سوف ارد على هذه المداخلة باذن الله تعالى ، و لكن بما انها تشبه الى حد كبير مداخلة الشيخ محمد مهدي الآصفي ، فأرى من المناسب الاطلاع على ردي عليه و هو كما يلي:
مناقشة كلمة الشيخ محمد مهدي الآصفي في مؤتمر الامام المهدي
بقلم احمد الكاتب
القسم الأول:
كنت انتظر كلمة الشيخ محمد مهدي الآصفي منذ زمان لأني تحدثت معه هاتفيا عندما زار لندن قبل سنوات وطلبت منه اللقاء والبحث حول موضوع دراستي حول المهدي قبل ان انشرها فرفض اللقاء ووعدني بكتابة رد علي.وكنت أتمنى من عالم جليل مثله ان يرحب بصاحب وجهة نظر مخالفة له يقول انه درس جميع الروايات ولديه ملاحظات عليها فيسمعها ثم يقوم بنقضها بما لديه من معلومات او يرحب بنظريته اذا عجز عن الرد عليها ولكن الشيخ الآصفي رفض مجرد اللقاء والحوار معي.
وعلى أي حال فان الشيخ الآصفي حاول إثبات وجود الامام محمد بن الحسن العسكري من خلال أربعة مداخل تندرج كلها تحت إطار الأدلة الفلسفية والروائية النقلية ولم يتطرق الى الدليل التاريخي او دليل المعاجز كما فعل المتكلمون المتقدمون الذين افترضوا وجود ابن للامام العسكري عن طريق الاجتهاد والفلسفة ، بعد وقوعهم في أزمة فكرية في عصر الحيرة ومحاولتهم للخروج منها بافتراض وجود ولد للامام العسكري بالرغم من عدم وجود أدلة دليل تاريخي قاطع وخلافا للظاهر من حياة الامام العسكري نفسه.
حاول الشيخ الآصفي في البداية ان يدخل الى الموضوع من أحاديث المهدي العامة والأحاديث الخاصة المروية عن أهل البيت بأنه الامام الثاني عشر ابن الامام العسكري.
وقال ان الروايات العامة لا تخص الامام الا انها تنطبق بصورة قهرية على عقيدة الامامية في المهدي ولا نعرف توجيها ولا تفسيرا لها اذا أسقطنا من حسابنا عقيدة الامامية في الموضوع. وقال: ان الايمان بهذه الأحاديث يؤدي الى الإثبات العلمي والقطعي لعقيدة الامامية في تشخيص وتعيين الامام ا لمنتظر ، وذلك بسبب تطابقها أولا مع ما هو المعروف عند الامامية ولانتفاء حالة اخرى تصلح ان تكون مصداقا وتفسيرا لها ثانيا ، ونتيجة هاتين النقطتين (المطابقة والانحصار) هي التطبيق القهري والحتمي لهذه الأحاديث على عقيدة الامامية في تشخيص الامام المهدي.
وادعى الآصفي التواتر على ذلك وقال : ان الشيعة الامامية يذهبون قولا واحدا الى ان الامام المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المولود سنة 255هـ
ثم انتقل الشيخ الآصفي الى الاستدلال بحديث الثقلين (اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) ليستنتج منه أصلا هاما – كما يقول – وهو وجود حجة وإمام من أهل البيت في كل زمان ولا يفترق عن كتاب الله قط.
ويقول: ليس لهذا الحديث تفسير او تطبيق غير ما يعتقده الامامية من وجود الامام المهدي وحياته وبقائه وعصمته وإمامته على المسلمين. ويؤكد: اذا أسقطنا هذا الأمر عن الاعتبار لم نجد تطبيقا وتفسيرا له قط في هذه القرون من حياة المسلمين.
ثم يتوقف الشيخ الآصفي عند هذا السؤال: ما نفع إمام غائب عن الناس للناس؟
ويجيب: ان الله تعالى لم يطلعنا من أسرار غيبه الا على القليل , وما أخفى الله علمه عنا كثير وما عرفنا منه قليل. وقد أخبرنا الصادق الأمين 0ص) ببقاء حجة من أهل بيته في الناس على وجه الأرض الى يوم القيامة فنتعبد بحديثه ، ونحيل علم ما لا نعلم الى من يعلم … وليس كل ما في شريعة الله مفهوم معروف لنا ،وما يخفى علينا من أسرار دين الله أكثر مما تعلم بأضعاف مضاعفة.
بعد ذلك يقوم الشيخ الآصفي بالاستدلال بحديث 0من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) ليستنتج : ان الأرض لا تصلح الا بامام ، ولا بد في كل زمان ان يعرف الإنسان إمام زمانه ، ولا بد من طاعة الامام ، وان من يموت وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية ، ويقول : ان هذه الحقائق تثبت جميعا ان سنة الله تعالى اقتضت وجود إمام عادل في كل زمان قد فرض الله طاعته على الناس ولم يأذن بالخروج عن طاعته ، ومن نافلة القول : ان الحكام الظلمة وأئمة الكفر لا يكونون مصداقا للامام الذي يفرض الله طاعته ومعرفته على الناس في كل زمان.
ويقول: ان التفسير الوحيد لهذه الروايات هو ما تعرفه الامامية وتعتقد به من استمرار الامامة في أهل البيت منذ وفاة رسول الله الى اليوم وعدم انقطاع الامامة بوفاة الحسن العسكري ،وان أي فرض آخر لا يستطيع ان يقدم تفسيرا معقولا لهذه الروايات الا ان نقول بوجوب الطاعة لكل بر وفاجر.
ثم ينتقل الشيخ الآصفي الى الاستدلال بحديث: ان الأرض لا تخلو من حجة وان الله لم يدع الأرض بغير عالم وان الأرض لا بد لها من إمام ، ليستنتج: ضرورة وجود الامام في كل زمان ويقول:لا تفسير لهذه الروايات بغير ما تعرفه الشيعة الامامية وتعتقده من وجود الامام وحياته وغيبته ، واذا أسقطنا هذا الأمر من الاعتبار فلا نجد تفسيرا لهذه الروايات ألبته.
وأخيرا يلجا الشيخ الآصفي الى أحاديث (الأئمة اثنا عشر) ويقول: لا إشكال في انها صدرت عن رسول الله ، فقد رواها الفريقان ،وهي ظاهرة في ان الأمراء المذكورين في الرواية أمراء الحق وليس أئمة الظلم والجور وان عدتهم اثنا عشر ولا يخلو منهم زمان.
ويعلق: لا نعرف لهذه الأحاديث تطبيقا غير الأئمة الاثني عشر المعروفين عند الشيعة الامامية الاثني عشرية وآخرهم المهدي المنتظر الثاني عشر ، إذ لا نعرف تطبيقا قط ينطبق بالتمام والدقة على هذه الروايات غير عقيدة الشيعة الامامية وبضمنها ولادة الامام وغيبته ، واذا أسقطنا هذا الواقع من الحساب لم يبق تفسيرا لهذه الروايات.
ويقول بعد ذلك : هذه أربع طوائف من الروايات لا يتطرق اليها الشك من حيث السند ولا من حيث الدلالة في معانيها ومضامينها وتنطبق على ما تعتقده الامامية وتعرفه من إمامة الأئمة الاثني عشر وولادة الامام الثاني عشر وغيبته وظهوره انطباقا تاما. وينحصر الانطباق عليهم فلا نعرف لهذا الروايات تطبيقا آخر في تاريخنا المعاصر والقديم غيرهم فلم يدع غيرهم لنفسه العصمة ، وهذا ينتج بالضرورة الإثبات اليقيني العلمي لمذهب أهل البيت. ولذلك قلنا ان انطباق هذه الروايات على الأئمة الاثني عشر ومنهم الامام الثاني عشر الغائب المنتظر انطباق قطعي وضروري.
ثم ينتقل الشيخ الآصفي الى طائفة اخرى من الروايات الواردة عن أهل البيت والتي تخص الامام المهدي ، ويخاطب الذين يعتقدون بحجية حديث أهل البيت وانهم امتداد لرسول الله ، فيقول: ان الروايات التي تسمي المهدي وانه الثاني عشر من أئمة اهل البيت والتاسع من ذرية الحسين وابن الامام العسكري روايات متواترة في جميع طبقات أسنادها ،ويقول:ان لم تكن أحاديث المهدي في كتب الشيعة والسنة بالغة حد التواتر فليس لديها حديث متواتر في المجامع الحديثية. ويعرف التواتر بأنه ما يمتنع معه تواطؤ الرواة على انتحال الرواية.
وعندما ينتقل الشيخ الآصفي الى الحديث عن الروايات الواردة حول إمامة وغيبة وظهور الامام محمد بن الحسن العسكري يعتذر عن إتمام البحث لعدم اتساع الوقت لإتمامه ويرجو ان يوفق لإتمامه في المستقبل القريب.
ومع ذلك لم يشر الى بحث ولادة ووجود محمد بن الحسن العسكري.
هذه خلاصة لمداخلة الشيخ الآصفي في مؤتمر الامام المهدي الذي لم اعرف أين عقد ؟ ومتى؟ وكنت افترض ف ياي مؤتمر جاد ان يدعو أصحاب النظريات المتقابلة للحوار وكنت أتمنى ان أشارك في هذا المؤتمر لأني كنت قد وجهت دعوة الى الحوزة العلمية في قم قبل سبع سنوات لعقد هكذا مؤتمر لمناقشة نظريتي ولم اسمع منها أي جواب ، حتى ان الشيخ الآصفي لم يشر الى وجود بحث مضاد يعتمد على أحاديث اهل البيت والتراث الشيعي التاريخي ، خوفا من لفت الانتباه الى وجود احمد الكاتب وكتابه ، مع ان من المفروض في أي باحث علمي جاد ان يدرس مختلف النظريات ويعلق عليها ويردها ،ولا اعتقد انه لم يسمع بكتابي وقد حدثته مباشرة وطلبت منه الرد والتعليق .
وعلى رغم اني ناقشت هذين الدليلين في كتابي الموجود على العنوان التالي مناقشة مفصلة
http://www.btinternet.com/~katib.shora
وفي فصلين خاصين وهما موجودان على موقع الحوار هذا ، فان ي اعتقد ان الشيخ الآصفي لم يستدل لهما بصورة جيدة إذ أغفل أهم الفقرات التي استند اليها المتكلمون السابقون الذين استدلوا بهما على فرضية وجود الامام المهدي.
ادعى الشيخ الآصفي وجود تواتر في الرواية عن اهل البيت بأن المهدي المنتظر هو ابن الحسن العسكري والثاني عشر من اهل البيت. وهو ادعاء غير صحيح بالمرة ، إذ ان فكرة المهدوية خلال القرون الثلاثة الاولى كانت عامة وغامضة وغير محددة في أحد من الأئمة ،ولذلك كان عامة الشيعة وخواص الأئمة وبعض الأئمة أنفسهم يتوقعون ان يكونوا هم القائمين بالأمر ، وقد اعتقد عامة الشيعة ما عدا فئة قليلة بأن الامام الكاظم هو المهدي المنتظر وقالوا انه غاب غيبتين الاولى في السجن والثانية بعد هروبه من السجن ، حيث انهم لم يعترفوا بوفاته ودفنه.
واذا راجعنا الروايات الواردة عن أهل البيت والتي تتناقض مع مهدوية الامام الثاني عشر يتضح عدم وجود اية إشارة فضلا عن وجود اجماع في القرون الاولى حول مهدوية الامام الثاني عشر. وهذا ما يؤكد على افتراض المهدوية للامام الثاني عشر ، واختلاق الروايات بعد حين. فضلا عن انه لا يجوز نسبة صفة المهدوية لرجل لم تثبت ولادته بعد ، او الحديث عن غيبته وظهوره في المستقبل.
قال الشيخ الآصفي: ان الشيعة الامامية يذهبون قولا واحدا الى ان الامام المهدي المنتظر هو محمد بن الحسن العسكري.
وقد خلط في ذلك بين فرق الشيعة الامامية المختلفة كالإسماعيلية والواقفية والفطحية والمحمدية الذين قالوا بأئمة مهديين آخرين ، ولم يلاحظ ان شيعة الامام العسكري أنفسهم انقسموا الى أربعة عشر فرقة ومنهم من قال بمهدويته وغيبته، ولم يقل بمهدوية محمد بن الحسن العسكري الا فرقة واحدة من عشرات الفرق الامامية والشيعية والإسلامية التي قالت بنظريات اخرى عبر التاريخ.
ثم حاول الشيخ الآصفي ان يجتهد في تطبيق الأحاديث العامة التي تتحدث عن ظهور مهدي غير محدد الهوية على الامام محمد بن الحسن العسكري ،وقال : انها تنطبق بصورة قهرية على عقيدة الامامية في المهدي . وهذا غير صحيح أولا ، وهو ظن وافتراض ثانيا .
واذا لم يكن الآصفي يعرف توجيها لتلك الأحاديث فكيف يطبقها على انسان لم تثبت ولادته ولا وجوده بعد ؟ فان ذلك أبعد الفرضيات.
وهل يملك هو علم من الله؟ او نص صريح من القرآن الكريم او النبي الأعظم حتى يقطع انه فلان؟ ولماذا لا يفترض ان الله سوف يخلق انسانا في المستقبل ويكلفه بهذه المهمة؟ إذن فلا مطابقة ولا انحصار ولا حتم ولا قهر في دلالة الأحاديث العامة حول المهدي على ابن الحسن العسكري.
كذلك حاول الشيخ الآصفي الاجتهاد في أحاديث اخرى وعصرها واستخراج معاني غير واضحة منها كحديث الثقلين الذي يقول فيه الرسول الأعظم: ان الكتاب والعترة لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض. وبالرغم من اننا لا نملك عمليا سوى الكتاب مرجعا نرجع اليه منذ الف ومائة سنة على الأقل ولم يخرج أي رجل من العترة لكي يفسر لنا آية او يذكر لنا حكما او يحل لنا مشكلة ، فان المقصود من كلمة العترة غامض وعام وغير صريح بأسماء الأئمة ، وقد استخدمه العباسيون لتثبيت حكمهم بدعوى انهم من العترة ، والعترة هم أقرباء الرجل حسب اللغة.
ونتيجة لغياب الركن الثاني المفترض (العترة) فقد لجأ الشيعة الامامية الى الاجتهاد واصبح لديهم حجج الاسلام وآيات الله وهم من غير العترة.
وبما كان المقصود من العترة هم الأئمة السابقون وتراثهم وليس بالضرورة ان يكون واحد منهم موجودا طوال التاريخ الى يوم القيامة ، وهم بالتأكيد لم يفترقوا عن الكتاب. ولكن الشيخ الآصفي يحاول ان يستنتج قسرا من هذه الرواية وجود حجة وإمام من اهل البيت في كل زمان وان يفترض وجود الامام محمد بن الحسن العسكري افتراضا محضا.
اذا كانت لدى الشيخ الآصفي مشكلو نظرية سببت له الحيرة كما سببت الحيرة لبعض الشيعة الامامية بعد وفاة الامام الحسن العسكري ، فلكي يخرج منها عليه اما ان يعيد النظر بسند تلك الروايات او مفاهيمها او يبحث عن أي شيء آخر قبل ان يفترض وجود شخص لم يظهر في التاريخ لا في حياة أبيه ولا بعد ذلك.
علما بأن الشيعة الامامية الإسماعيلية (البهرة) يعتقدون ايضا بوجود إمام مخفي ومستور ولكنهم يقولون بأنه يعيش عمرا طبيعيا وبتوفي ويوصي الى أبنائه الذين لا يتصل بهم الا شيخ الإسماعيلية الأكبر النائب الخاص عن الامام الغائب.
فلماذا يرفض الشيخ الآصفي النظرية الإسماعيلية ولا يبحث عن تطبيق الحديث لدى أئمتهم المعصومين في نظرهم والمستمرين على قيد الحياة حسب ادعاءاتهم؟
ان معنى الامام وفلسفته في الفكر الإمامي هو المطبق للدين والقائد والمنفذ والخليفة والحاكم وهو ما يعنوه بقولهم: لا بد في الأرض من إمام ، والا فان الله عز وجل لديه ملائكة كثيرون وهو ليس بحاجة الى أحد لكي يحفظ الكون كما يقول بعض الغلاة, إذن فان الغيبة الطويلة تتناقض مع مهمة الامامة وفلسفتها ، ولا يجوز ان نحتم على الله ان يعين اماما من عنده للامة ثم نقول انا لا نعرف ماهو وجه الحكمة في اختفاء هذا الامام . إذن لماذا افترضنا وجوب تعيين الامام ورفضنا ان تقوم الامة باختيار الامام العادل؟
ان مثل الشيخ الآصفي كمثل من يقول بضرورة تعيين الدولة شرطيا للمرور في تقاطع طرق ثم يقول : ان الشرطي غائب ، وعندما نسأله عن الحكمة من وراء غيبة الشرطي الذي ترك الشوارع في حالة اضطراب ، يقول: ان علم ذلك عند الدولة ، او انه ينظم السير من وراء حجاب.
إما ان يكون وجود الشرطي المعين من قبل الدولة ضروريا او لا يكون ، ولا يعقل ان نقول : انه ضروري وانه معين ولكنه غائب وعلم ذلك عند الله ، او لا بد ان نريح أنفسنا بالقول ان على البلدية ان تنتخب شرطيا لتنظيم السير وان ذلك من أعمالنا وليس من أعمال الملك او رئيس الوزراء.
ويمضي الشيخ الآصفي في استدلالاته الفلسفية الافتراضية الاجتهادية على وجود ابن الامام العسكري ، فيستعين بحديث (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) ويقول: ان التفسير الوحيد له هو ما تعرفه الامامية وتعتقد به من استمرار الامامة في اهل البيت منذ وفاة رسول الله ،وان أي فرض آخر لا يستطيع ان يقدم تفسيرا معقولا لهذه الرواية الا ان نقول بوجوب الطاعة لكل بر وفاجر.
ونقول للعلامة الجليل والمفكر الاسلامي الكبير آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي:
أولا – انه بقوله هذا يعترف ضمنيا بأنه يقوم بعملية افتراض.
وثانيا – ان الفرض المعقول الآخر هو لا هذا ولا ذاك ،وانما هو الطاعة للامام العادل ، كما هو الحال في الجمهورية الاسلامية الإيرانية ، مثلا ، حسبما يعتقد الشيخ ، وهل الامام هناك معصوم؟ أو جائر؟ أو أمر بين أمرين؟
لماذا تقفز على الفرضيات الأخرى المعقولة وتحصرها بالحاكم الجائر او الامام المعصوم ثم تفترض وجوده وولادته؟
ان المتكلمين السابقين الذين استدلوا بهذه الرواية على ضرورة وجود الامام المعصوم المعين من قبل الله واستمرار الامامة في ولد الحسن العسكري ، اعتمدوا على فقرة مهمة في عملية الاستدلال أهملها الشيخ الآصفي وهي ضرورة استمرار الامامة وراثيا بصورة عمودية وعدم جواز انتقالها الى أخ او ابن أخ او عم او ابن عم ، ولذا فان قسما من شيعة الامام الحسن العسكري الذين لم يكونوا يؤمنون بحتمية هذا القانون لم يجدوا بأسا بالقول بإمامة جعفر بن علي الهادي ، كما قال قسم من الشيعة سابقا بإمامة موسى بن جعفر بعد وفاة أخيه الامام عبد الله الأفطح ،ولم يضطروا الى افتراض وجود ولد للعسكري خلافا للظاهر والحقيقة كما لم يضطروا من قبل الى افتراض وجود ولد للامام عبد الله الأفطح.
إضافة الى انه يمكن تطبيق الحديث على أئمة الشيعة الامامية الإسماعيلية المختبئين اليوم فلماذا ترفض ذلك؟
هناك تفاسير عديدة للرواية وتطبيقات مختلفة فلماذا تختار تفسيرا معينا وترفض التفاسير والتأويلات الأخرى؟
ونصل الى أحاديث (الاثني عشرية) التي حاول الشيخ الآصفي ان يعتمد عليها مناجل استنتاج وجود الامام الثاني عشر وافتراض حياته الى اليوم.
وقد ادعى الشيخ الآصفي صفة التواتر على تلك الأحاديث بالرغم منها ضعيفة عند السنة وغير محددة ولا واضحة , وهي اضعف عند الشيعة ومختلقة كلها في القرن الرابع الهجري عند تأسيس الفرقة الاثني عشرية ولم يكن لها أي وجود عند الشيعة في القرون الثلاثة الاولى.
وهي مع ذلك تتعارض مع أحاديث كثيرة تؤكد على استمرار الامامة الى يوم القيامة دون تحديد بعدد معين ، كما تتعارض تماما مع نظرية البداء التي كان يستند اليها بعض الأئمة او بعض الشيعة الامامية في تغيير شخص الامام الذي يخلف أباه بعد وفاة أخيه المعين من قبل ن كما حدث مع إسماعيل بن جعفر الصادق والإمام محمد بن علي الهادي اللذين توفيا في حياة والديهما فانتقل الشيعة الامامية الى أخويهما من بعدهما.
وقد روى الصفار والكليني والمفيد والطوسي عن ابي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال: كنت عند ابي الحسن العسكري وقت وفاة ابنه ابي جعفر وقد كان أشار اليه ودل عليه ،واني لأفكر في نفسي أقول : هذه قصة ابي إبراهيم وقصة إسماعيل ، فأقبل الي أبو الحسن وقال: نعم يا أبا هاشم بدا لله في ابي جعفر وصيَر مكانه أبا محمد كما بدا لله في إسماعيل بعدما دل عليه أبو عبد الله ونصبه ، وهو كما حدثتك نفسك وأنكره المبطلون ..أبو محمد ابني الخلف من بعدي عنده ما تحتاجون اليه ومعه آلة الامامة والحمد لله . (الكليني: الكافي ج1 ص 328 والطوسي: الغيبة ص 55 و130 والمفيد : الإرشاد ص 317 والمجلسي: بحار الأنوار ج 50 ص 241)
وروى الصفار والكليني والمفيد والطوسي حديثا عن الامام الهادي يقول فيه لابنه الحسن : يا بني أحدث لله شكرا فقد أحدث فيك أمرا.
(الصفار : بصائر الدرجات ص 473 والكليني: الكافي ج1 ص 326و328 والمفيد: الإرشاد ص 337 والطوسي: الغيبة ص 122)
واذا صحت فرضا أحاديث (الاثني عشرية) فيمكن ان نحسب الامام عبد الله الأفطح او زيد بن علي ونكمل القائمة ولا نحتاج الى افتراض وجود ولد للامام العسكري دول دليل.
ان ذلك الاستدلال من الشيخ الآصفي يسميه المتكلمون : الدليل العقلي او الاعتباري او الفلسفي ،وهو كما يلاحظ يقوم على مقدمات نقلية وظنون وتأويلات تعسفية وليس دليلا عقليا محضا بحيث يستطيع أي انسان عاقل ان يتوصل اليه. وهو دليل افتراضي ظني لا يستطيع ان يثبت وجود انسان في الخارج.
يضيف الشيخ الآصفي اليه دليلا آخر هو الدليل الروائي الذي يتضمن أحاديث تشير الى ان المهدي هو الثاني عشر او التاسع من ولد الحسين او ابن الحسن العسكري ويدعي صفة التواتر على تلك الأحاديث. ورغم انه يعرف التواتر بأنه ما يمتنع معه تواطؤ الرواة على انتحال الرواية وما بلغت رواته في جميع الطبقات من الكثرة بحيث يستحيل تواطؤهم على الكذب ، الا انه يتقبل الروايات دون تمحيص او بحث ودون مقارنتها مع أحداث التاريخ والأجواء السياسية المحيطة بها والصراعات الطائفية التي أدت الى اختلاقها ،ويرفض الإشارة ولو من بعيد الى حدوث الاختلاف والحيرة لدى الشيعة الامامية من أصحاب الامام العسكري ،وتفرقهم الى أربعة عشر فرقة وعدم معرفة كبار القوم بتلك الأحاديث في الزمن الأول وتعزيتهم لجعفر وتهنئتهم له بالإمامة بعد وفاة أخيه ،و لا يلتفت الى احتمال الوضع والكذب في فترة متأخرة ،وخاصة من قبل الفرقة الاثني عشرية التي ولدت في القرن الرابع الهجري واختلقت كل تلك الروايات لتدعيم مذهبها.
وهذا غريب جدا من باحث بسيط فضلا عمن يدعي العلم والاجتهاد وهو ما يفسر التهرب من الحوار الجدي واقامة المؤتمرات العلمية الحرة المحايدة من اجل بحث هكذا أمور.
وعندما يصل الشيخ الآصفي الى بحث وجود الامام المهدي وولادته عن طريق الأدلة العلمية التاريخية يعتذر عن إتمام البحث بحجة عدم توفر الوقت ، وهذا يصح ان كان طلب منه الحديث فجأة ، أما وانه قد أعد لبحثه إعدادا مسبقا فانه يبدو اقرب الى العذر من اجل التهرب من مناقشة الأدلة التاريخية بما يتضمن اعترافا بضعفها واسطوريتها.
لهذا أستطيع ان أقول واكرر القول: ان الايمان بوجود الامام محمد بن الحسن العسكري كان فرضية فلسفية ظنية اجتهادية اكثر مما كان حقيقة تاريخية ثابتة.
ومن هنا لا بد ان نعيد النظر فيها حتى نعيد ترتيب أوراقنا الداخلية وعلاقاتنا الخارجية ولا نجعل من قضية الامام المهدي قصة نتناحر عليها الى يوم القيامة.
احمد الكاتب
القسم الثاني : ردا على رد الآصفي
العلاقة بين الايمان بالمهدي ورفض الشورى؟
سماحة العلامة الشيخ محمد مهدي الآصفي حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اطلعت على ردكم العاجل وانتم في السفر على مناقشتي لكلمتكم عن (الامام المهدي) التي ألقيتموها في أحد المؤتمرات التي عقدت مؤخرا حول هذا الموضوع. وقد لخصتم في ردكم ما سبق ان شرحتموه في كلمتكم ،ولم تأتوا بشيء جديد ولم تردوا على النقاط التي ذكرتها في مناقشتي من تعارض دعوى التواتر والإجماع على مهدوية الامام الثاني عشر مع التاريخ الشيعي وأحاديث أهل البيت الكثيرة والحركات المهدوية الشيعية العديدة التي ظهرت في القرون الأولى . وبدلا من ان تثبتوا ولادة ابن الامام الحسن العسكري المفترض تاريخيا انشغلتم مرة اخرى بتكرار الحديث عن النظرية الامامية الالهية ، واستنتجتم منها صحة فرضية وجود (الامام محمد بن الحسن العسكري) ووعدتم ايضا ببحث الروايات التي تتحدث عن ولادته في المستقبل ، وهذا ما يدعونا الى انتظار نتائج أبحاثكم حول الأدلة التاريخية على ولادة الامام المهدي .
وبالرغم من أنكم وصفتم تلك الأدلة التاريخية - مسبقا وبسرعة - بالصحة والتواتر ، ربما اعتمادا على المركوز في ذهنكم ، فاني أؤكد لكم مرة اخرى ان تلك الروايات التاريخية ليست سوى إشاعات سرية ضعيفة ومتناقضة لا ترقى الى مستوى خبر الآحاد الصحيح فضلا عن كونها صحيحة او متواترة ، خاصة وانها تخالف الظاهر واجماع المؤرخين الشيعة الذين تحدثوا عن وقوع الحيرة بعد وفاة الامام الحسن العسكري وقيام كبراء الشيعة بتعزية جعفر وتهنئته بالإمامة في البداية ، ثم تفرق الشيعة الى أربعة عشر فرقة ، وعدم معرفة علماء قم في تلك الأيام بوجود ولد للامام العسكري وإرسالهم وفدا الى سامراء ليحقق في الموضوع ، وان عامة الشيعة الامامية بحثوا عن الولد فلم يعثروا عليه ولم يتأكدوا من وجوده ، فكيف تكون الروايات حول ولادته متواترة؟ وماذا يعني التواتر لديكم؟وهل لديكم مصطلح جديد في معنى التواتر؟ علما بأنكم تقولون بانعدام صفة التواتر مع احتمال الكذب والوضع .
ويبدو أنكم تحاولون إضفاء صفة الصحة والتواتر على إشاعات الغلاة الغريبة والعجيبة ، في محاولة منكم للخروج من الحيرة التي لا زلتم تترددون فيها نتيجة إيمانكم بنظرية الامامة الالهية وضرورة وجود الامام المعصوم المعين من قبل الله ، التي استنتجتموها من بعض الأحاديث التي وصفتموها ايضا بالصحة والتواتر ، وأوّلتموها تأويلا خاصا ، ولا تريدون ان تفسروها بشكل آخر كما فسرها بعض الشيعة الامامية (الفطحية) الذين خرجوا من الحيرة بنقل الامامة الى جعفر بن علي الهادي.
المشكلة هي في طريقة استنتاجكم لنظريتكم الخاصة من تلك الأحاديث وفي تركيب فرضية ولادة ابن للامام العسكري عليها ، مع انه لا تلازم بين النظرية الاولى والفرضية الثانية ، وان القول بذلك نوع من التخمين والظن والقول بلا دليل.
ان حيرتكم تتجسد في محاولتكم العثور على مصاديق خارجة لبعض الأحاديث الغامضة كحديث الاثني عشرية ، وقد قدمنا لكم عدة حلول اخرى ممكنة لم تناقشوها ولم تأخذوا بها وأصررتم على افتراض وجود ولد للامام العسكري مع ان هذه الفرضية أسوء من تمحلات السيوطي.
ثم إنكم لم تجيبونا على السؤال عن معنى الامامة وكيفية الارتباط بالإمام وطاعته وتوليه وهو في الغيبة ، مع إنكم في كتابكم (علاقة الحركة الاسلامية بولاية الأمر) ترفضون مجرد الولاء الإسمي أو الصوري للولي الفقيه وتطالبون حزب الدعوة الاسلامية بالطاعة الحركية والولاء الحضاري والانقياد السياسي ، فكيف يمكن تحقيق هذا النوع من الطاعة للامام الغائب الذي لا يفتي ولا يفسر ولا يأمر ولا ينهي ولا يمارس دوره القيادي؟ وكيف يمكن ان نسميه اماما؟ وقد قال الامام الرضا في أحاديث كثيرة : ان الامام يجب ان يكون حيا ظاهرا معروفا.
ولو كان الامام العسكري قد ادعى ولادة ولد له وأظهره للناس لم نكن نشترط ان يأتينا بدليل على بنوة ذلك الولد له ، كما لم نسأل أحدا من الأئمة السابقين او غيرهم عن إثبات نسب أي شخص إليهم ، بالرغم من شك بعض أهل البيت ببنوة الامام الجواد (الذي كان أسمرا ) للامام الرضا في حياته ، وعرضه على القافة ، واكتفينا بإعلان الامام الرضا لبنوة ابنه الجواد اليه. فكيف تريد منا ان ننسب ولدا الى الامام العسكري وهو يعلن أمام الملأ ان لا وجود لولد لديه؟ ونقبل بالرواية السرية المتهمة والمشكوك فيها؟
نعم توجد روايات كثيرة يرويها الغلاة والضعفاء والوضاعون ولكنها غير محققة ولا مدروسة ولا توجد فيها رواية واحدة صحيحة ، ومشكلتها الرئيسية هي انها تنسب ولدا لرجل لم يعترف بوجود هكذا ولد ، وهو أمر لو حدث مع أي شخص لرفضه بشدة ، فهل تقبل ان ينسب اليك أحد وجود ولد لك في السر في حياتك او بعد مماتك بالرغم من إنكارك لذلك؟ وهل يجوز شرعا إلحاق هذا الولد المدعى بك ؟ وهل يجوز اعطاؤه الإرث مثلا؟
ان الشيعة الامامية لم يجمعوا على وجود الامام الثاني عشر ماعدا الفرقة الاثني عشرية ، وقد وصل القول بذلك الى طريق مسدود فتخلى الشيعة ومنذ قرون عن نظرية الامامة وعن انتظار الامام المفترض الغائب ، وأقاموا لهم دولا بأنفسهم على اساس الفقه والعدالة وليس العصمة او النص .
ومع ان الكثرة والانتشار ليست مقياسا للحق والصواب ، والا فان المسيحيين وأهل السنة أكثر من الشيعة ، فنحن لا نحاول التهجم على أية مجموعة بشرية مهما كانت صغيرة ، وانما نحاول مناقشة فرضية ظنية اجتهادية قال بها بعض المتكلمين قبل ألف عام وسببت للشيعة والمسلمين أضرارا كثيرة ، ولا تزال تعقد حياتهم الاجتماعية وتحول دون تطور نظامهم السياسي.
ومن هنا أطالبكم ببذل المزيد من الوقت والجهد لمراجعة تلك الفرضية بدقة والتأكد من حقيقتها ، واعتقد انها تستحق ان توقفوا من أجلها كل أعمالكم الثقافية ونشاطاتكم التنظيمية والسياسية لكي تخرجوا بنتيجة واضحة وأكيدة ، وذلك لآثارها الكبيرة على مسيرتكم الشخصية ومسيرة الحزب الرائد حزب الدعوة الاسلامية ومسيرة الشعب العراقي والأمة الاسلامية.
شيخنا الكريم
لقد كنتم واحدا من رواد العمل الاسلامي في العراق منذ حوالي خمسين عاما ورافقتم تأسيس حزب الدعوة الاسلامية المبارك ، واشتركتم في جهاد الطغاة والمستبدين. ومن المؤكد أنكم تتذكرون جيدا الأجواء السلبية التي كانت تخيم على الحوزة العلمية في النجف ، والتي كانت تعيق أي نشاط إسلامي حركي وترفض الثورة والعمل السياسي في (عصر غيبة الامام المهدي) وتدعو الى انتظاره بصورة سلبية ، وذلك قبل ان يطرح البعض نظرية ولاية الفقيه في نهاية الستينات. واعتقد أنكم تتذكرون الضغوط الهائلة الثقافية والاجتماعية التي مارسها المنغلقون والمتحجرون على مؤسسي حزب الدعوة وخاصة الشهيد السيد محمد باقر الصدر ، لحل الحزب والانسحاب منه والتخلي عن نظرية الشورى التي تأسس عليها ، باعتبارها نظرية سنية مخالفة لمذهب أهل البيت ، مما أدى الى وقف انطلاقة الحزب بعد خروج الصدر منه سنة 1962 وارتباك أيديولوجيته السياسية وحيرته وانقسامه بين الشورى والمرجعية.
وقد استمرت تلك الحيرة وذلك الانقسام الى عام 1971 عندما رفضت قيادة الحزب الاستجابة لطلب الشهيد الصدر بسحب (الأسس) التي قام عليها الحزب والتي كتبها الصدر بنفسه سابقا ، والتي تنص على نظرية الشورى ، وذلك بعد تبلور نظرية المرجعية لدى الصدر. وقد انعكس ذلك الخلاف على علاقة الحزب بالشهيد الصدر خلال السبعينات ، ثم انتقل الخلاف الى ايران بعد انتصار الثورة ، حيث رفض الشهيد القائد محمد هادي السبيتي وآخرون نظرية ولاية الفقيه ، وتصديتم (سماحة الشيخ الآصفي) الى إثبات مبدأ ولاية الفقيه في نظام الحزب الداخلي لأول مرة.
وكما تعرفون فقد استمر الجدل والنقاش حول ولاية الفقيه في داخل حزب الدعوة وكيفية تطبيقها وممارستها ، فاستحدثتم مع السيد كاظم الحائري عام 1982 منصب (فقيه الحزب) ونجحتم في جعل الحائري فقيها للدعوة ، ولكنه سرعان ما استقال من هذا المنصب عام 1983 وخرج من الحزب ليتفرغ للإعداد للمرجعية . ثم أسستم بعد ذلك المجلس الفقهي عام 1984 وطالبتم بأن تكون القيادة الحقيقية بيد هذا المجلس الذي كنتم عضوا فيه ، لا بيد قيادة التنظيم المنتخبة من القواعد ، وحاولتم في عام 1985 ربط حزب الدعوة بالإمام الخميني وعقدتم من أجل ذلك لقاء مع رئيس الجمهورية الإيرانية السيد علي الخامنئي وعرضتم عليه الموضوع ، لكنه أجابكم بأن الامام الخميني لا يقبل بمثل هذا التدخل في شؤون الحزب. ولم تكتفوا بذلك كما لم توقفوا مساعيكم من أجل الهيمنة على حزب الدعوة وقيادته التي شعرت يومها بأن هنالك مؤامرة لذبح الحزب على الطريقة الاسلامية! فاستغاثت بالشيخ المنتظري (نائب الامام) ووجهت اليه عدة استفتاءات حول رأي الامام بعمل الأحزاب الاسلامية وخاصة العراقية ومدى حريتها في العمل ، فنفى ان تكون هناك أية حاجة للارتباط المباشر.
ومع ذلك طالبتم الحزب عام 1987 بالذوبان في مرجعية الامام الخميني وتحويله الى (حزب الله).
وطالبتم الحزب مرة اخرى في مؤتمر الحوراء زينب الذي عقد في 1/1/1988 بالتسليم للمرجعية وخضوع القيادة الحزبية لها ودعوتم الحزب الى طلب الإشراف المباشر من قبل الامام الخميني ، لكي يرتبط ارتباطا حقيقيا وعمليا بالمرجعية ويكون التوجيه والقيادة لها لا للحزب. وهذا ما دفع المؤتمرين الى التصويت على إلغاء ( المجلس الفقهي) بالأغلبية الساحقة وانشقاق مجموعة من الحزب أخذت تعمل بوحي منكم مع السيد الحائري تحت اسم (حزب الدعوة – المجلس الفقهي) او خط الولاية.
ولم تحترموا ارادة الدعاة والمجاهدين وحقهم في ممارسة الشورى ، فأصررتم على طرح موضوع الارتباط المباشر مع السيد أحمد الخميني ، الا ان المؤتمر لم يوافق على ذلك ، كما ان السيد احمد نفسه رفض الفكرة بعد طرحها عليه .
وهذا ما أدى بكم الى الاستقالة من منصب الناطقية الرسمية للحزب عام 1989
ثم اتجهتم الى تبني قيادة السيد الخامنئي بعد وفاة الامام الخميني ورفضتم اتجاه غالبية الحزب بالالتفاف حول السيد محمد حسين فضل الله ، وألفتم كتابكم (علاقة الحركة الاسلامية بولاية الأمر) عام 1997 وقلتم فيه: ان الولاية السياسية للمسلمين متعينة في قيادة وإمامة السيد الخامنئي. وان الارتباط بالولاية لا يتحقق بمجرد النية والتعهد والالتزام بالطاعة وانما بالارتباط الحركي والسياسي والعقائدي والحضاري على غرار ارتباط المؤسسة القانونية والقضائية والعسكرية ، وطالبتم فيه بأن يكون ارتباط الحزب بالقيادة الإيرانية كارتباط الشرطة والجنود والمخابرات وأفراد القوات المسلحة الإيرانية بقيادتهم.
وكان طلبكم هذا يعني حل حزب الدعوة العريق (العراقي) ونحره على الطريقة الإيرانية.
وأخيرا اقترحتم على قيادة حزب الدعوة كحل وحيد للأزمة : تشكيل لجنة من العلماء من داخل وخارج الحزب تشرف على عمل القيادة والقبول بممثل للخامنئي له حق الولاية والاشراف على التنظيم.
سماحة الشيخ الآصفي
لا أريد ان أناقشكم رأيكم حول ضرورة تبعية الحزب للمرجعية والقيادة الإيرانية وآثار ذلك السياسية ،فقد كنت وكنا في منظمة العمل الاسلامي ندعو الى هذا الرأي منذ البداية ، لأننا كنا نؤمن بنظرية ولاية الفقيه في الستينات عندما كان حزب الدعوة يدعو الى الشورى والانتخاب ، وان من حقكم اتخاذ أي رأي ترونه مناسبا او تطويره او تغييره متى ما تشاءون ، ولكني أود الإشارة الى الموقف السلبي الذي اتخذته قطاعات واسعة في الحوزة العلمية في النجف منذ الخمسينات ضد مبدأ الشورى وحق الامة في الانتخاب واختيار الحكام واقامة النظام الديموقراطي والمجالس البرلمانية.
ومع ان الحكومات العراقية المتعاقبة منذ تأسيس العراق لم تكن تحترم الحياة الديموقراطية الحقة وكانت تتلاعب بها او تلغيها وتنسفها متى ما تشاء ، فان بعض العقول المتحجرة والمتخلفة في الحوزة كانت ترفض مبدأ الشورى وحق الأمة في المشاركة السياسية حتى انها رفضت قيام حزب إسلامي (حزب الدعوة) يقوم على الشورى والانتخاب ويدعو الى اقامة حكومة اسلامية تقوم على الشورى. ووجدت في ذلك تناقضا مع ما كنت تحمله من أفكار وتصورات ونظريات بائدة وعقيمة تحسب انها من تراث أهل البيت ، وأهل البيت منها براء.
وقد انعكس ذلك الموقف السلبي على علاقة الدعوة والحركة الاسلامية بصورة عامة مع المرجعية الجامدة والمجمدة التي كانت تحتكر الشرعية الدستورية والحق في القيادة، واثر على انطلاقة حزب الدعوة الأولى ، كما انعكس على علاقة الحزب مع الشهيد الصدر الذي آمن بعد ذلك بنظرية ولاية الفقيه ولم يؤمن بها الحزب بقوة. ثم انتقل الخلاف الى ايران حيث شهد الحزب صراعا مريرا وطويلا مع رجال حاولوا السيطرة عليه وإخضاعه لإرادتهم وذبحه على الطريقة الاسلامية ، مما أدى الى تشر ذمه وارتباكه وجموده وتخلفه عن أداء رسالته بفاعلية متكاملة توازي وزنه على الأرض.
ومع أنكم كنتم تميلون سابقا الى مرجعية السيد الخوئي الذي يرفض نظرية ولاية الفقيه بشدة ، وكان موقفكم غامضا من هذه النظرية قبل قيام الثورة الاسلامية في ايران ، الا أنكم لم تحاولوا إثبات مبدأ ولاية الفقيه في نظام الحزب الداخلي ، فقط ، وانما حاولتم ربط حزب الدعوة (العراقي) بالقيادة الإيرانية ، بالرغم من إرادة معظم كوادر الحزب وقواعده التي كانت تفضل المحافظة على قرارها السياسي مستقلا ، ولا ترى ضرورة دينية او سياسية للذوبان في القيادة الإيرانية التي كانت هي الأخرى ترفض ذلك.
وهذا يعني أنكم أصبحتم ملكيين أكثر من الملك.
كما يعني أنكم استكثرتم على شباب الحزب الحق بممارسة الشورى والاستقلال ، وهو ما يكشف عن موقفكم تجاه حق الشعب العراقي والشعوب الاسلامية الأخرى بممارسة الشورى وانتخاب قياداتها المستقلة ، فضلا عن حقها في تشكيل مجالسها البرلمانية والتمتع بالحياة الديموقراطية.
ومع ان الشعب الإيراني في ظل ولاية الفقيه ينتخب رئيس جمهوريته وأعضاء مجلس الشورى ويمارس قدرا كبيرا من الشورى والديموقراطية ، فإنكم تستكثرون على حزب الدعوة والأحزاب الاسلامية الأخرى ومن ورائها الشعوب الاسلامية الحق بممارسة الشورى وتدعون الى تبعيتها وارتباطها بالقيادة الإيرانية التي لم تذب بعد تماما في الاسلام ولا تزال تتمسك بالأفكار القومية وتفرق بين الإيراني والعراقي والأفغاني وتنكر على غير الإيرانيين الحق في الحياة بصورة طبيعية في ايران.
ان العقدة الرئيسية لديكم هو إيمانكم بشرعية نظام ولاية الفقيه وحصر الشرعية الدستورية في (الولي الفقيه) المتجسد في السيد الخامنئي ، باعتباره نائبا عاما وحيدا للامام الثاني عشر الغائب (محمد بن الحسن العسكري) "الامام المعصوم المعين من قبل الله لقيادة البشرية" وهذا ما يدفعكم الى رفض نظرية الشورى داخل الحزب او داخل الأمة بصورة مطلقة.
وهو ما يدعوني الى مطالبتكم بالتوقف عن جميع نشاطاتكم الثقافية والسياسية والتنظيمية والإعلامية ، والعودة الى دراسة موضوع وجود وولادة الامام (محمد بن الحسن العسكري) والتأكد مما اذا كان حقيقة تاريخية ؟ أم فرضية فلسفية وهمية ، وعدم الاكتفاء بالاعتماد على الأحاديث النظرية العامة من قبيل (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) او (اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي) او (اثني عشر أميرا او خليفة) فإنها لا تدل على ولادة ابن للامام العسكري الذي كان ينفي في حياته وجود أي ولد له. وعدم التسرع بوصف الإشاعات الأسطورية التي تتحدث عن ولادته في السر ، بالصحة والتواتر. وذلك لأن من البديهي عدم إمكانية اتصاف أي حديث يخالف الظاهر ويتناقض مع تصريح الامام العسكري بنفي وجود الولد ، وعدم رؤية عامة الشيعة لهكذا ولد وعمد ثبوت وجوده طوال اكثر من الف عام ، بالصحة والتواتر.
فضيلة الشيخ الآصفي
لقد بذلتم جهودا كبيرة في مختلف المجالات الفقهية والفكرية والسياسية والاجتماعية .. وتقفون اليوم أمام قضية جذرية ترتبط بموضوع الشورى وحق الأمة في اختيار أئمتها وممثليها في مجالس الشورى ، وتهم العلاقات الدولية والداخلية بين المسلمين ، وانتم مدعوون من موقع المسؤولية الى دراسة موضوع وجود الامام الثاني عشر الغائب ، والقيام بثورة ثقافية تصفي التراث من الخرافات والأساطير والفرضيات الوهمية والنظريات البشرية الدخيلة ، إذ لا يمكن من دون ذلك ، الانطلاق بقوة وثبات لبناء الحضارة الاسلامية من جديد.
واذا كنا مطالبين بالعودة الى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة و أحاديث أهل البيت الصحيحة ، فانه ليس من الجائز التشبث بكل ما هو موروث من عصور الانحطاط او التعصب لعقائد الآباء والأجداد ، فان هدفنا هو البحث عن الحق والحقيقة والتمسك بما هو ثابت وأكيد ، ومراجعة النظريات التي أضرت بوحدة المسلمين ودمرت فكرهم السياسي ودفعتهم الى الجمود والتخلف والانتظار وألقت بهم بين براثن الاستبداد.
احمد الكاتب
لندن
5 شوال 1420 المصادف 12/1/2000
أحب في الله من يبغضني في الله