الحسين عامل وحدة – هل استفدنا منه ؟
أرسلت في Monday, February 21



د.حسين ابو سعود

نعيش هذه الأيام الذكرى الأليمة لاستشهاد أبي الأحرار الإمام الحسين بن علي عليه السلام ، إذن نحن في شهر محرم الحرام ، شهر الفداء والتضحية والمظلومية ، وقد اجمع المسلمون إلا النزر اليسير بان الإمام الحسين

كان يمثل الحق وان يزيد بن معاوية يمثل الباطل . ولكن هل يختص الحسين بالشيعة فقط دون سائر المسلمين ، وهل يحق لجماعة ان تحتكر الحسين لنفسها ؟ وهل لجماعة أخرى ان تتقاعس عن الانتماء الى الحسين والافتخار به الى الدرجة التي نراها ؟ أقول ان الحسين ليس أمام الشيعة وحدهم ولا هو إمام السنة ولكنه إمام مفترض الطاعة للمسلمين اجمع وان خذلوه ، بل هو شخصية عالمية طالما أشاد بها علماء ومفكرون من مختلف الديانات ووقفوا أمامه إجلالا وإعزازا ، ولا اشك بان أهل السنة يعرفون قدر الحسين فهو سيد شباب أهل الجنة ولكنهم يختلفون مع الشيعة في كيفية إحياء الذكرى ويعارضون اللطم والتطبير الذي هو أصلا موضع خلاف بين الشيعة أنفسهم ، وهناك الآن صيحات تتعالى من داخل الشيعة أنفسهم تدعوا الى تصحيح المسيرة والاستفادة من نهضة الحسين بشكل فعال وعدم تفريغ الحركة من محتواها وتحويلها الى مجرد كرنفالات وطقوس ، فالامام عندما خرج لم يخرج أشرا ولا بطرا وإنما خرج لطلب الإصلاح في امة جده ، والأمة فيها سنة وشيعة وخوارج ، وقد كان في جيشه عليه السلام المسيحي والتركي والعثماني والعلوي ، اختلطت دماءهم الزكية على رمضاء كربلاء لتسجل أعظم ملحمة في التاريخ .
ويمكن لنا كمسلمين ان نجعل من الحسين عامل وحدة ونقيم الندوات المشتركة وندعو إليها السني والشيعي والزيدي والاباضي وحتى المسيحي واليهودي والهندوسي ونرقى بالحدث الى مستواه اللائق به ، فالحسين ليس البكاء البحت ولبس السواد وانما هو العمل والتضحية والفداء والعطاء ، وذرف الدموع السخينة مع أهميته لا يشكل إلا جانب بسيط من الملحمة مع انه ما بُـكي مثله في التاريخ ولا رُثي مثله احد أبدا ، ولكن هل تم الاستفادة من نوره كاملا ؟ ، أنا اشك في ذلك وارى بان الوقت قد حان لنستفيد من وقائع التاريخ لخير الأمة وليس العكس ونجعل من واقعة الطف عامل وحدة وننبذ الفرقة والخلاف ، كفانا تشتتا وتمزقا وتفرقا .
ان أروع ما يميز حركة الإمام الحسين عليه السلام كونها حركة سلمية وان سقط وأصحابه صرعى متضمخين بدمائهم الزكية وانه أعطانا درسا بليغا في حقن الدماء عندما رفض ان يبدأ القوم بقتال وعندما طلب من أصحابه ان يتخذوا الليل جملا ويأخذ كل واحد منهم بيد واحد من أهل بيته ويتركوه لوحده للطغاة لأنهم يريدونه هو ، وانه مستعد للشهادة والتضحية وحده وكم طالب القوم ان يخلوا سبيله ويدعوه يرجع من حيث أتى ولكنهم أبوا إلا ان يقتلوه بالطريقة المأساوية المعروفة فاستحقوا لعنة الله ورسوله الى يوم القيامة .
ان خط الحسين هو خط الرحمة والمحبة والسلام وقد ورث هذا الخط من أخيه الحسن الذي حقن دماء المسلمين في صلحه المشهور ومن أبيه الذي عمل المستحيل لتفادي الحروب التي فرضت عليه في الجمل ونهروان وصفين ، انه ورث خط الرحمة من جده الذي أرسله الله تعالى رحمة للعالمين.
انه خط الأنبياء والرسل وهو وارثهم واستلم أبناءه من بعده هذا الخط ، حيث لم يسجل التاريخ عليهم أنهم دعوا يوما الى عنف او الى إيذاء الآخرين ولم يسجل التاريخ ان عليا والحسن والحسين وأبناءهم من بعدهم تهافتوا على المناصب والخلافة لأنهم ارفع شأنا من كرسي الحكم وأعظم قدرا ، فالحسين يحكم القلوب في الدنيا والآخرة ، وكم حاول الطغاة منذ 14 قرنا ان يطفئوا نور الحسين الذي أراد الله تعالى ان يتمه ولو كره الكارهون ، فها هو الحسين يذكر كل سنة وبكل لغة وفي كل ارض وبنفس الحرارة والحماس وكأنه قتل بالأمس القريب ، وهذه الآلاف من الرايات والأعلام والمسيرات هي جزء من الشرف و العزة والكرامة التي حباها الله عبده الصالح على تضحيته الفريدة ، وما ادخره الله له في الآخرة اجل وأعظم ،وبالمقابل أين الطغاة وأين يزيد وأين الحجاج وأين المتوكل وأين صدام حسين.
أنا أرى ان تحويل تضحيات الحسين الى مجرد طقوس وكرنفالات وحكره على طائفة دون أخرى هي من مصاديق مظلومية الإمام الحسين المستمرة ، فالحسين نهضة وطاقة ونور وعطاء وستبقى رايته عالية خفاقة الى الأبد .
وواقعة الطف درس بل انه ابلغ الدروس، ولكن من يستفيد منه ؟ ومتى ؟ وكيف ؟؟