمن القومي عندما كانت تتولى رئاسته وزيرة الخارجية الحاليه كوندوليزا رايس حيث كان مسؤولا عن قسم شؤون آسيا الوسطى والخليج.

وعقب الحرب الأمريكية على نظام طالبان فى أفغانستان ، صار خليل زاد سفيرا للولايات المتحدة فى كابل . وخلال تلك الفترة تم تنصيب حامد كرزاى رئيسا لأفغانستان.

وساهم خليل زاد فى عملية إعادة الاعمار فى أفغانستان وبناء مؤسسات الدولة من جديد بعد تولى نظام موال للولايات المتحدة الحكم هناك. وعرض خليل زاد عفوا أمريكيا عن مقاتلى طالبان فى حال تنازلهم عن أسلحتهم وهو العرض إلى رفضته طالبان . وتستمر حتى الآن هجمات طالبان على القوات الأمريكية التى تنطلق معظم عملياتها العسكرية هناك من العاصمة كابل ومن قاعدة أمريكية بقندهار.

إذن، ما الذى دفع الإدارة الأمريكية لاختيار خليل زاد ليكون سفيرها فى العراق برغم عدم تحقق الهدوء الكامل على الجبهة الأفغانية؟

مأزق الإدارة
يقول الدكتور منذر سليمان الباحث فى الشؤون السياسية والعسكرية بواشنطن فى مقابلة مع بى بى سى " اعتقد انه تعبير عن المأزق الذى يواجه الإدارة فى التعامل مع الوضع العراقى، حيث تم نقل شخصية تعتقد الإدارة ( الأمريكية ) بأنها تتمتع بخبرة فى المنطقة."

ويضيف أنه طالما أن المسألة موضوعة تحت ستار أو عنوان "محاربة الإرهاب" وان العراق هو الحلقة المركزية فى محاربة ما تسميه الإدارة بالإرهاب، فهى تجد أن هناك فرصة لكى تأخذ بعض التجربة التى حصلت عليها فى أفغانستان لتقنع أطرافا إقليمية ودولية بمزيد من التعامل فى الوضع العراقى.

وأشار سليمان إلى أن خليل زاد "تربطه علاقات قوية بأطراف إقليمية ودولية عديدة نتيجة خبرته فى أفغانستان بالإضافة الى انه سبق وعمل بمجلس الأمن وتربطه علاقة مباشرة بالبيت الأبيض وبالخارجية الأمريكية. لذلك هو نوع من إعطاء الانطباع بأن الملف العراقى سيتم التعامل معه بجدية أكثر وبكفاءة أكثر."

وكان خليل زاد البالغ من العمر، أربعة وخمسين عاما، واحدا من أهم القائمين على تنسيق مواقف المعارضة العراقية فى الداخل والخارج قبل وبعد سقوط نظام صدام حسين فى الحرب التى قادتها الولايات المتحدة وبريطانيا فى بداية 2003 ، حيث اشرف خليل زاد على عدد من تلك الاجتماعات فى شمال العراق حيث الأغلبية الكردية المتعاونة مع الولايات المتحدة. وكذا اشرف زاد على بعض اجتماعات المعارضة العراقية فى الخارج وخاصة فى نيويورك.

وقتها، طمأن خليل زاد المعارضة (التى صارت قاطرة الحكم فى العراق بعد سقوط النظام السابق ) بان القوات الأمريكية ستغادر العراق حالما يستقر الوضع وتشكل حكومة ديمقراطية، وان الغاية من الحملة العسكرية الأمريكية على العراق فى ذلك الحين هى الإطاحة بنظام صدام حسين وبناء دولة ديمقراطية بالعراق تكون نموذجا يحتذى به فى باقى المنطقة.

والآن، وبعد مرور أكثر من عامين على سقوط نظام صدام حسين، مازال الوضع فى العراق غير مستقر رغم وجود ما يقارب مئة وخمسين ألف جندى امريكى هناك. فما الذى يمكن أن يقدمه خليل زاد لقضية العراق فى الفترة القادمة.

يقول الدكتور منذر سليمان ان خليل زاد حدد هذه المهام بتعزيز مسعى الحكومة العراقية من اجل التوصل إلى دستور دائم . والأمر الآخر هو تأمين التدريب السريع والكافى للقوات العراقية والمساعدة فى إعادة الاعمار.

ويرى الدكتور سليمان أن هذه أهداف عامة مطروحة سيضطر اى شخص للتعامل معها. ويطرح سليمان سؤالا حول مدى وإمكانية النجاح.

تنافس ميدانى
يعتقد الدكتور سليمان أن الوضع الأمني فى العراق لا يوجد له اى حل سحري ولو تم اختيار أية شخصية أمريكية أخرى للمنصب ذاته.

من ناحية رمزية، والحديث لا يزال للدكتور منذر سليمان، بتعيين خليل زاد سفيرا فى العراق، تريد الخارجية الأمريكية أن توجه رسالة أنها صار لها الأولوية فى التعامل مع الملف العراقى وليس البنتاجون، وذلك فى ضوء التنافس القائم بين الوزارتين حاليا حول هذه الأولوية، مع العلم بأن البنتاجون هو من يتولى تدبير الشأن العراقى فى الوقت الحالى . وقد رأى بعض المراقبين إخفاقا من جانب البنتاجون فى المجال.

وكانت تصريحات، صدرت فى الشهور الأخيرة، عن البيت الأبيض والبنتاجون ومن القادة الميدانيين الأمريكيين فى العراق قد أشارت إلى صعوبة الوضع فى العراق مع تزايد الهجمات المسلحة من قبل المسلحين العراقيين وما ترتب عليه من ارتفاع الخسائر فى صفوف العراقيين المدنيين والعسكريين وفى صفوف الجنود الأمريكيين.

ولذلك يرى الدكتور سليمان فى تعيين خليل زاد الذى عمل مع رايس فى مجلس الامن القومى، سفيرا للولايات المتحدة فى العراق، فى هذا التوقيت، محاولة من قبل الإدارة الأمريكية لإبراز نوع من القدرة على النجاح، خاصة وانه تعاطى مع الصيغة التى نجحت نسبيا فى أفغانستان.

رؤية رايس
كما ان وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، المحت فى تصريحاتها عند توليها المنصب أنها بصدد إدخال تغيير على أسلوب تعامل الإدارة الأمريكية مع الوضع فى العراق وموضوع نشر الديمقراطية فى الشرق الأوسط ، حيث أشارت إلى أنها ستعتمد على أسلوب التفاوض السلمى والبدائل غير العسكرية الأخرى للابتعاد عن الخيار العسكري الذى اثر على مصداقية الولايات المتحدة فى بقاع كثيرة بالعالم.

إن أمام خليل زاد فى العراق مهام جسام، ويتوقع منه حل الخلافات الحالية بين القوى السياسية العراقية المختلفة، وزيادة تمثيل العراقيين السنة فى العملية السياسية الحالية، والتفاوض مع الجماعات المسلحة من اجل وقف هجماتها على القوات الأمريكية والتى خسرت حتى الآن ما يزيد على 1500 قتيل فى العراق.

وعندما اجتمع خليل زاد مع المعارضة العراقية فى بلدة صلاح الدين الكردية قبيل غزو العراق قال " إن قرار من سيحكم العراق ، سيبقى فى نهاية الأمر قرار الشعب العراقي." وبات عليه الآن بعدما صار سفيرا لبلاده فى العراق، أن يساعد العراقيين فى تحقيق الأمن والاستقرار وبناء الدولة الديمقراطية المستقلة.


عبد البصير حسن
بي بي سي- لندن