 |
-
حكومة الجعفـري بين الديمقراطية والارهاب
[align=center]
حكومة الجعفـري بين الديمقراطية والارهاب
[/align]
د. محمد سعيد الشكرجي GMT 6 00 2005 الجمعة 29 أبريل
واخيراً وُلدت وزارة د. ابراهيم الجعفري لتبدد بولادتها المخاوف التي بدأت تتفاقم لدى الكثيرين عن حقيقة المجرى الذي بدات تتخذه عملية التشكيل بعد كل المفاوضات والمماطلات التي صاحبتها. والذي ساهم اكثر في هذا الشعور بالارتياح هو ان نتيجة التصويت على الثقة في الجمعية الوطنية جاءت بأغلبية ساحقة لصالح الحكومة الجديدة اذ صوّت لها 180 نائباً من مجموع 185 الحاضرين في الجلسة.
ولكننا لم نشهد، لحد الآن، إلا نهاية البداية او انجاز الخطوة الأولى في مشوار عملها الطويل رغم قصر الفترة الزمنية المخصصة لها في مخطط التاسيس للعراق الجديد. واهم ما يمكن قوله في هذه الوزارة لتحليل واقعها واستشراف مستقبلها، هو انها إما ان تنجح وينجح معها شعب العراق او تفشل ويفشل معها كل العراقيين في مواجهة الارهاب، هذا الفشل اذا حصل ربما يدفع بالادارة الامريكية مرغمة الى تقبل فكرة التفاوض مع الطغمة الصدامية التي تقف على راس الموجة الارهابية التي تعيث في بلاد الرافدين. ويمكن اجمال موقف حكومة الجعفري بالنقاط التالية :
اولا : حكومة عمل وطني لا اتحاد وطني :
لقد بدا رئيس الوزراء المكلف وكأنه تبنى مبداً يتمثل بتشكيل حكومة اتحاد وطني، بينما الواضح ان ظروف العراق الصعبة، وان اوحت بضرورة تشكيل مثل هذه الحكومة، فهي ذاتها تفرض حقيقة الاستحالة العملية لحكومة اتحاد وطني في العرا
من مفاوضات مضنية، يمكن ان يتسبب في تدمير العملية السياسية من خلال المماحكات والمشاحنات التي يمكن ان تمارسها بعض الاطراف المشبوهة لتضييع الوقت وافشال العملية برمتها.
- بالاضافة الى أن ضم الحكومة لممثلي القائمة العراقية التي تحمل ارث حكومة علاوي وتنوي الدفاع عنه وعن انجازاته (ونذكر بترشيح علاوي في البداية نفسه كرئيس وزراء)، مع التحالف الكردستاني باطيافه، مع قوى صغيرة وحديثة العهد، تدعي تمثيل السنة ولا يعرف احد عنها ما يكرس الثقة فيها وفي مدى تفانيها لصالح العراق ومسيرته الديمقراطية، كان من شانه ان يخلط اوراق الحكومة امام الراي العام ويؤثر سلباً على فاعليتها ويشكل ضغطاً كبيرا على رئيس الوزراء في عقر داره، اي في اطار حكومة هو رئيسها والمسؤول الاول عن فاعليتها امام القواعد الجماهيرية لقائمته (الأئتلاف العراقي الموحد) وامام العراقيين عموماً.
ثانيا : بين الفاعلية والخيارات الامريكية
وهنا تفرض حقائق كبرى نفسها على واقع العمل الحكومي المنتظر :
المهمة الخطيرة وعبور الأزمة : ان الحكومة بوضعها الذاتي فيها ما يكفيها من تعددية الاطراف، فالمجلس الاعلى وحزب الدعوة وتيار الجلبي وحزب الفضيلة مع المرتبطين بتيار مقتدى الصدر والشخصيات المستقلة، كل هؤلاء يتميزون بخاصية واحدة تربطهم هي انعدام العمل السياسي المشترك في سدة الحكم. وبناء على التجربة القصيرة السابقة والتجاذبات التي تحكمهم، لا نستطيع الجزم بمقدار تكيفهم مع وضع الحكومة الشديد التأزّم في ظل التردي الأمني وانتهاك الحرمات واختطاف المدنيين، عراقيين واجانب، وتفجير الاماكن المقدسة من قبل الارهابيين الذين استطاعوا كما يبدو تحقيق اختراق في اجهزة الامن لاغتيال قياداتها وابنائها.
هذا الوضع سيزداد خطورة ان تسللت الى الحكومة عناصر تدعي تمثيل السنة يبنما هي اساسا متأثرة بمراكز الضغط غير الموالية، على الأقل، للنظام الجديد وقد تساهم في تخريب عمل الحكومة. ورغم ان الارهاب هو اخطر عدو يهدد امن العراق ومستقبله، وبدون حل المشكلة الامنية لا يمكن تحقيق اي انجاز بشكل كامل، فان محاربة الفساد المهيمن في دوائر الدولة والقضاء على العطالة لا سيما لدى الشباب وتحريك القطاع الاقتصادي، كل هذه الملفات الملحة وغيرها تزيد في صعوبة المرحلة الحالية (الدستورية) والتي يمكن اعتبارها الأخطر في عملية البناء الديمقراطي في العراق، فاما العبور بالعمل المشترك والمتفاني (مع وضع الدستور) الى بر الدولة الدستورية او تدمير مستقبل العراق لعقود اخرى طويلة.
الشركاء الخصوم :
تحيط هذه الحكومة جملة من العلاقات المبهمة بشركائها المحليين، مثل رفيق النضال القديم
د. أياد علاوي، او على المستوى الاقليمي كأغلب دول المنطقة، وعلى المستوى الدولي، مثل الاتحاد الأوربي، كلهم سيبدون للجعفري والحكومة الجديدة حرصهم على التعاون مع الديباجة المعهودة، وفي نفس الوقت يتمنون له, في انفسهم، وللحكومة السقوط المريع، ليثبت كلٌ منهم على طريقته صحة موقفه ويضمن قدراً اكبر من المصالح. ويمكن تشبيه هذا الوضع بالسير على أرض مليئة بالالغام.
العدو القديم الجديد :
ان اخطر القوى الارهابية في العراق اليوم هى القوى الصدامية التي ترمي بتخريبها وقتلها الجماعي الى تخريب العملية السياسية، وكذلك الى كسب الوقت للحصول على مراكز اقوى تساعدها على الوصول لمهمتها، الا وهي تجيير عملية البناء الديمقراطي لصالحها، ثم تجميع اوصال النظام القديم والتفاوض من موقع القوة مع الامريكان وسيقولون لهم : لا سلام في العراق بدوننا. وقد بدت التصريحات النارية لبعض رجال من اسموا انفسهم بالجبهة لأن فيها اكثر من ثلاثين مجموعة قد لا يتعدى مجموع انصارهم الالف، معبرين عن جو التهديد على لسان صالح المطلك وخصوصاً على لسان مشعل الجبوري وتفانت قناة الجزيرة وكذلك الشرقية في الترويج لاقوالهم وتكرار اقوال تظهر بان العملية لم تكن ناجحة. وقد ندد الجبوري بتآمر على السنة لاقصائهم وانهم لن يسمحوا لاحد باقصائهم، وذكر بالبيان الذي طرحته الجبهة للتوقيع عليه كميثاق مع قائمة الائتلاف والذي تضمن الغاء قانون اجتثاث البعث واعادة تشكيل الجيش العراقي. فلذلك ينبغي توقع ازدياد العمليات الارهابية، في الايام المقبلة لممارسة الضغط السياسي.
صحيح ان الأمريكان لا يريدون التعامل مع صدام وجماعته، ولكنهم أصحاب عقلية براغماتية عملية ولا تهمهم مصلحة العراق وابناء المقابر الجماعية، الخ البلاء العراقي. فاذا تكبدوا خسائر كبيرة وتأكدوا ان الامن لا يتحقق الا بالتحاور مع الصداميين فسيبدؤون بمغازلتهم.
وقد ذكرت فضائية اي ان ان هذا اليوم ان مقربين من قيادات البعث العراقي في عمان ذكرت ان وزير الدفاع الامريكي رامسفيلد، اثناء وجوده في بغداد، زار صدام التكريتي في سجنه وعرض عليه ان يُصدر نداءً لانصاره بالتوقف عن عملياتهم مقابل التفاوض معه على اشتراك جماعته في الحكم مع الآخرين، وقد ادعى هؤلاء ان صدام رفض العرض ! ان هذا الخبر واضح الكذب، ولكنه جدير بالذكر لأنه قريب لسيناريو قد يصبح ممكناً بعد بضعة شهور لو استمر الوضع كما هو اليوم. وليس المهم التعامل مع صدام شخصياً، بل الخطر يكمن في آلاف المجرمين الذين قام نظامه بتفريخهم على ارض العراق وهم الذين يديرون اليوم عملية تخريب البلد وتقتيل اهله بالاعتماد على شبكاتهم وازلامهم و"السلفيين" المرتبطين بهم وعلى اعلامييهم و"مثقفيهم" وعمائم النفاق المسخرة في خدمة مخططهم بحجة محاربة الاحتلال.
فالسيناريو الذي يجب ان ينتبه اهل العراق له هو انه في حالة فشلهم في القضاء على الارهاب بجنوده وركائزه التي ذكرناها، فمن الممكن ان يتجه الامريكان الى التفاوض مع قادة هذا الارهاب على حساب العراقيين وكل ما يعتزون به. علماً بأن رامسفيلد بدأ يهيئ للأمر عندما ذكر يوم 26 نيسان ان القضاء على الارهاب هي مهمة العراقيين واذا لم يتم ذلك عسكرياً، فينبغي الجوء الى الوسائل السياسية.
اذن تقع على هذه الحكومة مهام في اقصى الخطورة.. ويجب على العراقيين جميعاً التعاضد معها لتحقيقها لضمان مستقبل انساني لهم ولأطفالهم.
لذلك، فان خطورة الامر تفرض توجيه الحرب الشاملة على الارهاب ومنذ البداية على عدة جبهات متكاملة، على مواقعه العسكرية ومختلف نقاط ارتكازه المدنية والاعلامية، دون نسيان الحدود وضرورة ردع دول الجوار بكل الوسائل السياسية والاقتصادية والتجارية. وينبغي ان تشارك في هذه الحرب مختلف قطاعات المجتمع لأنه بدون المشاركة، لن تنجح الدولة واجهزتها الناشئة في المهمة بشكل ناجز. ويتطلب هذا الامر ان يسهم الجميع في توعية العراقيين بضرورة هذه المشاركة للدفاع عن سلامتهم وكرامتهم.
في المقابل،, ينبغي التوجه الكامل الى تقوية الدفاعات عن اهل العراق ومختلف مرافقه الثقافية والتاريخية وفي كافة انعطافاته المدنية والرسمية، الدينية والتربوية ومختلف القطاعات. لأن الضغط المطلوب في حالة النجاح في محاصرة قوى الارهاب، سيؤدي الى محاصرة القوى الارهابية وحلفائها مما سيدفع بها الى الافراط في ضرب المدنيين يميناً وشمالاً، في اقدس الاماكن وابعدها عن تصور المدافعين عن العراق، وستكون هذه الضربات اللئيمة، بمثابة الخرطوشة الاخيرة.
بالاضافة الى ان هذه التجربة هي الطريق الوحيد الناجز للتخلص من الارهاب، فانها ستمثل في نفس الوقت الرحم او الخضمّ الذي سيولد منه العراق الجديد وسيخرج منه العراقيون مواطنين اعزاء متكاتفين.
د. محمد سعيد الشكرجي
علوم سياسية - باريس
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |