 |
-
العراق: المقاومة، العقل، الضمير
العراق: المقاومة، العقل، الضمير
حازم صاغيّة الحياة 2004/12/1
التقارير التي كتبها الصحافيون ممن غطوا معارك الفلوجة، لم تترك زيادة لمستزيد في ما خصّ «المقاومة» وطبيعتها. فسكان الفلوجة، بادئ ذي بدء، هجروا على مضض مدينتهم التي انتهت في عهدة المسلحين. اما الذين لم يسعفهم الحظ في المغادرة فخضعوا لـ«نظام» وحشي يجمع التخلف والتأخر الى الرعونة والاعتباط. وبدورهم، فـ«المقاومون العرب» كانوا هناك فعلاً. وقد تختلف التقديرات في وصف حجمهم، إلا انها تجمع على كبره وضخامته.
ما رشح عن الفلوجة و«مقاومتها» لم يُثر، في الكتابة السياسية العربية، الانتباه والمراجعة اللذين يستحقهما. فالمقاومة ظلت، في رأي الأكثرية، مجيدة ومقدّسة، كما ظلت حكومة اياد علاوي عميلة وخائنة. ولئن نجح مؤتمر شرم الشيخ في إثارة القليل من الملاحظات التي تفيد ان العالم يتحرك في وجهة اخرى، بقيت الملاحظات هذه ادنى بكثير من ان تؤلف مراجعة تمهّد لموقف.
بطبيعة الحال فعلت القسوة الأميركية فعلها في تثبيت بعض الآراء وتحجيرها على نفسها. وفي الاتجاه هذا اندرجت ظاهرات مبعثرة متفاوتة، كالإشارة الى إعادة العمل بـ«اجتثاث البعث» ولجنته، او بعض الإلحاح على إجراء الانتخابات فيما السنّة غائبون ومغيّبون، بحيث تقلع العملية السياسية في معزل عنهم. وهذه كلها علامات تثير القلق الفعلي. بيد ان القلق الأكبر، وهو يطاول العقل قبل اي شيء آخر، ذاك التقديس للمقاومة في معزل عن كل واقع او حقيقة او مقارنة، وفي تجنب الانتباه الى ان صوت الحكومة العراقية هو الآن، وكائناً ما كان التحفظ عنها وعن رئيسها، الصوت الوحيد الذي يتحدث عن عراق واحد وموحّد.
وحال تقديس المقاومة هي، بالتأكيد، حال مَرَضية تعمل على نطاق جماهيري. غير ان مرضيّتها تستفحل حين نلاحظ اصطباغها بصفة اخرى هي الامتناع الجماهيري عن إنجاد هذه «المقاومة المقدسة»! وفي المعنى هذا تتحول المأساة الى مهزلة من مهازل زمننا حيث «المقاومة» الوحيدة الممكنة هي المقاومة الفلوجية، و«الجماهير» الوحيدة المتوافرة، وجوداً وفعلاً، هي المحطات الفضائية. وهذا مع العلم انها من المهازل المكلفة والتي لا تسلّي.
والحال ان الموقف من العراق، اليوم، يكاد يعادل الموقف من الضمير والعقل في وقت واحد. اما حين تزيد كراهية الأميركان عن استخدامهما، او حين تترافق مع تعطيلهما، فلن تكون النتيجة إلا ما نذوق ونتجرّع.
<h1>العراق: المقاومة، العقل، الضمير</h1>
<h4>حازم صاغيّة الحياة 2004/12/1</h4>
<p>
<p>التقارير التي كتبها الصحافيون ممن غطوا معارك الفلوجة، لم تترك زيادة لمستزيد في ما خصّ «المقاومة» وطبيعتها. فسكان الفلوجة، بادئ ذي بدء، هجروا على مضض مدينتهم التي انتهت في عهدة المسلحين. اما الذين لم يسعفهم الحظ في المغادرة فخضعوا لـ«نظام» وحشي يجمع التخلف والتأخر الى الرعونة والاعتباط. وبدورهم، فـ«المقاومون العرب» كانوا هناك فعلاً. وقد تختلف التقديرات في وصف حجمهم، إلا انها تجمع على كبره وضخامته.</p>
<p>ما رشح عن الفلوجة و«مقاومتها» لم يُثر، في الكتابة السياسية العربية، الانتباه والمراجعة اللذين يستحقهما. فالمقاومة ظلت، في رأي الأكثرية، مجيدة ومقدّسة، كما ظلت حكومة اياد علاوي عميلة وخائنة. ولئن نجح مؤتمر شرم الشيخ في إثارة القليل من الملاحظات التي تفيد ان العالم يتحرك في وجهة اخرى، بقيت الملاحظات هذه ادنى بكثير من ان تؤلف مراجعة تمهّد لموقف.</p>
<p>بطبيعة الحال فعلت القسوة الأميركية فعلها في تثبيت بعض الآراء وتحجيرها على نفسها. وفي الاتجاه هذا اندرجت ظاهرات مبعثرة متفاوتة، كالإشارة الى إعادة العمل بـ«اجتثاث البعث» ولجنته، او بعض الإلحاح على إجراء الانتخابات فيما السنّة غائبون ومغيّبون، بحيث تقلع العملية السياسية في معزل عنهم. وهذه كلها علامات تثير القلق الفعلي. بيد ان القلق الأكبر، وهو يطاول العقل قبل اي شيء آخر، ذاك التقديس للمقاومة في معزل عن كل واقع او حقيقة او مقارنة، وفي تجنب الانتباه الى ان صوت الحكومة العراقية هو الآن، وكائناً ما كان التحفظ عنها وعن رئيسها، الصوت الوحيد الذي يتحدث عن عراق واحد وموحّد.</p>
<p>وحال تقديس المقاومة هي، بالتأكيد، حال مَرَضية تعمل على نطاق جماهيري. غير ان مرضيّتها تستفحل حين نلاحظ اصطباغها بصفة اخرى هي الامتناع الجماهيري عن إنجاد هذه «المقاومة المقدسة»! وفي المعنى هذا تتحول المأساة الى مهزلة من مهازل زمننا حيث «المقاومة» الوحيدة الممكنة هي المقاومة الفلوجية، و«الجماهير» الوحيدة المتوافرة، وجوداً وفعلاً، هي المحطات الفضائية. وهذا مع العلم انها من المهازل المكلفة والتي لا تسلّي.</p>
<p>والحال ان الموقف من العراق، اليوم، يكاد يعادل الموقف من الضمير والعقل في وقت واحد. اما حين تزيد كراهية الأميركان عن استخدامهما، او حين تترافق مع تعطيلهما، فلن تكون النتيجة إلا ما نذوق ونتجرّع.</p>
</p>
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |