بقلم محمد سليمان أبورمان (الكاتب أردني مقيم في عمّان شارك في مؤتمر الدوحة الأخير حول المقاومة السلفية في العالم)
عمر يوسف أحد أبرز الدعاة السلفيين في الأردن، من مواليد النصف الثاني من الستينات، تلقى العلوم الشرعية في السعودية وعاش فيها فترة من الزمن، واستقر مع أهله في الكويت، ثم عاد إلى الأردن بعد حرب الخليج الثانية، ليشتغل بالإمامة في مسجد "مراد" في حي الإرسال في منطقة صويلح.
بدأ عمر يوسف تدريس العلوم الشرعية في مسجده، ونشط في الدعوة، وقد تأثر به عدد كبير من الشباب، وامتاز بشخصيته الهادئة، وخلقه الكريم، ومرونته مع المخالفين، على الرغم من مواقفه السياسية المتشددة التي كانت تظهر – بعض الأحيان – من فتاواه ومواقفه، كان متأثرا بمشايخ التيار الإصلاحي في السعودية كالدكتور سفر الحوالي والشيخ سلمان العودة، وقد شاع في أوساط التيار السلفي الأردني أنه أحد تلاميذ الحوالي مما زاد من عدد تلاميذه ومريديه، لما يحظى به الحوالي من شعبية سلفية كبيرة في أوساط الشباب الأردني.
غادر أبو أنس للسعودية للعمل بها عدة مرات، كما أنه سافر إلى البوسنة والهرسك للتدريس والدعوة وعاد إلى الأردن، ليساهم في تأسيس مركز تابع لجمعية الكتاب والسنة في ماركا الشمالية وهو مركز البخاري، وعلى الرغم من النشاط الكبير للمركز إلاّ أن مواقف "أبو أنس" السياسية والتوتر بينه وبين الأجهزة الرسمية أدى إلى قيام الهيئة الإدارية بإغلاقه، ثم أعلن أبو أنس بين أصدقائه وأنصاره أنه مسافر إلى السعودية مرة أخرى للعمل هناك، لكن الجميع تفاجئوا أنه كان قد سافر إلى العراق وانضم إلى جماعة التوحيد والجهاد هناك.
أثارت مسألة انضمام "أبو أنس" إلى جماعة التوحيد والجهاد بقيادة الزرقاوي جدلا حول طبيعة مواقف الرجل وانتماؤه الفكري، إذ كان أحد رموز الدعوة الإصلاحية وجمعية الكتاب والسنة في الأردن، بينما الزرقاوي هو من قيادات التيار الجهادي، يقول رئيس جمعية الكتاب والسنة "زايد إبراهيم: إن "أبو أنس" قدّم استقالته من الجمعية قبل المغادرة إلى العراق، وأكد زايد أنّ نشاط أبو أنس داخل الجمعية كان ملتزما بمبادئ الجمعية ومواقفها الإصلاحية، ولم يبد أية ميول أخرى على الأقل داخل الجمعية، فيما يرى حسن أبو هنية ( خبير في الحركات السلفية ) أنّ شخصية "أبو أنس" كانت مترددة بين التوجه الإصلاحي وتأثره بمشايخ الإصلاح كالحوالي والعودة وبين تعاطفه مع المقدسي وعلاقته الشخصية به، فيما يؤكد أحد المقربين منه أنّ حوادث العنف في السعودية والجرائم الأمريكية في العراق قد استفزته، وأنه كان يقرأ رسالة لأحد المطلوبين السعوديين قبل مقتله - يخاطب فيها الحوالي معاتبا له على مواقفه– قد أثارته وجعلته يصاب بحالة من الاكتئاب.
لم يمض وقت طويل حتى تفاجأ الجميع بـ "أبو أنس" وقد أصبح المسئول الشرعي لجماعة التوحيد والجهاد، والمستشار المؤتمن القريب من "أبو مصعب الزرقاوي"، وقد ظهرت له عدة مقالات على شبكة الإنترنت، على مواقع إعلامية تابعة لتيار الجهاد، يتحدث في هذه المقالات عن أيام الفلوجة ويصفها بمعركة الأحزاب، وتكمن أهمية هذه المقالات أنها بمثابة "الوثيقة" التي تكشف رواية القاعدة لكثير من الأحداث التي تدور في العراق، وتوضّح بشكل أكبر طبيعة المجموعات المكونة للمقاومة العراقية ومرجعياتها السياسية والفكرية والحركية، كما أنّها ترفع الغموض عن طبيعة العلاقة بين هذه الفئات، ودور كل منها في الأحداث الجارية.
ولعل أبرز ما تقدمه لنا هذه الوثيقة ( والتي تتحدث عن معارك الفلوجة في شهر أبريل 2004 ) أنّ الزرقاوي يتولى بالفعل قيادة تنظيم القاعدة في العراق "جماعة التوحيد والجهاد"، وأنه يشرف على العمليات المختلفة التي يقوم بها أفراد التنظيم، الأمر الذي يرفع دعاوى كثير من المحللين والسياسيين أنّ الزرقاوي غير موجود أو أن هناك مبالغة في دوره، فكثير من العمليات التي نسبت للتنظيم قد أكدتها "وثيقة أبو أنس" وبرّرتها بشكل واضح لا يقبل الشك، ومن ذلك مسئولية التنظيم عن مقتل الحكيم ( القائد الشيعي المعروف ) ومسئوليته عن عمليات تفجير أخرى – كذلك -.
كما تؤكد الوثيقة أنّ الزرقاوي كان يتابع تفاصيل معارك المفلوجة، لكنه لم يشارك فيها، يقول أبو أنس: " ..في هذه الأثناء أرسل إلينا الشيخ أبو مصعب الزرقاوي حفظه الله يستشيرنا في المجيء ليشارك بنفسه مع الشباب، ويلح في هذا وبقوة، وكان رأي جميع الأخوة الكبار ألا يفعل وسألناه بالله وأقسمنا عليه ألاّ يفعل ضنّا به وحفاظا عليه .. وحتى لا تتوحش أمريكا أكثر وأكثر إذا تسرب خبر وجوده في ساحة الفلوجة"..
كما توضح الوثيقة مسألة رئيسة أن قرار فتح جبهة الفلوجة وتحويلها إلى ساحة عسكرية لمواجهة الأمريكان كان قرار تنظيم التوحيد والجهاد، وما عرّفه "أبو أنس" بأنه المجلس العسكري في المدينة ( ضمن تنظيم الجهاد )، كما أن التنظيم يضم جنسيات عربية متنوعة من الأردن وفلسطين وسوريا والسعودية والكويت واليمن وليبيا وغيرها، بالإضافة إلى العراقيين، وقد شارك عدد من أهالي الفلوجة في القتال إلى جانب التنظيم، وساعد الناس أبناءه في المواجهة سواء من خلال فرصة التواري عن الأنظار أو الطعام والشراب..الخ .
ومن القضايا المهمة التي تثيرها الوثيقة – كذلك– طبيعة العلاقة بين تنظيم التوحيد وبعض القوى السياسية الرئيسة منها الحزب الإسلامي؛ إذ يتهمه أبو انس بالتآمر على الجهاد، ويرى أنه قام بدور كبير في حفظ ماء الأمريكان في المفلوجة، ويصفه بالحزب "السينمائي". كما اتهم أبو أنس هيئة العلماء المسلمين بالتخاذل والتخلي عن الشباب ودورها في حض الأمة على الجهاد في سبيل الله، ويرفض أبو أنس اتخاذ الهيئة لطريق العمل السلمي، في حين تتسم رؤية الجماعة للشيعة بالعداء الشديد، واتهامهم بالتآمر على السنة والعمل مع الأمريكان ضد المجاهدين
/مجلة العصر