 |
-
أسباب ظهور الجماعات التكفيرية في مجتمعاتنا المعاصرة- زكي طاهر العليو
أسباب ظهور الجماعات التكفيرية في مجتمعاتنا المعاصرة
* زكي طاهر العليو
يمكن وصف الإشكاليات الموجودة في المجتمعات العربية بالكثرة والتعقيد والتشابك ، وتحاول مختلف القوى في المجتمعات العربية العديدة بما فيها الحركات الإسلامية إخراج المجتمعات العربية منها ، وهذا يفرض أن تعمل جميع القوى معاً من أجل تجاوز هذه الإشكاليات لا أن تعمل كل قوة بصورة منفردة ، و لا يعني أن هناك الصراع بين مختلف القوى الاجتماعية أنه لا يمكن العمل معاً .
تستطيع المشاركة أن تقدم ما لا تستطيع العزلة تقديمه ، حيث يبدأ التعاون بين المختلفين ويحضر الحوار ويُقضى على الإقصاء والنبذ بين مختلف القوى مما يضفي استقراراً اجتماعياً ، من خلال هذا الاستقرار يتقارب أفراد وقوى المجتمع بعضها مع بعض ، وبعده يمكن للمجتمع النهوض ، فالعزلة الموجودة بين الحركات الإسلامية وبعض القوى الأخرى لم تقدم أي شيء لهذه المجتمعات .
هناك لدى بعض القوى الاجتماعية عزلة عن المجتمع أي لا توجد لديها علاقات جيدة مع المجتمع ، أو أن تعزل نفسها عن باقي القوى الاجتماعية أو السياسية ، ومن هنا لا يمكن القول أن كل الحركات الإسلامية تمارس عزلة ، فهناك حركات إسلامية لديها مشاركة مع مختلف القوى الاجتماعية والسياسية ولديها مشاركة مع باقي أفراد المجتمع ، ولكن هناك بعض الحركات الإسلامية تمارس عزلة عن القوى الاجتماعية والسياسية ، ولكنها لا تمارس عزلة عن المجتمع ، وهناك قلة من الحركات الإسلامية تمارس عزلة حتى عن المجتمع .
فمثلاً ، في بنية بعض الجماعات الإسلامية الفكرية ما يدعو للعزلة من قبيل مفاهيم المجتمع الجاهلي أو الغربة أو الهجرة وهذه أثرت على أفكار معتنقيها ، فالملاحظ في هذه الجماعات أنها لا تشارك أفراد المجتمع الآخرين ، فهي تعيش عزلة تأثرت ببنيتها الفكرية أنعكس على تفكيرها وتعاملها مع الآخرين ، فلا يوجد هناك قدر من القبول بالآخرين وعليه لا توجد رغبة في الحوار أو الاختلاف ، فأي اختلاف بسيط في الأفكار أو التفكير يكون صدى سلبي لديها ، يصاحب ذلك الرفض وعدم التفهم وعدم رحابة الصدر وعدم القبول بوجهات النظر الأخرى والانفعال .
ولعل فكرة العزلة أحد الأسباب التي أدت لظهور الجماعات التكفيرية في مجتمعاتنا المعاصرة ، فهذه الجماعات تنظر للآخرين المسلمين المختلفين معها فكرياً أو مذهبياً أو سياسياً ، على أنهم كفرة أو على أقل الوجهات التكفيرية أنهم منافقون أو فاسقون .. الخ ، ولا يرغبون في مشاركة هؤلاء الكفار أو المنافقون أو الفاسقون في مجتمع واحد ، فالكفر والفسق والنفاق يعتبر حاجز متين يمنع الإنسان المسلم عن غيره من " المسلمين الحقيقيين " ، وكذلك تنظر الجماعات التكفيرية للمسيحيين في المجتمعات الإسلامية على أنهم أهل ذمة لا مواطنين ، فالمواطنة لا تطلق إلا على المسلم ، فهؤلاء المسيحيين عرب وهذه مجتمعاتهم كما هي مجتمعات المسلمين ، رغم أن الكثير من المسيحيين ينطبق عليهم العبارة المشهورة مسيحيي الديانة مسلمي الثقافة والحضارة ، لا يعطون حق المواطنة في نظر الجماعات التكفيرية بل يعاملوا كذميين ، وما يترتب على ذلك من اعتبارات ، ولهذا نجد أن الجماعات التكفيرية لا ترى مثلاً إمكانية إصلاح أوضاع المجتمع بطرق سلمية ، بل ترى إن تغيير هذا المجتمع يكون بطريق العنف . بينما نجد أن الحركات الإسلامية التي تتبع خيار المشاركة ولا تعيش العزلة مع أفراد المجتمع تشارك الآخرين مجريات حياتهم ، فهم يختلفون ويتفقون مع باقي أفراد المجتمع ، وهذا الاختلاف الذي قد يكون أحياناً كبير لا يفقدونهم توازنهم ويتحاورن ويشاركون التيارات المختلفة في الحوارات واللقاءات من منطلق أهمية الحوار وسماع وجهات نظر مختلفة والاشتراك معاً في مختلف القضايا ، وليس فقط من منطلق إبداء وجهات النظر الخاصة بهم قبال الآخرين .
من ذلك يتبين أهمية وعي جميع الحركات الإسلامية لمسألة المشاركة في صياغة وحل المشكلات التي تواجه مجتمعاتنا بدون تعالٍ على المجتمع ، بل تجعل نفسها خادمة لهذه هذه المجتمعات ، وتنطوي هذه المسألة على أمرين مهمين :
الأول : إن منطق الوصاية التي تمارسه بعض الحركات الإسلامية على مجتمعاتها لا يمكن أن يقبل أو أن يستمر ، الذي يؤدي لنفور كثير من أفراد المجتمع ليس من الحركات الإسلامية بل من الإسلام ، وأن تضع بدلاً عنه منطق المشاركة وتقدم ما لديها وللناس حق الاختيار ، فإن اختاروها فهذا مكسب لها ، وإن لم يختاروها فعليهم مراجعة أفكارهم وممارساتهم والبحث عن الأخطاء ، وإن استلزم تغيير بعض وجهات نظرها وأدابياتها ، وفي الوقت ذاته لا يعني رفض منطق الوصاية حرمان الحركات الإسلامية الحق في الإرشاد وتقديم النصيحة لأفراد المجتمع وتوضيح وجهات نظرها تجاه مختلف القضايا وهذا لا يعني تعالي الحركات الإسلامية على المجتمع ، بل هناك في الإسلام واجب على المسلمين تقديم النصح والإرشاد للمجتمع ولكن بشروطه .
الثاني : على الحركات الإسلامية وعي أنه يوجد في المجتمعات العربية قوى أخرى مختلفة مع الحركات الإسلامية سياسياً وفكرياً ، ولهذه القوى أفكار ومؤسسات ولا يمكن القول أنها لا تمثل شيئا بتاتاً ، فلدى بعضها برامج ونخب لا يمكن إنكار ما قدمته ، حيث بذلت جهود كبيرة من أجل إنجاز ذلك ، فمنطق أن المجتمعات الإسلامية لا يوجد بها إلا التيار الإسلامي غير صحيح ، وهنا يلزم ألا ينظر للمختلفين سياسياً أو فكرياً على أنهم عملاء أو خونة مثلاً ، أو يساء الظن بهم أو يعتبروا بأنهم ضد المسلمين والإسلام ، ووجود نقاط قوة معينة لدى الحركات الإسلامية لا يعني أن غيرها من القوى لا توجد لديها نقاط قوى ، ومن هنا نقاط قوة في الحركات الإسلامية ونقاط قوة في القوى الأخرى لو استثمرت لتغير وضع المجتمعات العربية منذ عقود .
إذن ، من تغليب منطق المشاركة على منطق العزلة تختلف أطروحات الحركات الإسلامية ، فهذا المنطق يجعلها جزء من الأمة أو المجتمع وليست بديلاً عن ذلك ، فكونها جزء من الأمة أو المجتمع يعني ممارسة إحداث تغييرات على المجتمع لا تهدد السلم الاجتماعي ، لا أن تقوم بانقلاب على المجتمع كما يتصور بعض المنتمين لحركات إسلامية ذات منهج انقلابي ، أو كما يرغب أن يشيعه خصوم الحركات الإسلامية بتعميم هذا النموذج ، فاعتبارها ليست جزءاً وليست بديلاً عن الأمة يسمح لها بالعمل مع أفراد وقوى المجتمع بصورة أكثر فعالية ، ويمكن للآخرين ممن لا ينتمون للحركات الإسلامية التعاون معها ، فالعمل وفق فكرة أنها البديل غير مجدي في الظروف التي تعيشها المجتمعات العربية .
ففي فترة كانت ترى الحركات الإسلامية أنها بديل عن الأنظمة الحاكمة ولها الحق ، كما أن من حق أي قوة طرح نفسها كبديل إن وجدت في نفسها أنها الأقدر والأكفأ في إدارة شئون الدولة ، ولكن كان في ذلك مبالغة من الحركات الإسلامية ، فتجارب الحركات الإسلامية الأخيرة أثبتت أنها ليست كما كانت تتصور ، وهذا لا يعني أن أنظمة الحكم قدمت إنجازات للمجتمعات العربية ولم تنجح ، ولكن مشكلة الأنظمة الحاكمة أنها لم تحاول تقديم شيء لهذه المجتمعات ، ولو حاولت بصدق لربما استطاعت أن تحقق بعض الإنجازات لمجتمعاتها ، فالحركات الإسلامية بحاجة لخبرة سياسية أكثر من ذلك التعرف على " مؤسسات الدولة " وكيف إداراتها .
يقول الشيخ راشد الغنوشي أن حركة النهضة التي كانت تسمى في الثمانينات من القرن الماضي بالاتجاه الإسلامي قد توصلت من خلال تجربتها على أهمية العمل من منطلق المشاركة لا الوصاية " وأفادنا - في تطوير طرحنا - مراجعة ميراث الحركات الإسلامية ، فحققنا قدراً لا بأس به ، من تحرير الفكر من هيمنة الرموز القديمة والحديثة ، دون أن يعني ذلك النيل من مكانتها . فتعاملنا معه بوصفه ميراثاً بشرياً ، لا على أنه الحقيقة الإسلامية المطلقة ، فكان إلحاحنا شديداً على التمييز بين الإسلام ، بصفته جملة من القيم المطلقة ، وبين الفكر الإسلامي ، من حيث كونه مجموعة من القيم النسبية ، فانتهينا إلى رفض كل مرجعية قديمة أو حديثة ، سواءاً أكانت لمفكر من المفكرين ، أو لمذهب من المذاهب المتفاعلة مع ظروف البيئة المغربية التي تدعي ، بقصد أو بغير قصد ، أنها الناطق الوحيد باسم الإسلام ، فالإسلام إنطلاقاً من كونه حقيقة مطلقة ، يعلو على كل فكر وعلى كل مذهب ، ونظل ، بصفتنا البشرية ، نسعى إليها ، ونحاول الاقتراب منها ، ما وسعنا الجهد . لكن هيهات لنا أن ندعي امتلاك ناصيتها . هذا التوجه ، أفادنا في معالجة همومنا الاجتماعية والاقتصادية والحضارية ، بروح المشاركة لا بروح الوصاية " ( 35 ) .
ويمكن إذاً التخلي عن فكرة التيار البديل ، والاستعانة بديلاً عنه بفكرة المشروع البديل ، الذي يتأسس على مبدأ - كما ذكرنا - المشاركة وأن الحركات الإسلامية ليست بديلاً عن الأمة ولكنها جزء من الأمة تستطيع أن تسهم بفعالية وكفاءة في دفع هذه الأمة إلى الأمام بالمشاركة مع القوى الأخرى ، ولهذا المشروع دور مهم في المساهمة في إيجاد وحدة وطنية بين مختلف القوى أو في الحد الأدنى كتلة وطنية تاريخية مندمجة معاً لأجل تحقيق أهداف متفق عليها ، ويسعى هذا المشروع لخدمة هذه الأمة والمجتمعات العربية ، ويهدف للارتقاء بها والعمل الجاد للحصول على استقلاليتها ، وتحقيق الحريات والكرامة الإنسانية ، وإعداد إنسان جديد لهذه المجتمعات كي تنجز هذه الأمة تقدمها .
يعمل المشروع البديل على عدد من المسائل التي يمكن وصفها بشبه المجمع عليها بين مختلف القوى أو أنها تشغل كثير من القوى الاجتماعية والسياسية ، كالديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ومحاربة الأمية والاستقلال ومقاومة الاحتلالين الإسرائيلي والأمريكي ، وهذا لا يتعارض مع كون أن للحركات الإسلامية مشاريع تسعى لتحقيقها قد لا تتفق فيها مع القوى الأخرى ، ولكن يمكن للحركات الإسلامية السعي لتحقيقها من خلال المسائل السابقة أو من خلال أي مسائل أو قنوات أخرى تراها وبالتالي يحفظ للحركات الإسلامية اختلافها أو تميزها عن باقي القوى .
ولدينا أمثلة واقعية على إمكانية مشاركة الحركات الإسلامية مع قوى أخرى في عدد من المشاريع منها المؤتمر القومي - الإسلامي ، أو مشاركة إسلاميون مستقلون أو رموز حركات إسلامية في المشروع الذي طرحه مركز دراسات الوحدة العربية تحت عنوان " نحو مشروع حضاري نهضوي عربي " ، أو على المستوى القطري كما في تجربة أردنية وهي وجود عمل مشترك بين تيارات عدة لمواجهة التطبيع مع العدو الصهيوني شارك فيها إسلاميون وقوميون وبعثيون وشيوعيون ، يقول عبد المجيد ذنيبات المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن " أنا أتحدث عن الحالة الأردنية . في ذلك التناسق والتنسيق مع الأحزاب العلمانية واليسارية والقومية والاتجاه الإسلامي . نحن في انتخابات المجلس الحادي عشر فزنا باثنين وعشرين نائباً من الإخوان ، وأضيف لهم 14 نائباً من الإسلاميين الآخرين ، ومن اليساريين ومن العروبيين ومن القوميين ومن غيرهم ، وشكلنا تحالفاً برلمانياً من 36 نائباً استطعنا أن نوجد حالة برلمانية ديمقراطية أنجزت الكثير ولازلنا نتغنى بإنجازات المجلس الحادي عشر .
نحن الآن في الأردن لدينا لجنة تنسيق عليا لأحزاب المعارضة يقف - لا أقول ورائنا - يقف إلى جانبنا إخواننا ورفاقنا الشيوعيون والبعثيون واليساريون والقوميون في جبهة شعبية واحدة ترفض مقاومة التطبيع ، تنادي بالحريات ، تنادي برفع المعاناة عن .. عن الشعب وترفض سياسات الحكومة القمعية ، وما إلى ذلك ، هذه الحالة ، نحن لدينا حالة توافقية عديدة على مستوى القوى الوطنية في الأردن ، والحركة الإسلامية تقود وباعتراف الأخوة الآخرين من الأحزاب الأخرى ، الحركة الإسلامية تتعايش وتقود هذه الحركة الوطنية الضاغطة على الحكومة في سبيل إيجاد موقف سياسي باتجاه الانتفاضة وباتجاه أهلنا وشعبنا في فلسطين ، هذه الحالة الشعبية الوطنية الموجودة في الأردن حقيقة حالة متفردة " ( 36 ) ، إذن ، هناك على المستوى الواقعي عدد من المشاريع اشتركت فيها قوى مختلفة من أجل هدف أو قضية واحدة أو أكثر ، ولا يمنع من أن يكون هناك مشاريع مستقبلية كثيرة تنطلق من ذلك .
والذي يجعل للحركات الإسلامية دور مهم في مثل هذه المشاريع امتلاكها رصيد شعبي ، ولأنها تقف في الصف الأمامي في معارضة الأنظمة العربية ، ولقدرتها على الامتداد بين مختلف المجتمعات العربية المعاصرة ، ولخطابها الذي يتميز بالنقد الذاتي والتجدد ، هذه الاعتبارات تجعلها تسهم بقوة ، فضلاً عن ذلك لم تستطع القوى الأخرى أن تقوم بأعمال مشتركة مهمة من دون تواجد الحركات الإسلامية معها ، فالاعتبارات السابقة تمكن الحركات الإسلامية من دعم هذا المشروع وقد تكون قادرة على التنسيق بين مختلف التيارات المشاركة ، ولا يوجد مبالغة من قدرة الحركات الإسلامية على دعم هذا المشروع ، ولا تعني هذه القدرة أنها الأفضل في أطروحتها ، أو أنها تملك الحق المطلق ، وكذلك لا يعني أن تتم مثل هذه المشاريع من دون ديمقراطية تتضمن تداول في إدارة هذه المشاريع .
وهنا لا بد من التنويه على أن هناك مبادرات من مفكرين وسياسين ممن لا ينتمون للحركات الإسلامية توصف بقدر عالي من المسؤولية ، ومن دون مثل هذه المبادرات والرؤى لا يمكن أن يتحقق المشروع البديل أو أي مشاريع مشتركة ، أو القبول بالعمل مع الحركات الإسلامية .
فالاعتراف بدور الإسلام المهم في حياتنا يسهم إسهام كبير في مثل هذه المشاريع ، فليس إعادة الإسلام لوضعه الحقيقي في المجتمعات العربية أن ذلك يعني تأييد للحركات الإسلامية ، فهناك من يختلفون مع الحركات الإسلامية كرؤى ومواقف تتبناها ، ولكن لا يهضم الدور الذي يمكن للإسلام تقديمه ، يقول د. هيثم مناع " وإن كان الإسلام قد شكل الأساس في جهاز الوقاية عند الناس في حقبة الإيدز السياسية هذه ، فإن تعايش المشروع الإسلامي مع أهم منجزات التجربة السياسية العالمية أصبح اليوم أكثر من ضرورة . الأمر الذي يمهد لمصالحة الذات ليس فقط مع شخصيتها الحضارية بل أيضا مع قيم عصرها ، ويحّول طموحات التحرر الجديدة من نطاقها الإقليمي والإسلامي إلي النطاق العالمي " ( 37 ) ومثل هذا الرأي يقرب المجتمع العربي بعضه من بعض ، لا يمكن في مجتمعاتنا محاربة قيم الأوطان والأديان والإنسانية ، وعند محاربتها فالسقوط مصيرنا ، وهنا على الإسلاميين زيادة البحث عن المشترك بينهم وبين مختلف الرموز والقوى الأخرى ، ومن لا يبحث عن ذلك من الحركات الإسلامية عليه أن يبدأ ، فيكفي هذه المجتمع فرقة لم تحقق له طموحاته ، ونحتاج للوحدة وليس بالضرورة أن تكون حالياً وحدة سياسية ، بل بالحد الأدنى من التوحد في المواقف .
ولكي لا يعتبر هيثم مناع شخصية وحيدة في وجهة النظر هذه وهو يتحدث عن الإسلام ليمارس دوره الطبيعي في هذه المجتمعات ، هناك رياض الترك القيادي الشيوعي السوري المعروف ويشاركه في ذلك صبحي حديدي " الأتاسي سأل الترك عن موقفه من الإسلام السياسي ودور حركة الإخوان المسلمين ومكانتها كحركة سياسية في المستقبل السياسي لسورية ، فأجاب : أنا أعتبر أنّ للإخوان المسلمين كحزب سياسي الحقّ في الوجود والعمل السياسي ، ولكن عليهم أن يعيدوا النظر في السياسات التي سلكها بعض أطرافهم في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات ، وأن ينبذوا طريق العنف ويسيروا في الاتجاه الديمقراطي . وأرى أنه يجب ألا تكون موانع من وجود تيار سياسي يستلهم التراث الديني ، لكن شرط ألا يستغلّ ولا يحتكر الدين ، وألا يكفّر الناس . وأعتقد بأنّ التجربة الأخيرة لا بدّ أن تدفع بالعقلاء من الإخوان إلى أن يؤسسوا سياسة جديدة أكثر انفتاحاً وديمقراطية .
والحال أنّ الإخوان المسلمين فعلوا ما تمنّاه رياض الترك بالضبط ! وإنّ من واجب جميع العلمانيين ، خصوصاً أولئك الذين لا يزعمون المزايدة على رياض الترك في العلمانية أياً كان المقصود بالمصطلح ، من واجبهم ملاقاة جهد الإخوان في المنطقة الفاعلة المجدية ، وليس في منطقة محايدة ترحّب بهم عن بُعد ، وتعزف طيلة الوقت نغم الوقت غير المبكّر والشروط غير المكتملة . وهذه مناسبتي لكي أقول إنني ، ومن موقعي الماركسيّ والعلماني الذي يستلهم رؤية ومنهاج ومسيرة رياض الترك ، لا أستطيع الاستنكاف عن ملاقاة كلّ ما هو إيجابيّ بنّاء في العمل الوطني السوري ، أياً كان المصدر والخطّ والفكر ، ما دام يعلن وينوي الالتزام بالأبجديات الكبرى في الديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة . وليس في وسعي ، استطراداً ، سوى اعتبار التطوّرات الأخيرة في خطّ وخطاب الإخوان المسلمين ، بما في ذلك دعوتهم إلى مؤتمر لندن للحوار المفتوح حول مشروع الميثاق الوطني ، جزءاً لا يتجزأ من ذلك الجهد الجبهوي التحالفي الإيجابي البنّاء " ( 38 ) .
ويرى د. وحيد عبد المجيد أن الحليف الطبيعي للإخوان المسلمين في مصر هو حزب الوفد ا لليبرالي التوجه " فالحليف الطبيعي للإخوان ، في مصر مثلاً ، هو حزب الوفد الذي يشاركهم الأسس العامة للمرجعية الإسلامية والمبادئ الأساسية للنظام السياسي التعددي وللنظام الاقتصادي الحر والعادل في آن معـًا ، بخلاف الناصريين والماركسيين الذين لا يتفقان مع الإخوان والوفد إلا في القضايا الوطنية الكبرى مع فرق لا يمكن إغفاله وهو ميل الوفد والإخوان إلى العقلانية ونفورهما من الغوغائية " ( 39 ) ويقول في مكان آخر أن التحالف بين التيارين الإسلامي والقومي يفرز إفرازات مريضة " التحالف بين التيار الإسلامي والتيار القومي هو أقرب للواقع العربي المريض ولذلك يفرز إفرازات مريضة ثم إنه لا يوجد في الحقيقة تحالف قومي إسلامي هذا تحالف زائف والمؤتمر القومي الإسلامي هو مؤتمر شكلي وليس قوميـًا وليس إسلاميـًا هو مجرد شكل على الورق لا وجود له في الواقع ولم يحدث له أي نشاط جاد حقيقي أو أي تأثير في الواقع وأعضاء المؤتمر هؤلاء مجموعة يجلسون مع بعض ويلقون الخطب الحماسية وجزء كبير منه قائم على علاقات شخصية وهو امتداد للمؤتمر القومي العربي وأنا أعرف جيدًا الطريقة التي صنع بها المؤتمر القومي العربي " وبالتالي فهو يدعو أن يكون هناك تحالف بين الليبراليين والإسلاميين " أنا أعتقد أن القواسم المشتركة بين التيارين الإسلامي والليبرالي كبيرة وواسعة وتتبلور أكثر مع الوقت وليست محدودة فالقواسم المشتركة كثيرة جدًا سواء فيما يتعلق بقضايا الحرية أو بقضايا الوطنية العامة ذات الطابع القومي ولكن المشكلة أن التيار الليبرالي مشتت ومتفرق بعكس التيار الإسلامي الذي يعد الأكثر تنظيمـًا والأكثر بلورة . لذا أعتقد أنه لابد من حوار جاد بين الليبراليين والإسلاميين توضع فيه الأهداف والقواسم المشتركة ، والتي أعتقد أنها ليست موجودة على الإطلاق بين التيار الإسلامي والتيار القومي لأنه لا يوجد تقارب من حيث مجال المرجعيات وهي متعارضة تمام التعارض ولا من حيث مجال الاهتمام فالتيار الإسلامي اهتمامه أوسع بكثير من مجال التيار القومي ولا من حيث الخبرة التاريخية ، كما أن هناك تاريخـًا ثأريـًا رهيبـًا جدًا بين الإسلاميين والقوميين لا يمكن نسيانه بسهولة " ( 40 ) .
الهوامش
35 - العلمانية والممانعة الإسلامية : محاورات في النهضة والحداثة ، علي العميم ، حوار مع الشيخ راشد الغنوشي : نعمل ( ضمن ) المجتمع لا من ( فوقه ) ، بيروت : دار الساقي ، ط 1 ، عام 1999 ، ص 19 .. علماً أن الحوار تم في تاريخ 14 يونيو 1989م .
36 - ظاهرة الإصلاح والاستفتاء في العالم العربي ، موقع الجزيرة نت : برنامج حوار مفتوح ، بتاريخ 25/05/2002م ، تقديم غسان بن جدو ، الضيوف جورج حاوي وعبد المجيد ذنيبات ورضا الأجهوري .
37 - احتضار القراءة الأمريكية للتاريخ ، د. هيثم مناع ، لندن : صحيفة القدس العربي ، 26/2/2003م .
38 - واجب ملاقاة الإخوان المسلمين في حوار الميثاق الوطني ، صبحي حديدي ، موقع الحوار المتمدن ، 26/8/2002م ، www.rezgar.com .
39 - الإخوان نجحوا في الممارسة السياسية وأخفقوا في التنظير السياسي ، د . وحيد عبد المجيد ، لندن : صحيفة المحايد ، ع 19 ، 27 رمضان 1422هـ ـ 12 ديسمبر 2001م .
40 - لابد من وجود تحالف بين الإسلاميين والليبراليين يخدم الأهداف المشتركة ، حوار مع د. وحيد عبد المجيد ، لندن : صحيفة المحايد ، ع 24 ، 8 ذو الحجة 1422 هـ ـ 02 فبراير 2002م
المصدر موقع البلاغ
[align=center]  [/align]
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |