((رد الشبهه في تقليد المولى المقدس))



قد يسأل سائل ماهو الدليل على تقليد السيد الشهيد محمد الصدر (قدس) مطلقاً استدامة وابتداءاً؟؟



إن الجواب عن هذه التساؤلات يمكن الجواب عليها بأسلوبين :ـ

أحدهما: مختص بفهم عوام الناس والذي يكون مختص إن صح التعبير على الثقافة العامة أو قل الرسائل العملية .

والأخر:ـ الأسلوب العلمي المتعلق بأهل الاختصاص وإن جوابي هذا لا يمثل إلا رأيّ الشخصي وما وفقني الله سبحانه من فهم مدرسة السيد الشهيد محمد باقر الصدر ومدرسة السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سرهم) مع الأخذ بنظر الاعتبار وجهات نظر المدارس الأخرى ومنها مدرسة الأصفهاني ,والنائيني وضياء الدين العراقي وباقي مقرريهما أمثال المحقق الخوئي والمحقق الكاظمي (قدس سرهم) وإن كلامي هذا خطوة لغرض أخذ الجامع المشترك في المدارس الأصولية المتبعة في مسلك أهل البيت سلام الله عليهم . وأسال الله سبحانه أن يعصمنا من الخطأ 0

هل يجوز البقاء على تقليد السيد الشهيد محمد الصدر (قدس)؟

إن معظم المراجع قد أفتوا من إن الميت إذا كان اعلم من الحي فيجب البقاء على تقليده وإن زمان معرفة السيد الشهيد الصدر (قدس) لم يكن ببعيد كل البعد وكذا من عاصره لم يتغير من أمره شيء حتى أصبح غير الأعلم أعلم سواء كانوا من المراجع المعاصرين أم غيرهم 0

س/ ماهو العمل في المسائل المستحدثة فهل ترجعون إلى غير السيد الشهيد محمد الصدر (قدس) في ذلك ؟

ج/ كثيراً ما يفترض أسئلة على نحو التنظير وليس لها أي واقع , ثم إن زمان وجود السيد الشهيد الصدر (قدس) قريب بحيث قد تطرق إلى كل مستحدثه وردت في زمانه مع عرض كل ماهو محتمل بعد زمانه , وهذا وجدناه واضحاً بعد مرور ست سنوات على استشهاده حيث لم نتعرض إلى مسألة إلا وجدنا له فيها حكم ,وأما على نحو الافتراض فإذا وجدت مسائل مستحدثه فسوف نرجع قطعاً إلى المجتهد الجامع للشرائط0

س/ في حالة وجود مقلدين جدد ,فهل يقلدون السيد الشهيد إبتداءاً أم لا؟وماهو دليلكم على ذلك؟

ج/ كما هو معلوم إن مشهور الفقهاء يفتي بعدم جواز تقليد الميت إبتداءاً ـ وإن كان بعض متأخري الفقهاء الأمامية يقول بجواز تقليد الميت إبتداءاً.

ولكن قد عاصر السيد الشهيد الصدر (قدس) بعض المراجع القائلة بجواز تقليد الميت إبتداءاً بشرط كونه أعلم الأحياء والأموات وقد شهد السيد الشهيد الصدر (قدس) إلى بعضهم بالاجتهاد وطيب القلب , ومنهم السيد كاظم الحسيني الحائري والشيخ محمد إسحاق الفياض ((دامت بركاتهم))

فكانت شهادة السيد الشهيد الصدر لهما قد جعل من يريد تقليده يرتب الأثر بالرجوع اليهما وأخذ الكبرى القائلة (بجواز تقليد الميت إذا كان أعلم من الأحياء والأموات) فصح حينئذٍ التقليد للسيد الشهيد (قده) وذلك بالرجوع اليهما في خصوص هذه المسألة , فإن صغراها ـ وهي تعين المجتهد الأعلم الميت ـ بيد المكلف وما ثبت له في الساحة الخارجية من كون السيد الشهيد (قده) هو الأعلم من غيره , وإن كل من عاصره قد زاحمه في التشخيص وكان له التقييم ,ثم إن الأمر إذا دار بين متيقن الأعلمية ومحتمل الأعلمية فيتمسك حينئذٍ بالمتيقن0

ويمكن أن يجاب عليه من جهة أخرى فأقول :ـ

إنهم قالوا (عمل العامي بلا تقليد باطل إلا أن يكون مطابقاً للواقع أو لفتوى من كان حجة عليه حال العمل )0

فأقول: إن الذي قلد وكان تقليده في بادىء الأمر خطئا بسبب خطأ البينة ثم بعد ذلك, انكشف له خطأ البينة وكان من المفروض أن يقلد (الأعلم) ثم توفى (الأعلم) قبل انكشاف خطأ البينة فعلى هذا يكون حال العمل (المتوفى الأعلم )هو حجة عليه وإن لم يقلده 0

أو بتعبير أخر إن التقليد الحقيقي كان المفروض أن يكون إلى (فلان المتوفى) فحين إذن الرجوع إليه الآن في التقليد يعتبر تقليد استدامة وليس ابتداءاً على هذا القول وذلك لأن حال العمل كان قول الميت حجةً عليه 0

ويمكن الجواب على نحو العموم من إن مسألة تقليد الميت بقاءاً وابتداءاً محل أنظار كثير من الباحثين , وقبل الدخول في هذه المسألة يمكن بيان الأصل الجاري.

فأقول: إن مقتضى الأصل إذا شككنا ولم نجد دليلاً لفظياً أو لبٌياً على عدم الجواز , لأن حجية قول الحي معلومة ,أما تعيينً أو تخييراً .وحجية قول الميت مشكوكة والأصل عدمها0

هذا إذا لم يحتمل حجية قول الميت تعييناً ,وإلا إذا احتمل التعيين في كل واحد منهما بواسطة كون الميت أفضل مثلاً فلأصل حينئذ التعيين ,إن قلنا بمبنى تقديم الأفضل على المفضول , أو لم نقل به فيكون الأصل هو التخيير , لأن المفروض إن المورد مورد اختلاف الفتوى ولايمكن العمل بكليهما , وكذا لو فرض كون الحي فاقد لشرائط التقليد الأخرى فحينئذ يلزم القول بالأصل التعييني في حق الميت.

ثم إن وظيفة العامي في هذة المسألة إن أدى نظره واجتهاده المعتبر في نظره إلى شيء اخذ به وألا قلد فيها من هو المتيقن عنده صحة تقليده فيها مع تمكنه من الرجوع إليه ولا يصغى لما ذكر من الرجوع إلى الحي لأنه قدر متيقن عنده إذ من المحتمل إنه لم يكن قدراً متيقناً عنده , فالحق انه يلزم اجتهاده فيها بنحو يرى تقليد الميت صحيحاً , وإن عجز رجع لمن يعتقد بصحة تقليده فيتبع فتواه كما شأن سائر المسائل.

ومن تلك المصاديق التي يمكن القول بتعيين الأخذ بقول الميت ما إذا قلنا بشرط الأعلمية فان هذا الشرط يرفع الخصوصية عن كونه حياً أو ميتاً فحينئذ يدور الكلام مدار وجود الأعلم وعدم وجوده ,يمكن أن يؤيد هذا الكلام بما قاله المحقق الأصفهاني (قدس) على ما ذهب إليه في تقريرا ته حيث قال :

نعم بناء على ما سلكناه أخيراً في تقريب حكم العقل بتعيين الأعلم يلزم القول بتعيين الأعلم وإن كان ميتاً ,وبالتخيير بين الحي والميت مع عدم التفاضل ,إذ بناء على هذا الوجه لاتعين للحياة أصلاً0

فأما أن نقول باشتراط الحياة فلا تعيين الأعلم إن كان ميتاً وأما أن لا نقول باشتراطها فلا يتعين الحي وان لم يكن هناك اعلم ,بل بتخيير بين الحي والميت,فالتفضيل بين ما إذا كان الميت أفضل فبتعين الميت و إلا فتعين الحي بلاوجه0[1]

قد يدعى من أنه لافرق بين كون الميت أفضل من الحي وعدمه ,بقولهم أن فتوى الأفضل أقرب إلى الواقع من فتوى غيره , ولا يعقل التفاوت في الأقربية بين الموت والحياة0

ويمكن ردها من كون المتبادر من فهم الأفضل وهو الأعلم فحينئذ يلزم منا التمسك في صورة العلم باعلمية أحدهما للزم الأخذ بمن كان معلوم الأعلمية دون غيره وذلك لوجهين:ـ

أولاً:ـ لقيام السيرة العقلانية على العمل بقول الأعلم في مورد المعارضة من غير الأعلم 0

ثانياً:ـحكم العقل بالأخذ بقول الأعلم لدوران بين التعيين والتخيير في الحجية ومحل التعيين هو تقليد الأعلم 0

مضافاً انه لاوجه للتمسك بإطلاق الأدلة لعدم أمكان شمولها للمتعارضين للتكاذب ولا لأحد هما لعدم المرجح فلابد لنا من الرجوع لما استقرت عليه السيرة المذكورة ومع عدم ثبوت السيرة المذكورة نرجع لحكم العقل0

س /ماهو حكم الأحكام الولائية بعد موت القائل بالولاية العامة؟

ج/ قول مشهور الفقهاء القائلين بالولاية ومنهم السيد الشهيد محمد الصدر (قدس) يقولون بسقوط الأحكام الولائية بعد موت المرجع القائل بالولاية العامة الأ أنه الأحكام الولائية تارة: تكون في عرضها فتوى فعندما تسقط الأحكام على قول القائل بالسقط ـ تبقى الفتوى سارية المفعول في حق المكلف المقلد له, مثال ذلك وجوب صلاة الجمعة بالوجوب التعييني كان في عرضها حكم ولائي فعندما يسقط الحكم الولائي بقيت الفتوى , لأن الغرض من وجود الحكم كان تعميمه إلى مقلديه وغيرهم 0

والأخرى: هو عدم وجود فتوى في عرض الأحكام الولائية ,فحينئذ سوف تخلو الواقعة من حكم فإما أن تملأ بحكم مطابق إلى الحكم السابق أو مخالف له وهذا بعيد وذلك لأن الحكم الأول قبل السقوط كانت مقدماته صحيحة وإلا كان من حق أي حاكم نقضه , لأن معظم الفقهاء يقولون(( بأن حكم الحاكم لا يحق لأي مجتهد نقضه إلا إذا كانت مقدماته خاطئه)) ,ثم إنه إذا لم يكن هنالك حكم يسد مسد الحكم السابق المتيقن حجية وبين خلو الواقعة من الحكم الشرعي والشك في الحكم المجعول فيتمسك بالمتيقن.





أما الجواب بالأسلوب الثاني عن جواز تقليد الميت إبتداءاً فأقول :ـ

أدلة القائلين بجواز تقليد الميت

استدل القائلون بجواز تقليد الميت مطلقاً واستمرارا , أمكن التوصل للحي أم لا, أفتى الميت بمضمون الأخبار أم لا ,بالأدلة الأربعة0

الأول :ـ الأدلة للمجوزين

لتقليد الميت مطلقاً آية النفر في سورة البراءة وهي قوله تعالى

((فلولانفروامن كل فرقة....لعلهم يحذرون)) فأن الآية ظاهرة في وجوب التفقه ووجوب الإنذار وهما يستتبعان وجوب الحذر والقول الشامل بإطلاقه لفتوى الحي والميت فأنه يصدق على الميت بلحاظ زمان حياته إنه أنذر بهذه الفتوى وحصل لمقلديه التخوف ولو بعد مماته فيجب إتباعه

وقد تمنع من ذلك, فلنفرض إن المجتهد قد أنذر في حالة حياته ولم يتبعه العامي عصياناً ثم بدا له بعد موته إتباعه فهل ترى عدم صدق الإنذار في مثله ويتم المدعى في الباقي بضميمة عدم القول بالفصل .

وقد أجيب عن ذلك, إن ظاهر الآية اختصاص الحكم بإنذار الأحياء لأن الحياة لها مدخلية في حقيقة الإنذار ,والأمر بالتفقه والإنذار متوجهان إلى الأحياء .

ويمكن الجواب عنه من أحد وجهين: ـ

أولاَ : من الواضح عدم مدخلية الحياة في حقيقة الإنذار وبقائه بعد الموت ألا ترى يصدق عرفاً ولغةً الإنذار على تهديد الميت وتحذيره لقومه أو أولاده بشيء يقع بعد مماته.

ثانياً: عدم صحة جعلهم الآية مورد من موارد الاستدلال بها على حجية الرواية فلو تم ماذكره لم يصح منه ومنهم الاستدلال بها على حجية الرواية في هذه العصور لأنه لابد وأن يكون في سلسلتها راوي ميت.

الثاني: الأدلة للمجوزين

ومن الأدلة على جواز تقليد الميت آية الكتمان وهي قوله تعالى

((إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب))

ثم يمكن القول بجعل هذه الآية دليل على جواز التقليد مطلقاً ومنه يستفاد الإطلاق وذلك لأنها غير مختصة بالأحياء بل تدل على وجوب القبول من الأموات والأحياء .

قد يقال:ـ إنه لا إطلاق لها بالنسبة إلى الميت إذ لا يعقل في حقه الكتمان .

قلت:ـ لأنه يتصور فيه الكتمان باعتبار زمان حياته فهي حيث دلت على إن هذا الميت يحرم عليه الكتمان حال حياته فتدل على وجوب قبول ما صدر منه حال حياته ولو بعد مماته .

اللهم إلا أن يقال إنه لا إطلاق في المداليل الإلتزامية بالنسبة إلى شيء من الأحوال لأن الاستلزام أمر معنوي كما نسب ذلك للشيخ الأنصاري (رحمه الله)



الثالث:ـ الأدلة للمجوزين

وهي آية السؤال وهو قوله تعالى : ((فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون))

بتقريب إن المراد بالسؤال هو الرجوع لهم لوضوح عدم إرادة خصوص الاستفهام بقرينة مناسبة الحكم للموضوع والكلام فيها مثل الكلام في الآية السابقة عليها.

وقد يقرب الاستدلال بها بأنه لو سأل ثم مات المسؤول قبل عمل السائل وأخذه بالسؤال فأن الآية تدل على جواز العمل بقوله ويتم في الباقي بضميمة عدم القول بالفصل .

الرابع: الأدلة للمجوزين

إطلاق مادل على الرجوع لمثل زكريا بن أدم وزراره ومحمد بن مسلم ,فأنه بإطلاقه يشمل الرجوع لهم أحياء أو أمواتاً ولذا أستدل بذلك على حجية روايتهم على من كان بعد زمانهم .

مضافاً على مادل على الرجوع للعلماء مثل مارواه البرقي في المحاسن عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وبقول العلماء فأتبعوا .

وما رواه الصدوق (رحمه الله) في كتاب الإكمال والغيبة والاحتجاج عن صاحب الزمان عليه السلام ,إما الحوادث الواقعة فأرجعوا فيها إلى رواد أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم .

قد يقال : إن المراد بالوقائع المرافعات ولا عموم فيها لكون اللام للعهد

قلت: هذا المدعى غير صحيح وذلك لوجود (إما) دون أن يقول والحوادث .ودخول اللام على الجمع يوجب الظهور في الاستغراق , سلمنا لكن لا خصوصية للحوادث المذكورة , مضافاً بأن التعليل بأنهم حجتي عليكم يقتضي العموم .

وما رواه الكشي وذكره الشيخ في الاختبار وهو إن أحمد بن حاتم بن ماهويه قال : كتبت إليه ـ يعني أبا الحسن الثالث عليه السلام ـ أساله عن أخذ معالم ديني, وكتب أخوه أيضاً (فكتب عليه السلام )

اليهما : فهمت ما ذكرتما فاعتمدا في دينكما على كل مسن في حبنا وكل كثير القدم في أمرنا فإنهم كافوكما إنشاء الله.

ومارواه الصدوق (ره) في علل الشرائع في الصحيح عن محبوب عن يعقوب السراج قال لأبي عبد الله (ع) : هل تبقى الأرض بلا عالم حي ظاهر يفزع إليه الناس في حلالهم وحرامهم؟

فقال: إذاً لا يعبد الله يا أبا يوسف. ورواه الصفار أيضاً في البصائر مع اختلاف يسير ومن تلك الرواية يستفاد منها الإطلاق ماروي عن إلإحتجاج الطبرسي وعن تفسير العسكري عن الرضا عليه السلام:

إن الرجل كل الرجل هو الذي جعل هواه تبعاً لأمر الله وقواه مبذولةً في رضا الله يرى الذل مع الحق أقرب من العز في الباطل إلى أن قال : فذلكم نعم الرجل فتمسكوا بسنته ,الخبر.

الخامس: الأدلة للمجوزين

مارواه المشائخ الثلاثة في الغيبة وإكمال الدين والاحتجاج في التوقيع الشريف لإسحاق بن يعقوب والتي يمكن القول في حقها إنها مقطوع بها أو كالمقطوع .

وهي : وأما الحوادث الواقعه .. وأنا حجة الله .. ووجه الاستدلال إنه عليه السلام أمر بالرجوع اليهما سواء كانوا أحياء أو أمواتاً لاسيما وقد شبه حجية قولهم بحجية نفسه الزكية (ع) , ولذا نجدهم يستدلون بها على حجية الرواية حتى إذا كان الراوي ميتاً .

السادس: الأدلة للمجوزين

ماحكي عن الاحتجاج عن تفسير الإمام العسكري من قوله عليه السلام في حديث طويل ( فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه ).

ووجه الدلاله إن الإمام عليه السلام كان في مقام بيان صفات المفتي ولم يذكر فيها الحياة وذلك يقتضي عدم اعتبارها .

قد يقال: بأن الخبر ضعيف , إنما يصلح للتأييد به لا التمسك به .

قلت : إنه موثوق الصدور لأن إمارات الصدق ظاهرة عليه مع اشتهاره واعتماد جملة من العلماء عليه فيصح التمسك به .

وقد يورد عليها:ـ

أولا: بأن مورد هذا الكلام هو إصول الدين وهو النظر في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعجزاته ,ولاشك إن التقليد لا يجوز في ذلك , فلابد أن يكون مراد الإمام (ع) بالتقليد غير هذا المعنى.

( ولا يخفى مافيه) فأن موردها مطلق الأحكام وكان ذكر أمر الرسول (ص) ومعجزاته من باب زيادة النقد على اليهود وإنهم يتبعون فساق علمائهم حتى في هذا الأمر البين الواضح حيث قال تعالى ((مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً بأس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين).

وثانياً: بما في الوسائل ماحاصله من إنه لا يجوز الاعتماد عليها لضعف سندها بإلأرسال إذ التفسير المذكور لم يثبت تواتره عن العسكري عليه السلام ولانقله عنه على وجه يعتمد عليه واحتمل حملها على التقيه وقال أيضاً , إنها معارضه بمتواتر قطعي السند .

ويمكن أن يقال : إن ضعف سندها مجبور بعمل معظم الأصحاب إلى جواز التقليد واستنادهم إليها, واحتمال العمل على التقية فمدفوع بالأصل ولو لا الأصل لأرتفع الوثوق بأكثر الأخبار.

وأما دعوى كونها معارضة بالمتواتر فممنوعة, فإن المقطوع به عدم التواتر في منع التقليد في الفروع , إلا أن يكون المراد به العموميات المانعه من التقليد أو العمل بغير العلم وهي لا تصلح للمعا رضه لأن الرواية أخص منها .

ونظير ذلك قوله (ع) (من عرف أحكامنا ونظر في حلالنا وحرامنا) فإنه يشمل الحي والميت .

السابع: الأدلة للمجوزين

قول العسكري عليه السلام في كتب بني فضال ( خذوا ما رووا وذروا ما رأوا) فانه لوكان تقليد الميت حرام لما احتاج الإمام عليه السلام إلى هذا الكلام لأنه يحرم على من كان بعده أن يأخذ برأي كل أحد مضافاً إلى إن تخصيص عدم الأخذ برأيهم فقط دون من عداهم يدل على جواز الأخذ برأي من عداهم بعد موتهم ـ هذا مع القول بعدم الفرق بين ثبوت الحجية للراوي والمجتهد ـ والا لمنع الإمام من الأخذ بكل رأي أحد بعد الموت.

قد يقال إن المراد المنع من آرائهم الإعتقادية .

قلت: لاوجه له بعد عموم المنع وعدم تقييده .

إن حرمة تقليد الميت ليست من المسائل البديهية حتى الإمام (ع) يعتمد عليها في بيان عدم الأخذ بآراء بني الفضال . واللقب والوصف ليس بحجة حتى تدل الرواية بمفهومها على جواز الأخذ برأي صحيح العقيدة .

عن كتاب الغنية بسنده الصحيح إلى عبد الله الكوفي خادم الشيخ أبي القاسم بن الروح الذي هو أحد النواب الأربعة حين سأله أصحابه عن كتب الشلمغاني بعد ارتداده ؟فقال الشيخ

أقول فيها ما قاله العسكري (ع) في كتب بني الفضال حيث قالوا (ما نصنع بكتبهم وبيوتنا منها ملاء؟)

فقال : (خذوا ما رووا وذروا ما رأوا )

فإن النهي عن الأخذ بآراء بني فضال مع ترك الإستفصال بين الأخذ الابتدائي والاستمراري يدل بعمومه على اعتبار الإيمان مطلقاً .

والمناقشة في سندها بعبد الله الكوفي بأنه مجهول الحال .

مدفوعة بأنه يكفي في مدحه كونه خادم الشيخ فيكون حسناً .

والمناقشة في دلالتها بأن المراد بما رأوا الاعتقادات الفاسدة , يدفعها الإطلاق فيشمل الفتوى مع إنه خلاف الظاهر إذ لا يتوهم وجوب الأخذ بالعقائد الفاسدة .

الثامن: ألأدلة للمجوزين

ما ورد في كتاب يونس بن عبد الرحمن المسمى بيوم والليلة عن أبي الحسن (ع) بعد أن نظر فيه وتصفحه قال (هذا ديني ودين آبائي)

قال الفاضل التوني والظاهر إنه كتاب فتوى فحصل تقرير الإمام (ع) على تقليد يونس بعد موته , وبأن الصدوق رحمه الله صرح بجواز العمل بما فيه الفقيه مع إنه كثيراً ما ينقل فيه فتواي أبيه. وبما روي من أمرهم بالرجوع إلى بن مسلم ويونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان كما هو المحكي عن تراجمهم في الكشي , وتخصيص ذلك بحال الحياة دون الممات يحتاج الى دليل بطبيعة الحال.

قد يقال بأن الكتاب المذكور كان كتاب أخبار ولهذا عد من الأصول الأربعمائة وهذا هو الغالب في مؤلفاتهم ولم يتحقق إلى الأن إن أحد من أصحاب الأئمة ألف في زمانهم عليهم السلام كتاب فتوى إلا إن يشتمل عليها مع أدلته .

قلت هذا الكلام لايمكن التعويل عليه وذلك لعدم وجود ما تخصيص المدعى , مضافاً على كون أكثر الأصحاب الذين ورد توثيق بهم قال الإمام عليه السلام في حقهم أفقهًم ..... الخ , أحب أن يفتي ......الخ

من العبارات التي تنبأ عن فقاهة بعض الأصحاب فحين إذٍ لا يستبعد كون ذلك الكتاب كتاب فتوى .

وأما قوله : إلا أن يشتمل عليها مع أدلتها ,هذا بنفسه يصلح أن يكون دليل عليه من كون الفتوى الموجودة مع الدليل لا يضر في أصل الفتوى بل هو المتعارف في هذه الأزمنة وغيرها .

قد يقال : إن شهادة الإمام عليه السلام في صحته وجب كونه بمنزلة الخبر الواحد الصادر عنه عليهم السلام إلا أنه يجوز للعامي العمل به فأنه يكون نظير الخبر المقطوع الصدور فأنه لا يجوز للعامي أن يأخذ به وإنما يجوز ذلك للمجتهد .

وأما ما قاله الشيخ الصدوق(ره) لعله من جهة إن فتاوى أبيه بمنزلة متون الأخبار .

قد يقال: إن الأمر بالرجوع إلى أبان بن تغلب وغيره إنه ظاهر بالرجوع اليهم في زمان الحياة دون الممات لاسيما بقرينة السؤال .

قد يجاب عنه: من إنه لا ظهور في ذلك , ولذا تمسك بعضهم على حجية الخبر به مع إنه حجةً حتى بعد الممات .





التاسع: الأدلة للمجوزين

ما قاله المحقق القمي (قدس) وحاصله إن قول الميت مفيد للظن وكل ما يفيد الظن فهو حجة ,أما الصغرى فوجدانية ,وأما الكبرى فلتمامية مقدمات دليل الانسداد من كون التكاليف باقية وباب العلم بها منسد على العامي في هذه الأزمنة وليس له طريق شرعي إليها لأن الدليل على التعبد بالتقليد مفقود بالنسبة إلى العامي إذ الأدلة اللفظية من الكتاب والسنة غير واضحة الدلالة لديه لما فيهما من المناقشات وعدم معرفته الصحيح من الفاسد ,والأدلة اللبية من الإجماع والضرورة والسيرة غير ثابتة لأن السلف المعاصر للإمام (عليه السلام ) كان باب العلم في حقهم مفتوحاً وكانوا يعملون به , و الإجماع موهون بخلاف حملة من الأصحاب كفقهاء حلب و الإخباريين و الاحتياط على العامي يستلزم العسر و الحرج المعلوم انتفائها في الشريعة بالضرورة فلا مناص للعامي بعد هذا إلا الاعتماد على الظن في الخروج من عهدة التكاليف , فالتقليد يكون اعتباره في حق العامي من باب الظن الثابت اعتباره من باب الانسداد و لا فرق في نظر العقل بين الحاصل من قول الحي و الميت إذ المناط واحد بل قد يكون الظن الحاصل من الثاني أقوى و عليه فيجب أتباعه لأنه أقرب إلى الواقع .

يمكن مناقشة هذا الدليل من عدة جهات أهمها .

1- الاختلاف في مستند التقليد قال من باب الانسداد , بل هو من باب الفطرة و السيرة و الآيات و الأخبار .

2- لان لو سلّمنا المبنى فان مقدمات باب الانسداد غير تامة ويجدر بنا هنا أعطى فكرة موجزة عن مقدمات الانسداد , حيث إن دليل الانسداد هو مركب من مقدمات خمس.

الأولى: العلم الإجمالي بوجود تكاليف كثيرة في دائرة المشتبهات و محتملات التكاليف الإلزامي .[2]

الثانية : انسداد باب العلم و العلمي إلى معظم الأحكام .

الثالثة : عدم جواز إهمال الوقائع و ترك التعرض لها, و الرجوع إلى البراءة الأصلية وإجراء أصالة عدم التكليف المشكوك فيه الإلزامي .

الرابعة : عدم جواز الرجوع إلى الوظائف المقرّرة للجاهل, سواءً المختص بالمجتهد الجاهل.وهو الرجوع في كل مسألة إلى الأصل الجاري فيها.البراءة و الاستصحاب و التخيير, الاحتياط – أو المختص بالعامّي – و هو التقليد أو المشترك بينهما وبين الاحتياط في جميع الوقائع المشتبهة .

الخامسة : أن ترجيح المرجوح على الراجح قبيح : و هو أن يأخذ بالمشكوكات و الموهومات و يترك المظنونات.

و معلوم: أنه لو تمت هذه المقدامات لأنتجت وجوب العمل على طبق مطلق الظن بالحكم الإلزامي ,ولزوم الآخذ به , و ترك العمل بالمشكوك و الموهوم , و هو المدعي في المقام .

فنقول إما المقدمة الأولى : فثبوتها واضحة , و غني عن البيان , فإنّ كل مجتهد يعلم علماً قطعياً أنّ أحكام الشريعة و الدين ليست منحصرة بهذه الأحكام القليلة المعلومة تفصيلاً , خصوصاً بعد ما يراجع الأخبار المشتملة على الأحكام الإلزامية وفتاوى الفقهاء أيضاً كذلك.

يمكن أن يقال أنها ليست مقدمة في عرض سائر المقدمات , و يتم دليل الانسداد بدونها , و أن ماهي دليل من أدلة ما يقال في المقدمة الرابعة من عدم جواز الرجوع إلى الأصول النافية و كذلك ما يقال في المقدمة الثالثة من بطلان الرجوع إلى البراءة .

وأما المقدمة الثانية :ـ أي انسداد باب العلم والعلمي إلى معظم الأحكام . فبالنسبة إلى انسداد باب العلم إليه أيضاً معلوم , وذلك لقلة المعلوم بالتفصيل من الأحكام الكثيرة الثابتة في الشريعة وأما بالنسبة إلى انسداد باب العلمي إليه فلا, وذلك لحجية الخبر الوثوق بالصدور , ولو لم يكن الراوي عدلاً ,بل ثقة0

وبعبارة أخرى إن استقرار سيرة العقلاء وبناؤهم على العمل بالخير الذي يثقون بصدوره سواء حصل الوثوق بالصدور من عدالة الراوي , أو كونه ثقة , أو من عمل الأصحاب , ولو لم يكن الراوي عدلاً أو ثقة0

ومثل هذا الخبر كثير وافٍ بحمد الله بمعظم الفقه , لأن الأصحاب قديماً وحديثاً عملوا بأغلب الأخبار المشتملة على الأحكام الشرعية الموجودة في الكتب المعتبرة عندهم .

نعم. لوقلنا بحجية خصوص خبر العدل , بل الثقة أيضاً لما كان وافياً بمعظم الفقه والأحكام , لقلتهما من جهة أن معنى حجية خبر العدل أو الثقة كون جميع الوسائط عدلاً أو ثقة لا بعضها , وذلك من جهة أن النتيجة تابعة لأخس المقدمات

فلو كان جميع الوسائط عدلاً أوثقة ,ماعدا واحد منها فليس ذلك خبر عدل أوثقة فيكون خبر العدل والثقة بهذا المعنى قليلاً جداً , ولا يفي بمعظم الفقه فيكون باب العلمي منسداً إلى معظم الأحكام0

وحيث لا نذهب إلى القول الثاني بل إلى الأول القائل بحجية الخبر الوثوق الصدور وذلك لسيرة العقلاء وبنائهم على ذلك , وهو وافٍ معظم الفقه فالمقدمات غير تامه فلايمكن تحصيل تلك النتيجة المطلوبة بها , أي حجية مطلق الظن .فأغلب المباحث التي ذكروها في دليل الانسداد صرف فرض ويكون البحث على تقدير تمامية المقدمات0

ثم أنه يمكن ذكر كلام السيد الشهيد أبي جعفر (قدس) بخصوص المقام حيث يقول أن باب العلم والعلمي ليس منفتحاً في جميع الأحكام الشرعية حتى عند أوسع الناس مذاقاً في باب الحجية , كأن يقول بحجية الخبر والشهرة والإجماع المنقول , ونحو ذلك من الأمارات ,كما لا إشكال في أن باب العلم والعلمي ليس منسداً في جميع الأحكام الشرعية حتى عند أضيق الناس مذاقاً في باب الحجية ,

أما العلم فموجود بالنسبة لجملة من الأحكام القطعية الثابتة جزمأ في الشريعة الإسلامية . وأما العلمي فأيضاً كذلك إذ لا أقل من حجية الظن القوي الواصل إلى مرتبة الاطمئنان وهذا موجود في بعض الأحكام التي تظافرت عليها الأخبار بدرجة أوجبت الأطمئنان0

إذن فليس الانسداد المطلق صحيحاً ولا الانفتاح المطلق صحيحاً[3]

وإنما عقدت هذه المقدمة لبيان أنه هل يكون باب العلم والعلمي منفتحاً بدرجة تضر بغرض من يتمسك بدليل الانسداد أو لا؟

ويمكن الجواب عن تلك الحالة

ثم إنه ذكر (قدس) وعمن لما يتبناه من عدم الانفتاح المطلق وكذا الانسداد حيث قال :ـ

فإن لاحظنا باب العلم الوجداني فلا إشكال في إن مقدار العلوم بالعلم التفصيلي من الأحكام ليس بمقدار يضر وحده بغرض الانسدادي , فأن ذلك لا يعدو ضروريات الدين وماكان ثابتاً بدليل قطعي سنداً ومتناً ودلالة , ومثل هذا قليل جداَ , ولو ضم إلى المعلومات التفصيلية ...من المعلومات بالعلوم الإجمالية الصغيرة جاء احتمال وفاء ذلك بالمقدار المضر بغرض الإنسدادي , ولكن لا يبعد عدم الوفاء بذلك أيضاً في مثل زماننا ولو فرض وفاءه بذلك في أعصر سابقة كعصر السيد المرتضى (قدس) فإن طول الزمان له أثر في دائرة انفتاح العلم وحدوده0

وإن لاحظنا باب العلمي فإن فرضنا أنه ثبتت عندنا حجية خبر الواحد والظواهر . كما هو الصحيح .فباب العلمي مفتوح بالدرجة التي تضر بغرض الآنسدادي من دون فرق الإنسدادي بين أن نقول بأن ملاك حجية خبر الواحد هو وثاقة الراوي أو موثوقية المضمون فعلى كلا التقديرين يوجد العدد الكافي الموجب لرفع المانع عن جريان الأصول المؤمنه في غير موارد تلك الأخبار 0

وإن فرضنا أنه لم يثبت لدينا حجية خبر الواحد ولا الظهور , فمن الواضح أن باب العلمي يكون منغلقاً في المقام , إذ لا يبقى لدينا علمي عدا الاطمئنان الشخصي وهو قليل لا يضر بغرض الأنسدادي0

وأما إن قلنا بحجية أحدهما دون الأخر , فعندئذ إن كان المانع عن جريان البراءة هو العلم الإجمالي , فالظاهر أن هذا لا يوجب رفع المانع , فالظاهر القطعية الصدور وحدها لا تكفي لأننا نعلم إجمالاً بوجود أحكام إلزامية كثيرة أخرى في ضمن أخبار الوسائل غير المتواترة وأخبار الآحاد المعتبرة الصريحة وحدها أيضاً لا تكفي لأننا نعلم أن كثيراً من الظواهر الإلزامية مقصودة واقعاً فلا بد من حجية خبر الواحد والظهور معاً كي يؤدي إلى إبطال غرض الإنسدادي .

نعم ما يذكر من المانعين الآخرين عن جريان البراءة غير العلم الإجمالي , وهو الإجماع ومحذور الخروج عن الدين لا يبعد إرتفاعهما بحجية أحد الأمرين أعني الظهور وخبر الواحد بان يقال إن الإنسان لوعمل بتمام ما دلت عليه ظواهر الآيات والسنة المتواترة أو بتمام الأخبار المعتبرة الصريحة , وأضافها إلى القطعيات لم يبق قطع ضروري له بعدم رضا الشارع بإجراء الأصول المؤمنة في الأطراف الأخرى ولاقطع له بالإجماع أيضاً0

(دعوى) إن الإجماع المحكي والشهرة على عدم جواز تقليد الميت يفيدان الظن بعدم جواز الاعتماد على قول الميت في الفروع0

(فاسدة) إذ بعد تسلم انعقاد الإجماع في مثل هذه المسألة التي لم تكن متداولة في زمان المعصوم (ع) وإفادة المنقول منه كالشهرة الظن.

حينئذ لا ترجيح لهذا الظن بالنسبة إلى الظن الحاصل في المسألة الفرعية لو لم نقل بأن الظن بالواقع أقوى لأن المقصود هو الوصول على الواقع.

وأما المقدمة الثالثة:ـ أي عدم جواز إهمال الوقائع والرجوع الى البراءة الأصلية , أي أصالة العدم .فقد ذكروا لإثباته وجوه:ـ

الأول : الإجماع على عدم الإهمال والإجماع على قسمين ,تحقيقي وتقديري.

1- معلوم تحقيق الاتفاق بالفعل من الكل أو الجل في مسألة معنونه 0

2- هو الاتفاق التقديري في مسألة غير المعنونة عند الأكثر أو في الإعصار السابقة . والمراد بالاتفاق التقديري هو أن المسألة لو كانت معنونة في كلامهم لما كان يخالف أحد منهم.وفيما نحن فيه , الإجماع المدعى من القسم الثاني , لعدم تعنون هذه المسألة في كلام القدماء .نعم لو كانت المسألة معنونة عندهم لما كان أحد منهم يقول بجواز إهمال الوقائع وعدم التعرض لها. وهذا هو الإجماع التقديري.

ويمكن القول بأن هذا الإجماع لا يجد نفعاً في المقام لأنه مخدوش فيه صغرى وكبرى , أما الصغرى , فلعدم وجوده خارجاً.

وأما الكبرى , فلعدم كونه من الإجماع الأصولي الذي يكون كاشفاً قطعاً عن قول المعصوم عليه السلام وعلى فرض ثبوت الصغرى يكون من الإجماع المدركي.

الثاني :ـ الخروج عن الدين بمعنى التارك للتعرض للوقائع المشتبهة , والذي يهملها ولا يعتني بها ويجري البراءة الأصلية في جميعها يكون في مقام العمل كغير المتدين بهذا الدين . وأن كان معتقداً به, لقلة الأحكام المعلومة بالتفصيل في فرض انسداد باب العلم والعلمي إلى معظم الأحكام ولاشك في أن هذا المعنى مرغوب عنه شرعاً . ولا يجوز لمسلم أن يأخذ هذه الطريقة.

الثالث:ـ المخالفة القطعية الكثيرة . بمعنى أن إهمال الوقائع وعدم التعرض لها والرجوع إلى البراءة الأصلية مستلزم لها. وذلك يتضح بأدنى تأمل , لقلة المعلومات بالتفصيل وكثرة التكاليف الإلزامية بين المشبهات.

لا يقال إن منشأ ذلك هو العلم الإجمالي بوجود تكاليف كثيرة بين المشتبهات. فأنه يقال إن هذا محذور مستقل.ولولم نقل بأن العلم الإجمالي منجز للتكليف المعلوم الإجمال وهو المنسوب إلى المحقق الخوانساري والمحقق القمي (قدسهم) .

فليس كون المخالفة القطعية الكثيرة محذوراً وأمرا مرغوباً عنه شرعاً تابعاً لتأثير العلم الإجمالي وعدم جريان الأصل النافي المخالف للمعلوم بالإجمال في أطرافه بل هو نفسه محذور عند الجميع.[4]

الرابع :ـ العلم الإجمالي بوجود تكاليف فعلية كثيرة إلزامية في دائرة المشتبهات . وهذا العلم الإجمالي يمنع من إجراء أصالة العدم في الوقائع المشتبهة . والرجوع إلى البراءة الأصلية ببناء على ماهو التحقيق من تأثير العلم الإجمالي في تنجز المعلوم بالإجمال وعدم جريان الأصل المرخص المنافي مع المعلوم بالإجمال في الأطراف .

ولايمكن إنكار هذا العلم الإجمالي , لأن ثبوته في دائرة المشتبهات من الواضحات ومدارك هذه المقدمة ـ أعني الإجماع التقديري والخروج من الدين والمخالفة القطعية الكثيرة ـ كلها ثابتة وكلها(دالة على عدم جواز إهمال الوقائع.

نعم في كون الإجماع دليلاً ومدركاً كلام . وهو أن الإجماع الذي يكون دليلاً ومدركاً هو فيها إذا لا يكون المجمعون متكئين على مدرك .

وفيما نحن فيه ليس كذلك , لأن بعض من يقول بعدم الجواز الإهمال يقول به للعلم الإجمالي والآخرون لوجوه أخر. فليس هذا الإجماع من الإجماع الاصطلاحي في قبال سائر المدارك الثلاثة الأخر , مضافاً إلى أنه لايمكن استكشاف رأي المعصوم عليه السلام من الإجماع التقديري .

ثم أنه باختلاف مدارك هذه المقدمة تختلف نتيجة مقدمات الانسداد أعني حجية الظن من حيث الكشف والحكومة والتبعيض في الاحتياط , فمن يقول بأن مدرك هذه المقدمة هو الإجماع والخروج عن الدين يلزمه أن يقول بالكشف ومن يقول بأن المدرك هو العلم الإجمالي فيمكن أن يقول بالكشف , ويمكن أن يقول بالتبعيض في الاحتياط.

أو بعبارة أخرى أنه لوكان المدرك الإجماع أو الخروج عن الدين فمعناه أن الشارع لا يرضى بالإهمال , فلا بد له أن ينصب طريقاً إلى تلك الأحكام التي موجودة في دائرة المشتبهات . وليس المورد الإيكال إلى حكم العقل , لأن العقل لا يحكم بالاحتياط إلا في مورد تنجز الحكم بالعلم الإجمالي.

وفي المفروض , حيث إنه ليس علم إجمالي في البين حسب الفرض , لأن المفروض أن المدرك لعدم جواز الإهمال هو الإجماع والخروج من الدين لا العلم الإجمالي فلاحكم للعقل , فلابد للشارع من نصب طريق واصل بنفسه , أو واصل بطريقة لأن جعل الطريق غير الواصل بنفسه ولا بطريقه كالعدم , ولا فائدة فيه أصلاً .

والطريق الواصل بنفسه في تلك الحالة ليس إلا الاحتياط ,لأن العقل بعدمــا

حكم بأنه على الشارع أن ينصب طريقاً إلى أحكامه الموجودة في دائرة المشتبهات لا يرى في تلك الحالة ـ أي حالة انسداد باب العلم والعلمي إلى معظم الأحكام ـ طريقاً واصلاً إلى المكلف بنفسه , أي بلا واسطة إعمال مقدمة أخرى, إلا الاحتياط في جميع المشتبهات , فأن الاحتياط هو الطريق إلى حفظ الأحكام الواقعية وملاكاتها ,بإتيان جميع ماهو محتمل الوجوب وترك جميع ماهو محتمل الحرمة .فإذا جاء الدليل على عدم جواز الاحتياط أو عدم وجوبه يستكشف العقل أن ذلك الطريق المنصوب من قبل الشارع ليس هو الاحتياط.

وليس في نظر العقل فح طريقاً واصلاً إلى المكلف إلا الظن ,لأن جعل الشيء المجهول طريقاً لا فائدة ولا ثمرة فيه ,وجعل الشك والوهم ترجيح المرجوح على الراجح فلا يبقى إلا الظن .فهو طريق واصل بطريقه, أي بعد بطلان كون الاحتياط التام طريقاً بواسطة الدليل على ذلك أو بواسطة هذه المقدمة0

وأما المقدمة الرابعة :ـ

أي عدم جواز إلى الرجوع إلى الوظائف المقررة للجاهل ـ وهي ثلاثة : التقليد , والرجوع في كل مسألة إلى الأصل الجاري فيها ,والاحتياط التام في دائرة المشتبهات , بأن يأتي بكل ماهو مظنون الوجوب أو مشكوكة أو موهومه , ويترك جميع ماهو محتمل الحرمة , من مظنونها أو موهومها .

وأما احتمال أن يكون المرجع له القرعة , كما ذكره بعض فمما لا ينبغي المصير إليه , للإجماع على عدم حجيتها في معرفة الأحكام المجهولة ,أو قل إن قاعدة القرعة لاتجري في الشبهات الحكمية , بل تجري في خصوص الشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الإجمالي الذي لا يتطرق فيها الاحتياط.

والأول ـ أي التقليد ـ لا يجوز , لأن عمدة دليل التقليد هو بناء العقلاء بل حكم الفطرة على الرجوع الجاهل إلى العالم , والأدلة الشرعية أيضاً ـ على فرض تماميتها ـ ناظرة إلى هذا المعنى , ومعلوم أنه في المقام يرى المجتهد , الذي يرى انسداد باب العلم والعلمي إلى معظم الأحكام نفسه عالماً , وغيرة ممن يرى الانفتاح جاهلاً ومخطئاً , فكيف يرجع إليه , وهل رجوعه إليه إلا رجوع العالم إلى الجاهل عنده وفي نظره؟!

والثاني :ـ أي الرجوع إلى الأصل الجاري في نفس المسألة ـ لا يجوز الرجوع إلى النافي منها بواسطة العلم الإجمالي بوجود تكاليف إلزامية في مواردها , لأنه , لأنه يلزم من أعمالها المخالفة القطعية ,للعلم بثبوت التكاليف في مواردها .

وأما المثبت منها , أي أصالة الاحتياط في موارد العلم الإجمالي في نفس المسألة , مثل العلم الإجمالي بوجوب صلاة الظهر أو الجمعة في عصر الغيبة أو الإستصحابات المثبته , فلعدم كفايتها لأجل انحلال العلم الإجمالي المتعلق بوجود تكاليف كثيرة في دائرة المشتبهات والمحتملات . من المظنونات والمشكوكات والموهومات,ولو بضيمة ما علم تفصيلاً.

وذلك كثرة التكاليف المعلومة إجمالاً وقلة الأصول المثبته , لأن موارد الاحتياط في نفس المسألة مع موارد الاستصحاب المثبت لتكليف الشبهات الحكميه والتي هي محل الكلام قليلة جداً .بخلاف التكاليف المعلومة بالإجمال في دائرة المحتملات , فأنها أكثر منها بكثير.

فلا يبقى ثمرة الرجوع إلى الأصل الجاري في نفس المسألة . ويبقى العلم الإجمالي بحاله. وأما ما أفاده شيخنا الأعظم الأنصاري (قدس) من أن الرجوع إلى الأصول المثبتة , من الاحتياط الشخصي والاستصحاب المثبت للتكليف بواجب العسر والحرج , فغير تام , وذلك لقلة موارد هما.

نعم , ما أفاده يتم في الاحتياط التام الكلي في جميع موارد المحتملات , من مظنون التكليف الإلزامي وشكوكه وموهومه.

إن قلت أليس الشيخ الأنصاري (قدس) يقول بجريان الأصول المثبتة من الاستصحاب والاحتياط في الموارد الشخصية في فرض انفتاح باب العلمي بل قاطبة الأصوليين يقولون بذلك .فكيف يدعي أنه يلزم من الرجوع إليها العسر والحرج؟

قلت , فرق بين صورة الانفتاح والانسداد ففي صورة الانفتاح لا يبقى مجال لجريان أغلب الأصول المثبته , لوجود الدليل , أي الخبر الموثوق الصدور على خلافها.

وقد أفاد صاحب الكفاية (قدس) في هذا المقام أن العلم الإجمالي بوجود تكاليف إلزامية في دائرة المشتبهات ينحل بواسطة جريان الأصول المثبته ,أعني استصحاب المثبت للتكليف وأصالة الاحتياط الشخصي بواسطة العلم الإجمالي في نفس المسألة .

كمثال الظهر والجمعة ,منظماً إلى ما علم به تفصيلاً من الأحكام .فلا يبقى مانع عن جريان الأصول النافية ,وأيضاً لا يبقى وجه للاحتياط التام في دائرة جميع ماهو محتمل التكليف الإلزامي . فالمقدمة الثالثة أيضاً غير تام([5])

ولكن أن عدد المعلوم بالإجمال أكثر بكثير من عدد ما يثبت بالأصول المثبتة منظماً إلى ما علم به تفصيلاً من الأحكام .فكيف يمكن الانحلال , لأن الانحلال متوقف على أن يكون الحكم المنجز في بعض أطراف العلم الإجمالي بقدر المعلوم بالإجمال , بحيث يكون انطباق المعلوم بالإجمال عليه محتملاً.



ثم إن ما أفاده صاحب الكفاية (قدس) من أن العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة في بعض مؤديات الأصول المثبتة للتكليف لا يضر بإجراء تلك الأصول ولو قلنا بعدم إجرائها فيما إذا علمنا بانتفاض الحالة السابقة في بعض أطراف العلم الإجمالي في سائر المقامات لمناقضة صدر الدليل مع ذيله في قوله (عليه السلام) : ((لا تنقض اليقين بالشك , ولكن انقضة بيقين آخر مثله ))أيضا غير تام.

لأن ما يذكر في وجه هذه الدعوى غير تام ,وهو أنه لابد من جريان الاستصحاب أن يكون الشك فعلياً ملتفتاً إليه . حتى يتوجه إليه خطاب (لا تنقض اليقين بالشك ).

وهكذا الأمر في جانب اليقين.

وفي المقام ليس كذلك , لأن استنباط المجتهد للأحكام يكون تدريجياً , فهو حين يستنبط حكم ليس متوجهاً إلى حكم آخر وغير ملتفت إليه , فهذا الاستصحاب الذي يكون هو بصدد جريانه لا يعلم تفصيلاً بانتقاض الحالة السابقة فيه . والإستصحابات الأخر ليس فعلاً وحال هذا الاستصحاب ملتفتاً إليه وليس متوجهاً إليه خطاب ( لا تنقض اليقين بالشك) إلا بالنسبة إلى هذا الاستصحاب , وهكذا الأمر في سائر الإستصحابات لكن يمكن القول بعدم تمامية هذه الدعوى , وعدم تمامية وجهها , وهو إن المجتهد قبل إجراء هذه الإستصحابات يعلم بانتقاض الحالة السابقة في بعض هذه الإستصحابات التي يجريها.

ومع هذا العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة كيف يمكن إجراؤها ؟

لا من جهة تناقض صدر دليله مع ذيله , كما توًهم , لأن المراد بقولة عليه السلام (ولكن انقضه بيقين مثله) هو اليقين التفصيلي بارتفاع الحاله السابقه أولاً, وعدم انحصار دليل الاستصحاب فيه ثانياً ,بل من جهة إن التعبد ببقاء الحالة السابقة في الجميع على إنه متيقن بالبقاء لا يجتمع مع العلم بعدم البقاء في البعض لأنه يوجب التضاد بين الإحراز التعبدي ببقاء المتيقن والإحراز الوجداني بعدم البقاء في بعض الأطراف . فمحصل ذلك إنه لا يجوز للمجتهد الذي انسد عليه باب العلم والعلمي في معظم الأحكام أن يراجع في كل مسألة إلى الأصل الجاري فيها كما لا يجوز أن يقلد غيره ممًن يرى الانفتاح.

أما بطلان الاحتياط التام بأن يأتي بجميع ماهو محتمل الوجوب ويترك جميع ماهو محتمل الحرمة .

فالدليل عليه هو الإجماع مضافاً إلى أن هذه المرتبة من الاحتياط ربما يوجب اختلال النظام, كما أن الاحتياط في دائرة المضنونات والمشكوكات دون الموهومات لا يوجب اختلال النظام , ولكن يوجب العسر والحرج ,والاحتياط في خصوص المظنونات لا يوجب شيئاً من ذلك .

والحاصل :ـ إن تقرير الإجماع على عدم وجوب الاحتياط ,أو عدم جوازه على وجهين :ـ

أحدهما :ـ قيام الإجماع على عدم جواز الامتثال الاحتمالي في معظم الأحكام , وإن بناء الشريعة على لزوم الإتيان بالواجبات وترك المحرمات بعنوانهما الخاص وبعد بلوغهما إلى مرحلة الإثبات بالعلم أو العلمي. فبناءاً على هذا الوجه لامناص إلا من القول بالكشف, لأن العمل بالظن الحرام المحتمل إلى مرحلة الإثبات بعلم أو علمي , فينفيه الإجماع .

ولافرق في ذلك ـ أي لأبدية القول بالكشف بناءاً على هذا الوجه من تقرير الإجماع ـ من أن يكون الوجه في المقدمة الثانية ـ أي عدم جواز إهمال الوقائع ـ أي واحدة من الوجوه الأربعة المتقدمة ـ أي الإجماع ,والعلم الإجمالي ,والخروج عن الدين ,والمخالفه القطعية الكثيرة ـ لأنه على جميع التقادير , لو لم نقل بالكشف يكون امتثالاً احتماليا منفياً بالإجماع , فلابد من القول بالكشف .

ثانيهما:ـ هو قيام الإجماع على عدم لزوم الجمع أو عدم جوازه بين المحتملات , بإتيان كل ماهو مظنون الوجوب أو مشكوكه أو موهومه وترك كل ماهو مظنون الحرمه أو مشكوكها أو موهومها ,فيختلف الأمر بالنسبة إلى الكشف , وتبعيض الاحتياط بعد الفراغ عن عدم إمكان ما يسمونه الحكومه في مقام الثبوت,فلا يبقى مجال للبحث عن إثباته .

فلو قلنا إن مدرك عدم جواز إهمال الوقائع هو العلم الإجمالي فلابد من القول بتبعيض الاحتياط .

فعلى ذلك إن مقدمات الانسداد غير تامه فحينئذٍ الدليل غير تام.

فحينئذ تبقى الأدلة المتقدمة تامة من جهة إثبات المدعى , والحمد لله رب العالمين



مكتب السيد الشهيد الصدر (قدس) في سورية

الشيخ خالد الكاظمي

السبت 10/محرم الحرام/1426



--------------------------------------------------------------------------------

[1] نهاية الدراية في شرح الكفاية /ج3/ص480

[2] قد ترك الشيخ الأنصاري (ره)هذه المقدمة ولم يذكرها في جملة المقدمات (راجع فرائد الأصول /183)

[3] مباحث الأصول للسيد كاظم الحائري (دام ظله) /ج2/ص656

[4]وقد صرح به جمع كثير ,حكى الشيخ الأنصاري (قدس) عباراتهم وتصريحاتهم في الفرائد /ج1/ص 187-188



([5]) كفاية الأصول /359



Ahmad Albhadele

mohamadamam@yahoo.com

www.mumehhidon.net
Syrei