الذي انكسر في أمريكا!


بقلم: فهمي هويدي

لا تكف الإدارة الأمريكية عن إصابتنا بالدهشة. وكنت قد أعربت عن تلك الدهشة فيما كتبت ذات مرة تعليقا على الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها بعد 11 سبتمبر، وشكلت عدوانا صارخا على الحريات المدنية.

وإذ وجدتها من ذلك القبيل الذي يعرفه بعض أقطارنا، فقد اخترت لما كتبت آنذاك عنوانا هو: مرحبا بهم في منتدى العالم الثالث (نشر في 7/11/2002) وقد تضاعفت دهشتي حين وجدت ان تلك الإجراءات تواصلت واستفحلت، الأمر الذي يجعلني لا استبعد أن يجيء يوم تحتج فيه دول العالم الثالث على تصنيفها في مربع واحد مع الولايات المتحدة، وتصدر بيانا تتبرأ فيه من سلوكها، بدعوى أن ذلك السلوك يشين تلك الدول ويسيء إلى سمعتها! (1) في الأسبوع الماضي حدث ما يلي: أعلن وزير العدل جون اشكروفت اتهام ثمانية من العرب (أغلبهم فلسطينيون) بالقيام بنشاطات إرهابية مرتبطة بحركة الجهاد الإسلامي، وقال: إن تلك المنظمة تنشط ضد إسرائيل وضد الوجود الغربي في الشرق الأوسط، وانها مسئولة عن مقتل مائة شخص في إسرائيل، بينهم اثنان من الأمريكيين. والثمانية المتهمون أربعة منهم يعيشون داخل الولايات المتحدة، أبرزهم الدكتور سامي العريان، أستاذ الهندسة بجامعة جنوب فلوريدا، الذي يقيم هناك منذ 27 عاما، وهو من الناشطين الفلسطينيين الذين دأبت الدوائر الصهيونية على الكيد لهم ومحاولة الإيقاع بهم. وبرغم تحريضها الأجهزة الأمنية ضده، فلم تثبت بحقه تهمة أو مخالفة قانونية واحدة. و"جريمته" أنه ظهر عام 2001 في برنامج تليفزيوني بإحدى القنوات التي اشتهرت بعدائها للعرب (قناة فوكس)، واشتبك مع مقدم البرنامج الإعلامي بيل اورالي المعروف بمواقفه اليمينية المتشددة، وأثناء المناقشة هاجمه اورالي، واتهمه بمساندة الإرهاب. وبعد إذاعة البرنامج أوقفته جامعته عن العمل، وسعت إلى فصله! الثلاثة الآخرون الذين وجه إليهم الاتهام من المقيمين في الولايات المتحدة، في مثل حالة الدكتور العريان، أكاديميون ومهنيون جريمتهم أنهم فلسطينيون، وعبروا عن آرائهم ومارسوا أنشطتهم بتلك الصفة، ظانين أنهم طالما يعملون في ظل القانون وحمايته فلا تثريب عليهم ولا خطر يتهددهم.

أما الأربعة الآخرون الذين يقيمون خارج الولايات المتحدة، ففي المقدمة منهم الدكتور رمضان شلح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، الذي كان يدرس في الولايات المتحدة وغادرها عام 1995م، والدكتور بشير نافع وهو من أصول فلسطينية، ويحمل الجنسية المصرية. وهو مثقف بارز وأكاديمي يقوم بتدريس التاريخ في إحدى الجامعات البريطانية، حيث يقيم هناك منذ عشرين عاما، ورغم تركيزه على التاريخ المصري الحديث، فإن له حضوره الإعلامي الذي يعبر فيه عن انحيازه إلى حقوق شعب فلسطين وعدالة قضيته. أما الفلسطينيان الآخران اللذان وجه إليهما الاتهام فأحدهما يقيم في لبنان، والثاني إمام مسجد في غزة. عرفت بعض هذه الأسماء وخصوصا الدكتور العريان والدكتور بشير نافع (الدكتور رمضان شلح يعرفه الجميع) من خلال مجلة "قراءات سياسية" وهي فصلية كانا يصدرانها في الولايات المتحدة مع آخرين، من ثم فإن حضورهما لم يكن يتجاوز الساحتين الأكاديمية والإعلامية، ولا قلق على أمثال الدكتور بشير نافع الذي يعيش في بريطانيا، حيث لايزال للقانون هناك رسوخه واحترامه، ولكن القلق كبير على أمثال الدكتور العريان، الذي يمكن أن يحتجز عدة سنوات، أو يحاكم أو يسجن من دون أن توجه إليه تهمة محددة، في ظل القانون الذي ابتدع هناك باسم "الدليل السري" الذي بمقتضاه يعتقل المرء وتتم إدانته أو يطرد من البلاد من دون أن يعرف لماذا، ولمجرد أن تدعي المباحث الفيدرالية عليه أنه "يهدد الأمن" بصرف النظر عن كيف ولماذا؟ ولذلك فإن البيان الذي أصدره مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) بعد اعتقال الدكتور العريان، شكك في أن يكون القبض على الرجل له دوافعه السياسية، وليس خاضعا لمعايير الأمن القومي. وطلب في حالة ما إذا كانت هناك قضية ضد الدكتور العريان أن تطرح الأدلة ضده في محكمة علنية، وليس في جلسات مغلقة، أو في صورة دليل سري. وهو المطلب الذي ما كان ليخطر على بال أحد أن يلح عليه في أي بلد يحترم القانون ويتمسك بتقاليده، ناهيك أن يكون البلد هو الولايات المتحدة.

(2) في ذات الأسبوع الفائت، سربت مصادر في وزارة العدل الأمريكية إلى منظمات الحقوق المدنية نسخة من مسودة قانون جديد مذهل، جرى طبخه في مكتب وزير العدل السيد جون اشكروفت، يضعف أو يمحو الرقابة المفروضة على تصرفات الحكومة فيما يخص اعتقال أو التجسس أو التنصت على المشتبه في ضلوعهم في أنشطة إرهابية. ويذهب المشروع في ذلك إلى حد تقنين تجريد الأمريكيين (بمن في ذلك المولودون في الولايات المتحدة) من جنسيتهم الأمريكية في حالة تقديمهم "دعما ماديا" لجماعات إرهابية، في الوقت الذي يتوسع فيه القانون في تعريف الجماعات الإرهابية ومفهوم الدعم المادي لها. ويطلق على القانون الجديد اسم "قانون زيادة الأمن الداخلي لـ 2003" وسوف يعرف اختصارا باسم "باتريوت اكت 2" في إشارة إلى قانون "باتريوت اكت" الذي مرره الكونجرس الأمريكي خلال الأسابيع القليلة التالية لأحداث سبتمبر بغرض منح وزارة العدل الأمريكية سلطة استثنائية كافية لمكافحة الإرهاب. أثار المشروع ذعر منظمات الحقوق والحريات المدنية، وأعد الاتحاد الناطق باسمها (صجء) تحليلا لمضمونه، كشف عن خطورته، وبين أنه يتمادى أكثر - قانون باتريوت اكت - في اضعاف الرقابة المتبادلة بين السلطات التي يفرضها الدستور الأمريكي ويطلق يد سلطات تنفيذ القانون في العديد من القضايا، وسوف يشجع - إذا ما تم إقراره - تجسس قوات الشرطة على النشاطات السياسية والدينية، كما سمح للحكومة بالتنصت من دون الذهاب للمحكمة (لاستصدار تصريح بذلك).. كما سيتوسع في أحكام عقوبة الإعدام. وفضلا عما سبق فإنه سوف يسمح بالتعديات التالية على الحقوق والحريات المدنية: ــ تسهيل قيام الحكومة بعمليات التنصت والمراقبة وفقا لأدلة سرية. ــ حماية رجال المباحث المنخرطين في أنشطة مراقبة غير قانونية من دون تصاريح قضائية في حالة ما إذا كانوا - في نشاطهم هذا - يتبعون أوامر مسئولين كبار بالسلطة التنفيذية. ــ إضفاء الصفة القانونية على ما تقوم به وزارة العدل من اعتقالات سرية. ــ الحد من قدرة المحامين على تحدي استخدام الأدلة السرية. ــ فتح الملفات الخاصة بـ "الفيزا" وتصاريح السفر أمام الشرطة المحلية من أجل تطبيق قوانين الهجرة المعقدة، مما يهدد بفقدان الثقة بين قوات الشرطة وتجمعات المهاجرين. ــ إلغاء القيود القضائية المفروضة على قيام قوات الشرطة بالتجسس. وهي القيود التي وضعت لمنع قوات تنفيذ القانون من التمييز ضد جماعات دينية وسياسية بعينها. ــ توفير حافز للأفراد إلى التجسس على بعضهم بعضا بتوفير حصانة للمؤسسات التي تقوم بالاتصال لتعطي وشايات خاطئة عن أنشطة إرهابية.

ــ التوسع في تعريف الصلة بالمنظمات التي أعلنتها الحكومة الأمريكية كمنظمات إرهابية حتى لو كانت هذه الصلات حسنة النية ولا علاقة لها بممارسة أنشطة إرهابية. ــ السماح بترحيل المهاجرين ترحيلا فوريا في حالة إعلانهم خطرين على الأمن القومي من قبل وزير العدل الأمريكي حتى لو كانوا حاصلين على تصريح الإقامة الدائمة ومن دون توافر دليل على ارتكابهم جرائم أو على أن لديهم نوايا إجرامية. في الأسبوع ذاته، وجه عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي في مدينة "فريدرك" بولاية ميريلند، دعوة إلى قيادة مسجد المدينة (مسجد المجتمع الإسلامي) للحضور إلى مقرهم. وطلبوا إليهم إعداد قائمة بأسماء الذين يترددون على المسجد، وهو ما أثار انزعاج الجالية المسلمة التي ما ان أبلغ ممثلوها أجهزة الإعلام وجماعات الحقوق المدنية بالقضية، حتى أعلن مسئولو مكتب التحقيقات أنهم "لن يضغطوا للحصول على القائمة". وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي قد بدأ شهر يناير الماضي إحصاء عدد المساجد بمختلف الولايات تمهيدا لتوزيعها على 56 فرعا له موزعة على أنحاء البلاد، بحيث يشرف كل فرع على مجموعة من المساجد من خلال عمليات التفتيش والمراقبة المستمرة. مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية وجه رسالة في 20/2 إلى مدير مكتب التحقيقات روبرت مولر، اعتبر فيها ان طلب تقديم قوائم برواد المساجد يعد انتهاكا خطيرا للحقوق والحريات المدنية والدينية. وقال مدير المجلس نهاد عوض: إن سعي عملاء المباحث الفيدرالية إلى الحصول على أسماء مسلمين لم يخالفوا القانون في شيء، لن يؤدي إلا إلى تأكيد أسوأ مخاوف المسلمين في أمريكا، من تعرضهم للتحيز الديني والعرقي بشكل متعمد. المعروف أن تلك الإجراءات تتخذ في الوقت الذي يخضع فيه آلاف المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة لإجراءات تفرض عليهم تسجيل أنفسهم لدى مكاتب إدارة الهجرة والتوطين المحلية، وهي الإجراءات التي أدت إلى اعتقال المئات منهم وإلى ترحيل البعض منهم، وقد اعتبرت المنظمات المسلمة الأمريكية ان سياسة تسجيل المهاجرين تطلب بشكل تمييزي على المهاجرين المسلمين والعرب.

(3) هذه حصيلة أسبوع واحد من الزمن الأمريكي تعكس إلى حد كبير انزلاق الإدارة الأمريكية بصورة تدريجية صوب تقييد الحريات المدنية بشكل عام، فضلا عن قمع المسلمين بوجه أخص. وهو ليس أسبوعا استثنائيا، لأن مثل هذه الإجراءات تتوالى حينا بعد حين، منذ أحداث 11 سبتمبر. ففي الشهر الماضي أصدرت إحدى محاكم الاستئناف في مدينة شيكاغو حكما أيد استخدام قانون الأدلة السرية لمصادرة أموال إحدى الهيئات الخيرية، بحيث ترفع القضية ويتم التجميد من دون إبراز أي دليل لمحامي الدفاع يتعلق بالمخالفات التي ارتكبتها الهيئة. ويكتفى في الإدانة بتقرير الأجهزة الأمنية المعنية ان الهيئة تمارس عملا يشكل خطرا على الأمن أو أن لها صلة بالأنشطة الإرهابية من دون أي تحديد! وكان هذا القانون البائس يطبق على الأفراد المسلمين بطبيعة الحال لكن هذه هي المرة الأولى التي طبق فيها على الهيئات، وكانت هيئة الإغاثة العالمية (الإسلامية طبعا) هي أول ضحية له. وفي الشهر الماضي أيضا طبق أول مرة نظام التجسس على الطلاب والمدرسين الأجانب في كافة الجامعات والمعاهد العليا الأمريكية. وكانت السلطات الأمريكية قد طالبت كل تلك الجهات بأن تزودها بأسماء الطلاب والأساتذة الأجانب وعناوينهم، وتخصص كل واحد منهم. وقالت التقارير القادمة من واشنطون: إن المباحث الفيدرالية بالتعاون مع المئات من أقسام الشرطة الجامعية بدأوا تنظيم عملية التجسس على حوالي ربع مليون طالب ومدرس أجنبي، الأمر الذي أثار جدلا لم ينته حادا في الأوساط الجامعية، التي استقبلت الإجراءات بدهشة، وقال بعض الأساتذة: إن الجامعات التي هي معمل لتفريخ الأفكار قد تلقت صفعة قوية، بإدخال وسائل التنصت والمراقبة إليها. لا يتسع المقام لاستعراض الإجراءات القمعية التي باتت تتسرب إلى الحياة الأمريكية على نحو يثير القلق المستمر على الحريات المدنية، التي كانت إلى عهد قريب أثمن ما في النموذج الأمريكي. لكنني سأتوقف أمام نموذجين أو قصتين تفوقت بهما الإدارة الأمريكية على ما في دول العالم الثالث من فنون القمع. { فأمام الكونجرس مشروع جديد باسم نظام الرقابة المعلوماتي الكامل، عرض خلاصته كريستوفر بايلي وهو محاضر في القانون الدستوري والحريات المدنية، في مقالة نشرتها صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" على النحو التالي: سوف تستخدم قيادة جهاز المخابرات وأمن الجيش، التي تتمركز في فورت بوليفور بولاية فرجينيا أجهزة كمبيوتر متطورة للغاية للتدقيق سرا في رسائل البريد الالكتروني ومشتريات بطاقات الائتمان، وسجلات الاتصالات الهاتفية، وكشوف الحسابات المصرفية، الخاصة بمئات الآلاف من الناس، بحثا عما قد يربطهم بإرهابيين أو بتعاطفهم معهم، وسيتم إرسال معظم تلك المعلومات للقيادة الشمالية الجديدة للجيش الأمريكي، التي يفترض أنها مسئولة عن إجراءات الأمن والسيطرة في البلاد، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وقد نشرت الواشنطون بوست في 15/1 ان هذا النظام الالكتروني الفريد قادر على تقصي معلومات شخصية عن الكثير من الأشخاص المقيمين في شتى أنحاء العالم.

{ في تعليقه على المشروع قال الخبير القانوني كريستوفر بايلي: إن عمليات البحث عن الإرهابيين التي تقوم بها أجهزة فرض القانون لها ما يبررها، "لكن لماذا يجب على الجيش القيام بنفس المهمة؟ ذلك أن الارتباط المباشر لموظف عسكري بعمليات فرض القانون يعد عملا إجراميا"! { القصة الثانية بطلها رجل أمريكي اسمه سكوت ريتر، الذي كان رئيسا للجنة التفتيش على أسلحة الدمار الشامل في العراق في الفترة من 1991 إلى 1998 وقد استقال من وظيفته احتجاجا على مسلك حكومته وتعسفها، وتحول بعد ذلك إلى مناهض لسياسة بلاده المتجهة إلى الحرب بذريعة أن العراق يخفي أسلحة الدمار المحظورة. ولأن موقفه كان يزعج الإدارة الأمريكية ويفسد بدرجة أو أخرى أجواء التعبئة التي تحشدها، فقد لجأت المباحث الفيدرالية إلى حيلة بسيطة لإسكاته. فقد اتهم بإغواء قاصر عمرها 16 سنة عبر الإنترنت، حيث حدد لها موعدا وهو يراسلها في غرفة "الثرثرة" للقاء في أحد مطاعم الوجبات السريعة. ولم تكن تلك القاصر سوى محقق في المكتب الفيدرالي، كان قد تنكر على هيئة فتاة مراهقة. وحين ذهب إلى المطعم وجد رجال المباحث الفيدرالية في انتظاره، وعندئذ حذروه بألا يكرر فعلته، وظلوا يراقبون نشاطه على الإنترنت، فضبط وهو يغري قاصرا أخرى ويقنعها بلقاء معه في أحد المطاعم، فتتبعوا خطواته ووجدوه في انتظارها هناك، وعندئذ اعتقلوه عدة ساعات ثم افرجوا عنه بلا اتهام، وأغلق الملف الذي ظل طي الكتمان في حوزة الشرطة. وحين سافر الرجل إلى بغداد في إطار حملته المضادة لسياسة بلاده، جرى تسريب الخبر لإحدى الصحف التي أشاعت قصة إغواء القاصرتين، الأمر الذي اضطره إلى قطع رحلته والعودة إلى بلاده لمواجهة القضية التي فتح ملفها فجأة في توقيت يتعذر اعتباره مجرد مصادفة! (4) في العام الماضي كتب الأستاذ جميل مطر - المحلل السياسي البارز - مقالة تحت عنوان "أمريكا وما دهاها" - عبر فيها عن دهشته من التحولات المفجعة التي طرأت على الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر. وبدا في مقالته (التي نشرتها "الحياة" اللندنية في 24/8/2002) كأنه ينعى إلينا "الحلم الأمريكي" حتى ختمها بقوله: لا أظن أن شيئا من هذا سيعيد أمريكا قدوة ونموذجا، أو يصلح ما انكسر في المشروع النهضوي الأمريكي. وفي عدد مجلة "وجهات نظر" (الصادر في أول فبراير) مقالة أخرى تحت عنوان "من يحكم أمريكا؟" كتبتها خبيرة سابقة في الأمم المتحدة (الأستاذة سهير السكري) قالت فيها ما خلاصته: إن "أمريكا الحلم" التي يتحدث عنها كثيرون، وهم مبهورون بقيمها ومؤسساتها وقوة مجتمعها تغيرت، وتعرضت للاختطاف من قبل مجموعة من الأصوليين المتعصبين الذين استعرضت الباحثة أسماءهم وتاريخهم، ومدى ارتباطهم وولائهم لإسرائيل، الفكرة ذاتها عالجها باحث آخر مقيم في بريطانيا هو مروان قبلان، الذي كتب في صحيفة القدس العربي (عدد 19/2/2003) مقالة تحت عنوان: غلاة اليمين في أمريكا يسيطرون على الإدارة - وسلط الضوء على الشخصيات المؤثرة في الرئيس بوش، بينهم القس جيري فالويل أبرز رموز الكنيسة المعمدانية الجنوبية، الذي اشتهر بتهجمه البذيء على الإسلام والمسلمين، وهو القائل:"إن معاداة إسرائيل بمثابة إعلان حرب على الرب". وقد لفت نظري في المقالة أن الكاتب أبرز قائمة المؤسسات ومراكز الأبحاث التي تخير منها الرئيس بوش فريقه الوزاري، وجميعها تعد معاقل للغلاة، الذين يمثلون مراكز القوى المتصهينة أكثر مما يمثلون ما هو نبيل في القيم الأمريكية. لذلك فإنني لم استغرب ما قاله الباحث والأكاديمي الأمريكي المرموق ويليام بولك، في ختام محاضرة ألقاها في جامعة اوكسفورد قبل أقل من شهرين من أن المؤرخين سينظرون إلى عهد الرئيس بوش "على أنه بداية لتراجع أمتنا العظيمة". إن أمريكا وهي تسعى إلى كسب الحرب، خسرت نفسها!