رؤية الهلال، والمراصد الفلكية: حتى لو كانت "عين زرقاء اليمامة"!
قينان الغامدي
كل عام وأنتم بخير، اليوم الأحد هو العيد وفق حسابات الفلكيين العلميين، وأمس السبت هو العيد حسب رؤية الفلكيين البدائيين، على حد وصف زميلنا النابه، والكاتب المتألق الدكتور حمزة المزيني في مقاله الذي نشرته "الوطن" يوم الخميس الماضي، ونحن عيدنا أمس وتبادلنا التهاني والحمد لله، فقد شهد برؤية الهلال هذه المرة أربعة شهود، من "الرياض، والقصيم، وسدير، والقويعية"، وأظن الشهادة القادمة من سدير هي من الأستاذ عبدالله الخضيري، وهو من المشهورين بمتابعة الهلال، وممن تقدم لمحكمة حوطة سدير عشرات المرات لتوثيق رؤيته بدخول الشهر، وهو قد أنشأ عدة مواقع رصد وعلامات ونحو ذلك، وقد أورد الدكتور المزيني في مقاله المذكور أعلاه نصاً كاملاً للطريقة التي يعتمدها الخضيري في رؤيته للهلال، أما البقية - الثلاثة الذين رأوا الهلال هذه المرة - فلا أعرف عنهم شيئاً. الفلكيون العلميون ومنهم الدكتور زكي عبدالرحمن المصطفى مساعد المشرف على معهد بحوث الفلك والجيو فيزياء ورئيس قسم الفلك بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، قالوا - كما نشرت الصحف طيلة الأسبوع الأخير من رمضان - إن رؤية الهلال مساء الجمعة 29 رمضان 1425هـ متعذرة وغير ممكنة من جميع مناطق المملكة... إلخ، وعليه فإن يوم السبت - الذي عيدنا فيه - هو المتمم لشهر رمضان، وإن اليوم الأحد هو أول أيام العيد. ومن هنا يبرز الإشكال بين الرؤية بالعين المجردة أو الوسائل البدائية، وبين أهل الفلك ومراصدهم العلمية الدقيقة. وقبل أن أساهم في تقديم مقترح يحل المشكلة - من وجهة نظري - أود أن أقول إن الدكتور المزيني قال في مقال سابق نشرته "الوطن" يوم 21 رمضان الماضي إن: مجلس القضاء الأعلى أخذ في الإصغاء إلى تيار فيه صار يبدي بعض المرونة في هذا الشأن، وهذا الشأن يقصد به قبول "علم الفلك" والثقة به وتصديق ما يقوله "الفلكيون" على اعتبار أن هذا العلم بلغ درجة متقدمة جداً من الدقة، بل يمكن القول إن كل حساباته دقيقة بصورة مذهلة. لكن حدس الدكتور لم يكن في مكانه كما هو واضح، فالمجلس اعتمد رؤية من رأوا الهلال "بعيونهم" وتجاهل كل ما قاله الفلكيون المتخصصون، ومع أنني اطلعت على الأفكار والمقترحات التي قدمها المزيني في مقاله الأول تحت عنوان "اقتراح لحل مشكلة الأهلة"، وهي مقترحات تنم عن اهتمام الدكتور بالمشكلة، وتوضح مدى اطلاعه على هذا العلم، إلا أنني لست فلكياً لأقرر قيمة ما اقترحه الدكتور، فهذا أمر لا يفتي فيه إلا المتخصصون، ومن هنا أقترح أن تقوم مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بدعوة هؤلاء الأربعة الذين رأوا "الهلال"، وتسألهم كيف ومتى رأوه، ثم تنتدب فريقاً علمياً يلازمهم في أواخر شهر ذي القعدة القادم ليعيش معهم فترة رؤية شهر ذي الحجة لحظة بلحظة، فنحن لدينا ثلاثة أيام "نحتاس" فيها سنوياً، بداية رمضان، وعيد الفطر، وبداية ذي الحجة، فإن وجد هذا الفريق العلمي أن "عيون، وطرق" هؤلاء أدق من مراصدهم وحساباتهم، فليعلنوا ذلك، ويريحونا من فلسفتهم، ويوفروا مصاريف مراصد المدينة الخمسة المنتشرة في المملكة، وإن وجدوا أن هناك وهماً يتراءى لهؤلاء "البصريين" فليشرحوه لهم، ويعلنوه لنا. لكن السؤال، كيف تقدم المدينة على هذا الفعل؟ وهنا سأعود للدكتور المزيني، وأقوله له إنني أتفق معك تمام الاتفاق في كل ما قلته في مقالك الثاني "الرؤية والتناقض"، كما أتفق معك فيما قلته في مقالك الأول، من أن "التحولات التي حدثت في مجتمعنا مثل التحول من التوقيت الغروبي إلى الزوالي كانت بمبادرة من القيادة السياسية ولو تركت القيادة السياسية الأمر لرأي بعض فئات المجتمع لما استطاعت أن تنجز ما أنجزته من إنجازات كبرى كانت محلاً لاعتراض بعض تلك الفئات" ووفقاً لهذه الحقيقة، فإن تحرك مدينة الملك عبدالعزيز بمراصدها لن يتم إلا بقرار سياسي يسند إليها هذه المهمة الفلكية، ويتحول هؤلاء المتميزون بالبصر الحديد إليها لترى فيهم رأيها، أملاً في أن تختفي من دنيانا بيانات تحري رؤية الهلال، ويصبح البيان الوحيد هو القائل: "بناء على ما قررته مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية من خلال مراصدها الخمسة فإن يوم كذا هو رمضان أو العيد، أو عرفة". وعن نفسي فأنا مازلت أعتقد أن المراصد الفلكية أدق وأقوى من أي "عين"، حتى لو كانت "عين زرقاء اليمامة".
جريدة الوطن السعودية