المتتبع للأنباء التي تتداول هنا وهناك هذه الأيام يلاحظ ظاهرياً أن قائمة الإئتلاف إئتلفت على عدم الألفة. ورغم أن الشيعة لعبوا اللعبة السياسية بمهارة وحذق شديدين في فترة ما قبل الإنتخابات وفترة الإنتخابات. ورغم أن الرهان على الممارسة الإنتخابية والتصويت قد أعطيا هذه القائمة دوراً ريادياً مشهوداً، وللتجربة السياسية الوليدة في العراق زخماً أحرج أكبر المعارضين لهذه التجربة، مما جعلهم يغيرون من خطابهم، ويقررون المشاركة في الإنتخابات القادمة. رغم هذا كله إلا أن عدم إتفاق قائمة الإئتلاف على توزير من تراه من قبل الدخول في معترك التصويت والإنتخابات،وبروز حالة خلاف على الموقع جعل الكثيرين ممن إنتخب هذه اللقائمة-بغض النظر عن السبب وراء الإنتخاب- يصابون بخيبة الأمل، إن لم نقل بإحساس بفشل مرحلي يمكن توقعه للممارسة السياسية القادمة لهذه القائمة، إذا إستمرت بالسير بهذا الإتجاه.
الذي يجب أن نفهمه حالياً، هو أن هذه الوزارة الجديدة التي سيعاد تشكيلها، لن تعمل إلا لمدة محدودة جداً من الزمن، لن تتعدى العشرة شهور، وهي مدة لن تكون كافية لإصلاح تبعات النظام البعثي المزمنة، ولا تبعات الحرب والإحتلال، ولا تبعات وزراة علاوي البعثية، وستكون الملفات التي يتحملها من يستوزر غاية في التعقيد والثقل، ينوء بها أولو العصبة أولي القوة.
بغض النظر عن عمليات تسويق رخيص تستعرض صورة هذا الواقف أما مرقد من المراقد، أو برقيات تعزية ترسل لبعض أدعياء القيادة بمناسبة عاشوراء، أو إستعراض كاذب للقوة من خلال إنتقاد تعذيب وإعدام بعض منتسبي هذا التنظيم من قبل مسؤول كبير في إحدى التنظيمات المشاركة في الحكومة، فإن هنالك أسئلة مفصلية يتطلب من هذه القائمة الإجابة عليها تحديداً وبكل صراحة وشفافية وبدون لف أو دوران
السؤال الأول، ما هو الموقف من قضية تغلغل عناصر أجهزة صدام في أجهزة الدولة المهمة على مستويات الدفاع والخارجية والداخلية والأمن والمالية والنفط. وما هو الموقف بالتحديد من قضية جهاز الأمن الذي يشرف عليه شهواني، الذي يتميز أداؤه وتنظيمه بسرية غير معهودة.
السؤال الثاني، ما هو الموقف من الفساد الإداري الذي ينهب ويستنزف أموال البلد وثرواته، والذي تهدر من خلاله حقوق المواطن البائس. وما هو مصير من تثبت أو ستثبت عليه السرقة والنهب وتخريب المال العام.
السؤال الثالث، ما هي طبيعة إستراتيجية التعاطي مع من قاطع الإنتخابات، وسعى إلى تخريبها بشتى الوسائل، والذي بدأ بالبكاء والعويل الطائفي اليوم مدعياً التهميش، وبحثاً عن مكاسب دون مقابل، بل مقابل التهديد والترهيب، وما هي طبيعة التعاطي مع الملف السني الساخن، خاصة إذا فهمنا أن الأغلبية السنية الصامتة لم يسمع لها صوت لحد الآن.
السؤال الرابع، ما هو الموقف تجاه مناطق الجنوب المحرومة والمهمشة بالكامل، على مستوى إعادة الإعمار، ومكافحة البطالة، وتحقيق توزيع عادل للثروة ؟
السؤال الخامس، الموقف من الإحتلال ومن الدول المجاورة الأخرى (إيران، الأردن، سوريا، السعودية، الكويت، مصر، تركيا، قطر، ليبيا) لأن كل هذه الدول تتدخل بشكل سافر وعلني في قضايا عراقية داخلية حساسة وبدون حسيب ولا رقيب. وكأن العراق دخل تحت إنتداب سياسي إقتصادي أمني تحت هذه الدول.
السؤال السادس، ما هو الموقف من الفوضى الإعلامية المخربة التي تشيع الإرهاب والتخريب والبلبلة في العراق، الموقف من قنوات أخذت تراخيص وبدأت تبث في العراق وسط غياب كلي لأي سلطة سوى سلطة الإحتلال، قنوات أجنبية وعربية ومحلية.
السؤال السابع، الموقف من العقود التي أبرمت دون الرجوع إلى الشعب مع شركات أجنبية وعربية وعراقية تمارس عملية نهب منظم لما تبقى من ثروات العراق، وما تبقى من قوت الناس وأرزاقهم، مثل شركة عراقنا، وشركات مصرية وأجنبية أخرى.
السؤال السابع، العلاقة مع الأكراد، وخاصة مع إندفاعهم السياسي الأناني في لفلفة كل ما يمكن لفلفته في أجواء ضعف وفوضى عارمة تحكم العراق.
السؤال الثامن، ما هو شكل وطبيعة السلطة القضائية وقضاتها وماهي السلطة التي تشرف عليها في هذه المرحلة. وهل ستتم محاسبة وزراء ومسؤولين كبار هربوا وسرقوا وإرتشوا وباعوا مواقف في الفترة السابقة ( شعلان وعلاوي ونوري بدران وغيرهم )
هذه الأسئلة لا تتعلق ببرنامج سياسي، أو ما شابه، إنها تتعلق بتفاصيل يومية يعيشها المواطن العراقي، وهي أمور تجعل من العسير عليه أن يشاهد مسيرة مستقبله، خاصة وسط أجواء خوف وإرهاب يتصيد الناس في أحيائها وبيوتها ومناطق عملها. الأسئلة تحتاج إلى من يتصرف بأمانة وضمير وأن يتحمل مسؤوليته التأريخية في إنجاز ما يمكن إنجازه في هذه الفترة الزمنية القصيرة. وبغض النظر ما إذا كان جعفري، أو جلبي أو عادل عبدالمهدي، المهم أن يكون من يستوزر يمتلك القدرة على تحييد مواضع الخلل وإصلاحها بقوة وحزم، وأن يمتلك الحكمة والرشد في التعاطي مع الأحداث، مع وجود حالة تربص محلي وإقليمي ودولي تشي لتكرار مفاشل عراقية شيعية تضاف إلى مفاشلنا التي لا تحصى. وإن كنت أستوحي أن الأقدر على هذه الأمور في الظروف الحالية هو من يمتلك عقلية الثعلب، ويد الأسد وصوت البلبل.