بسم الله الرحمن الرحيم
هل سمعت يوما من الأيام أن للسيد الولي شهيد الله السيد محمد الصدر (قدس سره الشريف) تعليقا على الصحيفة السجادية مثلا، أم هل سمعت أن له كتابا في القراءات القرآنية المشهورة وغير المشهورة، إلا أن نسخة القران التي كتبت عليها القراءات قد فقدت مع شديد الأسف، أم هل سمعت أن عنده أكثر من مؤلف في النحو واللغة، أم هل سمعت أن عنده العديد من المؤلفات التي لم تر النور إلى يومنا هذا لسبب أو أخر، هل تعلم أن لموسوعة الأمام المهدي (عجل الله فرجه) جزءا خامسا لم يطلع عليه احد، إلا القليل القليل.
قد سمعت بالرسالة العملية والكتب الفقهية ك (ماوراء الفقه) و(الرسالة الاستفتائية ) ومسائل وردود والإفحام وغيرها، وبالكتب الأخلاقية والتاريخية كفقه الأخلاق والشذرات والأضواء والموسوعة وما إلى ذلك من الكتب المطبوعة، لكنك لم تسمع بغيرها قصورا أو تقصيرا والله العالم.
وليس هذا فقط فقد ملئ الحوزة علما بدروسه التي كانت للطالب ملاذا، تلك الدروس التي علمنا بها على أروع معاني البلاغة والتفهيم، تلك الدروس التي بات للقاصي والداني مآبا، فيا ترى هل سمعت انه فرع الفقه إلى فروع لم يستحدثها احد قبله، أن لم تسمع فاني قد سمعت بل وقد حضرت بحوثا لغيره فلم تكن لتقاس مع بحثه أصلا من هذه الناحية ومن نواح أخر.
فكان الجميع يعطي رأيا بفرع وبمسالة هي موجودة في كتب الآخرين إلا انه (قدس) كان يستحدث فرعا ابتلائيا او فرضيا او مستقبليا ويعطي رأيه وفتواه أيضا، فلم يترك لنا فرعا إلا وبينه ولله الحمد، فلذا نقل عن ثقاة انه قال بما فحواه: إن ذكرت من المسائل المستحدثة ما يكفي لمدة أربعين عاما، (انتهى) فلذا سوف لن تجدوا مسالة لم يفتي بها، فانه إن لم يذكرها فانه قد وضع قاعدة لها يمكن الرجوع إليها في حينها.
ثم هل سمعت أن بحوث الخارج في علم الأصول عند العلماء قد لا تطول إلا لبضع سنين لعل أوسطها خمس أو ستة سنوات، وان بحث السيد الصدر الثاني (قدس سره الشريف) قد يطول لأكثر من (أربعة وعشرين) عاما حسب تصريحه (قدس) وما ذلك إلا لعلمه الغزير واستنباطه الكثير، وخروجه عن المشهور وتفريعه الكثير، وانه ادخل كثير من العلوم التي يمكن أن تتلاقح مع علم الأصول به، فصيره علما متحدا موحدا لو صح التعبير، بعد ما كان علم الأصول غريبا، مع شديد الأسف، وقال (قدس) في علم الأصول انه قواعد عقلية منطقية صرفة ممكن الاستعانة بها في حل أي مشكلة او مناقشة أي أمر. فلذا ناقش موضوع الزلازل وتطويق القمر.
هل سمعت مرجعا من المراجع وخصوصا في أيامنا هذه أو عصرنا هذا قد جعل لكل طبقات الحوزة درسا؟ فهو لم يقتصر في دروسه (قدس) على ما يسمون بــ (فضلاء الحوزة العلمية) ولم يحتكرها عليهم بل وسعها لكل من يطلب علمه الغزير ففتح دروس التفسير وتاريخ الأئمة المعصومين (سلام الله عليهم)، بل أكثر من ذلك فهو قد درس ما هو أدنى مرتبة من بحث الخارج حسب ذوق الحوزة المتعارفة، ألا وهو درس الكفاية وفعلا كان درسا كثير الحضور غزير العلوم، فقد حضره القاصي والداني، وما ذلك إلا تواضعا منه وحرصا على المصلحة العامة واعترافا منه (قدس) بان هذا الكتاب لا يقل أهمية عن باقي الكتب وان من استهان به فهو له منكر وعن تفسيره وتدريسه جاهل، ولعلمه أن مدرسي تلك المادة حق دراستها أما قليلون ممتنعون أو مفقودون أصلا، فجاد بعلمه لأبنائه الطلبة الأعزاء ولم يبخل به البتة.
هل سمعت انه درس بحثا في الدفاع عن القران وقد طرح فيه بعض الأطروحات فان ضربت احدها بالأخرى نتج ناتج تكون الاصفار فيه تستغرق المسافة بين القمر والأرض حتى سمي هذا الرقم (صدرليون) تيمنا بلقبه الشريف. وان لم تصدق فاسأل أهل الاختصاص فلعلك تستغرب لما ترى من شحة وقلة بالعلوم والمؤلفات.
صحيح لعلك سمعت أن لفلان من العلماء السابقين ثمانين ألف كتاب وما ذلك إلا لأنهم يسمون الاستفتاء كتابا فضلا عن باقي الكتب، وهذا معلوم فقد كان يقال جاءني كتابك أي رسالتك، فإذا أردت أن تحسب للسيد الصدر (قدس سره الشريف) وكتبه ورسائله واستفتاءاته فماذا يكون العدد؟؟!!.
هذا من العجائب فهل أسمعك أخرى، نعم أسمعك فلعل تخشع أو تخضع، تلك النفس التي هي عن الخير هاربة وللشر لاجئة فعجبا عجبا. اسمع: هل تعلم انك لو تحسب عطل الحوزة أو قل أيام التعطيل في هذه الحوزة الشريفة وهذا ما حسبه السيد الوالد وأنا معه فكان الناتج أن أيام التدريس اقل من ثلاثة اشهر، أي أن أيام التعطيل أكثر من تسعة اشهر، فهل أولدت شيئا أم أن الجنين قد مات؟؟!!.
لكن السيد الصدر (قدس سره الشريف) أبى ذلك وجعل أيام التدريس أكثر من أيام التعطيل بل أن الحصص التدريسية أكثر من أيام السنة أي أن عدد الدروس أكثر من عدد أيام السنة الواحدة لما كان يعطي من دروس كثيرة وإذا شئت فاحسب بينك وبين نفسك لعلك تصدق، فهل سمعت هذا ؟ إضافة إلى انه حينما يسال عن ساعات الدراسة للطالب كان يجيب انه كان يدرس أيام شبابه أكثر من (18) ساعة يوميا، فكم كان ينام وكم كانت باقي دنياه لو صح التعبير؟؟!!.
وليست هذه المصيبة بل الطامة الكبرى أن الحوزة بعد ما كانت تدرس اقل من ثلاثة اشهر سنويا فهي الآن لا تدرس إطلاقا فهي لاهية بالسياسة فقط وبناء المدينة القديمة وقد سيطر على حوزتنا ثلة من المجرمين الذين يدعون أنهم حماة الوطن، ويعتدون على طلبة العلم والعمائم التي فوق رؤوسهم، واخذوا يهدمون المدارس والمساجد والمكاتب بحجة إنهم يبنونها، وهذا مما لم يجرئ على إعلانه حتى سيدهم الهدام عليه وعليهم لعائن الله اخذوا وقتلوا تقتيلا واني لاحتفظ بالرد لنفسي إن شاء الله، وعلى كل المؤمنين عدم الوقوف ضد هذه التداعيات مكتوفي الأيدي وإلا وقعت الطامة الكبرى ويحذركم الله نفسه.
هل سمعت مرجعا يقع بمشكلة أو بلاء من صدام أو من غيره إلا وقطع درسه محتجا بالتقية أو ما إلى ذلك وهو (قدس) عندما نخبره ببلاء قد يقع أو تهديد بالقتل أو الاغتيال أو الاعتقال كان يشكرنا على إخبارنا له ثم يرجع بنظره إلى كتابه أو أوراقه إما قارئا وإما كاتبا وكان شيئا لم يحدث، وما ذلك إلا لأنه قد انقطع عن كل العالم من اجل إرضاء ربه، فلا يهاب الموت ولا يخاف الشهادة بل هو لها طالب، ليس كالذين يخافون الموت ومنه يهربون، ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم وما الله بغافل عما يعملون.
وهل سمعت انه (قدس) قد الفّ الكتب وعمره لم يتجاوز الخمسة عشر ونظم الشعر وعمره لم يتجاوز الخمسة سنوات وان عنده ديوانا كاملا متكاملا كما يعلم البعض عنه حينما نشر ذلك في مجلة الهدى، وانه قد درس بحث الخارج في تاريخ احفظ الميلادي من الا وهو (1978) وبموافقة وترخيص من السيد الشهيد الصدر الاول (قدست نفسه الزكية) حينما اخبره بعض الطلاب بأنهم سيدرسون الخارج عنده فوافق وأثنى على سيدنا الصدر، لعل كل هذا خفي عنك وأنت غافل عنه وان لم يكن الجميع فالأغلب منه بطبيعة الحال.
هذا على الصعيد الظاهري أما الصعيد الباطني فالكثير الكثير مما لا تدركه العقول القاصرة ولا النفوس الضعيفة، فكم من سنين طوال وهو يتغذى على الخبز وبعض السوائل وقد حرم على نفسه الملذات الدنيوية وكم من اشهر طوال حرم نفسه حتى من الماء ارضاءا لربه. فكم من تهجد له طويل ومن عبادة له طويلة حتى أفنى نفسه في الله جل جلاله، فضلا عن قلة النوم طيلة فترات عمره الشريف، ولا يأكل إلا نوعا أو نوعين من الطعام، إلا في بعض العزائم والمناسبات، أم الملبس فقد اكتفى منه القليل والبسيط.
ولا يسعني أن أزيد حيث أن الخوض فيه دخول بالإسرار الإلهية وكان لكشفها ناهيا ومحرما. هل سمعت بأنه سجن مرتين احدهما في عام (1974) حيث كان ممن يسمون بــ (المتدينين) والثانية في سنة (1991) بعد فتواه بالجهاد في الانتفاضة الشعبانية وكنا معه آنذاك، وفيها سألني احد الجلاوزة الكفار وقال لي: أنت ابن منو؟ فلت له: ابن سيد محمد الصدر، فقال: هذا اللي يتعارك ويانه. أسد حتى في السجون، وفعلا فقد حار فيه العدو والصديق، وهذا الذي خرج من سجون الهدام ليقض مضجعه ومن اجله واجل استاذه ازيل الهدام، ولله الحمد.
مقتدى الصدر