ماذا تعلّمت من السيّد
سلام عادل
ماذا تعلّمت من هذا السيّد .. في زمن الوجبات الفكريّة السّريعة والمتعسّرة الهضم، وفي زمن الخزعبلات والدّجل، وفي زمن التحجّر الدّينيّ .. نفذ إلينا نور لطيف ودافئ .. كدفء نسمات الرّبيع الّتي تهبّ بعد شتاءٍ قارسٍ وطويل .
هكذا كان محمد حسين فضل الله بالنّسبة إليّ .. وأحسب أنّ كلّ من سمعه أو رآه أو قرأ له لأوَّل مرَّةٍ ، أحسَّ بالشّعور نفسه .
ترك هذه الدّنيا، وكان يأبى أن يتركها.. ليس طمعاً فيها، وإنّما كان يريد إصلاح أهلها التّائهين وإيصالهم إلى برِّ الأمان.. حتَّى آخر لحظةٍ من عمره، مسلمين كانوا أو مسيحيّين، مؤمنين أو ملحدين، عرباً كانوا أو عجماً.
كان يحبّ النّاس لكونهم ناساً فقط ، وليس لأنَّهم من أتباع طائفةٍ أو مذهبٍ أو عرق . سمعت عنه عندما كان يحاول رأب الصّدع الوهميّ بين إخوته في بلده لبنان ، وسمعت عنه عندما كان صوته رنَّاناً في مقارعة أهل الظّلم في مسقط رأسه العراق .
وفي وقت اليأس والهوان ، كان فكره يقزِّم الآلة العسكريَّة الصّهيونيَّة ، ويجعلها لقمةً سائغةً للثوَّار اليساريِّين والإسلاميِّين في بيروت، الّذين جمعتهم كلماته وكلمات الأحرار من أمثاله لقهر الظّلم والجبروت .
لقد كان هذا السيّد محيّراً لأعدائه ، ومبهراً لأحبّته . فعندما كان يكتب أو يتحدّث، لا تعرف إن كان متديّناً أو فيلسوفاً اشتراكيّاً، شاعراً أو عالماً، سنّيّاً أو شيعيّاً! وذلك لأنّه حاول الإحاطة بكلّ معارف زمنه، واستطاع أن يدمج ما تعلّم في فكرٍ مستساغٍ بعيدٍ عن التطرّف وقريب إلى الرّوح، وأن يقدّم فكره هذا إلى محبّي الحقيقة على صحنٍ من الماس.
سمحت لي الأيّام أن أراه في مكّة، وكانت هذه المرّة الوحيدة التي اقتربت منه فيها وقبّلته على لحيته البيضاء . كان لقائي به لدقائق قليلة ، لا أتذكّر ماذا تحدّث فيها للجالسين في مقرّه المتواضع أثناء موسم الحجّ ، ولكنّي أتذكّر جيّداً بساطة هذا السيّد الجليل الّذي كان يستطيع التحدّث مع الشّباب والكهول بطريقةٍ يدخل فيها عقولهم وقلوبهم من دون استئذان، ليذكّرهم بمعنى الوجود وقيمة الإنسان.
تعلّمنا منك الكثير ولا نزال نتعلّم، ولا أعلم إن كنّا سنعوّض عن حرمانك أم لا، فقد وصلت بنا أنفسنا إلى طريقٍ موصدةٍ ببابٍ من الجهل والتخلّف، حتّى كادت عقولنا لا تتحمّل تنويراً ولو بسيطاً يذكّرنا بإنسانيّتنا. ولكن يبقى فكرك المتأسّس على محبّة النّاس مفتاحاً لباب الأمل.
التاريخ: 25 رجب 1431 ه الموافق: 07/07/2010 م