 |
-
الغزو الاستعماري والتخريب الثقافي
[align=center]الغزو الاستعماري والتخريب الثقافي[/align]
عُرِّضَ الوطن الإسلامي لغزو أوربي استعماري شمل معظم بلاد المسلمين في أفريقيا وآسيا، شاركت فيه بريطانيا وفرنسا وأسبانيا والبرتغال وهولندا وإيطاليا وروسيا، كان ذلك الغزو عسكريّاً انتقاميّاً وسياسيّاً سلطوياً واقتصاديّاً لنهب الثروات وثقافيّاً لتغيير الحضارة والأصالة الإسلامية وحرف المسلمين عن عقائدهم وثقافتهم وقد خلّف ذلك الغزو آثاراً سيّئةً في بلاد الإسلام ومشاكل مزمنة تعاني منها أمّة الإسلام وفساداً في السلوك والذوق وانحرافاً عن الدّين وتغييراً في اللّغة بسبب غلبة القوة الغازية وضعاف النفوس من صنائع المستعمر الغازي وتقليد المغلوب للغالب.
حقّاً لقد كان هجوماً يخلو من القيم الدينيّة والإنسانيّة.
«تحوّلت أوربا النصرانيّة إلى جاهليّة ماديّة تجرّدت من كلّ ما خلّفته النبوّة من تعاليم روحيّة» وفضائل خلقيّة، ومبادئ إنسانية، وأصبحت لا تؤمن في الحياة الشخصيّة إلاّ باللّذة والمنفعة الماديّة وفي الحياة السياسية إلاّ بالقوّة والغلبة وفي الحياة الاجتماعية إلاّ بالوطنيّة المعتدية والجنسيّة الغاشمة وثارت على الطبيعة الإنسانيّة والمبادئ الخلقيّة وشغلت بالآلات واستهانت بالغايات... أخذت أوربا بناصية الأمم وخلّفتهم في قيادة الأمم وبذلك أصبح العالم كلّه قطاراً سريعاً تسير به قاطرة الجاهليّة... وأصبح المسلمون ركّاباً لا يملكون من أمرهم شيئاً».
ويستشهد السيد أبو الحسن الندوي بقول أستاذ غربي هو الأستاذ «جود» معلم الفلسفة وعلم النفس في جامعة لندن «إنّ النظريّة المهيمنة السائدة على هذا العصر هي النظرية الاقتصادية وأصبح البطن أو الجيب ميزاناً لكل مسألة فبمقدار اتصالها بالجيب وتأثيرها فيه يقبل النّاس عليها ويعنون بها».
هيمنت دول الغرب الأوربية على نظم التعليم وأنشأت المدارس والجامعات ووضعت لها المناهج الّتي تُحقّق لها منافعها في بلاد الإسلام وأحدثت أعمالها تلك تخريباً ثقافيّاً وتشويهاً للحضارة الإسلامية والتأريخ.
«وقد تعرّضت السيرة الشريفة من خلال نظرات استشراقيّة واتهامات تبشيرية من غير كشف لتهافت هذه النظرات والاتهامات، ولا بأس [عند المستشرقين والمبشرين] أن يُعرض الفتح الإسلامي، وكأنّ العرب أسراب جراد منطلق في الأودية اليانعة ليأتي على ما فيها.. أمّا تحريرهم للشعوب المسترقة وتحطيم للقوّتين العظيمتين المنتفختين بالجبروت والاستعلاء فهذا ما لا يُقال!
وقد يُنسبُ للعرب ـ امتناناً عليهم ـ أ نّهم نقلوا حضارة الأقدمين إلى العصور الوسطى، أمّا أ نّهم أصحاب حضارة مقدورة ورسالة هادية ومدنيّة راقية فلا...
وفي كليّة الآداب [جامعة] عين شمس كان التأريخ يدرس على هذا النحو!!
مساكين طلاّبنا الّذين راحوا ضحيّة هذا الإرهاب الفكري في مرحلة «جازَ» فيها الضلال «وخرس» فيها الحقّ».
وفرضت دول الاستعمار الأوربي لغاتها في البلاد الّتي احتلّتها وقد عانى المغرب العربي والجزائر من فرض اللّغة الفرنسية والأسبانية وأبعدت اللّغة العربيّة لغة القرآن ودين الإسلام وبقيت تلك البلاد تعاني من ذلك حتّى بعد استقلال تلك الدول وتعريب التعليم فيها. فالكاتب الإسلامي «مالك بن بني الجزائري» يقول: إنّ اللّغة الفرنسيّة هي سجني المؤيّد، كما صرّح بذلك في مؤلفاته. وفي مؤتمر باندونك بأندنوسيا صرّح مندوب الجزائر: إنّ من جرائم الاستعمار الفرنسي أ نّي عربي ولا أعرف اللّغة العربية ولا أتكلّم بها.
كما تعاني بلاد الهند وباكستان وبنغلادش وبقية الدول الّتي احتلتها بريطانيا وفرضت عليها اللّغة الإنجليزية من تبعات ومشاكل إلى الآن. ولا تزال دول غرب أفريقيا تواجه نفس المشكلة بسبب احتلال فرنسا لها فيما قبل.
أمّا في بلاد القفقاس وآسيا الوسطى الّتي احتلتها روسيا فقد فرضت عليها اللّغة الروسية ونظامها الماركسي الإلحادي في السياسة والتعليم واستمرّت معاناة تلك البلاد حتّى بعد استقلالها عن روسية وإلى اليوم. وليس نصيب بلاد الإسلام الّتي احتلتها هولندا وإيطاليا والبرتغال بأفضل من غيرها.
ويحدّثنا كاتب هندي هو السيّد أبو الحسن الندوي عمّا أحدثته بريطانيا وما نتج عن نظامها من فساد فيقول: «ورسخت قدم الإنجليز وخيّم نظامهم التعليمي ـ وهو من أكبر جنودهم ـ يؤتي أُكُلهُ كلّ حين وتسرّبت في النّاس أفكارهم وميولهم، فصارت تقلب نظام الحياة ونظام الفكر في الهند رأساً على عقب من حيث لا يشعر أهلها فتقاصرت الهمّة في الدّين والعلم وما يتصل بالروح والقلب وتوافرت المزهِّدات والمثبِّطات عنه وكثرت الدواعي والحوافز إلى ضدّه واتّجه تيّار الذكاء والنبوغ والعبقرية ـ الّذي كان متجهاً من قبل إلى الدين ـ من صنوف الدين وأقسام العلم الديني والروحي إلى الإنتاج والإبداع في أنواع علوم المعاش ومرافق الحياة... فقد ذوى أصل الشجرة الدينيّة وانقطعت عنها مادّة الحياة وهبَّ عليها إعصار فيه نار.
سرى الشّكّ وسوء الظنّ في الأوساط الدينيّة والبيوت العريقة في الدين والعلم بتأثير التعاليم الإفرنجية وضعفت الثقة بالله وبصفاته وبمواعيده فأصبح الآباء يضنّون بأبنائهم على الدّين، وأصبحوا يعلّمونهم العلوم المعاشية واللّغات الإفرنجية لا رغبةً في تحصيل المفيد النافع ولا دفاعاً عن الإسلام بل زُهداً في الدين وفراراً من خطر المستقبل وخوفاً على أفلاذ أكبادهم من الضياع واستسلاماً للدهر المتقلِّب، وتسلّط عليهم خوف الفقر حتّى أصبحوا من خوف الموت في الموت! ويمضي السيد الندوي في وصف ما آل إليه حال المجتمع بسبب تسلّط الإنجليز فيقول:
«وكذلك المجتمع الّذي لا يقدِّر إلاّ الغنيَّ الظريف مُتناسياً كلّ ما فيه من رذيلة ولؤم أصل وسوء خُلق يتجنّى على الإنسان الّذي لا يترجّح في ميزانه مهما كثرت مواهبه وطاب عنصره وسما جوهره، ويُلمِّح وقد يُصرِّح بأنّ الفقير لا يستحقّ الحياة.... وهذا المجتمع لا تزال مقاييسه للشرف والظرافة تتغير ومعاييره الإنسانيّة تتبدّل وتتحوّر ومطالبه تتنوّع وتتكثّر حتّى يضيق الإنسان بها ذرعاً ويلجأ إلى طرق غير شريفة لتحصيل المال وإلى كدح وكدٍّ في الحياة، وهنالك هموم تتوالى ولا تنتهي».
«ونحن إن احتجنا إلى الاستفادة من خبرة الغرب وتفوّقه في الصناعات الآلية الّتي كانت سبباً في مجده وسيادته فمن المؤكّد أنّنا في غير حاجة إلى استيراد قواعد السلوك والتربية والأخلاق الّتي تدلّ الأمارات والبوادر على أنّها ستؤدّي إلى تدمير حضارته والقضاء عليها قضاءً تامّاً في القريب العاجل. إنّنا نحتاج إلى مواد البناء، فالواجب الإكثار من ترجمة الكتب العلمية في الصناعة والأعمار وتطوير الزراعة وتحسين إنتاجها لا كتب علم النفس والفن الغربي».
