على ذمة عبدالباري عطوان
اياد علاوي الخاسر الوحيد من توزيعات الحصص الحكومية يخطط للاقامة في عمان
لندن: يعيش الدكتور اياد علاوي رئيس الحكومة العراقية المؤقتة، حالة من الاحباط بعد عودته الي بغداد، من اجازة للراحة والاستجمام استغرقت اسبوعين قضاهما في لندن وعمان، بعيدا عن المشكلات السياسية التي تعصف بحكومته التي قدم استقالتها مطلع الاسبوع الحالي والازمات العديدة التي يشهدها العراق.
ولعل اكثر ما آلم علاوي ـ حسب مقربين منه ـ ان يفك رئيسا الحزبين الكرديين جلال طالباني ومسعود بارزاني تحالفهما معه، وهو الذي كان يأمل منهما استمرا ر دعمهما وتأييدهما له في مواجهة الائتلاف الشيعي وافشال مرشحه ابراهيم الجعفري واجباره علي الاعتذار عن مواصلة مهمته بتشكيل الحكومة الانتقالية.
وآخر المعلومات عن علاوي انه ينتظر تشكيل الحكومة الجديدة ومعرفة ان كانت ستضم وزراء من قائمته، وبعد ذلك يخطط للاقامة شبه الدائمة في العاصمة الاردنية ومتابعة ما يجري في العراق منها، وينقل عنه انه ابلغ المقربين منه، انه تعب جدا ولا يجد احدا يعاونه في ادارة حركة الوفاق والقضايا السياسية المعقدة التي يشهدها العراق الآن وفي المستقبل.
وكان علاوي قد سافر الي اربيل والسليمانية واجتمع مع برزاني وطالباني عقب اعلان نتائج الثلاثين من كانون الثاني (يناير)الماضي، وصدرت اشارات منهما تفيد بانهما يدعمان استمراره علي رأس الحكومة وتفضيلهما له في مواجهة منافسه مرشح القائمة الشيعية الجعفري.
ويعتقد عدد من قياديي حركة الوفاق التي يتزعمها علاوي، ان التنازلات التي قدمها الجعفري الي طالباني وبارزاني والتعهدات التي قطعها لهما، في التعاطي ايجابياً مع شروط الاثنين وخصوصاً فيما يتعلق باقرار الفيدرالية الكردية التي يطالبان بها، وتطبيق المادة 58 من قانون ادارة الدولة الانتقالي الخاصة بتطبيع الاوضاع في كركوك والسعي الي الحاقها بالمنطقة الكردية، وابقاء ميليشيات الـ(بيشميركه) علي اوضاعها الحالية وتجنب اخضاعها لوزارة الدفاع، ولا يستبعد مساعدو علاوي ان يكون الجعفري قد وقع للزعيميين الكرديين وثيقة باسم الائتلاف الشيعي يلتزم بموجبها مساندة الجهود الكردية بخصوص استقطاع نسبة (25 بالمئة) من الواردات النفطية وتحويلها الي الحكومتين المحليتين في اربيل والسليمانية.
ومما زاد من حالة الاحباط لدي علاوي واتساع خيبة امله في طالباني وبارزاني، انه اكتشف ان الاثنين مع اتفاقهما المسبق معه، كانا يغازلان الجعفري واقطاب كتلة الائتلاف الشيعي عبر موفدين منهما، ولاحظ ذلك جلياً في اول اجتماع للجمعية الوطنية في السادس عشر من آذار(مارس) الماضي، حيث كان الاتفاق مع رئيسي الحزبين الكرديين ان يتم اقناع غازي الياور الرئيس المؤقت السابق علي ترشيح نفسه لرئاسة الجمعية، ويقال بهذا الصدد، ان بارزاني تعهد القيام بهذه المهمة، وكان علاوي يعتقد ان ترشيح الياور لهذا المنصب، سيحرج قادة الائتلاف الشيعي ونوابه في الجمعية، ويضطرون الي تأييده مرغمين، ولكن الذي حصل ان الياور اعتذر عن قبول هذا المنصب قبل يوم واحد من اجتماع الجمعية معلناً ان هذا الموقع لا يناسبه، واعلن انه يفضل نيابة رئيس الجمهورية، معللاً ذلك بان نائبي الرئيس لهما حق النقض (الفيتو) علي القرارات والقوانين، ويتمتعان بصلاحيات الرئيس نفسه، وادرك علاوي في حينه ان طالباني وبارزاني لم يقوما بما اتفق معهما في موضوع الياور، والاخير استغل الحاجة الي وجه سني لرئاسة الجمعية الوطنية، فرشح عضو لائحته الانتخابية (عراقيون) حاجم الحسني لاشغال الموقع مما اثار رئيس الحكومة المؤقتة، وغادر اجتماع الجمعية غاضباً حتي انه نهر احد الصحفيين لاحقه مستفسراً عن سبب تجهمه ومغادرته القاعة.
وينسب الي احد مساعدي علاوي قوله: منذ تلك الجلسة ادرك علاوي انه قد خسر معركة رئاسة الحكومة وطلب من اعضاء كتلته خفض درجة تصريحاتهم التي كانت تشدد علي انه مرشح القائمة (العراقية) لمنصب رئاسة الوزراء، وشكل فريقاً منهم لمفاوضة الائتلاف الشيعي يتألف من عدنان الجنابي وقاسم داوود وراسم العوادي وحسين الشعلان، واوصاهم بالعمل علي مشاكسة الجعفري وجماعته وتصعيد سقف مطالبتهم في الاشتراك بحكومته محدداً لهم الخطوط الاساسية للتفاوض مع الائتلاف الشيعي، وهي الخطوط التي وردت في مقال له نشرته صحيفة (بغداد) الناطقة باسم حركته، وضمنها فيما بعد في رسالة موجهة الي المكلف بتشكيل الحكومة الانتقالية، وتضمنت ان يقر الجعفري سلفاً بابعاد التأثيرات الدينية عن حكومته، والابقاء علي الاجهزة الامنية والعسكرية القائمة حالياً دون تغييرات، وربط النقطة الاخيرة باسناد منصبي وزيري الداخلية والدفاع الي كتلة علاوي، مع اربع وزارات، واحدة اقتصادية وثلاث خدمية، عرف انها التجارة والتربية والصحة والعمل والشؤون الاجتماعية، غير ان الجعفري الذي نجح في تهميش كتلة علاوي رفض الاستجابة لشروطها، وخاصة منحها ست وزارات، وابلغ مفاوضيها بانه مستعد لاعطائهم اربع وزارات ليس من بينها (سيادية) الامر الذي جعل علاوي يغتاظ ويغادر بغداد الي الخارج.
وخلال تمتع علاوي باجازة الراحة، كان اداء الفريق المفاوض الذي شكله في غاية السوء ببغداد، ولم تنفع الاتصالات الهاتفية التي اجراها مع اعضائه في لندن وعمان في منع التخبط والتناقض اللذين سادا تصريحاتهم ومواقفهم، فتارة يصرحون بان كتلة (العراقية) لن تشارك في حكومة الجعفري، وتارة يقولون انها ستقود (المعارضة) في الجمعية الوطنية، ولعل اشد ما سمع به علاوي وهو في الخارج ان بعض الوزراء الحاليين الاعضاء في قائمته، بدأوا بايصال رسائل الي الجعفري ورفيقه في الائتلاف الشيعي عادل عبدالمهدي المنتفجي وزير المالية السابق ونائب الرئيس الحالي تشير الي استعدادهم للتعاون مع الحكومة الجديدة اذا تم ضمان مقاعد وزارية لهم، وهو ما شجع الجعفري علي تسريب معلومات تفيد ان قائمة علاوي غير متماسكة، وسرت شائعة يعتقد انها صادرة من اوساط القائمة الشيعية تقول: ان وزيري الامن الوطني والمحافظات قاسم داوود ووائل عبداللطيف اللذين فازا في الانتخابات الاخيرة علي قائمة (العراقية) اجتمعا الي موفدين للجعفري وتحدثا معهم بطريقة توحي بانهما متحالفان مع علاوي انتخابياً فقط وليسا عضوين في حركته (الوفاق) وذلك يعني انهما غير ملتزمين حزبياً معه، وحتي يثبت الاثنان ذلك، فقد بدا داوود يسعي الي تفعيل (حركة الديمقراطيين) التي يقول انها حركة سياسية مستقلة تحالفت انتخابياً مع حركة الوفاق، رغم ان الاوساط الحزبية والسياسية العراقية تعرف ان علاوي نفسه انشأها لتكون واجهة من واجهات حركة الوفاق التي يرأسها، وذلك بالاتصال مع معارفه وزملائه السابقين في الدراسة لضمهم اليها، فيما تطرف وزير المحافظات وائل عبد اللطيف كثيراً في الهجوم علي الاردن وحكومته علي خلفية ما زعم من مشاركة اردني في تفجيرات الحلة، الامر الذي احرج علاوي كثيراً امام اصدقائه الاردنيين، واضطر ازاء ذلك الي العودة الي بغداد لمعالجة الشرخ الذي اصاب كتلته المكونة من اربعين نائباً، واشعار الجعفري باستعداد للتعاون معه، عارضاً عليه ان يمنح كتلته اربع وزارات بدلاً من ست كما كان يطلب سابقاً، وحدد هذه الوزارة الاربع، بالدفاع والتجارة والتربية والصحة، ورشح لها اربعة من كتلته وهم عدنان الجنابي ومحمد مصطفي الجبوري وطاهر البكاء والطبيبة رجاء الخزاعي علي التوالي. ورغم ان الجعفري وافق لاول وهلة علي مرشحي علاوي الاربعة ولكنه تراجع سريعا فيما بعد، اثر تعرضه الي ضغوط من حلفائه في الائتلاف الشيعي وخاصة عبدالعزيز الحكيم واحمد الجلبي وحسين شهرستاني الذين يتهمون الجنابي والجبوري والبكاء بانهم بعثيون قياديون سابقون، وقبلوا فقط بالخزاعي كوزيرة للصحة، وطلبوا من علاوي تغيير مرشحيه الثلاثة بغيرهم.
وقد بات واضحاً الآن، ان اياد علاوي سيكون الخاسر الوحيد من توزيعات الحصص والوزارات، حتي ان عضو لائحته الدكتورة رجاء الخزاعي صرحت (الثلاثاء) بمرارة قائلة: كيف تمنح قائمة (عراقيون) وهي تضم خمسة نواب، ومنصبين سياديين، رئيس الجمعية الوطنية ونائب رئيس الجمهورية، وتهمل قائمة علاوي التي تضم اربعين نائباً؟
ويقول اعضاء سابقون في حركة الوفاق عاصروا علاوي سنوات طويلة قبل انسحابهم منها عقب ذهابه واقامته في بغداد لاسباب تنظيمية، ان مشكلة اياد علاوي هي في ثقته المطلقة بالامريكيين واعتقاده بانهم لن يتخلوا عنه لصالح منافسيه الآخرين.
القدس العربي 13 / 4 / 2005