 |
-
ذهب صدام جاء الزرقاوي ، بضاعة الإعلام الأمريكي
ذهب صدام جاء الزرقاوي ، بضاعة الإعلام الأمريكي
منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي احتلت صورة الرئيس العراقي صدام حسين واجهة الأعلام الغربي بصفته وحشا وفارسا ظلاميا ولغما يهدد البشرية بالفناء. لقد صارت أسطورته تتنامى من جهة ما تعد به من أخطار، لا يمكن حصرها بزمان أو مكان معينين. لقد شنت حملة إعلامية شرسة قصد منها: إيهام العدو بقوته وتضليل الرأي العام من خلال التستر على حقيقة القوة والخطر التي ينطوي عليها وجود ذلك العدو. ولقد صدق صدام كل ما قيل عنه، والدليل على ذلك أنه دخل إلى اللعبة طائعا، ليجر شعبا وبلدا وتاريخا إلى التيه. تضخيم العدو وإضفاء أبعاد رمزية على وجوده عادة إعلامية أمريكية، تهدف إلى تهيئة الدرب أمام كل خراب ممكن. بعد أبن لادن الذي لا يزال مختفيا عن الأنظار جاء الآن دور الزرقاوي ليشبهه الزعيم الأمريكي المتشدد رامسفيلد بالزعيم الألماني (هتلر). طبعا يمكن النظر إلى هذا التشبيه من جهة كونه واحدة من اللعثمات الكثيرة التي تتخلل تصريحات رامسفيلد، وهو المعروف بنوع رث من البلاغة الشعبية، لكن يمكن قراءته أيضا من جهة كونه شعارا متوترا يذهب مباشرة إلى خيال العامة في الغرب ليملأه رعبا وهلعا وذعرا.
ولأن الإدارة الأمريكية لا يهمها أن تكون منسجمة مع الحق، بقدر ما يهمها أن تكون على حق، فإنها تحرص على أن تهب أعداءها كل الأسباب التي تظهرهم بمظهر المتشددين، الأقوياء، أعداء كل خيار سلمي، الذاهبين إلى الأقاصي والنهايات من غير أن يلتفتوا، الخارجين على كل قانون، المتلذذين بالقتل لذاته، الداعين إلى الخراب، وغيرها من الصفات الشريرة التي تشجع على إضعاف أية إمكانية على الدفاع عن ذلك العدو لدي أي طرف من الأطراف. هذا ما فعلته بصدام وما فعلته في وقت لاحق بابن لادن وما تفعله اليوم بالزرقاوي. إن تقديم العدو إلى العالم هو صناعة، العدو لن يكون من خلالها إلا بضاعة أمريكية. وما تقوله أمريكا عن أعدائها المفترضين هو نوع من التأويل الميسر لما تريد الوصول إليه من أهداف. لذلك فإنها لا تجد حرجا في انكشاف الأكاذيب التي قامت على أساسها حروبها ما دامت تلك الحروب قد حققت الأهداف المرجوة منها. وغزو العراق دليل واضح على ذلك المنهج الذرائعي. لقد شنت أمريكا الحرب على العراق بحجة امتلاكه أسلحة دمار شامل وحين تبين أن تلك الأسلحة لم يكن لها وجود في الواقع، تم التغاضي عن الموضوع كله مع استمرار الاحتلال بصفته نتيجة واقعية لتلك الحرب.
أسطورة الزرقاوي حلت محل المقاومة العراقية، فلم يعد العالم مهتما إلا بأخبار الزرقاوي، بدءا بقدرته الخارقة على إجادة لهجات عراقية متباينة وانتهاء بحفلاته التنكرية. وهنا بالضبط يقع الهدف المرجو أمريكيا: ليست هناك مقاومة عراقية بل هناك الزرقاوي.
فاروق يوسف
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |