النتائج 1 إلى 4 من 4
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    50

    افتراضي التشكيك في فكرة الامام المهدي (عليه السلام)

    محاضرة للاستاذ العلامة الشيخ محمد باقر الايرواني


    ( القسم الاول )


    التشكيك في فكرة الامام المهدي صلوات الله عليه يمكن إبرازه في بعدين:

    البعد الاول:

    التشكيك في الفكرة من الاساس، فالامام المهدي سلام الله عليه لم يولد ولا يولد ويرفض القول بأنّه سوف يظهر في آخر الزمان رجل يتم إصلاح العالم على يديه، مثل هذا الشخص لم يولد ولا يولد ولا تتحقق مثل هذه الفكرة، هذا بُعد من التشكيك في فكرة الامام المهدي.

    البعد الثاني:

    أن يسلّم بفكرة الامام المهدي صلوات الله وسلامه عليه في الجملة، ولكن يدّعى أنّ هذه الفكرة بعد لم تولد، وإنّما تولد فيما بعد، فشخص بعنوان الامام المهدي لم يتحقق بعد، وإذا كان هناك مصلح يتحقق على يديه إزالة الظلم فذلك يتحقق ويولد فيما بعد.



    البعد الاوّل: التشكيك في أصل الفكرة

    إذا لاحظنا البُعد الاوّل من التشكيك، أي: التشكيك في الفكرة من الاساس، فبالامكان أن نجد المسلمين متفقين تقريباً على بطلان مثل ذلك، فالامامية وغيرهم قد اتفقت كلمتهم على أنّه سيظهر في آخر الزمان رجلٌ يتم إصلاح العالم على يده المباركة، وقد دلّت على ذلك آيات كثيرة، كما دلّت على ذلك مجموعة كبيرة من الروايات.


    الاستدلال بالايات في بطلان التشكيك:

    أمّا الايات فأتمكن أن أقول هي بين خمس إلى ست، طبيعي الايات التي لا تحتاج إلى تفسير من قبل أهل البيت سلام الله عليهم والتي هي ظاهرة بنفسها، وواحدة من تلك الايات ما تلوته على مسامعكم الشريفة: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بأَفْواهِهِمْ) ، نور الله هو الاسلام (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) ، هذا إخبار من الله عزوجل بأنّ نوره سوف يتمّه على جميع الكرة الارضية، ومصداق ذلك لم يتحقق بعد، وحيث أنّه لا يحتمل في حقه سبحانه عز وجل الاخبار على خلاف الواقع، فلابد وأنّ إتمام النور سوف يتحقق يوماً من الايام، ولا يحتمل تحقّقه إلاّ على يد هذا المصلح وهو الامام صلوات الله عليه، هذه الاية بنفسها ظاهرة بلا حاجة الى تفسير روائي.
    ومن هذا القبيل قوله تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذّكْرِ أنَّ الارْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُون)(1) ، المقصود من الارض جميع الارض، ولحدّ الان لم يرث جميع الارض العباد الصالحون، ولابدّ وأن يتحقق هذا فيما بعد في المستقبل، ولا يحتمل تحققه إلاّ على يد الامام المهدي صلوات الله وسلامه عليه.

    هاتان الايتان وغيرهما من الايات ـ طبيعي أنا لا أريد أن أقف عند
    ____________
    1-الانبياء: 105.



    هذا البعد من التشكيك، وإنّما أريد أن أمرّ عليه مرّ الكرام كتمهيد إلى البعد الثاني الذي هو أساس بحثي ـ تدلّ على فكرة الامام المهدي.
    ولكن أعود لاؤكد لكم من جديد أنّ هذه الايات لا تدلّ على أنّ هذا الشخص قد ولد الان وهو موجود الان وغائب عن أعيننا الان، هذه تدل على أنّه سوف يتحقق هذا الحلم وهذه الامنية في يوم من الايام، الارض يرثها العباد الصالحون ـ جميع الارض ـ ومن الممكن أنّ الامام لم يولد بعد وسوف يولد في المستقبل، وتتحقق هذه الامنية على يده في المستقبل من دون أن يكون مولوداً الان، فمثل هذه الايات لا تثبت ولادة الامام وأنّه غائب، بل من المحتمل أنّه سوف يولد مثل هذا الشخص في المستقبل.



    الاستدلال بالروايات على بطلان التشكيك:

    الروايات أيضاً في هذه المجال ـ في أصل فكرة الامام المهدي، وأنّه سوف تتحقق هذه الامنية، ولو من دون دلالة على أنّ هذا الشخص مولود بالفعل ـ كثيرة وسلّم بها غير الامامية أيضاً، وألّفوا كتباً في جمع هذه الروايات الدالة على الامام المهدي وأنّه سوف يظهر في آخر الزمان شخص باسم المهدي، والذي اطلعت عليه أنا أكثر من ثلاثين كتاباً للاخوة من العامة غير الامامية في هذا المجال.


    ومن باب المثال أقرأ لكم بعض الروايات:

    عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجلٌ من أهل بيتي يواطىء إسمه إسمي»(1) .

    حديث آخر: «لا تقوم الساعة حتى تملا الارض ظلماً وجوراً وعدواناً ثم يخرج من أهل بيتي من يملاها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(2) .

    وعلى هذا النسق روايات آخرى كثيرة موجودة.

    وقد سلّم بهذه الروايات وبهذه الفكرة في الجملة غيرنا من الاخوة العامّة، بما فيهم ابن تيمية وابن حجر(3) ، بل في الاونة الاخيرة سلّم بها عبد العزيز بن باز كما ورد في مجلّة الجامعة التي تصدر من المدينة المنوّرة(4) وذكر أنّ هذه الفكرة صحيحة والروايات صحيحة ولا يمكن إنكار هذه الفكرة.

    فالمسلمون إذن بشكل عام قد سلّموا بهذه الفكرة، للايات والروايات.
    وإذا كان هناك منكر فهو قليل، ويمكن أن يعدّ شاذاً، من قبيل ابن خلدون في تاريخه(5) وأبو زهرة في كتابه الامام الصادق(6) ومحمد
    ____________
    1- مسند أحمد 1: 377 ح 3563، ونحوه الصواعق المحرقة: 249.
    2 ـ مسند أحمد 3: 36 ح 10920، كنز العمال 14: 271 ح 38691، وفيه: «رجل من عترتي».
    3- الصواعق المحرقة: 249.
    4 ـ مجلة الجامعة الاسلامية العدد 3 من السنة الاولى 161 ـ 162.
    5- تاريخ ابن خلدون 1: 199.
    6 ـ الامام الصادق: 199.





    رشيد رضا في كتابه تفسير المنار(1) في قوله تعالي: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ)(2) ، فانه حينما يمرّ بها هناك يقول: الروايات ضعيفة، فهو يحاول تضعيف الروايات بمجرد دعوى ذلك لا أكثر.

    على أي حال أصل فكرة الامام المهدي وأنّه سوف يتحقق هذا الحلم وتتحقق هذه الامنية مسلّمة من قبل عامة المسلمين تقريباً إلاّ من شذّ، وقد دلّت عليها الايات كما قلت، والروايات الكثيرة التي جمعت في ثلاثين كتاب أو أكثر للاخوة العامة فقط.



    البعد الثاني: التشكيك في الولادة:

    البعد الثاني للتشكيك هوالتشكيك في ولادة الامام سلام الله عليه، بمعنى أن يقال: نحن نسلّم بهذه الفكرة وأنّه سيظهر شخص، لكن هذا الشخص لا يلزم أن يكون هو الامام المهدي، ولا يلزم أن يكون مولوداً الان، ولا يلزم أن يكون قد غاب، ولعلّه يولد في المستقبل والان غير موجود، ولا توجد غيبة، فكيف نتمكن أن نثبت ولادة الامام المهدي الان وأنّه قد تحققت ولادته؟ إن المهم في محاضرتي هذه هو إثبات هذا الموضوع، وعنونت محاضرتي بعنوان «الامام المهدي سلام الله عليه بين التواتر وحساب الاحتمال» وسأحاول إن شاء الله إثبات ولادة الامام من خلال هذين الطريقين، أي: طريق التواتر مرّة، وطريق حساب الاحتمال أخرى.
    ____________
    1 ـ تفسير المنار 10: 393، سورة التوبة، وله مناقشات حول روايات الامام المهدي (عليه السلام) راجع 9: 499 ـ 507.
    2- التوبة: 32.




    أربع قضايا مهمّة

    وقبل أن اشرع بالبحث أودّ أن أبيّن أربع قضايا كمقدمة لتحقيق الهدف:


    القضية الاولى:

    أي مسألة تاريخية إذا ما أردنا إثباتها فهناك طريقان لاثباتها:

    أحدهما: التواتر.
    ثانيهما: حساب الاحتمال.


    والتواتر كما تعلمون يعني: أن يخبر بالقضية مجموعة كبيرة من المخبرين بحيث لا نحتمل اجتماعهم واتفاقهم وتواطئهم على الكذب، فإذا كان خبر من الاخبار جاء ثلاثمائة شخص أو مائتا شخص أخبرونا به، وكلّ واحد نفترضه من مكان غير مكان الاخر، في مثل هذه الحالة لا نحتمل تواطؤ الجميع واتفاقهم على الكذب، مثل هذا الخبر يقال له الخبر المتواتر.
    هذا طريق لتحصيل العلم بالقضية والمسألة التاريخية.

    الطريق الثاني: أن نفترض أنّ الخبر ليس متواتراً، كما اذا أخبر به واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة من دون تواتر، ولكن انظمّت إلى ذلك قرائن من هنا وهناك، يحصل العلم بسببها على مستوى حساب الاحتمال.

    فلنفترض أنّ هناك شخصاً مصاب بمرض عضال، وجاء شخص وأخبر بأنّ فلاناً قد شوفي من مرضه، يحصل احتمال أنّه شوفي بدرجة ثلاثين بالمائة مثلاً، لكن إذا انضمّت إلى ذلك قرائن فسوف ترتفع القيمة الاحتمالية من ثلاثين إلى أربعين وإلى خمسين وإلى أكثر، افترض أنّنا شاهدناه لا يستعمل الدواء بعد ذلك وكان حينما يحضر في مكان يستعمل الدواء، فهذا يقوّي احتمال الشفاء، وإذا كانت القيمة الاحتمالية للشفاء بدرجة ثلاثين الان ترتفع وتصير بدرجة أربعين مثلاً، وأيضاً شاهدناه يجلس في المجلس ضاحكاً مستبشراً، هذه الظاهرة أيضاً تصعّد من القيمة الاحتمالية لهذا الخبر، وهكذا حينما تنضمّ قرائن من هذا القبيل، فسوف ترتفع القيمة الاحتمالية للخبر إلى أن تصل الى درجة مائة بالمائة.

    هذا الخبر هو في الحقيقة ليس خبراً متواتراً، لكن لانضمام القرائن حصل العلم.

    فهنا حصول العلم يحصل بحساب الاحتمال، يعني بتقوّي القيمة الاحتمالية بسبب انضمام القرائن.

    إذن، حصول العلم بأي قضية تاريخيّة يتمّ من خلال أمرين:
    من خلال التواتر. ومن طريق حساب الاحتمال بتجميع القرائن.
    هذه القضية الاولى التي أحببت الاشارة إليها.



    القضية الثانية :

    لا يلزم في الخبر المتواتر أن يكون المخبر من الثقات، فان اشتراط الوثاقة في المخبر يلزم في الخبر غير المتواتر، كما إذا جاءنا شخص واحد أو اثنان أو ثلاثة وأخبرونا بقضية، هنا يشترط أن يكون المخبر ـ لاجل أن يكون هذا الخبر حجة ـ عادلاً، أما لو كانت القضية أخبر بها مائة أو مائتان أو ثلاثمائة، يعني العدد كان يشكّل التواتر فليس من الضروري عدالة المخبر؟ فالعدالة والوثاقة هي شرط في الخبر غير المتواتر.
    وأرجو أن لا يحصل خلط في هذه القضية بين الخبر المتواتر وبين الخبر غير المتواتر، إذ البعض يتصور أنّ مسألة الوثاقة ومسألة عدالة الراوي يلزم تطبيقهما حتى في الخبر المتواتر، هذا غير صحيح، بل الذي نشترط فيه العدالة والوثاقة هو الخبر غير المتواتر.

    لماذا لا نشترط في الخبر المتواتر العدالة والوثاقة؟

    النكتة هي: أنّ الخبر المتواتر حسب الفرض يفيد العلم، لكثرة المخبرين، وبعد ما أفاد العلم لا معنى لاشتراط الوثاقة والعدالة، إذ المفروض أنّ العلم حصل، وليس بعد العلم شيء يُقصد، فلا معنى إذن لاشتراط الوثاقة والعدالة في باب الخبر المتواتر، وهذه قضيّة بديهيّة وواضحة في سوق العلم.
    وعلى أساس هذه القضيّة ليس من الحق وليس من الصواب أن نأتي إلى الروايات الدالة على ولادة الامام المهدي (عليه السلام) أو أي قضية ترتبط بالامام المهدي سلام الله عليه ونقول: هذه الرواية ضعيفة السند، الرواة مجاهيل، هذا مجهول أو ذاك مجهول، هذه الرواية الاولى إذن نطرحها، الرواية الثانية الراوي فيها مجهول إذن نطرحها، والثالثة كذلك، الرابعة هكذا و...
    هذا ليس بصحيح، فان هذا صحيح لو فرض أنّ الرواية كانت واحدة أو اثنتين أو ثلاث أو أربع أو خمس أو عشر، أما بعد فرض أن تكون الروايات الدالة على ولادة الامام المهدي سلام الله عليه قد بلغت حدّ التواتر لا معنى أن نقول هذه الرواية الاولى ضعيفة السند، والثانية ضعيفة السند لجهالة الراوي والثالثة هكذا، فان هذه الطريقة وجيهة في الخبر غير المتواتر، أمّا في الخبر المتواتر فلا معنى لها.
    هذه القضيّة الثانية التي أحببت الاشارة إليها.


    القضية الثالثة :

    إذا فرض أنّ لدينا مجموعة من الاخبار تختلف في الخصوصيّات والتفاصيل، لكن الجميع يشترك في مدلول واحد من زاوية، كما لو فرضنا أنّه جاءنا مجموعة كبيرة من الاشخاص يخبروننا عن تماثل ذلك الشخص المريض للشفاء، لكن الشخص الاوّل جاء وأخبر بالشفاء في الساعة الواحدة، والثاني حينما جاء أخبر بالشفاء أيضاً لكن في الساعة الثانية، والثالث حينما جاء أخبر بشفائه لكن في الساعة الثالثة، فاختلفوا في رقم الساعة، لكن الكلّ متفق على أنّه قد شوفي، والخامس أو السادس جاء وأخبر بالشفاء لكن بهذا الدواء، والاخر قال بذلك الدواء، فكان الاختلاف بمثل هذا الشكل، أي: اختلاف في الخصوصيّات، لكن الكلّ متفق من زاوية واحدة، وهي أنّه قد شوفي.
    في مثل هذه الحالة هل يثبت الشفاء؟
    نعم أصل الشفاء يثبت بنحو العلم.
    والنكتة في ذلك، أنّ المخبر الاوّل في الحقيقة يخبر بخبرين لا بخبر واحد: الخبر الاول الذي يخبر به أنّه شوفي، والخبر الثاني أنّه شوفي في الساعة الاولى، الثاني حينما يخبر أيضاً يخبر بأنه شوفي، والثالث حينما يخبر أيضاً يخبر بأنّه شوفي، إذن هم متفقون في الاخبار الاول أنه شوفي، لكن يختلفون في الاخبار الثاني، إذن في الاخبار الاول التواتر موجود والاتفاق بين الجميع موجود.
    ومن هنا نخرج بهذه النتيجة: أنّ الاخبار الكثيرة إذا اتفقت من زاوية على شيء معيّن فالعلم يحصل بذلك الشيء، وإن اختلفت هذه الاخبار من الجوانب الاخرى في التفاصيل.

    وبعد هذا فليس من حقّنا أن نناقش في روايات الامام المهدي (عليه السلام)ونقول: هذه مختلفة في التفاصيل، واحدة تقول بأنّ أم الامام المهدي اسمها نرجس والثانية تقول أنّ أم الامام اسمها سوسن والثالثة تقول اسمها شيء ثالث، أو أن واحدة تقول وُلد في هذه الليلة والثانية تقول وُلد في تلك الليلة أو واحدة تقول وُلد في هذه السنة والاخرى تقول في السنة الاخرى، فعلى هذا الاساس هذه الروايات لا يمكن أن نأخذ بها، وليست متواترة وليست مقبولة، لانها تختلف في التفاصيل، ولا تنفع في إثبات التواتر وفي تحصيل العلم بولادة الامام سلام الله عليه، لانها مختلفة ومتضاربة فيما بينها حيث اختلفت بهذا الشكل.

    إنه باطل، لان المفروض أن كل هذه الاخبار متفقة في جانب واحد، وهو الاخبار بولادة الامام سلام الله عليه، ولئن اختلفت فهي مختلفة في تفاصيل وخصوصيات اُخرى، لكن في أصل ولادة الامام هي متفقة، فالعلم يحصل والتواتر يثبت من هذه الناحية.
    هذه القضية الثالثة.


    القضية الرابعة :

    وهي الاخيرة التي أردت الاشارة إليها: ليس من حق شخص أن يجتهد في مقابل النص، فإذا كان عندنا نص صريح الدلالة وتام السند من كلتا الجهتين، فلا حق لاحد أن يأتي ويقول أنا أجتهد في هذه المسألة.
    فالله عزوجل يقول: (وَأقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)(1) ، وهذه الاية بوضوح تدلّ على الطلب، غاية ما في الامر ليست صريحة في الطلب الوجوبي، لكن في أصل الطلب ـ طلب الصلاة وطلب الزكاة ـ دلالتها صريحة وسند القرآن لا مناقشة فيه.
    فلا يحق لاحد أن يقول: أنا أريد أن أجتهد في هذه المسألة وأقول هي لا تدل على الطلب!! ليس له هذا الحق، وهذا يسمونه اجتهاد في مقابل النص.
    نعم إذا كان يجتهد في الدلالة ويقول لا تدل على الوجوب بل تدل على الاستحباب، فهذا جيد، لانّ الدلالة ليست صريحة على الوجوب، أمّا أن يجتهد في الدلالة على أصل الطلب ويقول أنا أجتهد وأقول لا تدل هذه على اصل الطلب في رأيي فهذا لا معنى له، لانّ دلالتها على الطلب صريحة والسند أيضاً قطعي.
    ____________
    1- البقرة: 43.


    على ضوء هذا أخرج بهذه النتيجة أيضاً: ليس من حق أحد أن يقول روايات الامام المهدي أنا اجتهد فيها كما يجتهد الناس في مجالات أخرى، هذا لا معنى له، لانّ الروايات حسب الفرض هي واضحة الدلالة صريحة وتامة غير قابلة للاجتهاد، وسندها متواتر، فالاجتهاد هنا إذن لا معنى له أيضاً، فان للاجتهاد مجالاً إذا فرض أنّ الدلالة لم تكن صريحة أو السند لم يكن قطعياً، أما بعد قطعية السند وصراحة الدلالة، فالاجتهاد لا معنى له، فانّه اجتهاد في مقابل النصّ، وهذه قضية واضحة أيضاً.
    هذه أربع قضايا أحببت الاشارة إليها في مقدّمة بحثي، والان أدخل في البحث وأريد أن أبيّن عوامل نشوء اليقين بولادة الامام المهدي سلام الله عليه، وسوف نلاحظ أن هذه العوامل إما تفيد التواتر، أو تفيد اليقين بحساب الاحتمال، كما أوضّح لكم فيما بعد.


    يتبع ....

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    50

    افتراضي التشكيك في فكرة الامام المهدي (عليه السلام)

    محاضرة للاستاذ العلامة الشيخ محمد باقر الايرواني


    ( القسم الثاني )


    عوامل نشوء اليقين بولادة الامام المهدي (عليه السلام) :


    العامل الاول :

    الاحاديث الكثيرة المسلّمة بين الفريقين الامامية وغيرهم، والتي تدلّ على ولادة الامام سلام الله عليه، ولكن من دون أن ترد في خصوص الامام المهدي وبعنوانه، فهي تدلّ على ولادة الامام من دون أن تنصب على هذا الاتجاه، وأذكر لكم في هذا المجال ثلاثة أحاديث:


    الحديث الاول:

    حديث الثِقْلين أو الثَقَلَين، الذي هو حديث متواتر بين الامامية والاخوة العامة، ولا مجال للمناقشة في سنده، قاله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مواطن متعدّدة: في حجة الوداع، في حجرته المباركة، في مرضه، وفي...، فإذا رأينا اختلافاً في بعض ألفاظ الحديث فهو ناشيء من اختلاف مواطن تعدّد ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لهذا الحديث:
    «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، أحدهما أكبر من الاخر، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»(1) .
    ____________
    1 ـ راجع: المستدرك للحاكم 3: 109، المعجم الكبير للطبراني 5: 166 ح 4969، تاريخ بغداد 8: 442، حلية الاولياء 1: 355، مجمع الزوائد 9: 164، وغيرها كثير جداً.


    لاحظوا: «ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»، يعني أن الكتاب مع العترة، من البداية، من زمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الى أن يردا عليه الحوض.

    وهذا يدلّ على أنّ العترة الطاهرة مستمرة مع الكتاب الكريم، وهذا الاستمرار لا يمكن توجيهه إلاّ بافتراض أنّ الامام المهدي (عليه السلام) قد ولد ولكنه غائب عن الاعين، إذ لو لم يكن مولوداً وسوف يولد في المستقبل لافترق الكتاب عن العترة الطاهرة، وهذا تكذيب ـ استغفر الله ـ للنبي، فهو يقول: «ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض» هذا لازمه أنّ العترة لها استمرار وبقاء مع الكتاب الى أن يردا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا لا يمكن توجيهه إلاّ بما قلت: إن الامام المهدي سلام الله عليه قد ولد ولكنه غائب، وإلاّ يلزم الاخبار على خلاف الواقع.
    وهذا حديث واضح الدلالة، يدل على ولادة الامام سلام الله عليه، لكن كما قلت هذا الحديث لم يرد ابتداءاً في الامام المهدي، وإنّما هو منصبّ على قضيّة ثانية: «وإنّهما لن يفترقا»، لكن نستفيد منه ولادة الامام بالدلالة الالتزامية.

    وقد يقول قائل: لنفترض أن الامام (عليه السلام) لم يولد، ولكن في فترة الرجعة التي ستقع في المستقبل يرجع الامام العسكري (عليه السلام)، ويتولد آنذاك الامام المهدي (عليه السلام)، إن هذه فريضة ممكنة وعلى أساسها يتم التلائم بين صدق الحديث وافتراض عدم ولادة الامام (عليه السلام).

    وجوابنا: أن لازم هذه الفريضة تحقق الافتراق بين العترة الطاهرة والكتاب الكريم في الفترة السابقة على فترة الرجعة، ففي هذه الفترة لا وجود للامام المهدي (عليه السلام) ولا وجود للعترة وقد تحقق فيها افتراق الكتاب الكريم عن العترة الطاهرة.


    الحديث الثاني:

    حديث الاثني عشر، وهذا أيضاً حديث مسلّمٌ بين الفريقين، يرويه البخاري ومسلم وغيرهما من طرق أهل السنة، ومن طرقنا أيضاً قد رواه غير واحد كالشيخ الصدوق مثلاً في كمال الدين والحديث منقول عن جابر بن سمرة يقول:
    دخلت مع أبي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسمعته يقول: «إنّ هذا لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة»، ثم تكلّم بكلام خفي عليّ، فقلت لابي ما قال؟ قال: كلّهم من قريش(1) .
    وهذا الحديث من المسلّمات أيضاً، وليس له تطبيق معقول ومقبول إلاّ الائمة الاثني عشر(عليهم السلام).
    وجاء البعض وحاول تطبيقه على الخلفاء الراشدين واثنين أو ثلاثة من بني أميّة واثنين أو ثلاثة من بني العباس.
    إن هذا تطبيق غير مقبول، وكلّ شخص يلاحظ هذا الحديث يجده إخباراً غيبي من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن قضية ليس لها مصداق وجيه ومقبول سوى الائمة صلوات الله عليهم الاثني عشر.
    ____________
    1 ـ كمال الدين: 272، والغيبة للطوسي: 128. وانظر صحيح البخاري 9: 729 كتاب الاحكام باب الاستخلاف، وصحيح مسلم 3: 220 ح 1821 كتاب الامارة، ومسند أحمد 5: 90.



    وهذا الحديث بالملازمة يدلّ على ولادة الامام المهدي سلام الله عليه، إذ لو لم يكن مولوداً الان، والمفروض أنّ الامام العسكري توفي، ولم يحتمل أحد أنه موجود، إذن كيف يولد الامام المهدي من أب هو متوفى.
    فلابدّ وأن نفترض أنّ ولادة الامام (عليه السلام) قد تحقّقت، وإلاّ هذا الحديث يعود تطبيقه غير وجيه.
    فهذا الحديث بالدلالة الالتزامية يدل على ولادة الامام صلوات الله وسلامه عليه.


    الحديث الثالث :

    الحديث الثالث الذي أريد أن أذكره في هذا المجال، حديث أيضاً مسلّم سنداً بين الفريقين، وهو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):
    «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة»(1) ، هذا أيضاً يرويه أهل السنة، ويرويه الشيخ الكليني في الكافي، فهو مسلّم عند السنّة والشيعة.
    فإذا لم يكن الامام المهدي (عليه السلام) مولوداً الان، فهذا معناه نحن لا نعرف إمام زماننا، فميتتنا ميتة جاهلية.

    فالحديث يدلّ على أنّ كلّ زمان لابدّ فيه من إمام، وكلّ شخص مكلّف بمعرفة ذلك الامام ومكلّف بأن لا يموت ميتة جاهلية، فلو لم يكن الامام مولوداً إذن كيف نعرف إمام زماننا؟.

    هذه أحاديث ثلاثة، وإن لم تكن منصبّة على الامام المهدي صلوات
    ____________
    1 ـ كمال الدين: 409 ح 9، المناقب لابن شهر آشوب3: 217، ونحوه الكافي 1:377 ح3، وفي مسند الطيالسي: 259، وصحيح مسلم 3: 239 ح 1851 عن عبد الله بن عمر: «...من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة».



    الله عليه مباشرة، ولكنّها بالدلالة الالتزامية تدلّ على أنّ الامام سلام الله عليه قد ولد وتحققت ولادته.


    العامل الثاني:

    إخبار النبي والائمة صلوات الله عليهم بأنّه سوف يولد للامام العسكري ولد يملا الارض قسطاً وعدلاً ويغيب، ويلزم على كلّ مسلم أن يؤمن بذلك.

    هذه الاحاديث كثيرة، فالشيخ الصدوق في كمال الدين جعلها في أبواب:

    باب ما روي عن النبي في الامام المهدي، ذكر فيه خمسة وأربعين حديثاً.
    ثم بعد ذلك ذكر باب ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في الامام المهدي.
    ثم باب عن الزهراء سلام الله عليها وما ورد عنها في الامام المهدي (عليه السلام)، ذكر فيه أربعة أحاديث.
    ثم عن الامام الحسن (عليه السلام)، ذكر فيه حديثين.
    ثم عن الامام الحسين (عليه السلام)، ذكر فيه خمسة أحاديث.
    ثم عن الامام السجاد (عليه السلام)، ذكر فيه تسعة أحاديث.
    ثم عن الامام الباقر (عليه السلام)، ذكر فيه سبعة عشر حديثاً.
    ثم عن الامام الصادق (عليه السلام)، ذكر فيه سبعة وخمسين حديثاً.
    وقد جمعتُ الاحاديث فكانت مائة وثلاثة وتسعين حديثاً.

    هذا فقط ما يرويه الشيخ الصدوق في الاكمال(1) ، ولا أريد أن أضمّ ما ذكره الكليني في الكافي، والشيخ الطوسي، وغيرهما(2) ، وربما آنذاك يفوق العدد الالف رواية.

    وتبرّكاً وتيمّناً أذكر حديثاً واحداً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحديثين عن الامام الصادق سلام الله عليه.


    أمّا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

    فهو ما رواه ابن عباس قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «... ألا وإنّ الله تبارك وتعالى جعلني وإيّاهم حججاً على عباده، وجعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري، ويحفظون وصيّتي، التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي أمتي، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله، يظهر بعد غيبة طويلة...» إلى آخر الحديث(3) .

    وبهذا المضمون أو قريب منه أحاديث كثيرة، وبعض الاحاديث تذكر أسماء الائمة صلوات الله عليهم.


    وأمّا عن الامام الصادق (عليه السلام):

    فهو ما رواه محمد بن مسلم بسند صحيح متفق عليه قال: سمعت أبا
    ____________
    1- كمال الدين: 256 ـ 384.
    2- الكافي 1: 328 ـ 335، والغيبة للطوسي: 157، البحار 51: 65 ـ 162.
    3- كمال الدين: 257 ح 2، كفاية الاثر: 10.



    عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها»(1) .

    وحديث آخر عن زرارة يقول: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم، يا زرارة وهو المنتظر، وهو الذي يشك في ولادته»(2) .

    فمسألة التشكيك في الولادة أخبر بها الامام الصادق (عليه السلام) من ذلك الزمان، فكان أوّل من شكك في الولادة جعفر عمّ الامام المهدي (عليه السلام)، لعدم اطلاعه على الولادة، ووجود تعتيم إعلامي قوي على مسألة ولادة الامام المهدي (عليه السلام)، نتيجة الظروف الحرجة المحيطة بالامامة في تلك الفترة، حتى أنّه لم يجز الائمة التصريح باسم الامام المهدي، فجعفر ما كان مطّلعاً على أنّ الامام العسكري (عليه السلام) له ولد باسم الامام المهدي، لذلك فوجئ بالقضية وأنكر أو شكّك في الولادة، فهو اوّل من شكك.
    ثم تلاه في التشكيك ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والاهواء والنحل، شكّك في مسألة الولادة فقال: وتقول طائفة منهم ـ أي من الشيعة ـ أنّ مولد هذا يعني الامام المهدي الذي لم يخلق قط في سنة ستين ومائتين، سنة موت أبيه(3) .
    وتبعه على ذلك محمد اسعاف النشاشيبي في كتابه الاسلام الصحيح، يقول: ولم يعقب الحسن ـ يعني العسكري سلام الله عليه ـ
    ____________
    1- الكافي 1: 340 ح 15، الغيبة للطوسي: 161 ح 118.
    2- كمال الدين: 342 ح 24.
    3- الفصل 3: 114.



    ذكراً ولا أنثى(1) .
    على أي حال مسألة التشكيك في الولادة أخبر بها الامام الصادق (عليه السلام)، وكانت موجودة من تلك الفترة، فالامام يقول لزرارة: «وهو المنتظر وهو الذي يشك في ولادته، منهم من يقول مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول أنّه ولد قبل موت أبيه بسنتين...» إلى أن يقول الامام: «يا زرارة إذا أدركت ذلك الزمان فادعوا بهذا الدعاء: «اللّهم عرّفني نفسك فانّك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيّك، اللّهم عرّفني رسولك فانّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف جحتك، اللّهم عرّفني حجتك فانّك إن لم تعرّفني حجتك ضللت عن ديني»(2) .

    واقعاً الانسان والعياذ بالله فجأةً يضلّ عن الدين من حيث لا يشعر، فالدعاء بهذا ضروري للبقاء بالتمسّك بهذا المذهب الصحيح: «اللّهم عرّفني حجتك فانّك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني».

    ومن الاشياء التي لا تنبغي الغفلة عنها الادعية المعروفة عن أهل البيت صلوات الله عليهم، ومنها هذا الدعاء: «اللّهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كلّ ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً»(3) .

    ومن الطبيعي أنّ الائمة صلوات الله عليهم يذكرون هذا الدعاء
    ____________
    1 ـ الاسلام الصحيح: 348.
    2- كمال الدين: 342 ح 24.
    3- الكافي 4: 162.



    ليعلّموا شيعتهم، ومِنْ تعبيرهم بالحجة فقط يعلم مدى حالة الكتمان والتكتم، حتى أنّ الوارد في الدعاء المتقدم «اللّهم كن لوليك فلان ابن فلان» كتماناً للاسم المبارك.

    هذه جملة من الاحاديث، وهي بهذا الصدد كثيرة، رواها الكليني في الكافي والشيخ في الغيبة وغيرهما، وهي تشكّل في الحقيقة مئات الاحاديث في هذا المجال.

    وبعد هذه الكثرة فهي من حيث السند متواترة لا معنى للمناقشة فيها، وهي واضحة غير قابلة للاجتهاد، وإلاّ لكان ذلك اجتهاداً في مقابل النص.
    هذا هو العامل الثاني من عوامل نشوء اليقين بولادة الامام المهدي سلام الله عليه.


    يتبع ...

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    50

    افتراضي التشكيك في فكرة الامام المهدي (عليه السلام)

    محاضرة للاستاذ العلامة الشيخ محمد باقر الايرواني

    ( القسم الثالث )


    تتمة : عوامل نشوء اليقين بولادة الامام المهدي (عليه السلام)



    العامل الثالث :

    رؤية بعض الشيعة للامام المهدي (عليه السلام)، كما حدّثت به مجموعة من الروايات الاخرى، وهذه الروايات التي سأذكرها هي غير الروايات التي ذكرها الشيخ الصدوق في كمال الدين.
    فرغم التعتيم الاعلامي بالنسبة الى اسم الامام وولادته (عليه السلام)الذي قام به الائمة (عليهم السلام)، السلطة اطلعت من خلال إخبار النبي وأهل البيت أنّه سوف يولد شخص من ذرّية الامام العسكري يملا الارض قسطاً وعدلاً وتزول على يده المباركة السلطات الظالمة، انهم كانوا مطلعين ويراقبون الاوضاع، كما اطلع فرعون على مثل هذه القضية وكان يراقب الاوضاع ويراقب النساء ويراقب القوابل، ونفس القضية اتبعها بنو العباس في زمان المعتمد العباسي، فكانوا يراقبون الاوضاع، ولذلك كانت القضيّة تعيش كتماناً شديداً من هذه الناحية. حتى أنّ الامام الهادي سلام الله عليه يروي عنه الثقة الجليل أبو القاسم الجعفري داود بن القاسم الرجل العظيم الثقة الجليل ويقول: سمعت أبا الحسن ـ يعني الامام الهادي (عليه السلام) ـ يقول: «الخلف من بعدي الحسن ابني، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟» فقلت: ولم جعلني الله فداك؟ فقال: «إنّكم لا ترون شخصه ولا يحلّ لكم ذكره باسمه»، فقلت: فكيف نذكره؟ قال: «قولوا الحجة من آل محمّد»(1) .

    على اي حال، رغم هذا التعتيم الاعلامي الذي حاول الائمة(عليهم السلام)أن يقوموا به رأى الامام المهدي (عليه السلام)جماعة من الشيعة.
    ينقل الشيخ الكليني عن محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى جميعاً عن عبد الله بن جعفر الحميري.

    (( وهذا السند في غاية الصحة والوثاقة، فالشيخ الكليني معروف إذا حدّث هو مباشرة بكلام يحصل من نقله اليقين، ومحمد بن عبد الله هو محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري من الثقات الاجلّة الاعاظم، ومحمّد بن يحيى العطار هو استاذ الشيخ الكليني من الاعاظم الاجلّة، فاثنان من أعاظم مشايخ الكليني الكبار ينقل عنهم، وعبد الله بن جعفر الحميري معروف بالوثاقة والجلالة. ))

    يقول عبد الله بن جعفر الحميري: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو(2) (رحمه الله) عند احمد بن اسحاق(3) ، فغمزني أحمد بن اسحاق أن أساله عن الخلف، فقلت له: يا ابا عمرو إني أريد أن أسالك عن شيء وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه، فإنّ اعتقادي وديني أنّ الارض لا تخلو من حجّة،.... ولكن أحببت أن أزداد يقيناً، فانّ إبراهيم (عليه السلام) سأل ربه عزوجل أن يريه كيف يحيي الموتى فقال: أولم تؤمن؟ قال: بلى ولكن
    ____________
    1- الكافي 1: 328، كمال الدين: 381 ح 5.
    2 ـ عمرو بن عثمان بن سعيد العمري السمّان.
    3 ـ احمد بن اسحاق القمي الاشعري المعروف بالوثاقة.



    ليطمئنّ قلبي، وقد أخبرني أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن ـ يعني عن الامام الهادي (عليه السلام) ـ قال: سألته وقلت: من أعامل؟ وعمّن آخذ وقول من أقبل؟ فقال: «العمري ثقتي، فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون»، وأخبرني أبو علي أنّه سأل ابا محمّد (عليه السلام) ـ يعني الامام العسكري (عليه السلام) ـ عن مثل ذلك؟ فقال: «العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك فعنّي يؤدّيان وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنهما الثقتان المأمونان»، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك، قال: فخرّ أبو عمرو ساجداً وبكى ثم قال: سل حاجتك، فقلت له: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد؟ ـ يعني من بعد العسكري ـ فقال: إي والله.... فقلت له: فبقيت واحدة، فقال لي: هات، قلت: الاسم؟ قال: محرّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، وليس لي أن أحلّل ولا أحرم، ولكن عنه (عليه السلام)، فإنّ الامر عند السلطان أنّ أبا محمد مضى ولم يخلّف ولداً وقسّم ميراثه... فاتقوا الله وامسكوا عن ذلك»(1) .

    فهل هذه الرواية قابلة للاجتهاد من حيث الدلالة؟

    انها من حيث الدلالة صريحة، ويتمسّك بها الاصوليّون في مسألة حجيّة خبر الثقة، وقد ذكر السيد الشهيد الصدر في أبحاثه أنّ هذه الرواية لوحدها تفيدنا اليقين ـ وقد ذكر ذلك لا بمناسبة الامام المهدي، بل بمناسبة حجية خبر الثقة ـ اذ هناك إشكال يقول ان هذه الرواية هي خبر واحد فكيف نستدل بها على حجيّة خبر الواحد؟ ما هذا إلاّ دور في هذا
    ____________
    1 ـ الكافي 1: 329 ح 1، الغيبة للطوسي: 243 ح 209.



    المجال، وكان السيد الشهيد يريد أن يثبت أنّ هذه الرواية تفيد اليقين، لانّ الشيخ الكليني كلّما ينقل ويقول: أخبرني، فلا نشك في اخباره، والذي أخبره هو محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى العطار، وهما من أعاظم الشيعة لا نحتمل في حقّهم أنّهم كذبوا أو أخطأوا ويحصل القطع من نقلهما، وهما ينقلان عن عبد الله بن جعفر الحميري الذي هو من الاعاظم، وهو ينقل مباشرةً عن السفير الاول للامام سلام الله عليه، والسفير يقول: أنا رأيت الخلف بعيني.

    فهذه الرواية لوحدها يمكن أن يحصل منها اليقين، وهي واضحة في الدلالة على أنّه قد رئي الامام صلوات الله وسلامه عليه.

    وهناك رواية أخرى تنقل قصة حكيمة بنت الامام الجواد سلام الله عليه، وهذه القصة مشهورة، ولكن لا بأس أن أشير إلى بعض مقاطعها، وهي مذكورة في كتاب كمال الدين وغيره.

    تنقل حكيمة: بعث إليّ أبو محمد سلام الله عليه سنة خمس وخمسين ومائتين في النصف من شعبان وقال: يا عمّة اجعلي الليلة إفطارك عندي فإنّ الله عزوجل سيسرّك بوليّه وحجّته على خلقه خليفتي من بعدي، قالت حكيمة: فتداخلني لذلك سرور شديد وأخذت ثيابي عليّ وخرجت من ساعتي حتى انتهيت إلى أبي محمد (عليه السلام) وهو جالس في صحن داره وجواريه حوله، فقلت: جعلت فداك يا سيدي الخلف ممّن هو؟ قال: من سوسن ـ في بعض الروايات سوسن، وفي بعضها نرجس، وفي بعضها شيء آخر ـ وقلت أنّ هذه الاختلافات لا يمكن أن يتشبّث بها شخص ويقول هذه الروايات مردودة لانّها مختلفة، فان هذا ليس له أثر ـ فأدرتُ طرفي فيهنّ فلم أرَ جارية عليها أثر غير سوسن، قالت حكيمة: فلمّا صلّيت المغرب والعشاء أتيت بالمائدة فأفطرت أنا وسوسن وبايتّها في بيت واحد، فغفوت غفوة ثم استيقظت، فلم أزل مفكرة فيما وعدني أبو محمد من أمر ولي الله، فقمت قبل الوقت الذي كنت أقوم في كلّ ليلة للصلاة، فصلّيت صلاة الليل حتى بلغت الى الوتر، فوثبت سوسن فزعة وخرجت فزعة واسبغت الوضوء، ثم عادت ـ يعني امّ الامام المهدي (عليه السلام) ـ فصلّت صلاة الليل وبلغت الوتر، فوقع في قلبي أنّ الفجر قد قرب، فقمت لانظر فإذا بالفجر الاول قد طلع، فتداخل قلبي الشك من وعد أبي محمد (عليه السلام)فناداني من حجرته: «لا تشكّي وكأنّك بالامر الساعة»، قالت حكيمة: فاستحييت من أبي محمد وممّا وقع في قلبي ورجعت إلى البيت خجلة، فإذا هي قد قطعت الصلاة وخرجت فزعة، فلقيتها على باب البيت فقلت: بأبي أنت وأمي هل تحسّين شيئاً؟ قالت: نعم يا عمّة إنّي لاجد أمراً شديداً، قلت: لا خوف عليك إن شاء الله، وأخذت وسادة فألقيتها في وسط البيت وأجلستها عليها وجلست منها حيث تقعد المرأة من المرأة للولادة، فقبضت على كفي وغمزت غمزةً شديدة ثم أنّت أنّة وتشهّدت ونظرت تحتها فإذا أنا بولي الله صلوات الله عليه متلقّياً الارض بمساجده(1) .

    ونقل الشيخ الطوسي أيضاً في الغيبة حديثاً ظريفاً فقال:

    جاء أربعون رجلاً من وجهاء الشيعة اجتمعوا في دار الامام العسكري ليسألوه عن الحجة من بعده، وقام عثمان بن سعيد العمري
    ____________
    1- الغيبة للطوسي: 234 ح 204.



    فقال: يابن رسول الله أريد أن أسالك عن أمر أنت أعلم به منّي، فقال له: إجلس يا عثمان، فقام مغضباً ليخرج، فقال: لا يخرجنّ أحد، فلم يخرج منّا أحد، إلى أن كان بعد ساعة فصاح (عليه السلام) بعثمان فقام على قدميه فقال: أخبركم بما جئتم؟ قالوا: نعم يا بن رسول الله، قال: جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي؟ قالوا: نعم، فاذا غلام كأنّه قطعة قمر أشبه الناس بأبي محمد، فقال: هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وانّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتمّ له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا الى أمره، واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والامر إليه»(1) .

    هذه اربع روايات نقلتها لكم، والروايات في هذا الصدد كثيرة جدّاً، وحسبنا ما روي في رؤية الامام الذي هو في الحقيقة يمكن أن يشكّل مقدار التواتر.
    ____________
    1- الغيبة للطوسي: 357 ح 319.




    العامل الرابع :

    وضوح فكرة ولادة الامام المهدي (عليه السلام) بين الشيعة، فالذي يقرأ التاريخ ويقرأ الروايات يفهم أنّ الشيعة من الزمان الاول كانوا يتداولون فكرة الامام المهدي وأنّه يغيب، وكانت قضية واضحة فيما بينهم، ولذلك نرى أنّ الناووسية ادعت أنّ الامام الغائب هو الامام الصادق (عليه السلام)، ولكن بعد وفاة الامام الصادق اتضح بطلان هذه العقيدة، والواقفيّة ادعوا أنّ الامام المهدي الذي يبقى هو الامام موسى بن جعفر سلام الله عليه، والفت النظر الى ان هذا لا ينبغي سبباً لتضعيف فكرة الامام المهدي، بل بالعكس، هذا عامل للتقوية، لانّ هذا يدل على أنّ هذه الفكرة كانت فكرة واضحة بين الاوساط، ولذلك ينسبون إلى بعض الائمة نسبة غير صحيحة وان هذا هو الامام المهدي أو ذاك.
    وإذا راجعنا كتاب الغيبة للشيخ الطوسي نجده يذكر بعنوان الوكلاء المذمومين عدّة، منهم: محمد بن نصير النميري، أحمد بن هلال الكرخي، محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني، وغير ذلك إلى عشرة أو أكثر من الذين أدعوا الوكالة والسفارة عن الامام كذباً وزوراً وخرجت عليهم اللعنة وتبّرأ منهم الشيعة.

    وهذا العامل أيضاً لا يكون سبباً لتضعيف فكرة الامام المهدي وولادته وغيبته، بل هذا في الحقيقة عامل للتقوية، اذ يدلّ على أنّ هذه الفكرة كانت واضحة وثابتة، لذلك ادعى هؤلاء الوكالة كذباً وزوراً، وخرجت البراءة واللعنة في حقهم.

    إذن هذا العامل الرابع من عوامل حصول اليقين بفكرة الامام المهدي (عليه السلام).



    العامل الخامس :

    ان قضية السفراء الاربعة وخروج التوقيعات بواسطتهم قضيته واضحة في تاريخ الشيعة، ولم يشكك فيها أحد من زمان الكليني الذي عاصر سفراء الغيبة الصغرى ووالد الشيخ الصدوق علي بن الحسين والى يومنا، انه لم يشكك أحد من الشيعة في جلالة هؤلاء السفراء ولم يحتمل كذبهم، وهم أربعة:

    الاول: عثمان بن سعيد أبو عمرو، الذي قرأنا الرواية المتقدمة عنه، وكان عثمان بن سعيد السمّان يبيع السمن في الزقاق، وكانت الشيعة توصل له الكتب والاموال فيضعها في الزقاق، حتى يخفي القضية ثم يوصلها الى الامام، وكان هذا وكيلاً عن الامام الهادي وعن الامام العسكري وبعد ذلك عن الامام الحجة صلوات الله عليهم.

    الثاني: محمد بن عثمان بن سعيد.

    الثالث: الحسين بن روح.

    الرابع: علي بن محمد السمري.

    هؤلاء أربعة سفراء أجلّة، خرجت على أيديهم توقيعات ـ استفتاءات ـ كثيرة، نجد جملة منها في كمال الدين، وفي كتاب الغيبة، وكتب أخرى.

    ان هذه السفارة والسفراء الذين ما يحتمل في حقّهم الكذب، وخروج هذه التوقيعات الكثيرة بواسطتهم هو نفسه قرينة قويّة على صحة هذه الفكرة، أي: فكرة ولادة الامام المهدي، وعلى أنّه غائب صلوات الله وسلامه عليه.



    العامل السادس :

    تصرّف السلطة، فان تاريخ الاماميّة وغيرهم ينقل أنّ المعتمد العباسي بمجرّد أن وصل إلى سمعه أنّه ولد للامام مولود أرسل شرطته إلى دار الامام وأخذوا جميع نساء الامام واعتقلوهنّ حتى يلاحظوا الولادة ممّن؟ طبيعي بعض التاريخ ينقل أنّ القضية كلها كانت بإرشاد جعفر عمّ الامام المهدي، وهذا غير مهمّ، فان نفس تصرّف السلطة قرينة واضحة على أنّ مسألة الولادة ثابتة، وإلاّ فهذا التصرف لا داعي إليه.



    العامل السابع :


    ان كلمات المؤرّخين وأصحاب التاريخ والنسب من غير الشيعة واضحة في ولادة الامام المهدي، منهم:
    ابن خلكان قال: أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري، ثاني عشر الائمة الاثني عشر على اعتقاد الامامية، المعروف بالحجة، كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين(1) .
    ____________
    1 ـ وفيات الاعيان 4: 176 رقم: 562


    والذهبي قال: وأما ابنه محمد بن الحسن الذي تدعوه الرافضة القائم الخلف الحجة، فولد سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة ست وخمسين(1) .

    وابن حجر الهيتمي قال: ولم يخلّف ـ يعني الامام العسكري ـ غير ولده أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين(2) .

    وخير الدين الزركلي قال: ولد في سامراء، ومات أبوه وله من العمر
    ____________
    1- تاريخ الاسلام 19: 113 رقم: 159.
    2 ـ الصواعق: 255 و 314.



    خمس سنين(1) .

    إلى غير ذلك من كلمات المؤرخين العامة، وهي تشكّل قرينة على صحة هذه القضية.
    ____________
    1 ـ الاعلام 6: 80.



    العامل الثامن :

    تباني الشيعة واتفاقهم من زمان الكليني ووالد الشيخ الصدوق وإلى يومنا هذا على فكرة الامام المهدي (عليه السلام) وغيبته، وفي كل طبقات الشيعة لم نجد من شكك في ولادة الامام وفي غيبته، وهذا من أصول الشيعة وأصول مذهبهم.



    حساب الاحتمال :

    هذه عوامل ثمانية لنشوء اليقين، وقبل أن أختم محاضرتي أقول:
    نحن إمّا أن نسلّم بكثرة الاخبار وتواترها ووضوح دلالتها على الغيبة، ومعه فلا يمكن لاحد أن يجتهد في مقابلها، لانّه اجتهاد في مقابل النص.
    أو لا نسلّم التواتر، ولكن بضميمة سائر العوامل إلى هذه الاخبار ـ التي منها: تباني الشيعة، وكلمات المؤرخين، ووضوح فكرة الامام المهدي وولادته بين طبقات الشيعة من ذلك التاريخ السابق، وتصّرف السلطة، ومسألة السفارة والتوقيعات، وغير ذلك من العوامل ـ يحصل اليقين بحقانية القضية.


    إذن نحن بين أمرين:

    امّا التواتر، على تقدير التسليم بكثرة الاخبار وتواترها.
    أو اليقين، من خلال ضم القرائن على طريقة حساب الاحتمال.


    نسأل الله عزّوجلّ بحقّ محمّد وآل محمّد أن يهدينا إلى الصراط المستقيم.


    تم بحمد الله تعالى .

  4. #4

    افتراضي

    سوف ارد على هذه المداخلة باذن الله تعالى ، و لكن بما انها تشبه الى حد كبير مداخلة الشيخ محمد مهدي الآصفي ، فأرى من المناسب الاطلاع على ردي عليه و هو كما يلي:

    مناقشة كلمة الشيخ محمد مهدي الآصفي في مؤتمر الامام المهدي
    بقلم احمد الكاتب
    القسم الأول:

    كنت انتظر كلمة الشيخ محمد مهدي الآصفي منذ زمان لأني تحدثت معه هاتفيا عندما زار لندن قبل سنوات وطلبت منه اللقاء والبحث حول موضوع دراستي حول المهدي قبل ان انشرها فرفض اللقاء ووعدني بكتابة رد علي.وكنت أتمنى من عالم جليل مثله ان يرحب بصاحب وجهة نظر مخالفة له يقول انه درس جميع الروايات ولديه ملاحظات عليها فيسمعها ثم يقوم بنقضها بما لديه من معلومات او يرحب بنظريته اذا عجز عن الرد عليها ولكن الشيخ الآصفي رفض مجرد اللقاء والحوار معي.
    وعلى أي حال فان الشيخ الآصفي حاول إثبات وجود الامام محمد بن الحسن العسكري من خلال أربعة مداخل تندرج كلها تحت إطار الأدلة الفلسفية والروائية النقلية ولم يتطرق الى الدليل التاريخي او دليل المعاجز كما فعل المتكلمون المتقدمون الذين افترضوا وجود ابن للامام العسكري عن طريق الاجتهاد والفلسفة ، بعد وقوعهم في أزمة فكرية في عصر الحيرة ومحاولتهم للخروج منها بافتراض وجود ولد للامام العسكري بالرغم من عدم وجود أدلة دليل تاريخي قاطع وخلافا للظاهر من حياة الامام العسكري نفسه.
    حاول الشيخ الآصفي في البداية ان يدخل الى الموضوع من أحاديث المهدي العامة والأحاديث الخاصة المروية عن أهل البيت بأنه الامام الثاني عشر ابن الامام العسكري.
    وقال ان الروايات العامة لا تخص الامام الا انها تنطبق بصورة قهرية على عقيدة الامامية في المهدي ولا نعرف توجيها ولا تفسيرا لها اذا أسقطنا من حسابنا عقيدة الامامية في الموضوع. وقال: ان الايمان بهذه الأحاديث يؤدي الى الإثبات العلمي والقطعي لعقيدة الامامية في تشخيص وتعيين الامام ا لمنتظر ، وذلك بسبب تطابقها أولا مع ما هو المعروف عند الامامية ولانتفاء حالة اخرى تصلح ان تكون مصداقا وتفسيرا لها ثانيا ، ونتيجة هاتين النقطتين (المطابقة والانحصار) هي التطبيق القهري والحتمي لهذه الأحاديث على عقيدة الامامية في تشخيص الامام المهدي.
    وادعى الآصفي التواتر على ذلك وقال : ان الشيعة الامامية يذهبون قولا واحدا الى ان الامام المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المولود سنة 255هـ
    ثم انتقل الشيخ الآصفي الى الاستدلال بحديث الثقلين (اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) ليستنتج منه أصلا هاما – كما يقول – وهو وجود حجة وإمام من أهل البيت في كل زمان ولا يفترق عن كتاب الله قط.
    ويقول: ليس لهذا الحديث تفسير او تطبيق غير ما يعتقده الامامية من وجود الامام المهدي وحياته وبقائه وعصمته وإمامته على المسلمين. ويؤكد: اذا أسقطنا هذا الأمر عن الاعتبار لم نجد تطبيقا وتفسيرا له قط في هذه القرون من حياة المسلمين.
    ثم يتوقف الشيخ الآصفي عند هذا السؤال: ما نفع إمام غائب عن الناس للناس؟
    ويجيب: ان الله تعالى لم يطلعنا من أسرار غيبه الا على القليل , وما أخفى الله علمه عنا كثير وما عرفنا منه قليل. وقد أخبرنا الصادق الأمين 0ص) ببقاء حجة من أهل بيته في الناس على وجه الأرض الى يوم القيامة فنتعبد بحديثه ، ونحيل علم ما لا نعلم الى من يعلم … وليس كل ما في شريعة الله مفهوم معروف لنا ،وما يخفى علينا من أسرار دين الله أكثر مما تعلم بأضعاف مضاعفة.
    بعد ذلك يقوم الشيخ الآصفي بالاستدلال بحديث 0من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) ليستنتج : ان الأرض لا تصلح الا بامام ، ولا بد في كل زمان ان يعرف الإنسان إمام زمانه ، ولا بد من طاعة الامام ، وان من يموت وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية ، ويقول : ان هذه الحقائق تثبت جميعا ان سنة الله تعالى اقتضت وجود إمام عادل في كل زمان قد فرض الله طاعته على الناس ولم يأذن بالخروج عن طاعته ، ومن نافلة القول : ان الحكام الظلمة وأئمة الكفر لا يكونون مصداقا للامام الذي يفرض الله طاعته ومعرفته على الناس في كل زمان.
    ويقول: ان التفسير الوحيد لهذه الروايات هو ما تعرفه الامامية وتعتقد به من استمرار الامامة في أهل البيت منذ وفاة رسول الله الى اليوم وعدم انقطاع الامامة بوفاة الحسن العسكري ،وان أي فرض آخر لا يستطيع ان يقدم تفسيرا معقولا لهذه الروايات الا ان نقول بوجوب الطاعة لكل بر وفاجر.
    ثم ينتقل الشيخ الآصفي الى الاستدلال بحديث: ان الأرض لا تخلو من حجة وان الله لم يدع الأرض بغير عالم وان الأرض لا بد لها من إمام ، ليستنتج: ضرورة وجود الامام في كل زمان ويقول:لا تفسير لهذه الروايات بغير ما تعرفه الشيعة الامامية وتعتقده من وجود الامام وحياته وغيبته ، واذا أسقطنا هذا الأمر من الاعتبار فلا نجد تفسيرا لهذه الروايات ألبته.
    وأخيرا يلجا الشيخ الآصفي الى أحاديث (الأئمة اثنا عشر) ويقول: لا إشكال في انها صدرت عن رسول الله ، فقد رواها الفريقان ،وهي ظاهرة في ان الأمراء المذكورين في الرواية أمراء الحق وليس أئمة الظلم والجور وان عدتهم اثنا عشر ولا يخلو منهم زمان.
    ويعلق: لا نعرف لهذه الأحاديث تطبيقا غير الأئمة الاثني عشر المعروفين عند الشيعة الامامية الاثني عشرية وآخرهم المهدي المنتظر الثاني عشر ، إذ لا نعرف تطبيقا قط ينطبق بالتمام والدقة على هذه الروايات غير عقيدة الشيعة الامامية وبضمنها ولادة الامام وغيبته ، واذا أسقطنا هذا الواقع من الحساب لم يبق تفسيرا لهذه الروايات.
    ويقول بعد ذلك : هذه أربع طوائف من الروايات لا يتطرق اليها الشك من حيث السند ولا من حيث الدلالة في معانيها ومضامينها وتنطبق على ما تعتقده الامامية وتعرفه من إمامة الأئمة الاثني عشر وولادة الامام الثاني عشر وغيبته وظهوره انطباقا تاما. وينحصر الانطباق عليهم فلا نعرف لهذا الروايات تطبيقا آخر في تاريخنا المعاصر والقديم غيرهم فلم يدع غيرهم لنفسه العصمة ، وهذا ينتج بالضرورة الإثبات اليقيني العلمي لمذهب أهل البيت. ولذلك قلنا ان انطباق هذه الروايات على الأئمة الاثني عشر ومنهم الامام الثاني عشر الغائب المنتظر انطباق قطعي وضروري.
    ثم ينتقل الشيخ الآصفي الى طائفة اخرى من الروايات الواردة عن أهل البيت والتي تخص الامام المهدي ، ويخاطب الذين يعتقدون بحجية حديث أهل البيت وانهم امتداد لرسول الله ، فيقول: ان الروايات التي تسمي المهدي وانه الثاني عشر من أئمة اهل البيت والتاسع من ذرية الحسين وابن الامام العسكري روايات متواترة في جميع طبقات أسنادها ،ويقول:ان لم تكن أحاديث المهدي في كتب الشيعة والسنة بالغة حد التواتر فليس لديها حديث متواتر في المجامع الحديثية. ويعرف التواتر بأنه ما يمتنع معه تواطؤ الرواة على انتحال الرواية.
    وعندما ينتقل الشيخ الآصفي الى الحديث عن الروايات الواردة حول إمامة وغيبة وظهور الامام محمد بن الحسن العسكري يعتذر عن إتمام البحث لعدم اتساع الوقت لإتمامه ويرجو ان يوفق لإتمامه في المستقبل القريب.
    ومع ذلك لم يشر الى بحث ولادة ووجود محمد بن الحسن العسكري.
    هذه خلاصة لمداخلة الشيخ الآصفي في مؤتمر الامام المهدي الذي لم اعرف أين عقد ؟ ومتى؟ وكنت افترض ف ياي مؤتمر جاد ان يدعو أصحاب النظريات المتقابلة للحوار وكنت أتمنى ان أشارك في هذا المؤتمر لأني كنت قد وجهت دعوة الى الحوزة العلمية في قم قبل سبع سنوات لعقد هكذا مؤتمر لمناقشة نظريتي ولم اسمع منها أي جواب ، حتى ان الشيخ الآصفي لم يشر الى وجود بحث مضاد يعتمد على أحاديث اهل البيت والتراث الشيعي التاريخي ، خوفا من لفت الانتباه الى وجود احمد الكاتب وكتابه ، مع ان من المفروض في أي باحث علمي جاد ان يدرس مختلف النظريات ويعلق عليها ويردها ،ولا اعتقد انه لم يسمع بكتابي وقد حدثته مباشرة وطلبت منه الرد والتعليق .
    وعلى رغم اني ناقشت هذين الدليلين في كتابي الموجود على العنوان التالي مناقشة مفصلة
    http://www.btinternet.com/~katib.shora
    وفي فصلين خاصين وهما موجودان على موقع الحوار هذا ، فان ي اعتقد ان الشيخ الآصفي لم يستدل لهما بصورة جيدة إذ أغفل أهم الفقرات التي استند اليها المتكلمون السابقون الذين استدلوا بهما على فرضية وجود الامام المهدي.
    ادعى الشيخ الآصفي وجود تواتر في الرواية عن اهل البيت بأن المهدي المنتظر هو ابن الحسن العسكري والثاني عشر من اهل البيت. وهو ادعاء غير صحيح بالمرة ، إذ ان فكرة المهدوية خلال القرون الثلاثة الاولى كانت عامة وغامضة وغير محددة في أحد من الأئمة ،ولذلك كان عامة الشيعة وخواص الأئمة وبعض الأئمة أنفسهم يتوقعون ان يكونوا هم القائمين بالأمر ، وقد اعتقد عامة الشيعة ما عدا فئة قليلة بأن الامام الكاظم هو المهدي المنتظر وقالوا انه غاب غيبتين الاولى في السجن والثانية بعد هروبه من السجن ، حيث انهم لم يعترفوا بوفاته ودفنه.
    واذا راجعنا الروايات الواردة عن أهل البيت والتي تتناقض مع مهدوية الامام الثاني عشر يتضح عدم وجود اية إشارة فضلا عن وجود اجماع في القرون الاولى حول مهدوية الامام الثاني عشر. وهذا ما يؤكد على افتراض المهدوية للامام الثاني عشر ، واختلاق الروايات بعد حين. فضلا عن انه لا يجوز نسبة صفة المهدوية لرجل لم تثبت ولادته بعد ، او الحديث عن غيبته وظهوره في المستقبل.
    قال الشيخ الآصفي: ان الشيعة الامامية يذهبون قولا واحدا الى ان الامام المهدي المنتظر هو محمد بن الحسن العسكري.
    وقد خلط في ذلك بين فرق الشيعة الامامية المختلفة كالإسماعيلية والواقفية والفطحية والمحمدية الذين قالوا بأئمة مهديين آخرين ، ولم يلاحظ ان شيعة الامام العسكري أنفسهم انقسموا الى أربعة عشر فرقة ومنهم من قال بمهدويته وغيبته، ولم يقل بمهدوية محمد بن الحسن العسكري الا فرقة واحدة من عشرات الفرق الامامية والشيعية والإسلامية التي قالت بنظريات اخرى عبر التاريخ.
    ثم حاول الشيخ الآصفي ان يجتهد في تطبيق الأحاديث العامة التي تتحدث عن ظهور مهدي غير محدد الهوية على الامام محمد بن الحسن العسكري ،وقال : انها تنطبق بصورة قهرية على عقيدة الامامية في المهدي . وهذا غير صحيح أولا ، وهو ظن وافتراض ثانيا .
    واذا لم يكن الآصفي يعرف توجيها لتلك الأحاديث فكيف يطبقها على انسان لم تثبت ولادته ولا وجوده بعد ؟ فان ذلك أبعد الفرضيات.
    وهل يملك هو علم من الله؟ او نص صريح من القرآن الكريم او النبي الأعظم حتى يقطع انه فلان؟ ولماذا لا يفترض ان الله سوف يخلق انسانا في المستقبل ويكلفه بهذه المهمة؟ إذن فلا مطابقة ولا انحصار ولا حتم ولا قهر في دلالة الأحاديث العامة حول المهدي على ابن الحسن العسكري.
    كذلك حاول الشيخ الآصفي الاجتهاد في أحاديث اخرى وعصرها واستخراج معاني غير واضحة منها كحديث الثقلين الذي يقول فيه الرسول الأعظم: ان الكتاب والعترة لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض. وبالرغم من اننا لا نملك عمليا سوى الكتاب مرجعا نرجع اليه منذ الف ومائة سنة على الأقل ولم يخرج أي رجل من العترة لكي يفسر لنا آية او يذكر لنا حكما او يحل لنا مشكلة ، فان المقصود من كلمة العترة غامض وعام وغير صريح بأسماء الأئمة ، وقد استخدمه العباسيون لتثبيت حكمهم بدعوى انهم من العترة ، والعترة هم أقرباء الرجل حسب اللغة.
    ونتيجة لغياب الركن الثاني المفترض (العترة) فقد لجأ الشيعة الامامية الى الاجتهاد واصبح لديهم حجج الاسلام وآيات الله وهم من غير العترة.
    وبما كان المقصود من العترة هم الأئمة السابقون وتراثهم وليس بالضرورة ان يكون واحد منهم موجودا طوال التاريخ الى يوم القيامة ، وهم بالتأكيد لم يفترقوا عن الكتاب. ولكن الشيخ الآصفي يحاول ان يستنتج قسرا من هذه الرواية وجود حجة وإمام من اهل البيت في كل زمان وان يفترض وجود الامام محمد بن الحسن العسكري افتراضا محضا.
    اذا كانت لدى الشيخ الآصفي مشكلو نظرية سببت له الحيرة كما سببت الحيرة لبعض الشيعة الامامية بعد وفاة الامام الحسن العسكري ، فلكي يخرج منها عليه اما ان يعيد النظر بسند تلك الروايات او مفاهيمها او يبحث عن أي شيء آخر قبل ان يفترض وجود شخص لم يظهر في التاريخ لا في حياة أبيه ولا بعد ذلك.
    علما بأن الشيعة الامامية الإسماعيلية (البهرة) يعتقدون ايضا بوجود إمام مخفي ومستور ولكنهم يقولون بأنه يعيش عمرا طبيعيا وبتوفي ويوصي الى أبنائه الذين لا يتصل بهم الا شيخ الإسماعيلية الأكبر النائب الخاص عن الامام الغائب.
    فلماذا يرفض الشيخ الآصفي النظرية الإسماعيلية ولا يبحث عن تطبيق الحديث لدى أئمتهم المعصومين في نظرهم والمستمرين على قيد الحياة حسب ادعاءاتهم؟
    ان معنى الامام وفلسفته في الفكر الإمامي هو المطبق للدين والقائد والمنفذ والخليفة والحاكم وهو ما يعنوه بقولهم: لا بد في الأرض من إمام ، والا فان الله عز وجل لديه ملائكة كثيرون وهو ليس بحاجة الى أحد لكي يحفظ الكون كما يقول بعض الغلاة, إذن فان الغيبة الطويلة تتناقض مع مهمة الامامة وفلسفتها ، ولا يجوز ان نحتم على الله ان يعين اماما من عنده للامة ثم نقول انا لا نعرف ماهو وجه الحكمة في اختفاء هذا الامام . إذن لماذا افترضنا وجوب تعيين الامام ورفضنا ان تقوم الامة باختيار الامام العادل؟
    ان مثل الشيخ الآصفي كمثل من يقول بضرورة تعيين الدولة شرطيا للمرور في تقاطع طرق ثم يقول : ان الشرطي غائب ، وعندما نسأله عن الحكمة من وراء غيبة الشرطي الذي ترك الشوارع في حالة اضطراب ، يقول: ان علم ذلك عند الدولة ، او انه ينظم السير من وراء حجاب.
    إما ان يكون وجود الشرطي المعين من قبل الدولة ضروريا او لا يكون ، ولا يعقل ان نقول : انه ضروري وانه معين ولكنه غائب وعلم ذلك عند الله ، او لا بد ان نريح أنفسنا بالقول ان على البلدية ان تنتخب شرطيا لتنظيم السير وان ذلك من أعمالنا وليس من أعمال الملك او رئيس الوزراء.
    ويمضي الشيخ الآصفي في استدلالاته الفلسفية الافتراضية الاجتهادية على وجود ابن الامام العسكري ، فيستعين بحديث (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) ويقول: ان التفسير الوحيد له هو ما تعرفه الامامية وتعتقد به من استمرار الامامة في اهل البيت منذ وفاة رسول الله ،وان أي فرض آخر لا يستطيع ان يقدم تفسيرا معقولا لهذه الرواية الا ان نقول بوجوب الطاعة لكل بر وفاجر.
    ونقول للعلامة الجليل والمفكر الاسلامي الكبير آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي:
    أولا – انه بقوله هذا يعترف ضمنيا بأنه يقوم بعملية افتراض.
    وثانيا – ان الفرض المعقول الآخر هو لا هذا ولا ذاك ،وانما هو الطاعة للامام العادل ، كما هو الحال في الجمهورية الاسلامية الإيرانية ، مثلا ، حسبما يعتقد الشيخ ، وهل الامام هناك معصوم؟ أو جائر؟ أو أمر بين أمرين؟
    لماذا تقفز على الفرضيات الأخرى المعقولة وتحصرها بالحاكم الجائر او الامام المعصوم ثم تفترض وجوده وولادته؟
    ان المتكلمين السابقين الذين استدلوا بهذه الرواية على ضرورة وجود الامام المعصوم المعين من قبل الله واستمرار الامامة في ولد الحسن العسكري ، اعتمدوا على فقرة مهمة في عملية الاستدلال أهملها الشيخ الآصفي وهي ضرورة استمرار الامامة وراثيا بصورة عمودية وعدم جواز انتقالها الى أخ او ابن أخ او عم او ابن عم ، ولذا فان قسما من شيعة الامام الحسن العسكري الذين لم يكونوا يؤمنون بحتمية هذا القانون لم يجدوا بأسا بالقول بإمامة جعفر بن علي الهادي ، كما قال قسم من الشيعة سابقا بإمامة موسى بن جعفر بعد وفاة أخيه الامام عبد الله الأفطح ،ولم يضطروا الى افتراض وجود ولد للعسكري خلافا للظاهر والحقيقة كما لم يضطروا من قبل الى افتراض وجود ولد للامام عبد الله الأفطح.
    إضافة الى انه يمكن تطبيق الحديث على أئمة الشيعة الامامية الإسماعيلية المختبئين اليوم فلماذا ترفض ذلك؟
    هناك تفاسير عديدة للرواية وتطبيقات مختلفة فلماذا تختار تفسيرا معينا وترفض التفاسير والتأويلات الأخرى؟
    ونصل الى أحاديث (الاثني عشرية) التي حاول الشيخ الآصفي ان يعتمد عليها مناجل استنتاج وجود الامام الثاني عشر وافتراض حياته الى اليوم.
    وقد ادعى الشيخ الآصفي صفة التواتر على تلك الأحاديث بالرغم منها ضعيفة عند السنة وغير محددة ولا واضحة , وهي اضعف عند الشيعة ومختلقة كلها في القرن الرابع الهجري عند تأسيس الفرقة الاثني عشرية ولم يكن لها أي وجود عند الشيعة في القرون الثلاثة الاولى.
    وهي مع ذلك تتعارض مع أحاديث كثيرة تؤكد على استمرار الامامة الى يوم القيامة دون تحديد بعدد معين ، كما تتعارض تماما مع نظرية البداء التي كان يستند اليها بعض الأئمة او بعض الشيعة الامامية في تغيير شخص الامام الذي يخلف أباه بعد وفاة أخيه المعين من قبل ن كما حدث مع إسماعيل بن جعفر الصادق والإمام محمد بن علي الهادي اللذين توفيا في حياة والديهما فانتقل الشيعة الامامية الى أخويهما من بعدهما.
    وقد روى الصفار والكليني والمفيد والطوسي عن ابي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال: كنت عند ابي الحسن العسكري وقت وفاة ابنه ابي جعفر وقد كان أشار اليه ودل عليه ،واني لأفكر في نفسي أقول : هذه قصة ابي إبراهيم وقصة إسماعيل ، فأقبل الي أبو الحسن وقال: نعم يا أبا هاشم بدا لله في ابي جعفر وصيَر مكانه أبا محمد كما بدا لله في إسماعيل بعدما دل عليه أبو عبد الله ونصبه ، وهو كما حدثتك نفسك وأنكره المبطلون ..أبو محمد ابني الخلف من بعدي عنده ما تحتاجون اليه ومعه آلة الامامة والحمد لله . (الكليني: الكافي ج1 ص 328 والطوسي: الغيبة ص 55 و130 والمفيد : الإرشاد ص 317 والمجلسي: بحار الأنوار ج 50 ص 241)
    وروى الصفار والكليني والمفيد والطوسي حديثا عن الامام الهادي يقول فيه لابنه الحسن : يا بني أحدث لله شكرا فقد أحدث فيك أمرا.
    (الصفار : بصائر الدرجات ص 473 والكليني: الكافي ج1 ص 326و328 والمفيد: الإرشاد ص 337 والطوسي: الغيبة ص 122)
    واذا صحت فرضا أحاديث (الاثني عشرية) فيمكن ان نحسب الامام عبد الله الأفطح او زيد بن علي ونكمل القائمة ولا نحتاج الى افتراض وجود ولد للامام العسكري دول دليل.
    ان ذلك الاستدلال من الشيخ الآصفي يسميه المتكلمون : الدليل العقلي او الاعتباري او الفلسفي ،وهو كما يلاحظ يقوم على مقدمات نقلية وظنون وتأويلات تعسفية وليس دليلا عقليا محضا بحيث يستطيع أي انسان عاقل ان يتوصل اليه. وهو دليل افتراضي ظني لا يستطيع ان يثبت وجود انسان في الخارج.
    يضيف الشيخ الآصفي اليه دليلا آخر هو الدليل الروائي الذي يتضمن أحاديث تشير الى ان المهدي هو الثاني عشر او التاسع من ولد الحسين او ابن الحسن العسكري ويدعي صفة التواتر على تلك الأحاديث. ورغم انه يعرف التواتر بأنه ما يمتنع معه تواطؤ الرواة على انتحال الرواية وما بلغت رواته في جميع الطبقات من الكثرة بحيث يستحيل تواطؤهم على الكذب ، الا انه يتقبل الروايات دون تمحيص او بحث ودون مقارنتها مع أحداث التاريخ والأجواء السياسية المحيطة بها والصراعات الطائفية التي أدت الى اختلاقها ،ويرفض الإشارة ولو من بعيد الى حدوث الاختلاف والحيرة لدى الشيعة الامامية من أصحاب الامام العسكري ،وتفرقهم الى أربعة عشر فرقة وعدم معرفة كبار القوم بتلك الأحاديث في الزمن الأول وتعزيتهم لجعفر وتهنئتهم له بالإمامة بعد وفاة أخيه ،و لا يلتفت الى احتمال الوضع والكذب في فترة متأخرة ،وخاصة من قبل الفرقة الاثني عشرية التي ولدت في القرن الرابع الهجري واختلقت كل تلك الروايات لتدعيم مذهبها.
    وهذا غريب جدا من باحث بسيط فضلا عمن يدعي العلم والاجتهاد وهو ما يفسر التهرب من الحوار الجدي واقامة المؤتمرات العلمية الحرة المحايدة من اجل بحث هكذا أمور.
    وعندما يصل الشيخ الآصفي الى بحث وجود الامام المهدي وولادته عن طريق الأدلة العلمية التاريخية يعتذر عن إتمام البحث بحجة عدم توفر الوقت ، وهذا يصح ان كان طلب منه الحديث فجأة ، أما وانه قد أعد لبحثه إعدادا مسبقا فانه يبدو اقرب الى العذر من اجل التهرب من مناقشة الأدلة التاريخية بما يتضمن اعترافا بضعفها واسطوريتها.
    لهذا أستطيع ان أقول واكرر القول: ان الايمان بوجود الامام محمد بن الحسن العسكري كان فرضية فلسفية ظنية اجتهادية اكثر مما كان حقيقة تاريخية ثابتة.
    ومن هنا لا بد ان نعيد النظر فيها حتى نعيد ترتيب أوراقنا الداخلية وعلاقاتنا الخارجية ولا نجعل من قضية الامام المهدي قصة نتناحر عليها الى يوم القيامة.
    احمد الكاتب

    القسم الثاني : ردا على رد الآصفي

    العلاقة بين الايمان بالمهدي ورفض الشورى؟

    سماحة العلامة الشيخ محمد مهدي الآصفي حفظه الله
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اطلعت على ردكم العاجل وانتم في السفر على مناقشتي لكلمتكم عن (الامام المهدي) التي ألقيتموها في أحد المؤتمرات التي عقدت مؤخرا حول هذا الموضوع. وقد لخصتم في ردكم ما سبق ان شرحتموه في كلمتكم ،ولم تأتوا بشيء جديد ولم تردوا على النقاط التي ذكرتها في مناقشتي من تعارض دعوى التواتر والإجماع على مهدوية الامام الثاني عشر مع التاريخ الشيعي وأحاديث أهل البيت الكثيرة والحركات المهدوية الشيعية العديدة التي ظهرت في القرون الأولى . وبدلا من ان تثبتوا ولادة ابن الامام الحسن العسكري المفترض تاريخيا انشغلتم مرة اخرى بتكرار الحديث عن النظرية الامامية الالهية ، واستنتجتم منها صحة فرضية وجود (الامام محمد بن الحسن العسكري) ووعدتم ايضا ببحث الروايات التي تتحدث عن ولادته في المستقبل ، وهذا ما يدعونا الى انتظار نتائج أبحاثكم حول الأدلة التاريخية على ولادة الامام المهدي .
    وبالرغم من أنكم وصفتم تلك الأدلة التاريخية - مسبقا وبسرعة - بالصحة والتواتر ، ربما اعتمادا على المركوز في ذهنكم ، فاني أؤكد لكم مرة اخرى ان تلك الروايات التاريخية ليست سوى إشاعات سرية ضعيفة ومتناقضة لا ترقى الى مستوى خبر الآحاد الصحيح فضلا عن كونها صحيحة او متواترة ، خاصة وانها تخالف الظاهر واجماع المؤرخين الشيعة الذين تحدثوا عن وقوع الحيرة بعد وفاة الامام الحسن العسكري وقيام كبراء الشيعة بتعزية جعفر وتهنئته بالإمامة في البداية ، ثم تفرق الشيعة الى أربعة عشر فرقة ، وعدم معرفة علماء قم في تلك الأيام بوجود ولد للامام العسكري وإرسالهم وفدا الى سامراء ليحقق في الموضوع ، وان عامة الشيعة الامامية بحثوا عن الولد فلم يعثروا عليه ولم يتأكدوا من وجوده ، فكيف تكون الروايات حول ولادته متواترة؟ وماذا يعني التواتر لديكم؟وهل لديكم مصطلح جديد في معنى التواتر؟ علما بأنكم تقولون بانعدام صفة التواتر مع احتمال الكذب والوضع .
    ويبدو أنكم تحاولون إضفاء صفة الصحة والتواتر على إشاعات الغلاة الغريبة والعجيبة ، في محاولة منكم للخروج من الحيرة التي لا زلتم تترددون فيها نتيجة إيمانكم بنظرية الامامة الالهية وضرورة وجود الامام المعصوم المعين من قبل الله ، التي استنتجتموها من بعض الأحاديث التي وصفتموها ايضا بالصحة والتواتر ، وأوّلتموها تأويلا خاصا ، ولا تريدون ان تفسروها بشكل آخر كما فسرها بعض الشيعة الامامية (الفطحية) الذين خرجوا من الحيرة بنقل الامامة الى جعفر بن علي الهادي.
    المشكلة هي في طريقة استنتاجكم لنظريتكم الخاصة من تلك الأحاديث وفي تركيب فرضية ولادة ابن للامام العسكري عليها ، مع انه لا تلازم بين النظرية الاولى والفرضية الثانية ، وان القول بذلك نوع من التخمين والظن والقول بلا دليل.
    ان حيرتكم تتجسد في محاولتكم العثور على مصاديق خارجة لبعض الأحاديث الغامضة كحديث الاثني عشرية ، وقد قدمنا لكم عدة حلول اخرى ممكنة لم تناقشوها ولم تأخذوا بها وأصررتم على افتراض وجود ولد للامام العسكري مع ان هذه الفرضية أسوء من تمحلات السيوطي.
    ثم إنكم لم تجيبونا على السؤال عن معنى الامامة وكيفية الارتباط بالإمام وطاعته وتوليه وهو في الغيبة ، مع إنكم في كتابكم (علاقة الحركة الاسلامية بولاية الأمر) ترفضون مجرد الولاء الإسمي أو الصوري للولي الفقيه وتطالبون حزب الدعوة الاسلامية بالطاعة الحركية والولاء الحضاري والانقياد السياسي ، فكيف يمكن تحقيق هذا النوع من الطاعة للامام الغائب الذي لا يفتي ولا يفسر ولا يأمر ولا ينهي ولا يمارس دوره القيادي؟ وكيف يمكن ان نسميه اماما؟ وقد قال الامام الرضا في أحاديث كثيرة : ان الامام يجب ان يكون حيا ظاهرا معروفا.
    ولو كان الامام العسكري قد ادعى ولادة ولد له وأظهره للناس لم نكن نشترط ان يأتينا بدليل على بنوة ذلك الولد له ، كما لم نسأل أحدا من الأئمة السابقين او غيرهم عن إثبات نسب أي شخص إليهم ، بالرغم من شك بعض أهل البيت ببنوة الامام الجواد (الذي كان أسمرا ) للامام الرضا في حياته ، وعرضه على القافة ، واكتفينا بإعلان الامام الرضا لبنوة ابنه الجواد اليه. فكيف تريد منا ان ننسب ولدا الى الامام العسكري وهو يعلن أمام الملأ ان لا وجود لولد لديه؟ ونقبل بالرواية السرية المتهمة والمشكوك فيها؟
    نعم توجد روايات كثيرة يرويها الغلاة والضعفاء والوضاعون ولكنها غير محققة ولا مدروسة ولا توجد فيها رواية واحدة صحيحة ، ومشكلتها الرئيسية هي انها تنسب ولدا لرجل لم يعترف بوجود هكذا ولد ، وهو أمر لو حدث مع أي شخص لرفضه بشدة ، فهل تقبل ان ينسب اليك أحد وجود ولد لك في السر في حياتك او بعد مماتك بالرغم من إنكارك لذلك؟ وهل يجوز شرعا إلحاق هذا الولد المدعى بك ؟ وهل يجوز اعطاؤه الإرث مثلا؟
    ان الشيعة الامامية لم يجمعوا على وجود الامام الثاني عشر ماعدا الفرقة الاثني عشرية ، وقد وصل القول بذلك الى طريق مسدود فتخلى الشيعة ومنذ قرون عن نظرية الامامة وعن انتظار الامام المفترض الغائب ، وأقاموا لهم دولا بأنفسهم على اساس الفقه والعدالة وليس العصمة او النص .
    ومع ان الكثرة والانتشار ليست مقياسا للحق والصواب ، والا فان المسيحيين وأهل السنة أكثر من الشيعة ، فنحن لا نحاول التهجم على أية مجموعة بشرية مهما كانت صغيرة ، وانما نحاول مناقشة فرضية ظنية اجتهادية قال بها بعض المتكلمين قبل ألف عام وسببت للشيعة والمسلمين أضرارا كثيرة ، ولا تزال تعقد حياتهم الاجتماعية وتحول دون تطور نظامهم السياسي.
    ومن هنا أطالبكم ببذل المزيد من الوقت والجهد لمراجعة تلك الفرضية بدقة والتأكد من حقيقتها ، واعتقد انها تستحق ان توقفوا من أجلها كل أعمالكم الثقافية ونشاطاتكم التنظيمية والسياسية لكي تخرجوا بنتيجة واضحة وأكيدة ، وذلك لآثارها الكبيرة على مسيرتكم الشخصية ومسيرة الحزب الرائد حزب الدعوة الاسلامية ومسيرة الشعب العراقي والأمة الاسلامية.
    شيخنا الكريم
    لقد كنتم واحدا من رواد العمل الاسلامي في العراق منذ حوالي خمسين عاما ورافقتم تأسيس حزب الدعوة الاسلامية المبارك ، واشتركتم في جهاد الطغاة والمستبدين. ومن المؤكد أنكم تتذكرون جيدا الأجواء السلبية التي كانت تخيم على الحوزة العلمية في النجف ، والتي كانت تعيق أي نشاط إسلامي حركي وترفض الثورة والعمل السياسي في (عصر غيبة الامام المهدي) وتدعو الى انتظاره بصورة سلبية ، وذلك قبل ان يطرح البعض نظرية ولاية الفقيه في نهاية الستينات. واعتقد أنكم تتذكرون الضغوط الهائلة الثقافية والاجتماعية التي مارسها المنغلقون والمتحجرون على مؤسسي حزب الدعوة وخاصة الشهيد السيد محمد باقر الصدر ، لحل الحزب والانسحاب منه والتخلي عن نظرية الشورى التي تأسس عليها ، باعتبارها نظرية سنية مخالفة لمذهب أهل البيت ، مما أدى الى وقف انطلاقة الحزب بعد خروج الصدر منه سنة 1962 وارتباك أيديولوجيته السياسية وحيرته وانقسامه بين الشورى والمرجعية.
    وقد استمرت تلك الحيرة وذلك الانقسام الى عام 1971 عندما رفضت قيادة الحزب الاستجابة لطلب الشهيد الصدر بسحب (الأسس) التي قام عليها الحزب والتي كتبها الصدر بنفسه سابقا ، والتي تنص على نظرية الشورى ، وذلك بعد تبلور نظرية المرجعية لدى الصدر. وقد انعكس ذلك الخلاف على علاقة الحزب بالشهيد الصدر خلال السبعينات ، ثم انتقل الخلاف الى ايران بعد انتصار الثورة ، حيث رفض الشهيد القائد محمد هادي السبيتي وآخرون نظرية ولاية الفقيه ، وتصديتم (سماحة الشيخ الآصفي) الى إثبات مبدأ ولاية الفقيه في نظام الحزب الداخلي لأول مرة.
    وكما تعرفون فقد استمر الجدل والنقاش حول ولاية الفقيه في داخل حزب الدعوة وكيفية تطبيقها وممارستها ، فاستحدثتم مع السيد كاظم الحائري عام 1982 منصب (فقيه الحزب) ونجحتم في جعل الحائري فقيها للدعوة ، ولكنه سرعان ما استقال من هذا المنصب عام 1983 وخرج من الحزب ليتفرغ للإعداد للمرجعية . ثم أسستم بعد ذلك المجلس الفقهي عام 1984 وطالبتم بأن تكون القيادة الحقيقية بيد هذا المجلس الذي كنتم عضوا فيه ، لا بيد قيادة التنظيم المنتخبة من القواعد ، وحاولتم في عام 1985 ربط حزب الدعوة بالإمام الخميني وعقدتم من أجل ذلك لقاء مع رئيس الجمهورية الإيرانية السيد علي الخامنئي وعرضتم عليه الموضوع ، لكنه أجابكم بأن الامام الخميني لا يقبل بمثل هذا التدخل في شؤون الحزب. ولم تكتفوا بذلك كما لم توقفوا مساعيكم من أجل الهيمنة على حزب الدعوة وقيادته التي شعرت يومها بأن هنالك مؤامرة لذبح الحزب على الطريقة الاسلامية! فاستغاثت بالشيخ المنتظري (نائب الامام) ووجهت اليه عدة استفتاءات حول رأي الامام بعمل الأحزاب الاسلامية وخاصة العراقية ومدى حريتها في العمل ، فنفى ان تكون هناك أية حاجة للارتباط المباشر.
    ومع ذلك طالبتم الحزب عام 1987 بالذوبان في مرجعية الامام الخميني وتحويله الى (حزب الله).
    وطالبتم الحزب مرة اخرى في مؤتمر الحوراء زينب الذي عقد في 1/1/1988 بالتسليم للمرجعية وخضوع القيادة الحزبية لها ودعوتم الحزب الى طلب الإشراف المباشر من قبل الامام الخميني ، لكي يرتبط ارتباطا حقيقيا وعمليا بالمرجعية ويكون التوجيه والقيادة لها لا للحزب. وهذا ما دفع المؤتمرين الى التصويت على إلغاء ( المجلس الفقهي) بالأغلبية الساحقة وانشقاق مجموعة من الحزب أخذت تعمل بوحي منكم مع السيد الحائري تحت اسم (حزب الدعوة – المجلس الفقهي) او خط الولاية.
    ولم تحترموا ارادة الدعاة والمجاهدين وحقهم في ممارسة الشورى ، فأصررتم على طرح موضوع الارتباط المباشر مع السيد أحمد الخميني ، الا ان المؤتمر لم يوافق على ذلك ، كما ان السيد احمد نفسه رفض الفكرة بعد طرحها عليه .
    وهذا ما أدى بكم الى الاستقالة من منصب الناطقية الرسمية للحزب عام 1989
    ثم اتجهتم الى تبني قيادة السيد الخامنئي بعد وفاة الامام الخميني ورفضتم اتجاه غالبية الحزب بالالتفاف حول السيد محمد حسين فضل الله ، وألفتم كتابكم (علاقة الحركة الاسلامية بولاية الأمر) عام 1997 وقلتم فيه: ان الولاية السياسية للمسلمين متعينة في قيادة وإمامة السيد الخامنئي. وان الارتباط بالولاية لا يتحقق بمجرد النية والتعهد والالتزام بالطاعة وانما بالارتباط الحركي والسياسي والعقائدي والحضاري على غرار ارتباط المؤسسة القانونية والقضائية والعسكرية ، وطالبتم فيه بأن يكون ارتباط الحزب بالقيادة الإيرانية كارتباط الشرطة والجنود والمخابرات وأفراد القوات المسلحة الإيرانية بقيادتهم.
    وكان طلبكم هذا يعني حل حزب الدعوة العريق (العراقي) ونحره على الطريقة الإيرانية.
    وأخيرا اقترحتم على قيادة حزب الدعوة كحل وحيد للأزمة : تشكيل لجنة من العلماء من داخل وخارج الحزب تشرف على عمل القيادة والقبول بممثل للخامنئي له حق الولاية والاشراف على التنظيم.
    سماحة الشيخ الآصفي
    لا أريد ان أناقشكم رأيكم حول ضرورة تبعية الحزب للمرجعية والقيادة الإيرانية وآثار ذلك السياسية ،فقد كنت وكنا في منظمة العمل الاسلامي ندعو الى هذا الرأي منذ البداية ، لأننا كنا نؤمن بنظرية ولاية الفقيه في الستينات عندما كان حزب الدعوة يدعو الى الشورى والانتخاب ، وان من حقكم اتخاذ أي رأي ترونه مناسبا او تطويره او تغييره متى ما تشاءون ، ولكني أود الإشارة الى الموقف السلبي الذي اتخذته قطاعات واسعة في الحوزة العلمية في النجف منذ الخمسينات ضد مبدأ الشورى وحق الامة في الانتخاب واختيار الحكام واقامة النظام الديموقراطي والمجالس البرلمانية.
    ومع ان الحكومات العراقية المتعاقبة منذ تأسيس العراق لم تكن تحترم الحياة الديموقراطية الحقة وكانت تتلاعب بها او تلغيها وتنسفها متى ما تشاء ، فان بعض العقول المتحجرة والمتخلفة في الحوزة كانت ترفض مبدأ الشورى وحق الأمة في المشاركة السياسية حتى انها رفضت قيام حزب إسلامي (حزب الدعوة) يقوم على الشورى والانتخاب ويدعو الى اقامة حكومة اسلامية تقوم على الشورى. ووجدت في ذلك تناقضا مع ما كنت تحمله من أفكار وتصورات ونظريات بائدة وعقيمة تحسب انها من تراث أهل البيت ، وأهل البيت منها براء.
    وقد انعكس ذلك الموقف السلبي على علاقة الدعوة والحركة الاسلامية بصورة عامة مع المرجعية الجامدة والمجمدة التي كانت تحتكر الشرعية الدستورية والحق في القيادة، واثر على انطلاقة حزب الدعوة الأولى ، كما انعكس على علاقة الحزب مع الشهيد الصدر الذي آمن بعد ذلك بنظرية ولاية الفقيه ولم يؤمن بها الحزب بقوة. ثم انتقل الخلاف الى ايران حيث شهد الحزب صراعا مريرا وطويلا مع رجال حاولوا السيطرة عليه وإخضاعه لإرادتهم وذبحه على الطريقة الاسلامية ، مما أدى الى تشر ذمه وارتباكه وجموده وتخلفه عن أداء رسالته بفاعلية متكاملة توازي وزنه على الأرض.
    ومع أنكم كنتم تميلون سابقا الى مرجعية السيد الخوئي الذي يرفض نظرية ولاية الفقيه بشدة ، وكان موقفكم غامضا من هذه النظرية قبل قيام الثورة الاسلامية في ايران ، الا أنكم لم تحاولوا إثبات مبدأ ولاية الفقيه في نظام الحزب الداخلي ، فقط ، وانما حاولتم ربط حزب الدعوة (العراقي) بالقيادة الإيرانية ، بالرغم من إرادة معظم كوادر الحزب وقواعده التي كانت تفضل المحافظة على قرارها السياسي مستقلا ، ولا ترى ضرورة دينية او سياسية للذوبان في القيادة الإيرانية التي كانت هي الأخرى ترفض ذلك.
    وهذا يعني أنكم أصبحتم ملكيين أكثر من الملك.
    كما يعني أنكم استكثرتم على شباب الحزب الحق بممارسة الشورى والاستقلال ، وهو ما يكشف عن موقفكم تجاه حق الشعب العراقي والشعوب الاسلامية الأخرى بممارسة الشورى وانتخاب قياداتها المستقلة ، فضلا عن حقها في تشكيل مجالسها البرلمانية والتمتع بالحياة الديموقراطية.
    ومع ان الشعب الإيراني في ظل ولاية الفقيه ينتخب رئيس جمهوريته وأعضاء مجلس الشورى ويمارس قدرا كبيرا من الشورى والديموقراطية ، فإنكم تستكثرون على حزب الدعوة والأحزاب الاسلامية الأخرى ومن ورائها الشعوب الاسلامية الحق بممارسة الشورى وتدعون الى تبعيتها وارتباطها بالقيادة الإيرانية التي لم تذب بعد تماما في الاسلام ولا تزال تتمسك بالأفكار القومية وتفرق بين الإيراني والعراقي والأفغاني وتنكر على غير الإيرانيين الحق في الحياة بصورة طبيعية في ايران.
    ان العقدة الرئيسية لديكم هو إيمانكم بشرعية نظام ولاية الفقيه وحصر الشرعية الدستورية في (الولي الفقيه) المتجسد في السيد الخامنئي ، باعتباره نائبا عاما وحيدا للامام الثاني عشر الغائب (محمد بن الحسن العسكري) "الامام المعصوم المعين من قبل الله لقيادة البشرية" وهذا ما يدفعكم الى رفض نظرية الشورى داخل الحزب او داخل الأمة بصورة مطلقة.
    وهو ما يدعوني الى مطالبتكم بالتوقف عن جميع نشاطاتكم الثقافية والسياسية والتنظيمية والإعلامية ، والعودة الى دراسة موضوع وجود وولادة الامام (محمد بن الحسن العسكري) والتأكد مما اذا كان حقيقة تاريخية ؟ أم فرضية فلسفية وهمية ، وعدم الاكتفاء بالاعتماد على الأحاديث النظرية العامة من قبيل (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) او (اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي) او (اثني عشر أميرا او خليفة) فإنها لا تدل على ولادة ابن للامام العسكري الذي كان ينفي في حياته وجود أي ولد له. وعدم التسرع بوصف الإشاعات الأسطورية التي تتحدث عن ولادته في السر ، بالصحة والتواتر. وذلك لأن من البديهي عدم إمكانية اتصاف أي حديث يخالف الظاهر ويتناقض مع تصريح الامام العسكري بنفي وجود الولد ، وعدم رؤية عامة الشيعة لهكذا ولد وعمد ثبوت وجوده طوال اكثر من الف عام ، بالصحة والتواتر.
    فضيلة الشيخ الآصفي
    لقد بذلتم جهودا كبيرة في مختلف المجالات الفقهية والفكرية والسياسية والاجتماعية .. وتقفون اليوم أمام قضية جذرية ترتبط بموضوع الشورى وحق الأمة في اختيار أئمتها وممثليها في مجالس الشورى ، وتهم العلاقات الدولية والداخلية بين المسلمين ، وانتم مدعوون من موقع المسؤولية الى دراسة موضوع وجود الامام الثاني عشر الغائب ، والقيام بثورة ثقافية تصفي التراث من الخرافات والأساطير والفرضيات الوهمية والنظريات البشرية الدخيلة ، إذ لا يمكن من دون ذلك ، الانطلاق بقوة وثبات لبناء الحضارة الاسلامية من جديد.
    واذا كنا مطالبين بالعودة الى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة و أحاديث أهل البيت الصحيحة ، فانه ليس من الجائز التشبث بكل ما هو موروث من عصور الانحطاط او التعصب لعقائد الآباء والأجداد ، فان هدفنا هو البحث عن الحق والحقيقة والتمسك بما هو ثابت وأكيد ، ومراجعة النظريات التي أضرت بوحدة المسلمين ودمرت فكرهم السياسي ودفعتهم الى الجمود والتخلف والانتظار وألقت بهم بين براثن الاستبداد.
    احمد الكاتب
    لندن
    5 شوال 1420 المصادف 12/1/2000
    أحب في الله من يبغضني في الله

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني