"إقتلوهم الكلاب السائبة"
من قصاصة عثر عليها في إحدى أقبية البعث

إستوقفتني صورة مميزة تؤرخ لبداية حقبة البعث في العراق. إثنان من الشباب وقد علقا في ساحة التحرير في بغداد وقد كتب على جثتيهما المعلقتين "جاسوس". هذه الصورة السريالية كانت ربما تعطي إستشرافاً مستقبلياً لبعض الواقفين لما سيؤول إليه الحال فيما لو إستمر البعث يحكم في العراق. تتأمل الصورة وتقف متفكراً في العقلية التي تستعرض الجثث في الساحات العامة وكأنها إنجاز معماري أو فني أو علمي أو أدبي قدمه البعث لبداية حقبة سياسية جديدة في العراق هدية إلى العراقيين. وربما أدرك القليلون في شتاء 1969 وهم يقفون أمام هذه الجثث المعلقة أن هذه الحقبة البعثية ستتواصل في إنجازاتها الحضارية المعطاء على مدى عدة عقود. وقد تواصلت العطاءات الحضارية البعثية هدية إلى الشعب العراقي على مراحل سقوط هذا النظام الدموي الذي بدأ عهده بتوقيع سريالي دموي "المشانق". حرب الشمال مع الأكراد، والضحايا الذين كانوا يتساقطون من العراقيين، إضافة إلى دموية مفرطة في الإعتقال والتعذيب والإعدام. إلى حرب دموية وطاحنة مع إيران وأخرى مع الكويت مع تزامن تام مع حرب إبادة شرسة وعلى كافة الأصعدة كانت تطال الشيعة والأكراد.



لكن الحصيفين من الذين وقفوا أمام معرض الجثث المعلقة في ساحات بغداد في 1969 ربما لم يتنبؤا أن بإنهيار هذا النظام البعثي في 2003 ستستمر هذه المنظمة السرية –حسب تعبير حسن العلوي- في أن تكون أداة قتل تطال العراقيين الأبرياء، مفرقة اشلاءهم وأشلاء ابناءهم ونسائهم في شوارع ومدن العراق وفي نفس الساحات التي إستعرض فيها جثث العراقيين أول الأمر، وربما بنفس الصورة السريالية مختصرة الحكم، والسيطرة على مقاليد الأمور والثروات، وبيانات البعث الثوري الصامد.

لكن هل كان لهذا البعث أن يستمر في الوحشية والقتل والتنكيل والسرقة والتعذيب لولم يجد دعماً له من المحيط الذي كان يحتضنه ويغذيه ويشجعه. ويستمر السؤال أيضاً، هل من الممكن لهذه الوحشية البعثية التي تستهدف العراقيين اليوم أن تستمر لو لم يتوفر لها دعم عربي على مستوى الدعم اللوجستي والمالي والسياسي والإعلامي. وهل يمتلك البعثيون حقاً اية مصداقية لدى غالبية الشعب العراقي وقد حولوا البلد أثناء تحكمهم فيه إلى مزرعة لهم ولأتباعهم، يستعبدون ويقتلون وينهبون. أما وقد إنهار نظامهم فإنهم إستمروا يقتلون ويدمرون وينهبون مؤكدين النهج الذي ساروا عليه على مدى عقود. ماذا يتوقع هؤلاء القتلة والمجرمون من الشعب العراقي اليوم، وهو يتعرض إلى ما يتعرض إليه من أفعالهم، هل يعتقد هؤلاء أو من يدعمهم أن العراقيين مستعدون لتقبل فكرة أن يعود اليعث كي يتحكم في مصائرهم، وعلى اساس شرعنة الترهيب والقتل، على أساس إستعراض الجثث في الساحات العامة، أو التهديد والإختطاف والتعذيب والتخريب. هل من الممكن حقاً أن يوجد بشر يمتلكون ذرة إنسانية مستعدون لتقبل أن يتحكم بهم مجرمون ساديون من المافيا البعثية بإسم المقاومة والتحرير والتاريخ العربي والطائفية السنية؟



البعث هو المسؤول المسؤولية المباشرة عما وصلت إليه الأوضاع في العراق، من فساد إداري وإنعدام النزاهة، والإحتلال،
وتكسير البنى الإجتماعية، والفوضى الإقتصادية، والتمييز الطائفي والعرقي. وهو المسؤول ايضاً عن التخريب والقتل الذي يحدث كل يوم في عراقنا الحبيب. إعادة البعث، وإعادة البعثيين إلى مراكز صناعة القرار يعني فيما يعنيه خلق واقع لن يستجيب لأية مفردة تغيير إيجابي، لأن البعث يحمل عوامل التخريب والتدمير للبنية الإجتماعية والسياسية العراقية، لأنه يتبنى فيما يتبنى فكراً شمولياً، وعنصرياً يشرعن القتل العشوائي وإمتهان كرامة الإنسان في سبيل تحقيق أهدافه. البعثي يتربى من خلال تسلسله الحزبي على أن يكون أداة قتل، وتعذيب، وتمييز، وإمتهان كرامة، لأنه من خلال تسلسله الحزبي هذا يتحول إلى إنسان بلا كرامة، و "من هانت عليه نفسه فلا تأمنن شره".

إذن النتيجة الختامية هو الوقوف وبصلابة أمام البعث وعصاباته، التي ترتدي تارة ثوب الدين بصبغته الطائفية السنية، وتارة ثوب العلمانية، وتارة ثوب القومية، وتارة ثوب الوطنية. يجب أن توضع الخطط، وأن توضع الإمكانات كي ينهى الوجود البعثي على أرض الرافدين، وإن تطلب ذلك حرباً أهلية. نعم، وإن كان العلاج حرباً أهلية، لأن وجود البعث في العراق على مستوى قوة سياسية أو عسكرية أو تنظيمية فاعلة يعني أن العراقيين لن يذوقوا طعم الراحة أبداً. ويعني أن معارض الجثث التي تملأ الميادين والساحات وصور القائد الأوحد وهي تتعقب كل واحد حتى في بيته والإحساس بالإذلال والمهانة هي التي ستسود الواقع العراقي.

إن الجميع مطالبون اليوم قبل اي وقت آخر أن يعلنوا بصراحة وبشكل لا يشوبه أي شك ويعملوا على

الوقوف ضد عودة حزب البعث كتنظيم لديه إمكانية التحرك السياسي في العراق

الوقوف ضد عودة البعثيين إلى مراكز صناعة القرار

الدعوة إلى إنشاء محاكم متخصصة لمحاكمة البعثيين من الذين تلطخت أيديهم بدماء العراقيين

الدعوة إلى محاكمة من إستولى على أموال العراقيين العامة والخاصة وإعادة الأموال إلى العراقيين

الدعوة إلى فتح ملفات المتنفذين الكبار من بعض الشخصيات العشائرية من مناطق غرب العراق، من الذين يعملون حالياً على أنهم تجار كبار، ومالكين لمؤسسات مالية وإستثمارية كبرى تنشط في الأردن وسوريا ودول الخليج

الدعوة إلى فتح ملفات البعثيين العائدين من مدعي المعارضة، من الذين خدموا في صوف نظام البعث في فترة التسعينات

الدعوة إلى فتح ملفات المختفين في العراق والذين يزيد عددهم على المليونين تقريباً

الدعوة إلى تفعيل الجانب الإعلامي والتأريخي ضد حزب البعث (مؤتمرات، وحلقات دراسية الخ)

الدعوة إلى رفع قضايا جنائية من قبل المتضررين من سياسات البعث ضد كل البعثيين في العراق، سواء على مستوى العراق أو على مستوى دولي

الدعوة لإنشاءنصب تذكاري في كل مدينة عراقية يذكر بضحايا البعث من الأبرياء، وخاصة الضحايا الذين غيب أثرهم، والمقابر الجماعية

الدعوة لإنتاج برامج وثائقية وغير وثائقية تؤرخ لجرائم البعث والبعثين

تأميم أموال البعثيين المنقولة والغير منقولة، وأولئك الذين أثروا على حساب العراقيين، ووضعها في صندوق تحت إشراف مؤسسات إستثمارية دولية تعوض ضحايا البعث

إنشاء مؤسسات عراقية ودولية مهمتها ملاحقة البعثيين قانونياً.

البعث تجربة فاسدة ودموية ينبغي الوقوف بوجهها وبحزم !