 |
-
المقاومة العراقية ...و الارهاب الامريكي المضاد( الجزء الاول) الدكتور موسي الحسيني
في العراق : يلعب على الساحة الان ثلاثة اطراف، سلطة الاحتلال وقواتها وعملائها ، المقاومة، وهناك لاعب اخر هلامي، غير واضح الهوية والملامح، يمارس عملياته بقوة لتحصد الأبرياء بالمئات ينسبها كلا الطرفين للاخر، وهو صورة حقيقية للارهاب بأوضح أشكاله. أين هي الحقيقة. ومن يقف فعلا وراء هذه العمليات ؟
د. موسى الحسيني
بغض النظر عن التسميات، فالسلوك السياسي لا يتحدد باسم معين، بل على أساس ألاهداف المعلنة وألممارسات الفعلية لهذا الطرف أو ذاك.
ألاحتلال جاء الى العراق بأهداف واضحة ومحددة. وبغض النظر عما قيل ويقال عن الرغبات الأميركية في تحرير العراق من الدكتاتورية، فأن اميركا ليست معنية بطبيعة النظام العراقي وجرائمه، التي لم تكن خافية على أحد، فكثيرا ما كانت اجهزة ألامن العراقية تصور جرائمها على أشرطة فيديو تتعمد تسريبها للناس، كجزء من عمليات الامن الوقائي، وأرهاب العراقيين، ليمتنعوا عن معارضتهم للنظام.
ولم تتوقف احكام الاعدام العلنية، مع ذلك كانت ادارة ريغان – وهي تمثل امتداد لنفس الاتجاه الايديولوجي الذي تلتزم به الادارة الحالية، اليمين المسيحي المتطرف – اصدرت تعليماتها لمنع اتصال اية مؤسسة حكومية بأي طرف من أطراف ألمعارضة العراقية.
لأول مرة يضع صدام نفسه في موقف المتمرد على التوجهات الاميركية في المنطقة، ويتجاوز ألمحضورات ألتي تعتبرها الادارة الاميركية خطوط حمراء، عندما اطلق العراق أول صاروخ بالستي، بمناسبة عيد الجيش في 6/1/1990، وماتلاها من تصريحات صدام عن قدرته على إحراق نصف أسرائيل بالكيمياوي ألمزدوج.
تمكنت أميركا أن تستخدم عنجهية صدام حسين، لجره لحرب الكويت، وما تلاها من تداعيات نزع أسلحة ألعراق ألاستراتيجية، ثم الحملة المفتعلة حول عدم ألتزام حكومة صدام بقرار نزع ألاسلحة، وأدعاء أدارة بوش بأمتلاك معلومات سرية عن أخفاء ألعراق لهذه ألأسلحة، وعند عدم توفر أية دلالة لتعزز بها صحة هذه المعلومات ألسرية المزعومة، لجأت ألادارة ألاميركية للعبة العلاقة بين صدام والتنظيمات ألسرية ألمتطرفة، في ألشهرين ألاخيرين فقط رفعت شعار ألمطالبة بتخليص ألعراقيين من النظام ألدكتاتوري. الا أن الطريقة التي مورست بها الحرب تشير الى حقد دفين على الدولة العراقية ومواطنيها، وليس النظام أو رموزه. فكان تفتيت مؤسسات الدولة، حل الجيش والقوات المسلحة بما فيها قوات الشرطة والامن، وخلق حالة من الفوضى أجهزت على ما بقي من هذه المؤسسات بما فيها تلك المختصة بالخدمات العامة، كالموصلات، ألماء، الكهرباء، ألصحة، وغيرها. ما حقق فعلاً وعد كولن باول عام 1990 عن نية اميركا لاعادة العراق الى العصر الحجري.
تكشفت حقيقة أهداف العدوان بعد أن تهيأ النصر للقوات ألغازية، وتحول التحرير الى أحتلال، وبدأت تتصاعد ألدعوة لحروب أهلية، وتقسيم العراق لدويلات صغيرة، وبدأت ماكنة ألاعلام ألاميركية تروج لفكرة أن هذه ألامنيات تعكس رغبات قوى دينية متطرفة، موسومةً بالارهاب، وكأن تلك الرغبات تتناقض مع التطلعات الأميركية والأسرائيلية، والعلاقة بين الأثنين معروفة، ولاتحتاج لبرهان.
أن أثارة النعرات ألطائفية، بل وتقسيم البلدان العربية الى دويلات صغيرة على أسس طائفية، هو مشروع صهيوني قديم سبق أن طرحه بوضوح الجنرال شارون في عام 1982، والذي عُرف بأسمه، من قبل ان يرتقي لرئاسة الدولة الصهيونية، ووسمه بعنوان " أستراتيجة اسرائيل تجاه المنطقة العربية في الثمانينات".
كان شارون واحداً من ضباط الدولة الصهيونية، وقدم مشروعه كاقتراح لاصحاب القرار، وهو الان صاحب القرار الاول أي بموقع من يستطيع اتخاذ الأجرآت العملية لتنفيذ مخططه، وتحويل الأقتراح الى أمر مطلوب تنفيذه من قبل الأجهزة المعنية في الدولة الصهيونية.
أن وحدة المصلحة الاميركية- الأسرائيلية، في واحد من اهم مفاصلها، تأتي من الرغبة ألمشتركة بمنع ظهور أية قوة عربية يمكن أن تشكل محور استقطاب عربي، كما حصل في تجربة مصر الناصرية 1952 – 1970. يصبح المزيد من تفتيت القدرات العربية، والعراق من اهمها، هماً أميركيا – أسرائيلياً مشترك.
يقف الانسان أمام لاعبين اساسيين متناقضين ومتصارعين بحكم اهداف كل منهما المانعة لاحدهما الاخرى، اي اما ان يحقق الاحتلال أهدافه، وهذا يلغي كلياً وجود المقاومة، او العكس يمثل انتصار المقاومة هزيمة وفشل كلي للاحتلال، ليس هناك أية مفاصل يمكن ان تتقاطع او تلتقي عندها أهداف هذين الطرفين.
وقد تحدثنا عن اهداف الطرف الاول: ألأحتلال. اما الطرف الاخر وهو المقاومة الوطنية العراقية، التي برزت ونشأت كرد فعل طبيعي ضد ألأحتلال، كتوجه وطني يعبر عن قوة الرغبة في الدفاع عن المصلحة الوطنية العراقية، بما تتضمنه من عناصر اهمها، استعادة سيادة الدولة العراقية على كامل ارضها، واستقلال ووحدة هذه الارض، دون تمييز بين أي جزء من أجزائها.
المقاوم، بما تعنيه المقاومة لقوة طغيان عاتية، لا يستطيع أن يرقى الى شرف الاسهام بالمقاومة، لمجرد رغبة انتهازية، أو مجرد اندفاعة نابعة من الحقد على المحتل لسبب او اخر، بل هو يحتاج لمستوى غير عادي من الوعي بالمسؤلية الوطنية، واستعداد عالي للتضحية لا تشوبه اية حسابات للربح والخسارة الشخصية. فهو
معني او ملزم بالدفاع عن حياة وممتلكات كل مواطنيه بغض النظر عن ديانة او مذهب هذا المواطن، فكل هذه الحيوات والممتلكات هي جزء من ملكية وطنية عامة، وهي يمكن ان تكون بالمقابل جزءً من الأهداف العراقية المعرضة للتخريب او التدمير من قبل قوات الاحتلال.
ليس هناك من شك (رغم مقت الخوض في الامور الطائفية التي تريد قوى الأحتلال استخدامها لاضعاف القدرات الوطنية)، ان المقاوم أي مقاوم يدرك أن العراق بدون سكان الوسط والجنوب من الشيعة العرب، لا يبقى عراقاً، هذا بالاضافة للتداخل القبلي بين عشائر الجنوب والوسط والشمال. فهو– أي المقاوم - معني بحكم المسؤوليات الوطنية التي يتصدى لها، بالدفاع عن حياة أي فرد في الجنوب او الشمال، عربيا كان أو كرديا، مسلماً او من ديانات أخرى، بل هو بحكم قوانين الكفاح المسلح يطمح لدفع اكبرعدد من ألمواطنين للمساهمة في المقاومة، وتحويلها من مقاومة محدودة ببعض النخب الوطنية الى حرب تحرير شعبية تنتشر وتتسع لتشمل كل أنحاء العراق، لذلك فهو ملزم ومطالب بايضاح موقفه واهدافه بشكل او أخر لجميع مواطنيه لتشجيعهم على الاسهام والمشاركة بالمقاومة، وأي سلوك يمكن أن يخدش اللحمة الوطنية سيقدم بذلك خدمة جليلة للعدو، ويضعف موقف المقاومة، ويبعدها عن احراز النصر المطلوب. أما أن يتحرك – المقاوم – متأثراً بنزعات طائفية لإيذاء أبناء شعبه، فهو يساهم في تبديد طاقاته التي من المطلوب تعبئتها في هذه المعركة الكبرى، أي انه يحارب بذلك نفسه، ويدفع مواطنيه لعزله وتركه وحيدا في الميدان. هو كمن يسلم سلاحاً لعدوه، ويمكنه من عليه. والطائفية اليوم من اخطر أسلحة العدو. الطائفي في مثل هذه المحنة، مهما أدعى او زعم يقف شاء ام أبى في صف العدو.
ان مُثل المقاوم، وعدالة قضيته، واستعداده المطلق للتضحية بأغلى ما يملكه ألأنسان من اجل الدفاع عن أرضه وعرضه وماله، يضعه في صف القديسين والاولياء الصالحين. وستمنعه هذه المثل العليا من أن يقتل أي انسان برئ، حتى لو كان من مواطني دولة العدو، فكيف إذا كان من مواطنيه ألذين يضحي بحياته من أجلهم.
لو وضعنا الارهاب كسلوك بين طرفي المعادلة هذين المقاومة، والأحتلال، ترى لاي منهما سيميل.
في البدء من الضروري ان نعرف الارهاب لمعرفة، ما المقصود به. الارهاب هو استخدام الوسائل العسكرية ضد المدنيين بهدف تحقيق بعض الاهداف السياسية.
والسؤال ما هي لأهداف السياسية، المطلوب تحقيقها من وراء العمليات الارهابية التي نفذت في العراق مثل عمليات النجف وكربلاء والكاظمية واربيل. تردد سلطة الاحتلال ان الغاية منها خلق حالة من الحقد الطائفي المتبادل بين الشيعة والسنة، بأمل أثارة حرب اهلية طائفية. نتفق كلياً مع هذا التفسير. لكن السؤال المحير من هو المستفيد فعلاً من هذه الحرب الاهلية الطائفية، المقاومة ام الأحتلال..!؟
أذا افترضنا صحة ما تردده سلطة ألأحتلال عن هذه الشخصية الموهومة والمزعومة – ابو مصعب الزرقاوي - وأذا أفترضنا صحة ما يقال عن رسالته المزعومة التي يكشف فيها نياته عنما يتطلع اليه من اثارة لهذه الفتنة، فما هي الاهداف السياسية التي يريد ان يحققها الزرقاوي..!؟ وهو كما تقول وتردد وسائل الاعلام الاميركية شخص معادي لأميركا.
يعرف العالم ان سياسة فرق تسد تشكل واحداً من القوانين العامة التي تميز السلوك الاستعماري، لذلك فان عدو اميركا هذا – الزرقاوي – يقدم بسلوكه هذا خدمات تصب في محصلتها النهائية لصالح العدو. وهو من خلال حديث وسائل الاعلام، والعمليات الكبرى التي يخطط لها، وكلها دلالات تشير الى انه رجل يمتلك ذكاءً غير عادي، فكيف يفوته الامر فيعمل في خدمة اهداف اعداؤه..!؟
ثم كيف استطاع بريمر ان يعرف ان المسؤول عن هذه العمليات هو الزرقاوي بالذات، مع انه لم يعلن لحد الان اي خبر عن القاء القبض على واحد من انصاره او معاونيه. اذا كان بريمر واجهزته تمكنوا فعلا من أن يزرعوا بين جماعة الزرقاوي المزعومة عميلا، يمكن أن يكون هو مصدر معلومات بريمر واصراره على يقين ان الزرقاوي، والزرقاوي وحده هو المسؤول، ترى لماذا لا تحاول سلطة الاحتلال الاستفادة من هذا الخيط للوصول الى الزرقاوي لاعتقاله..!؟
اما اذا كانت المخابرات الاميركيةلازالت عاجزة عن ان تزرع هكذا عميل، فمن اين جاء هذا الاعتقاد او اليقين بانه هو وحده لاغيره الذي نظم كل هذه المذابح..!؟
تلك هي بعض الاسئلة التي يحاول هذا البحث الاجابة عنها.
يجد الانسان نفسه امام ارهاب حقيقي تمارسه سلطة الاحتلال لتتخذه وسيلة لقمع المقاومة، فتحت شعار مقاومة الارهاب تمارس قوات الاحتلال شتى انواع الارهاب البشعة، وتنسبها للمقاومة.
هذه الفرضيات هي ما يحاول هذا البحث مناقشتها.
يتبع الجزء الثاني
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |