ما الذي يريده المتمردون؟ رؤى مختلفة والأساليب الدموية نفسها
المدى
كانت تلك الاشارة التماساً يطلب من المتمردين عدم مهاجمة الموكب وحرمان الناس في المسيب من الكهرباء.
وبفضل اللافتة، أو لحسن الحظ، أو لغياب المتمردين من الطريق في ذلك اليوم، فإن المولدة والوحدات الامنية وصلت بسلام إلى وجهتها المقصودة.
وعلى غرار الناس في ذلك الموكب، يتساءل العراقيون: لماذا يواصل (المتمردون) هجماتهم على كل شيء وما الذي يأملون الحصول عليه؟
منذ تشكيل الحكومة العراقية الجديدة قتل الكثير من العراقيين بالسيارات المفخخة بالهجمات الدموية، وفي شارع عديم الشفقة والرحمة منذ سقوط صدام حسين وبينما تبدو هذه الهجمات على الارض لا تميز شيئاً، فان هنالك ستراتيجية خلفها، وفي الحقيقة هنالك أكثر من ستراتيجية نظراً لأن المتمردين يشكلون عدة مجاميع من الناس، وقد يتشاركون في الاساليب والتكتيكات الا أنهم يمتلكون دوافع مختلفة واهدافاً بعيدة المدى. وهكذا فإن التعويذة المخطوطة على جانب المولدة الكهربائية قد يكون لها تأثير في جماعة واحدة من المتمردين، كأن يكونوا ممن طردوا من وظائفهم على جماعة واحدة من المتمردين، كأن يكونوا ممن طردوا من وظائفهم في الجيش ومن بقية المؤسسات الحكومية لكونهم أعضاء في حزب البعث، من غير المؤمنين بنظريات صدام الاشتراكية العربية القديمة.
الا ان فئتين اخريين مهمتين من التمرد وهم البعثيون المقاومون بعناد والمليشيات، الإسلامية المؤيدة للقاعدة لن يترددوا في مهاجمة ما يرونه هدفاً مثالياً: وهو مولدة طاقة عملاقة مع 12 رجلاً من الشرطة و 6 أفراد من الجيش! فهؤلاء يستهدفون تعطيل الخدمات العامة وجعل اجهزة الأمن العراقية الجديدة عاجزة بعد مرور سنتين من الحرب وثلاثة اشهر من الانتخابات الوطنية التي ظهرت بأنها استفتاء صب في مصلحة الاسلوب السياسي السلمي، مازال المتمردون يشكلون حجر عثرة لا يتزحزح على الطريق الموصل إلى عراق جديد. فالبلاد تستطيع ابدأ التحرك قدماً حتى يتم التعامل مع هذا التمرد على نحو حاسم.
ويبدو أن العمود الفقري للتمرد هو الحلف بين البعثيين المقاومين بعناد وشبكة الإرهابيين، ومعظمهم تحت قيادة (أبو مصعب الزرقاوي). فكلا الجماعتين يقاتل من نفس المعركة ولكن لأسباب مختلفة، وباهداف مختلفة ايضاً.
العسكريون الذين يشكلون الجانب البعثي من الحلف لديهم خلفية عسكرية، وهم جنود في الرتب العسكرية الوطيئة أو عملوا في مجالات الامن والمخابرات ولقد فقدوا اعمالهم بعد الحرب عندما قامت قوات التحالف بحل الجيش واجهزة المخابرات والامن. كما انه تم أيضاً ملء أدمغتهم بأفكار معاداة امريكا خلال سنوات حكم صدام، وبكونهم تم طردهم من وظائفهم فقد عزز ذلك احساسهم بوجود مؤامرة ضدهم.
وقد يود العديد منهم العودة وبسعادة لوظائفهم من أجل الحصول على أسلوب حياة أفضل وتجنب المخاطرة بحياتهم عن طريق قذف قنابر الهاون أو اطلاق الصواريخ على الاهداف العسكرية أو المدنية مقابل 200 دولار وهو السعر المتعارف عليه للقيام بمثل هذه الاعمال. ولقد اخبرني ضابط سابق في الجيش العراقي يعمل الآن مترجماً ويختبئ من المتمردين بأنه عندما كان صدام في السلطة قام الجيش بتدريب اعضاء الامن والمخابرات وحزب البعث على اساليب الحرب المدنية التقليدية، ومع النسبة العالية للبطالة، فليس هناك نقص في عدد الرجال القادرين على استخدام الصواريخ المحمولة على الكتف أو الاسلحة الاوتوماتيكية لشن هجمات بسيطة.
يقود ويوجه هؤلاء المقاتلين ضباط اعلى مستوى في الجيش والامن والمخابرات من الذين تمتعوا بكل الامتيازات والسلطة، ولقد تمكنوا من استعادة بعض شبكاتهم التجسسية القديمة وتسجيل الموظفين السابقين لجمع المعلومات ودفعهم للقيام بعمليات الاغتيالات والهجمات على الاهداف العسكرية والمدنية.
ويبدو ان قابلياتهم على زرع الرعب واضحة وجلية ولقد أخبرني مواطن من سكان بغداد قام بزيارة غازي الياور في المنطقة الخضراء ان الجنود اخبروه ان يخفي وجهه حتى لا يتعرف عليه احد. ويبدو ان بعض المتمردين قد تسللوا إلى المؤسسات الحكومية وقاموا بتسهيل محاولات الاغتيالات في بغداد و بقية المدن.
ولقد ظل العديد من الوزراء في الحكومة والمسؤولين العامين في منازلهم لعدة اسابيع وحتى لشهور، حتى ان بعضهم لم يقوموا بزيارة وزاراتهم.
إن هدف الإرهابيين بسيط: وهو عودة حكم البعثيين عبر انقلاب عسكري، جاء في بريد الكتروني لأحد القادة الكبار السابقين في الجيش من مخبئه: حالما يخرج الاحتلال، سيكون لدينا القوة الكافية والارادة لاستعادة قيادة العراق.
لقد كنا قادرين على فعل ذلك عام 1963 وفي عام 1968 وسنفعل ذلك مرة أخرى.
عند توجيه سؤال بشأن كيفية شعور البعثيين تجاه المليشيات الإسلامية للقاعدة قال الضابط القديم في حزب البعث صالح المختار لصحيفة عراقية محلية في بداية هذه السنة بإن البعثيين سوف ((يساندون أي شخص يحمل سلاحاً ضد الاميركان)).
ولدى المليشيات الإسلامية جنودهم الخاصون بهم في هذا الحلف غير المقدس: وهم المؤيدون والمساندون الذين تدفقوا عبر الحدود المفتوحة من الدول المجاورة. وانا أعتقد بأن هؤلاء الناس يقدمون الفائدة للبعثيين لأنهم يقدمون التجهيزات والأموال إلى المستعدين للقيام بالتفجيرات الانتحارية.
حسب قول ضابط عسكري سابق يعمل الآن سائقاً فإن "35 عاماً من القمع الوحشي لصدام لم ينتج عنه تفجير انتحاري واحد!"
ولقد كانت سوريا قاعدة مهمة ومحطة مرور لهؤلاء المقاتلين الاجانب وقد اظهرت المقابلات مع (مجاهدين) معتقلين ونسخ تحقيقات حُصل عليها من المخابرات والامن العراقي أن رحلة (المجاهد) النموذجية من مدينة في سوريا أو الأردن أو السودان أو اليمن أو أي بلد عربي اخر حتى لحظة تفجير نفسه تسير على هذا النحو: بعد أتخاذ القرار بقتال الاميركان في العراق يقوم بالاتصال بالمساجد في دمشق المعروفة بتسجيل المجاهدين للحرب المقدسة في العراق، وغالباً ما يتم تمويل هذه الحملات للتسجيل والانتساب من قبل بعض المسؤولين السوريين.
وبعد ان يتم أتخاذ القرار يعد هذا الشخص مناسباً للقيام (بعملية الاستشهاد) ويدرب على اخفاء هويته وكيف يحمل المتفجرات والذخائر. ويكمل الملالي المتشددين المتعصبين هذا العمل بجرعة ثقيلة من التعاليم الدينية المتشددة. وبعد ذلك يتم تسفير المتطوع عبر الصحراء إلى بعض المناطق التي لها استعداد في تضييف هذا الانتحاري. في هذه المرحلة يسكن في منزل آمن في بغداد حيث يعين له هدف للتفجير أو يتم ارساله إلى مناطق محددة لمقاتلة الامريكان أو الجيش العراقي الجديد وقوات الشرطة.
في السنة الماضية نشرت الحكومة العراقية قائمة بالمقاتلين الاجانب المعتقلين في العراق. ولقد اتصل والد أحد المقاتلين بأحد الوزراء وقال له أنه عندما ترك ولده الوطن قال لوالديه بأنه ذاهب لأجازة في سوريا. وبعد شهر لاحق اتصل بوالديه وقال بأنه في الفلوجة للجهاد ضد الاميركان.
وقبل الحملة العسكرية الاميركية على الفلوجة، اعتادت المليشيات الاجنبية على الذهاب هنالك للانضمام للتمرد المحلي في القيام بمهمات تقليدية على قوات الشرطة والحرس الوطني العراقي والجيش الامريكي. وقد نقل أحد الصحفيين الذين يعملون من أجل معهد صحافة الحرب والسلام (WPR) أن المقاتلين السوريين كانوا يعملون بشكل علني في مناطق مختلفة مما يعرف بالمثلث السني.
وقال أحد المقاتلين السوريين للمراسل الذي كان يتظاهر بأنه احد السكان المحليين بانه في العراق يقاتل الولايات المتحدة لانه (إذا لم نقاتلهم هنا فسيكون علينا قتالهم في سوريا).
كما تتدفق الاموال ايضاً من سوريا. ولقد تكلمت مع صحفي عراقي قام مؤخراً بزيارة سوريا حيث قال أنه شعر في سوريا كما لو انه عاد إلى عراق صدام، فلقد كان المكان (مكتظاً بأبناء البعثيين ومسؤولي النظام السابق).
ومع ان حلفاء التمرد اليائسين يقاتلون في حروب مختلفة ولأسباب مختلفة، فأنهم في الوقت الراهن يقاتلون في نفس المعركة، وهي تدمير الحكومة العراقية الحالية وأخراج الاميركان. واحدى هذه المجموعات تريد عودة حكم صدام وأخرى تريد عراقاً على غرار نظام طالبان، الا انهم جميعاً ينتظرون مغادرة الولايات المتحدة. وسيكون من السذاجة التفكير بأن هذه الجماعات يمكن أن تحيد أو تعدل عن اعمالها من خلال دعوتهم للانضمام للعملية السياسية. وأن وضع بعض الوجوه السنية في الحكومة على أمل أنهم سينهون التمرد هو مثل توقع أجراء جراحة تقويمية لشفاء سرطان المعدة.
إن الحرب ضد هذا التمرد قد تكون غير جذابة أو لا تروق احد، الا أنه لا يمكن تجنبها ويجب أن يكون هدفها الاول هو تحطيم التحالف البعثي مع القاعدة. وللقيام بذلك يجب أن تخاض الحرب على جبهتين: اولاً على المجتمع الدولي أصدار أنذار نهائي لجيران العراق لقطع خطوط تجهيز المتمردين، ومع أن لدى العراق حكومة منتخبة ورئيساً فأن البلد لا يزال جاث على ركبتيه ولا يملك النفوذ الذي تملكه الدول الأخرى على هذه الدول.