حق الكورد في اقامة دولتهم!
بقلم: رياض الحسيني/ كاتب وناشط سياسي عراقي – كندا-
www.alhusaini.4t.com
بعد ان اقترحنا واقترح غيرنا من قبل ومن بعد فيما يخص "حالة كركوك" وتداخلنا في نقاش شخصيا اسجّلها نقطة مضيئة في سجل من ناقش الموضوع من دون تعصب او حزبية او عنصرية واتى بالدليل مقابل الدليل والحجة بالحجة، ولو كنت من المتحفظين طبعا على جل ماورد من الردود المتشنجة ولكن يمكنني وصفها بالخطوة الايجابية نحو تلاقح الافكار. بينما اكتفى البعض الاخر طبعا بارسال الشتائم والسباب وهذا الصنف من الناس لايعنينا بشئ البتة فكل يغرف من منبعه وكل اناء بالذي فيه ينضح!
محافظات العراق الشمالية دهوك، اربيل وسليمانية والتي تشكل اقليم كوردستان اليوم هي ذات اغلبية كوردية من دون اي شك وهذا لاجدال فيه طبعا. وبغض النظر عن اللغة التي يتكلمها جماعة مسعود او جماعة الطالباني فما يجمعهم اليوم وعلى المدى القريب والمتوسط ربما اكثر مما يفرّقهم. بمعنى ان مطاليب القيادتين من ضم كركوك الى اقليم كوردستان وان كانت في خانة المزايدة بدرجة كبيرة في حرب التصريحات وحمّاها التي اصابت القيادتين مؤخرا الا انها شئ متوقع وربما لاتنازل عنه الا في ظروف ضغوط دولية وتحديدا الامريكية. بيد ان تهديد تركيا لاجتياح كركوك اذا ما اعترفت الحكومة العراقية بكوردستانيتها سيعقّد الامر كثيرا وهي بذلك كمن يصب الزيت على النار. من جهة اخرى ربما يكون للمطلبة الكوردية بضم كركوك الى اقليم كوردستان لكسب المزيد من الامتيازات، ولانقول تنازلات في دولة العراق الجديد على حساب تأجيل قضية كركوك الى وقت لاحق! ربما، فكل شئ جائز والوقت كفيل بحلحلة الامور المعقدة وتحريك الماء الراكد.
الواضح ان الاستجابة الى مطلبة القيادتين القوميتين الكورديتين بضم كركوك الى اقليم كوردستان لن يحدث الا من خلال خطوات تكتسح كل الخطوط الحمر اولا، وتؤكد استعداد القيادات الكوردية ومؤيديها من جهة والحكومة العراقية من جهة اخرى ثانيا لخوض تلك التجربة العصيبة والمتعبة بكل المقاييس. فقرار بهذا المستوى من الخطورة بحاجة الى تهيأة اهالي كركوك اولا لتقبّله ولو عبر صناديق الاقتراع وهو المحبذ طبعا والمرجو، والى قيادة عراقية حازمة وكوردية واعية وملتزمة ومسؤولة مسؤولية كاملة ثانيا. بمعنى ان قرار كهذا ربما يستنفر الجيش التركي الذي لاقبل لنا به جميعا وهذه نقطة جوهرية في الموضوع فضلا عن ردود الفعل الايرانية من جهة والسورية من جهة اخرى. فلو حصلت القيادة الكوردية على مطلبها بضم كركوك الى اقليم كوردستان وسط رفض من قبل جل الشعب العراقي ونصف اهالي كركوك على اقل التقادير ورفض قاطع من دول الطوق العراقي فذلك يعني ان الحكومة العراقية يجب ان تطالب القيادة الكوردية بتوقيع بروتوكول يقضي بعدم مسؤولية الشعب العراقي للدخول في متاعب مع تلك الدول لاحقا. وماذلك الا لاننا نحذّر من عواقب وخيمة لمثل قرار متعجّل من هذا النوع ويبدو ان الاخوة في القيادتين الكورديتين لايريدون سماع نداء العقل والصبر ولو الى حين، وهم غير واثقين باننا معهم وليس ضدهم.
يعتبر بعض الاخوة الكورد للاسف الشديد اننا بالضد من الفيدرالية وهذا محض هراء وافتراء فكيف يكون بالضد من الفيدرالية من قدّم مشروع جعل العراق بلد فيدرالي مؤلف من خمسة اقاليم ضمن مشروع "النظام الاقاليمي البرلماني الفيدرالي" في وقت سابق. شخصيا ارى في الفيدرالية ضمان لاستقرار العراق اكثر من المركزية التي تتشبث بكل السلطات وتتبع اثار كل شاردة وواردة من شمال الوطن حتى الجنوب. لكن في الفيدرالية الجغرافية التي اطرحها ويطرحها غيري الكثيرين شئ والمطامح الكوردية في اقامة دولتهم شئ اخر!
ليس من مصلحة الجميع طبعا اذا ماوقف العرب او التركمان بالضد من ارادة الاخوة الكورد في الانفصال سواء اليوم او غدا او بعد قرن من الزمان. حقّي كعربي لا ارغب بالوحدة مع الدول العربية على اساس تذويب هويتي العراقية (رغم اتهامي بالتعصب للقومية العربية) يسمح بالمقابل للاخوة الاكراد بالانفصال وهذا لعمري حق مشروع لهم اذا ماجرى بالطرق السليمة والسلمية. لكن هل الاخوة الكورد مستعدين لتحمّل ماسيجري وماسيجره لاحقا قرار كهذا على كل العراق وليس على المنطقة الكوردية فحسب؟ هل سيقف العراقي العربي مكتوف الايدي واللسان وهو يرى التركي يذبح نساء العراقيين الاكراد واطفالهم؟ هل سنغلق حدودنا وكأن الامر لايعنينا ولن نلقي ولو بخيمة للمشرّدين من الحروب وهذا شئ طبيعي؟ هل سنتحمّل جميعا ان تعيث مخابرات الدول المجاورة في بيوت اخواننا الكورد وتُنسف بالديناميت مساكنهم الواحد تلو الاخر؟ بصراحة لن نقف متسمّرين وان ابت حكوماتنا ولن نهادن ولو كنا من قوميتين وجنسين مختلفين! فما يجمعنا اليوم وما جمعنا بالامس اكثر من حدود وفوراق وحبر على ورق وقيادات احزاب.
في تلك الحال هذه القضية بحاجة الى جرءة كبيرة ومسؤولية اكبر تأريخية من جهة وقانونية من جهة اخرى. قرار ضم كركوك الى اقليم كوردستان والاعتراف بحق الاخوة الاكراد في الانفصال واقامة دولة كوردية لاحقا في المثلث التركي الايراني السوري ليس بالهين وهو بحاجة الى برلمان عراقي جرئ وبرلمان كوردي اكثر جرءة. فماسيخسره العراق في اقامة دولة كوردية على جزء من ارضه لن يكون باكبر من خسارة الفرد الكوردي لو لاسامح الله واتجهت الامور في غير مسارها الصحيح. نحن مع الكورد في اقامة دولتهم المستقرة وليس معهم في القاء انفسهم في التهلكة والامر لهم اولا واخيرا، فاختاروا احبتنا ونسأل الله الا تندموا ولن تحتاجوا الى غير الله فهو خير ناصر وخير معين.
ايلاف