ممّا يتذرّع به الغرب وأنصاره هو التجديد والتطوّر والتقدم مع إضافة حرية الفكر والرأي لنشر أباطيلهم ورمي مخالفيهم بالتخلّف والجمود والرجعيّة وقد أوجدت هذه الذرائع من ضعاف النفوس والمنفلتين من ثقافتنا الإسلامية مُروِّجين في المحافل ووسائل الإعلام.
«ونحن المسلمين تعلّمنا في كتابناً «احترام الحقيقة» بغضِّ النظر عن زمان ماض أو قادم فلا الحقيقة يشينها أنّها من نتاج الأوائل ولا الخرافة يزكّيها أنّها من نِتاج المعاصرين».
وقامت مؤسسة فرانكلين الأميركية بترجمة الكتب وتقديمها إلى القارئ العربي باسم الثقافة الجديدة الّتي تحمل أفكار الغرب بمستشرقيه ممّا يحطُّ الخُلق والذوق.
إنّ من يراقب ما تقوم به المؤسسات الغربية يكتشف الحقيقة ألا وهي أنّ أولئك أعداء لنا لا يُرجى منهم خير وكأنّ شعار عملهم معنا: لا لتقدم الشرق العلمي نعم للخرافة والتخريب والانحراف.
«زار مندوب من مؤسسة روكفلر الأمريكية الجامعة السورية بدمشق، وقد تلكّأ هذا المندوب ولاذ بمختلف المعاذير حين أعربت له الجامعة عن حاجتها إلى بعض المخابر والأجهزة العلمية. ولكنه لم يلبث أن أظهر البشاشة ولم يتردّد في قطع الوعود بالمساعدة حين انتقل الحديث إلى إنشاء معهد لدراسة التصوّف الإسلامي».
من الدلائل على إفساد الخلق وتيسير الانحراف في الناشئة هو المدارس المختلطة الّتي تبنّتها دول الغرب في المدارس في فترة المراهقة. «في هذه الفترة من المراهقة ـ وقبل البلوغ ـ يتجمّع الصبيان في مجموعات من الذكور لا تقبل الإناث في وسطها ـ في العادة ـ وتتجمّع البنات في مجموعات من الإناث لا تقبل الصبيان في وسطها كذلك.
ويعجب الإنسان من هذه النفرة المؤقتة من الجنس الآخر كيف تكون... ثمّ يكون بعدها ذلك الانقلاب الهائل نحو الجنس الآخر، بحيث يصبح حنيناً متدفّقاً يشعل المشاعر والخيال:
تجد البنات في مجموعة يلعبن فإذا جاء في وسطها ولدٌ يطردنَهُ من بينهنّ قائلات: «نحن بنات وأنت ولد فلماذا تأتي وسطنا ؟! هل أنت بنت تلعب مع البنات» ؟!
وتجد الصبيان في مجموعة يلعبون فإذا جاءت وسطهم بنت تصايحوا عليها وطردوها: «نحن صبيان فما الّذي جاء بالبنات في وسطنا ؟! اذهبي والعبي مع البنات اللواتي مثلك».
ومع أنّ علم النفس الغربي ذاته يعلم هذه الحقيقة ويسجّلها فإنّ الجاهلية الحديثة تنشئ مدارس إعدادية مشتركة لتكسر هذا الحاجز الفطري وتحاول تغيير طبائع
النفوس. ولمصلحة من تغيِّر الطبائع وما الغاية من تغييرها إلاّ التعجيل بالفساد خوفاً أن يتأخّر ـ قليلاً ـ إلى مرحلة البلوغ ؟!».
أضرّت تلك التربية بمجتمعات الدول الّتي تعاطتها في أوربا وأمريكا وأتت بنتائج سيّئة أكّدها الواقع صرّح الرئيس الأمريكي كندي في سنة 1962م أنّ مستقبل أمريكا في خطر لأنّ شبابها مائع منحلّ غارق في الشهوات لا يقدّر المسؤولية الملقاة على عاتقه، وأنّه من بين كلّ سبعة شبّان يتقدّمون للتجنيد يوجد ستة غير صالحين لأنّ الشهوات الّتي غرقوا فيها أفسدت لياقتهم الطبّية والنفسيّة».
وصرّح خروشوف [رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي] سنة 1962م بأنّ مستقبل روسيا في خطر وأنّ شباب روسيا لا يؤتمن على مستقبلها لأنّه مائع منحلّ غارق في الشهوات».
فيصل العسكري
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |