أجرت مجلة العصر الكويتية[1] في عددها الأربعين لشهر ذو الحجة 1425هـ الموافق يناير 2005م حواراً مع سماحة الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي «حفظه الله» -أحد ابرز علماء الشيعة بالمملكة، ورمز من رموز التجديد في العالم الإسلامي-، حول عدة مسائل تعني بحقيقة التجديد في الإسلام، وتساؤلات عديدة حول مدى الحاجة اليه في عصرنا الراهن؟ وماذا نعني حينما نقول نريد تجديداً في فكر الإسلام؟ وماذا ينقصنا؟ قليل من يقول بالتجديد، وحينما يقولها لا يدرك معناها.
حول هذا الموضوع وما احتواه من معلومات قيمة ومفيدة تطرق فيه سماحته إلى تجربة الشهيد السيد محمد باقر الصدر «قدس سره»، والعصر الذهبي للنجف الأشرف. ولأهمية هذا الحوار الهادف قامت «شبكة راصد الإخبارية» بإعادة طباعة نص الحوار، وعرضه للسادة القراء، داعين الله سبحانه وتعالى الأجر والمثوبة، وللجميع الموفقية والسداد.
• الشهيد الصدر مجدّد من الرعيل الأول على المستوى الدولي
• تجربة الجمهورية الإسلامية من اقوى الدلائل على تقدمية الإسلام
• كل ماتقدمه المراكز العلمية الإسلامية من نتائج فكرية وتقدم تكنولوجي هو في واقعه من مقدمات ظهور الإمام المهدي
البطاقة الشخصية:
الشيخ الفضلي أيام الدراسة في النجف الأشرافولد في قرية «صبخة العرب» بمدينة البصرة في العاشر من رمضان لعام 1354هـ الموافق السادس من ديسمبر 1935م. نشأ في البصرة نشأة علمية دينية عالية برعاية والده الحجة الميرزا محسن الفضلي، في نفس الفترة بدأ الدراسة الحوزوية فقرأ على والده بعض كتب النحو والصرف والمنطق في سنة 1368هـ، التحق بـ«النجف الأشرف» لإكمال دراسة المقدمات والسطوح وبعد إتقانها حضر أبحاث الخارج لدى كبار الأساتذة وجهابدة العلم في النجف الأشرف منهم على سبيل المثال لا الحصر: السيد محسن الحكيم، السيد أبو القاسم الخوئي، السيد محمد باقر الصدر. وإلى جانب دراسته الحوزوية التحق بكلية الفقه في النجف وحصل منها على «البكالوريوس» عام 1382هـ، ثم غادر النجف الأشرف إلى مدينة «جدة» بالسعودية حيث عين مدرسا لمادتي النحو والصرف في «جامعة الملك عبد العزيز» وبعد سنتين من التدريس ابتعث من قبل الجامعة إلى كلية الآداب جامعة القاهرة وتخرج منها سنة 1396هـ بدرجة الدكتوراه. بقى في جدة أستاذاً في الجامعة حتى 1409هـ حيث حصل على التقاعد في نفس العام، اختير استاذاً لمادتي المنطق وأصول البحث في «الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية» بلندن، ولم يتوقف عطائه حيث لا زالت مؤلفاته تدرس في الحوزات العلمية وبعض الجامعات مثل «خلاصة المنطق»، و «مختصر الصرف»، و«مبادئ أصول الفقه».
فيما يلي نص الحوار:
• لو أتينا لكلمة التجديد في الإسلام متى ظهرت هذه الكلمة وعلى يد من ومن أشهر المجددين؟
- يراد بمفهوم التجديد -هنا- ما يلتقي ومعنى التحديث وهو ما يطلق عليه باللغة الإنجليزية Modernization ويتمثل في العمل على تغيير الشيء بما يلتقي ومتطلبات المعاصرة.
فالتجديد عملية تحول القديم إلى جديد والتحديث عملية تحويل القديم إلى حديث ولكن في حدود ما يحقق من الغاية من العملية، أو قل التجديد والتحديث هما عملية جعل الشيء عصرياً Modrn ولكن العصرنة -هنا- في حدود ما يحقق الهدف المتوخي تحقيقه.
ولدت عملية التجديد في أحضان أقدم الحضارات البشرية، وتمثل بروزها كظاهرة اجتماعية - ثقافية في الحضارة اليونانية بعد نمو ظاهرة المعرفة فيها.
وأستمرت تتماشى مع نمو المعارف والأفكار منذ القدم المشار إليه حتى يومنا هذا، وستبقى حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ومن هنا قال بعضهم: «أن عملية التحديث عملية تاريخية عالمية تعبر عن تراث حضاري عالمي».
وعلى هدي منه قال أخر: «التحديث: عملية ديناميكية مستمرة غير محدودة الأفق الزمني، وهو عملية تغيير إراديله غايته وأهدافه، وليست مجرد عملية تطورية تلقائية، وهو عملية شاملة لكافة جونب المجتمع وكافة أبعاده».
ولم يكن المجتمع الإسلامي بدعاً في هذا المجال، ولا حضارته شذوذا في هذه السنة الأجتماعية، ولعل النص التاريخي التالي يومي إلى هذا فهو ما جاء في كتاب «لؤلؤة البحرين» ص392، عند ترجمة ثقة الإسلام «الكليني» صاحب الكافي، وذكر الشيخ البهائي في مقدمته دراية الحديث، وغيره في غيرها، عن أبن الأثير في (جامع الأصول): أن من خواص الشيعة أن لهم على رأس كل مائة سنة من يجدد مذهبهم، وكان مجدده على رأس المائتين علي بن موسى الرضا وعلى رأس المائة الثالثة محمد بن يعقوب «الكليني»، وعلى رأس المائة الرابعة «علي بن الحسيني المرتضى» والمقصود من التجديد في النص «الإحياء» ففي كتاب «روضات الجنات» -ترجمة الكليني- نقلا عن كتاب «فيه المرتاد» لميرزا محمد الإخباري: «ومنهم ثقة الإسلام، قدوة الإعلام، والبدر التمام، جامع السنني والآثار في حضور سفراء الإمام ، والشيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي محي طريقة أهل البيت على رأس المائة الثالثة».
• مفهوم التجديد في الإسلام، ماذا يعني؟ وهل هناك شروط وضعها الشارع للتجديد؟
- قلت أن ظاهرة التجديد قديمة قدم التاريخ لأنها ولدت مع الحضارات البشرية الأولى، فهي قبل الإسلام، وهكذا ظواهر اجتماعية تكون -عادة- معروفة لدى الجميع، فهي لا تحتاج إلى تعرف، والإسلام كدين يتعامل معها كما يتعامل مع أمثالها من الظواهر الأخرى، فيشترط أن لا يمس التحديث ثوابته وهي تلك التي ثبتت بالضرورة من الدين والأخرى التي اتفق عليها رأي المسلمين جميعاً، وأن لا يخرج بالمفهوم الإسلامي عند التجديد عند الإطار الإسلامي العام والطابع الإسلامي الذي تخضع له جميع المفاهيم الإسلامية.
• لماذا التجديد والإسلام جاء شاملاً كاملاً بصريح الآية ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾؟
- الدين عقيدة وتشريع ومنهج سلوك، ولكل من هذه الثلاث علوم تبحث فيها، والعلم -هنا- كأي علم آخر، له منهج بحث، ووسائل يستخدمها في البحث وأساليب تعبير يلتزمها في عرض مقدماته ونتائجه، والمقصود في الدين في الآية الكريمة ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ الدين الإسلامي الذي يشتمل على العقيدة والتشريع ومنهج السلوك، والتجديد لا يمس شيئاً من هذا، لأن المقصود منه التحديث في المنهج العلمي أو تصحيح أغلاطه أو الإضافية إليه بما يستلزم الوضع إضافته، أو بالنظر في وسائل البحث أو أساليبه وذلك بالتغيير فيها إلى ما تقتضيه المعاصرة مما تفرضه غايات وأهداف وظيفة التبليغ الديني، أو إحياء ما درس أو أهمل.
وأعطيك-هنا- مثالاً واحداً للتجديد في المنهج العلمي المتبع عند متأخري المتأخرين من علماء الفقه، وهو ما يذكرونه في المقدمة العلمية لعلم أصول الفقه: أنهم عندما يريدون تحديد موضع علم الفقه يتخذون من القاعدة المنطقية (نسبة إلى علم المنطق) القائلة: «موضوع كل علم هو ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية» معياراً لذلك فيقولون على أساس من هذه القاعدة: إن موضوع علم الفقه هو أفعال المكلفين، ولكن بحثهم العلمي لا يكون في أفعال المكلفين وإنما في الأحكام الشرعية التي تعرض لأفعال المكلفين، فالموضوع شيء آخر.
وهنا إننا إذا رجعنا إلى المنهج العلمي الحديث نراه يقول: موضوع العلم هو ما يبحث فيه مباشرة. على هديه: يكون موضوع علم الفقه هو الأحكام الشرعية، وعليه يكون فعل المكلف هو الحيثية التي من أجلها يبحث الفقه في الأحكام الشرعية.
فالتجديد هنا أن نعدل عن القاعدة المنطقية المذكورة لما فيها من مفارقة إلى الأخذ بقاعدة المنهج العلمي الحديث، وكلمة (موضوع) أقوى قرينة لذلك، وأعني أن إنما سمي موضوعها لأنه وضع ليبحث فيه وهكذا الشأن في الوسائل والأساليب وإعادة النظر فيها.
ولنضرب مثالاً واحداً للأسلوب هو «الرسالة العلمية» التي تؤلف من قبل الفقيه المرجع ليعمل مقلدوه على طبق ما فيها من فتاوى ولكن، ولأنها كتبت بأسلوب علمي بعدت عن فهم المقلد الذي لم يشدو شيئاً من علم الفقه.
هنا ومن باب «التجديد» نقول: لأجل أن تحقق الرسالة العملية الغاية التي من أجلها دونت، لا بد من القيام بأحد أمرين هما:
1- أن تكتب الرسالة العملية بلغة الإعلام، وهي اللغة الميسرة التي تقع بين اللغة الفصحى، واللغة العامية الدارجة. لأن لغة الإعلام أصبحت بسبب أنتشار وسائل الإعلام مفهومة لدى عامة الناس.
2- أن تبقى الرسالة العملية تكتب باللغة الفقهية العلمية ولكن توضع لها مقدمة تشرح فيها معاني المصطلحات والمفاهيم والتعابير الفقهية البحتة، وتبين فيها كيفية التفاعل معها لفهم محتوياتها ومضامينها.
أما الإحياء فمثاله الدعوة إلى إمكان القواعد الفقهية وعلم الدراية وعلم الرجال ضمن المواد المقرر دراستها في الحوزة العلمية لأن هذه المواد الثلاث تتدخل تدخلا مباشراً في عملية الأستنباط (الاجتهاد الفقهي).
• هناك سؤال ملح سماحة الشيخ من المعنى بالتجديد هل هي المرجعية أم المدرسة الدينية (الحوزة) أم عملية التجديد مفتوحة لكل صاحب فكر وقلم (أي كلا حسب اختصاصه وموقعه) لكون الإسلام شاملاً لكل جوانب الحياة؟
- في البدء قلت ان التجديد عملية عامة تشمل كل ما يفتقر إلى التحديث ولا يقوم به إلا من كان مؤهلاً له.
• ما رأيك بمن يعارض فكرة التجديد حفاظا على نقاوة الدين كما جاء به المصطفى ؟
- بينت خلال الجواب الثالث أن التجديد المدعو إليه هنا لا يمس جوهر الدين ولا يتناول من حقائقه لا من قريب ولا من بعيد، وإنما يتحرك -هنا- داخل إطار علومه وداخل دائرة تنظيم شؤون الحوزات والمرجعيات إدارياً وفنياً.
• ما رأيك بمن يقول بأن شخصية المسلم شخصية نمطية غير متقبلة لفكرة التجديد لهذا مشروع التجديد محكوم عليه بالفشل؟
- التجديد كما أوضحت في الجواب الأول سنة من سنن الحياة الأجتماعية المستمرة. وقد حدث التجديد على مدى حياة المسلمين وفي مختلف مجالاتها والأمثلة هنا لا تحصى.
والتطور الذي حدث للعلوم الإسلامية بالتوسع والإضافة، لم يكن قبل القرن العشرين الميلادي علم اقتصاد إسلامي ولا مذهب اقتصاد إسلامي مدون، كذلك لم يكن قبل القرن المشار إليه علم نفس إسلامي، ثم كان.. ولم يكن علم أصول فقه مقارن ثم كان.. وهكذا.
• ماهو التشبيه الأقرب المفروض أن يكون عليه المسلم هل هو: المحافظ، الوسطي، التجديدي.. ام ماذا؟
- المسلم في واقعه وكنهه مسلم لا يتغير في واقعه وليس للتجديد إليه طريق. ذلك أن التجديد إنما يكون في أحواله وأوضاعه المدنية والحضارية وقد مر في الأجوبة السابقة شيء من أمثله هذا.
• يلاحظ على فكرة التجديد بأنها مجرد أراء فردية لم تتبلور إلى مشروع له أسس وضوابط. لماذا؟
من اليمين سيد عدنان البكاء، السيد فضل الله، السيد مرتضى العسكري، الشيخ الفضلي- لا أدري كيف نقول هذا ونحن نرى الطباعة الحروفية في الكتب الدينية حلت محل الطباعة الحجرية، ونرى الجامعات الإسلامية حلت الدراسة فيها محل الدراسات الجامعية، ونرى في عداد دوائر المعارف الدوائر الإسلامية. وقد كانت بعد أن لم تكن، بدأنا من مشروعات مؤسسة المغفور له «الإمام الكلبايكاني» (قدس سره) بتدوين المئات من الكتب الدينية تفسيراً وحديثاً وفقهاً وغيره على أقراص الكمبيوتر.. ألخ.
• ماهي العقبات التي ترونها تحد من فاعلية المشروع التجديدي؟
- الصراع بين القديم والجديد سنة من سنن الحياة. كان منذ أن كانت الحياة وسيستمر ما أستمرت الحياة. فلا أرى ما يعتبر عقبات هي من العوائق، لأن هذا -كما قلت- شيء طبيعي، والبقاء في النهاية للاصلح.
• تعد مسألة التجديد الديني مسألة ملحة في الوقت الحاضر خصوصاً مع تزايد الوعي والنمو الحضاري، ماهي عناصر التجديد الديني التي تقدمونها للفكر الديني اليوم؟
- هو أن نحاو ل الأستفادة من كل جديد في المناهج والوسائل والأساليب وكذلك في المادة الفكرية في كل علم في العلوم الحديثة الإنسانية والطبيعية وفي كل حقل معرفي من حقول المعارف، وفي ما يتماشي وطبيعة فكرنا الإسلامي في أسسه ومبادئه العامة ولا يتخلف عن تحقيق مقاصده وأهدافه.
• يقال هناك ثابت ومتحول في الدين، ماهو الثابت وماهو المتحول؟
- كل ما ثبت بالضرورة من الدين، وكذلك كل ما ثبت بالضرورة من المذهب. وأيضا كل ما أتفقت عليه كلمة المسلمين، وكذلك كل ما أتفقت عليه كلمة أتباع أهل البيت ، كل أولئك هو من الثابت في العقيدة والتشريع ومنهج السلوك. وجميع نتائج الأجتهادات الشرعية، اتفقت أو اختلفت هي من الثابت أيضاً.
أما المتغير أو المتحول فهي الوسائل والأساليب التي نستعين بها في نقل الفكر وأدائه. وإلى هذا كان الإمام شرف الدين يشير في كلمته الشهيرة: «لا ينتشر الهدى الإ من حيث انتشر الضلال».
• قمتم في كتابكم «دروس في فقه الأمامية»، بعمل جاء للتجديد في المنهج الفقهي وجعلتم كنموذج فقه الطهارة، ماهي سمات المنهج الذي أتبعتموه في كتابكم؟
- أن الذي هدفت إليه في بحثي الفقهي الذي أشرت إليه أن احدث نقلة فنية في المنهج من إتباع المنهج الفلسفي إلى إتباع المنهج العلمي ذلك أننا في البحث الفقهي نتبع كمنهج عام قواعد علم المنطق، وعلم المنطق كما هو معروف هو المنهج العام للفلسفة وللعلوم القديمة والمعارف العامة القديمة، وكانت هذه -أعني القديم من الفلسفة والعلوم والمعارف- تلتزم في وضعها والبحث فيها وكل دراستها القواعد المنطقية في التعريف والاستدلال.
وإلى الآن، حيث وضعت فروع جديدة لعلم المنطق لا يزال على المنطق القديم والذي يعرف بالمنطق اليوناني والأرسطي والصوري والشكلي يحتفظ بقدرته وصلاحيته لأداء وظيفته العلمية. من هنا نعفي أنفسنا من المؤاخذة على استخدامه.
ولكن يبقى أمامنا المنهج الخاص لعلم الفقه، ويتمثل هذا في ما يعرف بعلم أصول الفقه، ويؤخذ عليه أن وضع هذا العلم وتدوينه والبحث فيه متأثر بالمنهج الفلسفي القديم حتى في قضاياه اللغوية وهي مباحث دلالة الألفاظ، مع أن كل مسائل وقضايا هذا العلم تندرج تحت هذين العنوانين:
1- الظواهر اللغوية - الأجتماعية.
2- الظواهر الأجتماعية - الأجتماعية.
وقد أوضحت هذا بالتفصيل في كتاب الأصولي الكبير الذي سميته «دروس في أصول فقه الأمامية» الذي حاولت فيه أن أحقق النقلة الفنية التي أشرت إليه ما تحول بعلم اصول الفقه من اتباع المنهج الفلسفي إلى المنهج العلمي.
وبالرجوع إليه يستطيع قارئه أن يتبين هذا بتفصيل ووضوح.
• يعتبر الشهيد الصدر أحد المجددين في الفكر الإسلامي. ماهي جوانب التجديد الصدري؟ وهل أستطاع تحقيق ما اراده من وجهة نظركم؟
السيد الشهيد محمد باقر الصدر «قدس سره»- أستاذنا العظيم السيد محمد باقر الصدر على المستوى الدولي في قائمة الرعيل الأول في الفكريين المجددين في هذا العصر، وقد كان هدفه من أعماله الفكرية أن يقدم الفكر الإسلامي في العقيدة والتشريع والمنهج قائماً على قاعدة الاصالة الاصيلة وفي إطار من المعاصرة النقية في الوسيلة والأسلوب، وقد بدأ هذا بوضع «الأسس الإسلامية» وقد تحدثت عنها في مقال لي نشرته في مجلة «المنهاج» البيروتية وكذلك وضع كتابيه الشهيرين «فلسفتنا»، و«أقتصادنا» ولكن يد الكفر الآثمة امتدت إليه بالقتل وبه أوقفت مشروعه، فهو -قدس سره- قد وضع اللبنات لأسس مشروعه ورسم الخطوط العامة له وقدم النماذج الحيثية لشيء من جوانبه وأبعاده وفصوله.
• لماذا واجه الشهيد الصدر هجوما شرسا الماضيين أو دعاة الكلاسيكية أن صح التعبير، ما سبب هذا الرفض للتغيير؟
- يرجع هذا -فيما أقدر- إلى عاملين، هما:
1- مطامع الإمبريالية العالمية في ثرواتنا وخيراتنا الطبيعية والمالية، ذلك أن مثل مشروع سيدنا الصدر سوف ينشر الوعي بين أبناء أوطاننا بما يدفعهم إلى السيطرة على ثرواتهم وخيراتهم والدفاع عنها.
2- الجمود الذهني الذي يعاني من أفاعيله المطبوعبين بالإمبريالية العالمية والسذج المخدوعين بأوهامهم وتضليلات الآخرين.
• هناك م يوصم الفكر الإسلامي بأنه رجعي ولا يتوافق مع التطورات الراهنة، كيف تقيمون هذا القول؟
سماحة السيد علي الخامنئي «دام ظله»- إن التجرية الحديثة للفكر الإسلامي المتمثلة في نظام الجمهورية الإسلامية في إيران المعاصرة وعطاءاتها الخيرة والتي من أهمها الثورة الثقافية الضخمة التي قام بها «الإمام الخامنئي» (دام ظله)، والنقلة العسكرية الهائلة في صناعة السلاح الحديث والأسلوب الديمقراطي في الأنتخابات على مختلف أنماطها، كل هذا من اقوى الأدلة على تقدمية الدين الإسلامي، وفشل الأيدولوجيا المعادية للإسلام في إثاراتها ودعاياتها.
• المنهج الحوزوي رغم ماقدمه من خدمات جليلة لا يزال بنفس النفس والكيفية قبل مئات السنين. ألا يحتاج إلى إعادة نظر؟
- مع تطور وسائل التعليم وأساليب التربية، ومتطلبات المعاصرة في مجال وظيفتي الأجتهاد والتبليغ لابد من ذلك، ولدينا شيء من البوادر التي تشير إلى ذلك، وقد المحت إلى شيء منها في الأجوبة المتقدمة.
• وجهتم دعوة لكي تستفيد الحوزة من المنهج الأكاديمي في طريقته البحثية، ماهي معالم هذه الرؤية لديكم؟
- أننا نلمس أثر دعوات التجديد في الوضع الحوزوي في ما كتب من مقررات دراسية وكليات ومعاهد وجامعات إسلامية، وبحوث علمية تنشر في الدوريات الفكرية، كان هذا في البدء كلا أما الآن فهو وابل.
• البعض يرى بأن مشروع الجمهورية الإسلامية في إيران مشروع تجديدي فلأول مرة في التاريخ الإسلامي تكون هناك انتخابات ونظام ديمقراطي كيف تقرأ هذه التجرية؟
- قلت في جواب سابق إن تجربة الجمهورية الإسلامية في إيران تعد نموذجاً رائعاً للتقدمية، في دستورها وما تفرع عنه من أنظمة، وفي ما تستخدمه من وسائل حديثة في الصناعات الثقيلة اللوجستية وغيرها، وفي ما انتهجته من أساليب جديدة في الأنتخابات والمحاكمات ومختلف الألوان الدبلوماسية والسياسية.
• أحياناً يلتبس الأمر بين الأجتهاد والتجديد هو هما شيئان مختلفان أم شيء واحداً، أم يكمل بعضهما الآخر. أما ماذا؟
- الأجتهاد -وأعني به الأجتهاد الشرعي الذي هو طريقة وعملية استباط الحكم الشرعي من دليله المعتبر- شيء غير التجديد، ولكن قد يدخله التجديد في استخدام بعض الوسائل وانتهاج بعض الأساليب التي قد تقتضيها طبيعة البحث وتتطلبها شؤون المعاصرة.
• مما لا شك فيه بأن حركة الإمام المهدي حركة تجديد وتعيير.. ترى لماذا لم نهيء لها وتكتفي بمجرد الأنتظار؟
- إن كل ما تقدمه المراكز العلمية الإسلامية من نتائج فكرية وكل ما يعد تقدماً للمسلمين في مجال الآلة ومضمار التكنولوجية هو -في واقعه- من التمهيد لظهور الإمام المهدي .
• لو طلبنا من الدكتور أن يعطي تقييم للحركة العلمية إبان حياته في النجف الأشرف، والحركة العلمية اليوم، ما الذي بقى وما الذي تغير؟
الشيخ الفضلي في مكتبته من الأيام الخوالي- كنت أعتبر الفترة التي عشتها في النجف الأشرف طالباً في حوزتها ومدرساً، الفترة الممتدة من أواخر الستينات من القرن الماضي أي الرابع عشر الهجري إلى أوائل التسعينات، وهي مدة ربع قرن، كنت أعتبرها الفترة الذهبية أو قل العصر الذهبي للحركة الثقافية في النجف الأشرف لبلوغها أعلى المستويات في تطور المرجعية وتطور الدرس الحوزوي في كل مجالاتها في العلم الديني والخطابة الحسينية والأدب العربي شعراً ونثراً وفي النثر: دوريات وأسفارا من كتب مفردة وموسوعات ومطابع ومعاهد وجمعيات ثقافية ومجالس أدبية ومكتبات عامة ولكن -ويا للأسف- منيت بالهجوم الوحشي من أذناب الإمبريالية العالمية مذهبيين وحزبيين، وكان ماكان، ولا تسل عن التفصيل فإنه ذو شجون مرة ومريرة.
غير أن التقدم الكبير القائم الآن في حوزة «قم المقدسة» أحيا فينا الأمل واعاد لنا الحيوية الخلاقة.
نرجو لحوزة النجف الأشرف بعد سقوط وهزيمة العمالة الأستعمارية الجائرة ومن إيماننا بقدرة أبنائها الأستعمارية الجائزة ومن إيماننا بقدرة أبنائها الأبرار من «آل الحكيم»، «وبحر العلوم»، «وكاشف الغطاء»، «والخرساني»، «والجواهري»، «والشيخ راضي» وإخوانهم في البلد والخط أن تستعيد حيويتها ومركزيتها وتزيد على عصورها المزدهرة أزدهارا.
• كلمة أخيرة تقولها في مسألة التجديد؟
- نختم الحديث بما بدأنا به فنقول: التجديد ظاهرة اجتماعية قديمة قدم الإنسان على هذه الأرض، وهو أمر طبيبعي أن لم نقدم عليه طواعية، فإن عوامل الزمان والمكان تفرضه علينا فرضاً.. ولرسالتنا الدينية حق علينا أن نتوصل للقيام بها على أفضل الوجوه بمختلف الوسائل المشروعة قديمة وحديثة وأن ننتهج لأدائها مختلف الأساليب المشروعة قديمة وحديثة، وهذا من التجديد الذي ننشده وندعو إليه.
• واخيراً:
- تقديري لمجلة «العصر» الغراء، وشكري الجزيل لك أيها العزيز ولاسرة التحرير والحمد الله على التوفيق أنه تعالى ولي التوفيق وهو الغاية.