على هامش البيانات الكردية وموقّعوها من العرب!

كتابات - رياض الحسيني *

لايخفى على احد مدى الزخ الاعلامي المضلًّل والتشنج والتعصب القومي الذي يمارسه اغلب من يملكون اجهزة الحاسوب هذه الايام والذين لانجد لهم ذكرا الا حينما يتعلق الامر "بالحقوق الكردية المهضومة" على حد زعمهم! فتراهم يصدرون البيانات المجانية ويوقّع عليها اغلب الكسبة واصحاب الحال الغير ميسورة والذين وجدوا في "صندوق الاعانة الاجتماعية" مايسد رمقهم! الانكى من ذلك ان اغلب الذين ساندوا بيانات مماثلة سابقة قد وقّعوا على انهم "رجال اعمال" بينما قد بدأوا يوقّعون على البيانات الكردية اللاحقة على انهم "صحفيون" و "اعلاميون" و "كتّاب"؟!! ولان لله في خلقه شؤون فلا نعترض على هؤلاء، انما عتبنا هو على الذين كنا نحسبهم ونعدّهم ضمن الشخصيات الوطنية، والذين اكاد اجزم انهم لم يقرءوا هذا البيان المسخ رغم ان مقدمة البيان لها صلة وثيقة بما سيجره التوقيع لاحقا من تبعات وطنية وتأريخ لن ينسى تلك البيانات التي يوثّق لها العديد من الكتاب الناضجين هذه الايام لكشف حقيقة المواقف المتدنية للبعض!

تعرض الكرد للاضطهاد العربي اسطوانة مشروخة لن يتركها الكرد لانها الوثيقة الوحيدة التي يستطيعون بها استدرار عطف اطراف عدة واولها الدولية بينما في الوقت نفسه هي ورقة ضغط داخلية لنيل المرام. بيد ان تعرض الكرد للاظطهاد البعثي لايغيّر من كون هذا الاظطهاد كان مضاعفا اضعافا كثيرة على الشيعة بشكل عام وفي الجنوب بشكل خاص. رغم ذلك فلانجد ان شيعة العراق يحمّلون سنّته اعمال صدام وحزبه الاجرامي بحق العراق وبحق الاغلبية على خلفية كونه سنّي، بينما يتباكى الاكراد على "حلبجة" التي لاتشكل الا نسبة ضئيلة مما مارسه صدام ضد الشيعة في الجنوب. الحق يُقال ان كرامة الانسان عظيمة عند الله ولكن الم يقتل القادة الكرد اكرادهم؟ فلم لايطالبون بمحاكمتهم ام ان الدم الكردي المراق على ايدي الكرد غير الدم الذي اراقه صدام وزبانيته والذي يطالب بديته الاكراد اليوم من جميع العرب وتحديدا الشيعة العرب وكأن صدام كان واحدا منا ولم نقف ضده بالكلمة والسلاح في يوم كان فيه الاكراد "دهن ودبس" كما يقول المثل العربي مع صدام وجميع الحكومات التي سبقت صدام؟!

البيان الاخير الذي وقعه ثلّة من الاكراد ليس لنا معهم اي عتاب فهم امة ونحن امة! لكن العتب لايُرفع عن اولئك الذين ارتضوا لانفسهم ان يوقّعوا على بيان عليه مؤاخذات انما تقع في صميم الوطنية العراقية والشرف الوطني والقيمة الانسانية. شخصيا لطالما وقعت على بيانات لنصرة القضية الكردية لكن حينما يصل الامر في بيان عنصري يقلب الحقائق ويزوّر الواقع فلست ملزما بالتوقيع عليه وكان الاولى بهؤلاء قراءة البيان قبل التوقيع عليه، وهذه اهم المؤاخذات على البيان الذي لانجد فيه نصرة لاحد سوى للمصالح الفئوية والذات الحزبية:

1. وصف البيان الجمهورية العراقية "بالكيان": لاادري ان كان العراق محتلا لارض دولة اخرى ليصل الامر ويوصف على غرار وصف العرب للعدو الصهيوني بالكيان. واذا كان العراق كيانا فاين الدولة اذن؟!

2. يتكلم البيان عن الحاق "ولاية الموصل" بالكيان العراقي: هذا امر مضحك للغاية فمن جانب يقف الكرد ضد المطامع التركية في كركوك بينما يتكلمون عن ولاية الموصل وتبعيتها للاتراك. وفي هذا المجال فلاغرابة ان يطالب الاكراد انفسهم "بولاية الموصل" مستقبلا بعد ان يكسبوا قضية كركوك طبعا.

3. يصف البيان كل الذين ينتقدون المواقف الغير صالحة للقيادة الكردية بانهم "تيارات ظلامية متخلفة متنافرة غير متجانسة" لايجمعها سوى الكره الشديد لامة الكرد على حد وصف البيان؟!!! ليس لنا من رد هنا فقد تعودنا على هكذا طرح ولغة اختلاف متحضرة قد تميزت بها اغلب البيانات والكتابات الكردية خصوصا حينما يتعلق الامر بنقد القيادة الكردية المنزّلة من السماء!

4. يسترسل معدو البيان "الاممي" بكيل الاتهامات للعرب ويتهمونهم بانهم ضد التطلعات "القومية" للاكراد في العراق، وان العرب وقياداتهم ضد "الفيدرالية"! أليس من المضحك ان ينادي العرب اليوم بالفيدرالية ويجاهروا بها بينما يتهمهم الكرد بانهم قد تنصلوا عنها؟!! ترى لو تنصل العرب فعلا عن مبدأ الفيدرالية، فماذا سيكون رد الفعل الكردي؟ هل الانفصال من جانب واحد ام البقاء على استحياء؟! وهنا يتهم البيان النخب السياسية العربية على انها قد نكثت بوعودها ايام "نضال فنادق الخمسة نجوم"!

5. يقول البيان بالحرف الواحد "نحن الموقعين على هذا البيان من المثقفين والكتاب الكوردستانيين"، ترى فمادخل العرب بهذه الاهزوجة الكردستانية؟! ويوجه البيان كلامه الى قادة الكرد وبرلمانهم فيطالبونهم " بأن يضعوا مصالح شعب كوردستان فوق كل أعتبار" ورغم ذلك فقد وقّع عليه دعاة الوطنية "على عماهم" طبعا! ألم اقل ان العرب الموقعين عليه لم يقرءوا البيان وقد آثروا الاستغباء السياسي والحذلكة والتزلف واللطم بكل عزاء على الثوابت الوطنية والانتصار للغة الحوار الهادئ والشفافية والاحتكام الى سلطة الشعب العراقي وقبة البرلمان!

6. يطالب البيان بالابقاء على ميليشيا "البيشمة ركة" ومع ذلك فقد وقّع عليه الوطنيون العرب! الغريب اذا ماسألت هؤلاء الموقعين عن رأيهم بالابقاء على قوات بدر والاجنحة العسكرية في كل حزب وتيار لضجّوا صراخا ولندبوا وشقوا الجيوب ولطموا الخدود! فلماذا توقّعون اذن على بيان يدعو لاضفاء الشرعية على ميليشيا دون اخرى؟! وهذا دليل اخر على انهم لم يكلّفوا انفسهم عناء قراءة البيان، فالوهج كان اقوى لله درهم!

7. يخلص البيان الى ان تدخل رجال الدين هو ضد تطلعات الكرد وعلى حد علم القاصي والداني لولا رجال الدين الشيعة وبالاخص اية الله العظمى السيد علي السيستاني لما كانت الحال على ماهي عليه الان رغم ان الاكراد انفسهم كانوا يراهنون على اندلاع حرب اهلية في العراق بعد سقوط الصنم. الحق يُقال ان موقف المراجع الشيعة "الغير عراقيين" كما وصفهم البيان كان مشرّفا وافضل بكثير ممن يملكون الجنسية العراقية ويدعون الوطنية العراقية فيما هم اشد وألد اعداء العراق والذين لن يسكن لهم جفن الا بتمزيقه، "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"!

اخيرا ننصح من اليوم فصاعدا كل المهووسين بالتوقيع على البيانات ان يتريّثوا لحين كشف الغمة عن هذه الامة والا فدواء الاستشفاء من هوس التوقيع المجاني لم يعد كافيا للجميع فضلا عن ان كلفته قد بدت عالية في الاونة الاخيرة خصوصا بعد رفض "صندوق الاعانة الاجتماعية" تغطيته في امريكا واوربا وبعض المقاطعات الكندية!



* كاتب صحفي وناشط سياسي عراقي مقيم في كندا

www.alhusaini.4t.com

iraqsky@hotmail.com