النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2002
    الدولة
    مابلد خير لك من بلد وخير البلاد ماحملك
    المشاركات
    7,411

    Arrow عبد الله الزرقاوي .. معركة واحدة !! ..

    عبد الله الزرقاوي:
    معركة واحدة!
    جوزف سماحة




    ما الذي يجمع بين الملك الأردني عبد الله والمواطن الأردني أبو مصعب الزرقاوي؟ هل توحّدهما معركة واحدة؟ هل يملكان الرؤية نفسها إلى الأوضاع العربية والتحديات التي تواجهها؟ هل لغتهما السياسية والمفاهيم التي تستند إليها متقاربة؟
    قد تبدو هذه الأسئلة غريبة. وهي كذلك. ولكن قبل إصدار حكم يستحسن استحضار ما قاله الملك الأردني لصحيفة أميركية. لقد تبرّع بالتحذير من <<هلال شيعي>> يمتد من إيران، إلى العراق (نتيجة التدخلات فيه)، إلى سوريا، إلى لبنان. واعتبر أن <<الهلال>> المشار إليه يغيّر التوازن الجيوسياسي بين السنة والشيعة، ويهدد مصالح أميركا وحلفائها.
    عبد الله هو أول مسؤول سياسي عربي يستخدم هذه اللغة الفجّة، المباشرة، الخطيرة.
    إنه أول مسؤول عربي يصدر حكماً قاطعاً بأن الرابطة المذهبية تتفوّق عند مواطني هذه الدول على أي رابطة وطنية أو قومية. لا تتفوّق فحسب وإنما تلغيها تماماً.
    إنه أول مسؤول عربي يعامل المذاهب بصفتها كيانات ناجزة الاستقلال تنظم علاقاتها في ما بينها توازنات جيوسياسية.
    إنه أول مسؤول عربي يحرّض علناً على أبناء مذهب من مواطني دول الخليج والمشرق ويحذر من تحولهم إلى طابور خامس ضد الأكثرية.
    إنه أول مسؤول عربي يدعو جهاراً إلى ويبرّر أي اضطهاد قد يتعرض له مذهب أقلوي رافضاً له أي حق إذا كان خلاف ذلك.
    إنه أول مسؤول عربي يجعل نفسه ناطقاً باسم مذهب ويصنف أبناء هذا المذهب بأنهم، كلهم، حلفاء للولايات المتحدة.
    إنه أول مسؤول عربي يتحمّل مسؤولية الدعوة إلى فتنة.
    إنه أول مسؤول عربي يقذف بأبناء الأكثرية كلهم، مع إسرائيل، إلى خانة الولاء للأجنبي مبدياً التخوف من <<هلال>> يخالف هذه الوجهة.
    إنه أول مسؤول عربي يحذر أميركا من تحالفاتها العراقية، ويقدم، لحظة انتقادها، على الهبوط إلى ما دون سياستها. في رأيه أن واشنطن تخطئ بحق نفسها إذا أضعفت قوى الارتكاز التي أثبتت جدواها.
    إنه أول مسؤول عربي يرتضي ارتكاب التناقض بين التحذير من <<هلال شيعي>> وبين اتهام إحدى قوى <<الهلال>> بدعم المقاومة... السنية!
    إنه أول مسؤول عربي يلغي فكرة المواطنة، والمساواة بين المواطنين، ويفعل ذلك في سياق انضوائه تحت خطة أميركية ترفع راية الديموقراطية.
    إنه أول مسؤول عربي، بعد تعليق الملف النووي الإيراني، يقترح على العرب مواجهة عدو خارجي وداخلي في حين أن المشروع التوسعي الإسرائيلي ينتظر فرصة استئناف هجومه.
    ترافق كلام عبد الله مع اتهامات مصرية إلى إيران، واتهامات أميركية لإيران وسوريا بالتدخل في العراق، واتهامات إسرائيلية ل<<حزب الله>> بالتشجيع على انفجار التوافقات الإسرائيلية المصرية الفلسطينية. كما ترافق مع تأكيدات في تل أبيب عن تحول استراتيجي في المنطقة عنوانه التبني العربي لإعلان بوش: شارون رجل السلام. ولا تلغي هذه التأكيدات أن إسرائيل اعتبرت الكلام شبه الرسمي عن <<مبادرة مصرية كبرى مجرد فقاعة>>.
      
    لا يمكن لأحد إنكار المسائل الإثنية والطائفية والمذهبية في بلادنا. إن التوترات واضحة في لبنان والعراق والبحرين والسعودية والكويت... ولا أحد ينكر وجود نوازع لتغليب <<المصالح العليا>> للطوائف على أي مصلحة وطنية. كما أن بعض <<ملوك
    الطوائف>> بات يقود علاقات دبلوماسية خاصة ويكاد يفتتح سفارات ويعيّن سفراء في <<عواصم القرار>>.
    غير أن الاعتراف بهذا الواقع يفترض أن يكون مقدمة للبحث في كيفية إنتاج توافقات داخلية (حتى لا نقول إجماعات)، وفي كيفية التعاطي مع الاتجاهات النابذة لإدراجها في سياق اندماجي يمنع تآكل الدول من الداخل.
    إن الملك عبد الله يذهب في اتجاه معاكس تماماً، اتجاه العبث بما تبقى من وشائج، اتجاه تهديد الوحدات الكيانية لأقطار محيطة بالأردن ويمكن لأي اضطراب فيها أن يتحول إلى عدوى. إن تفتق ذهنه عن <<هلال شيعي>> يشكل خطراً داهماً هو نوع من اللعب بالنار.
      
    إن أبو مصعب الزرقاوي كان سباقاً في هذا المجال. لم يتحدث تماماً عن <<هلال>> غير أنه اتهم مواطنين عرباً بأنهم، جميعاً، قاعدة للحملة <<الصليبية اليهودية>> ضد المسلمين. وليس سراً أن أدبيات التيار الذي ينتمي إليه الزرقاوي تضج بالمفردات والمفاهيم التي تبناها الملك الأردني ولو أنه ذهب بها نحو استنتاج آخر. إن أدوات التحليل متقاربة، كما يبدو، بين الملك ومواطنه الفار. وإن الواحد منهما هو الوجه الثاني لعملة يشكل الآخر وجهها الأول. ويمكن للمرء أن يذهب إلى القول بأن الإيغال في طاعة المركز الإمبراطوري المعادي سبب مباشر في استيلاد هذا الإيغال الدموي والهمجي والعبثي في التمرد عليه.

    السفير 10 - 12 - 2004


    http://www.assafir.com/iso/oldissues...front/117.html
    خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ.
    nmyours@gmail.com


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2002
    الدولة
    مابلد خير لك من بلد وخير البلاد ماحملك
    المشاركات
    7,411

    Arrow

    محطة أخيرة
    ساطع نور الدين




    قد يكون تحذير الملك الاردني عبد الله من احتمال قيام <<هلال شيعي>> يمتد من إيران إلى لبنان، ويشمل العراق وسوريا، ويقلب موازين القوى المذهبية الإقليمية، مجرد شطحة من خيال جامح، لكنه يمس عصباً حساساً يستخدم في مرحلة ما بعد الاحتلال الاميركي للعراق لقياس الكثير من المعطيات والوقائع السياسية.
    كان الملك الشاب يتحدث في واشنطن لصحيفة <<واشنطن بوست>> الأميركية، بعيد لقاء عقده في البيت الابيض مع الرئيس الاميركي جورج بوش، وأبلغه فيه على الارجح بضرورة الإنصات الى الاصوات العربية، وأيضا العراقية، الداعية الى تأجيل موعد الانتخابات العراقية المقررة في الثلاثين من كانون الثاني المقبل، خشية ان تؤدي الى تعميق الخلل في تمثيل العراقيين السنّة الذين قرروا مقاطعتها.
    ويبدو أن الرئيس بوش الذي سبق له أن رفض بشدة توصيات من إدارته، وتوسلات من حلفائه في العراق، ومناشدات من جميع العواصم العربية، لإرجاء الانتخابات ستة اشهر فقط، نحّى جانبا نداء الملك الاردني المشفوع بالتحذير من مغبة تهميش السنّة في العراق من عملية إعادة بناء مؤسسات حكمه.
    لم يعرف ما اذا كان الملك عبد الله تحدث مع بوش شخصيا عن خطر قيام <<الهلال الشيعي>>، او ما هو رد فعل الرئيس الاميركي لدى سماعه مثل هذه العبارة، التي وردت في مقابلته مع الصحيفة الاميركية ولم تعد سرا على احد.. برغم أن قلة من الخبراء في الشؤون الاسلامية في واشنطن يمكن ان تدرك مضمونها، او يمكن ان تفهم مغزى اطلاقها في هذا الوقت بالذات.
    من المستبعد ان يكون مصدر العبارة البالغة الحساسية اميركيا او على الاقل من داخل ادارة بوش... الا اذا كانت واشنطن قد قررت فعلا إشعال حرب مذهبية كبرى بين الشيعة والسنة في الشرق الاوسط كله، كبديل عن مشروعها المتعثر والباهظ الثمن في العراق وفي بقية أنحاء المنطقة. وهي فرضية تحتاج الى الكثير من التدقيق.
    المرجح أن الملك قرر ان يجتهد بنفسه، وأن يدفع المخاوف الجدية من تهميش السنّة في العراق الى الحد الاقصى، عبر تخويف الاميركيين من ذلك الهلال الذي يعكس الحديث عنه اشتباها لدى الكثيرين من ان الشيعة في المنطقة صاروا فعلا، او هم في طريقهم لكي يصبحوا عملاء أميركا وأدواتها وشركاءها، في سياق الحرب على <<الارهاب السنّي>>، الذي يستهدفهم بقدر ما يستهدف الاميركيين.
    لكنها قفزة خطرة في الاجتهاد، من المؤكد أنها لن تزعج الاميركيين كثيرا، لانها تفترض ان الغلبة الشيعية في العراق المستمدة اليوم من الاحتلال باتت حقيقة نهائية راسخة، ولانها تتوقع شراكة استراتيجية أميركية إيرانية بناء على التحالف الموضوعي في أفغانستان، ولانها ترسم صورة غير دقيقة لسوريا ومستقبلها، ولانها تعطي فكرة خاطئة عن لبنان وشيعته... ولانها اخيرا تتحدث عن ظهور هلال ليس له علاقة بأي من الحسابات الفلكية المعاصرة.

    السفير 10 - 12- 2004


    http://www.assafir.com/iso/oldissues...gnature/41.htm
    خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ.
    nmyours@gmail.com


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2002
    الدولة
    مابلد خير لك من بلد وخير البلاد ماحملك
    المشاركات
    7,411

    Arrow

    المصالحة الوطنية بدلا من العنف الطائفي

    - صلاح الدين حافظ *
    في الأفق سحابات من العنف الطائفي، أو الفتنة الطائفية، إن شئت، تظلل بكآبتها أكثر من دولة في المنطقة، فتهدد وحدتها في الأساس، أكثر مما تهدد استقرارها الراهن.



    وهو عنف إن بدا اليوم صغيرا ومحدودا، فهو مرسوم له أن ينمو ويشتعل سريعا كالنار في الهشيم، فلا يبقي ولا يذر، لأنه يحمل بذور الشر التي يراد لها أن تنبت الصراع والاقتتال في المجتمع الواحد، يعقبه التقسيم والانفصال، وما أدراك ما بعد ذلك في طيات الأجندات الخفية، التي مازال البعض ينكر وجودها!
    وما بين شرارات الفتنة الطائفية المحدودة في مصر، التي حاولوا اشعالها في الأسابيع الماضية من أسيوط جنوبا حتى البحيرة شمالا، إلى اتساع هوة الشقاق الطائفي في العراق، تبدو خريطة المنطقة معبأة ببذور الشر هذه، مليئة بالألغام المتفجرة، المحلية منها والمستوردة، وهو أمر لم يعد الصمت والتجاهل فيه مقبولا، ولم تعد الحلول الأمنية وحدها صالحة، لكن المقبول الوحيد والصالح الأساس في رأينا المتواضع، هو المصالحة الوطنية بكل شمولها وصراحتها، القائمة على أسس من العدل والمساواة في الحقوق والواجبات، المستندة إلى مبدأ رئيسي هو حق المواطنة المكفول لجميع أبناء الوطن.
    ولعلنا نبدأ برصد بعض الملاحظات، في ضوء ما يجري هذه الأيام.
    أولا: تعدد المتناقضات الكثيرة هو الحاكم لبعض أوضاعنا، وأول المتناقضات أوضاع غاب عنها العدل والمساواة في منطقة تعددت فيها الأديان والثقافات والطوائف والجذور العرقية، فبدت كلوحة الفسيفساء، تحتاج إلى "فنان" ملهم ليحافظ على وحدتها وتماسكها، فثمة أكثرية هنا أو هناك تحكم وتتحكم، من دون مراعاة الأقلية التي تشعر بالاضطهاد، وبالمقابل ثمة أقلية تحكم وتتحكم في مجتمع آخر فتمارس العنف ضد الأكثرية... وتبقى في الحالين مشاعر التوجس والاضطهاد والتمرد كامنة أحيانا متفجرة أحيانا أخرى.
    ثانيا: تقسيم الدول والأوطان والشعوب في هذه المنطقة المعقدة، يزداد حدة يوما بعد يوم بحكم تراكم المظالم بعد انقسام المشاعر، وها نحن في مواجهة معسكرين أو طائفتين في كل دولة من أقصى المغرب إلى أدنى المشرق، ومن جنوب السودان حتى شمال العراق، وفي كل منها ثنائيات تبدو متناقضة، أو على الأقل متواجهة مستنفرة على النحو الآتي:
    مسلمون ومسيحيون، عرب وبربر، عسكر ومدنيون، ليبراليون ومحافظون، شيعة وسنة، أكراد وعرب وتركمان، بدو وحضر، إسلاميون وعلمانيون، المرأة والرجل، وحدويون وانفصاليون، إلى آخر هذه السلسلة من ثنائيات التناقض، حاملة بذور الشر، ما لم يفك تناقضها.
    ثالثا: إن كان طبيعيا أن تتعايش هذه التنويعات الدينية والطائفية والعرقية فوق أرضنا العربية بسلام وتسام وتوازن ومساواة، فمن غير الطبيعي أن تتناقض إلى حدود الصدام والقتال تمهيدا للتقسيم والتفتيت والانفصال. والحرب الأهلية الطائفية في لبنان التي استمرت أكثر من خمسة عشر عاما ليست ببعيدة، مثلما أن ما يجرى في العراق اليوم من فوضى وفرز مذهبي واقتتال يصل حدود الحرب الأهلية دليل صارخ آخر، بينما أوضاع السودان عاصفة صارخة، على مدى عقود طويلة، امتدت فيها الحرب الأهلية وحركات التمرد من أقصى الجنوب إلى الشمال، ومن الغرب إلى الشرق، حتى بلغ عدد هذه الحركات وفق الإحصاءات الحديثة 31 حركة تمرد تحمل السلاح في وجه الحكومة المركزية، ضد ما تسميه "سياسات القمع العرقي والطائفي والعزل والتهميش والاضطهاد"...
    رابعا: من المسئول إذا؟ المسئول الأول والأخير، هي حكوماتنا التي عمقت التناقضات وتجاهلت، أو ارتكبت المظالم، وفق أفكار خاطئة وسياسات قاصرة، ثم جاءت التدخلات الأجنبية ذات المطامع والمصالح، لتستغل هذه الأوضاع.
    وليس إصدارها مثلا قانون مراقبة الحريات الدينية في العالم، وتقاريرها السنوية عن حال حقوق الإنسان في الدول المختلفة، ثم ضغطها على المجتمع الدولي، لكي تقر الأمم المتحدة قرار التدخل الإنساني الدولي، الذي يتيح لمجلس الأمن التدخل عسكريا في الدول الأعضاء التي تمارس الاضطهاد الديني أو العرقي خصوصا، ضد بعض أبنائها... إلا دليلا على الإصرار الأميركي أساسا على ممارسة التدخل وفرض الإرادة على الآخرين، استغلالا لمعاناة الأقليات المضطهدة، وهو أمر سيتصاعد حتما في المستقبل القريب!
    خامسا: دخل حديثا التعبير السحري الجاذب "الإصلاح الديمقراطي" على الخط مباشرة، باسم الديمقراطية والتحديث والتغيير، الذي تحارب شعوبنا طلبا له تلبية لحاجاتها الأساسية، وتمكنت السياسة الأميركية الطاغية من النفاذ المباشر إلى مشاعر كثيرين في بلادنا، باعتبارها صاحبة "الحملة التبشيرية الإلهية" الهادية للشعوب المتخلفة والمارقة والفاسدة، الساعية إلى إنقاذ المضطهدين ومساعدة المظلومين ومعاقبة الظالمين المستبدين!
    وهذا أمر ظاهره حق وباطنه ظلم وكذب وعذاب، لأن الهدف الاستراتيجي الأميركي، ليس إنقاذ هؤلاء أو مساعدة أولئك، لكن الهدف هو إحكام القبضة الاستعمارية الأميركية على أوضاعنا وشئوننا، وإدارتها بالطريقة التي تحقق مصالحها هي دون سواها... ولابد أن نعترف أننا نحن الذين أعطيناها الفرصة وقدمنا لها المبرر فوق بساط أحمر ممدود على رقابنا...
    العراق هو الآن الساحة المثلى لتطبيق هذه السياسات الاستعمارية الأميركية الجديدة، وراثة عن السياسات الاستعمارية البريطانية في الماضي... وهي ساحة مثلى لأن فيها كل عوامل التناقض والتفتيت العرقي والديني، الجاهزة للاشتعال في أي لحظة، غالبية إسلامية وأقلية مسيحية، غالبية عربية وأقلية كردية، وتركمانية وآشورية، غالبية شيعية وأقلية سنية، هذا أولا.
    وثانيا، موقع استراتيجي بالغ الأهمية أدركته كل الامبراطوريات الاستعمارية القديمة والجديدة، من الامبراطورية الفارسية، والرومانية، والعربية الإسلامية، والعثمانية في الماضي، إلى الامبراطورية البريطانية والأميركية حديثا... موقع يتوسط العمود الفقري لقارة آسيا، يطل بحدوده على إيران وتركيا والجمهوريات الإسلامية التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي من ناحية، ويشرف على الخليج العربي، ثم هو يظاهر سورية أو بمعنى أدق منطقة الهلال الخصيب، ولا يقف عن حدود فلسطين، بل يتطلع نحو مصر، أي باختصار هو موقع يتمدد ويتطلع شرقا من بحر قزوين إلى البحر الأحمر وقناة السويس غربا... ولك أن تتأمل هذه الخريطة الرابضة فوق قلب آسيا وإفريقيا...
    وثالثا، لسبب أو آخر، لعبت فيه السياسات الأجنبي دورا رئيسيا، انفردت "طبقة سنية" بالحكم في العراق، منذ استقلاله الحديث مطلع عشرينات القرن العشرين، وظلت متحكمة في الغالبية الشيعية كما في الأقليات الكردية والآشورية والمسيحية، حتى وصلت قمة الطغيان في عهد الرئيس المخلوع صدام حسين، الذي سقط تحت سنابك الاحتلال الأميركي الراهن، والذي قدم بظلمه وجبروته وعنفه أكبر المبررات الظاهرة للغزو الأميركي، وإن كان المبرر الرئيسي للغزو والاحتلال هو السيطرة على هذا الموقع الفريد والثري والاستراتيجي، كما سبق أن أوضحناه، وخصوصا الاحتكار والهيمنة الكاملة على مخزونات النفط الهائلة الممتدة من شمال العراق إلى دول الخليج وشبه الجزيرة العربية...
    وها نحن الآن، أمام معضلة جديدة، فباسم إقامة الديمقراطية الحديثة في العراق، لتكون نموذجا مرغوبا "أو مفروضا" لدول الجوار، يستعد الاحتلال الأميركي مع الحكومة المؤقتة التي نصبها، لإجراء انتخابات عامة مقرر لها يوم الثلاثين من شهر يناير/ كانون الثاني المقبل، لاختيار برلمان يضع دستور وأسس الحكم في "بؤرة الديمقراطية" حاملة البشرى للمنطقة.
    والسبب هو حال الحرب القائمة وهي حال امتدت من مواجهة المقاومة العراقية قوات الاحتلال، إلى الاقتتال بين بعض الطوائف العراقية نفسها، ما فجر الصراعات على أسس طائفية ودينية وعرقية... أما السبب الثالث فهو المقاطعة للانتخابات التي أعلنها "السنة" من الموصل شمالا إلى بغداد وبعقوبة جنوبا، امتدادا للأنبار غربا، حيث تدور الآن المواجهات المسلحة، بينما ترى الغالبية الشيعية من ناحيتها وخصوصا في مناطق الوسط والجنوب، والأكراد في الشمال أنها فرصة تاريخية لإجراء انتخابات عامة بأي ثمن - على رغم سيطرة المحتل الأجنبي - للوصول إلى الحكم بعد عقود من انفراد الأقلية السنية به...
    وبصرف النظر عن إمكان توسع "القوس الشيعي" الحاكم من إيران إلى العراق، وربما امتدادا لسورية ولبنان، وإلقاء تأثيره الهائل على الخليج، فإن السياسة الأميركية المنفلتة تقامر مقامرة حمقاء جديدة، باصطناع "عمامة" ديمقراطية زائفة فوق بركان متفجر على الدوام، لأنها تريد من الغالبية الشيعية التي عانت التهميش في الماضي، أن تسحق الآن الأقلية السنية التي كانت حاكمة بالأمس، والمعنى أن يستمر الصراع بلا نهاية.
    لاشك في أن هذا المشهد المأسوي، يعيدنا إلى بداية المقال، لنفهم جيدا أن تهميش الغالبية للأقلية، لا يقل خطرا عن هيمنة الأقلية على الغالبية، كلاهما يزرع بذور الشر وينبت زهور الشيطان والعنف الطائفي... فلماذا لا نعود إلى الأصول والقواعد القائمة على العدل والمساواة، عبر مصالحات وطنية حقيقية ودائمة!
    * مدير تحرير صحيفة "الأهرام"

    الوسط 17 - 12 - 2004


    http://www.alwasatnews.com/topic.asp...ate=12-17-2004
    خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ.
    nmyours@gmail.com


ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني