حكاية رجل شجاع من الحرس الوطني العراقي: انتزع امرأة مخطوفة من عصابة مسلحة



السبت 22/1/2005 بغداد: «الشرق الأوسط»- لنبدأ الحكاية من نهايتها. ففي أول أيام العيد كان حميد قد ودع احلامه بعدما اثخن جسده بالجراح اثر تعرض الثكنة التابعة للحرس الوطني التي ينتمي اليها للتفجير من قبل مسلحين مجهولين. نقل حميد الى مستشفى اليرموك مع رفاق له. وكان الجميع ممن نجوا من الموت في الانفجار يأملون لحميد البقاء على قيد الحياة، لكن عبرات الموت كانت اقرب الى السماء من أي دعاء له بالنجاة. توقف قلب حميد النابض بالحياة وكان على شقيقه عبد الذي جلس قبالة المستشفى يجهش بالبكاء مهمة نقل الخبر الى عائلته وبناته الاربع. التفت الينا بعدما تعرف الى مهمتنا الصحافية، وقال: كيف لي ان اقول للجميع ان حميد قد مات؟ من الذي سيصدق ان سيارة مفخخة اغتالته وهو يحلم بالعراق ومستقبله؟ وهنا توقفت لغة الكلام وكان علينا ان نصبر حتى إقامة مجلس العزاء عن روح الفقيد ونعرف قصة حميد ابتداء من اللحظة التي فكر فيها بالانتماء للحرس الوطني وانتهاء بلحظة مغادرته الحياة.
اول ايام العيد كان اول يوم لمجلس العزاء الذي اقيم في داره الواقعة في منطقة الكمالية، والمجلس حضره كل اصدقاء حميد وأقاربه ومن عرفه من قريب او بعيد، فحميد له معارف كثر، كما يقول شقيقه عبد الذي رافق رحلتنا في حياة حميد ومماته المفزع. يقول عبد، ان حميد رجل شجاع وله مواقف كبيرة مع الصغير والكبير وكل من سمع بوفاته تذكر موقفا من مواقف هذا الرجل الشجاع. وقال لنا احد اصدقائه المقربين انه كان شاهدا على احدى مواقف حميد الشجاعة مع احدى عصابات الاختطاف امام سينما البيضاء في منطقة بغداد الجديدة اثر غياب الدولة بعد سقوط النظام في 9 ابريل (نيسان)2003، فقد تصدى حميد بكل شجاعة للعصابة التي حاولت اختطاف احدى النساء المارات في الشارع واستطاع ان يخلص المرأة من سيطرة العصابة التي كانت تحمل السلاح بينما كان هو مجردا من أي سلاح. وهنا نهض صديق آخر له رافقه في رحلته وحياته قائلا ان حميد له مزايا كثيرة فهو يؤثر الاخرين على نفسه حتى وان كان استحقاقه اكثر منهم، وهذه واحدة من صفات الشجاعة التي يمتلكها حميد بين اقرانه. والد حميد اخبرنا ان ابنه اصر على دخول الحرس الوطني قائلا ان العراق يحتاجنا وعلينا ان نقف الى جانبه، وقد تدخلت زوجته معربة عن خوفها عليه، فأجابها حميد «ان الحياة بيد خالقها. واذا كان مصيري هو الموت عند بوابة الحرس الذي أنتمي اليه فليكن. فهذا المصير هو خطوة من اجل اطفالي ومستقبلهم الذي نطمح ان يكون افضل من مستقبلنا». الحياة بالنسبة لحميد لم تكن كما هي بالنسبة للآخرين، فهو يسأل عن الجميع، ويقول لاصدقائه دائما ان الحياة لا تمنح من يخافها الا الخذلان، وانا لا اخاف الا الحق وأتمنى ان اموت من اجله. شقيقه عبد استعاد بعض كلماته، وقال: كان حميد يقول لنا دائما لاتخافوا عليّّ فأنا في حماية الله ما دمت انا في حماية الوطن واتمنى ان اؤدي الواجب الذي انيط بي. أما زوجته فكلما أفاقت من صدمتها ووجدت ان حميد قد غادرها بالفعل اجهشت بالبكاء. قالت وهي تبكي: لقد كان يخرج مع ساعات الصباح الاولى بعد صلاة الفجر مرتديا ملابسه التي سأحتفظ بها مدى العمر، وعندما يعود يرفض ان يتحدث لي عما جرى معه في يوم عمله، قائلا انه ادى الواجب بضمير مرتاح ويصمت قليلا وهو ينظر الى بناته الاربع، قائلا: سأحمي بناتي ان شاء الله. وكلنا كنا نعلم ان عمله خطر لكن شجاعته فاقت مكامن الخطر ومضى حميد الى حتفه وهو مرتاح الضمير ايضا. البنات الصغيرات لهن احلى الذكريات مع الاب الشجاع فهن يعرفن جيدا انه لم يكن يقبل ان تهان المرأة، وحكاية المرأة التي أنقذها من الاختطاف ما زالت عالقة في ذاكرة البنات الاربع والاخرين جميعا. عدنا الى عبد الذي اصر على الانتماء الى الحرس الوطني بعد وفاة اخيه، وقال: لا بد من حمل الامانة بدلا عنه وسأقول لكل من كان السبب بموت اخي ان اهدافه غير اهدافكم.
احد افراد الحرس الوطني ممن حضروا مجلس العزاء، قال «ان حميد كان واحدا من افضل المنتسبين للحرس في المكان الذي قتل فيه وكان يؤدي واجبه عندما تقدمت السيارة المفخخة وتفجرت عند بوابة المقر وقتل من قتل وجرح الآخرون من المارة وافراد من الحرس الوطني، وجميعنا كنا نتمنى الا يكون حميد بينهم ولكنها ارادة الله فهو يختار من يحب في الساعة التي يحب ايضا». وهنا أجهش الجميع بالبكاء لرحيل حميد وتوقفت لغة الكلام مرة اخرى وكان علينا الرحيل بعيدا عن مجلس عزاء الرجل الشجاع الذي عرفه الجميع غير متوان عن قول الحق في لحظته.