نص رسالة التنزيه للعلامة الراحل محسن الامين رحمه الله (1)
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
والحمد للَّه رب العالمين وصلى اللَّه على سيدنا محمد وآله وسلم،
فإن اللَّه سبحانه وتعالى أوجب إنكار المنكَر بقدر الإمكان بالقلب أو اليد أواللسان. ومن أعظم المنكرات : اتخاذ البدعة سنّة ، والسنّة بدعة ، والدعاية إليهاوترويجها ، ولمّا كان إبليس وأعوانه إنما يضلون الناس من قبل الأمر الذي يروجعندهم كانوا كثيراً ما يُضلّون أهل الدين من طريق الدين ، بل هذا من أضرّ طرقالإضلال ، وقلّما تكون عبادة من العبادات أو سنّة من السنن لم يُدْخِل فيها إبليسوأعوانه ما يفسدها فمن ذلك إقامة شعائر الحزن على سيد الشهداء أبي عبداللَّهالحسين بن علي "ع" إلى اليوم. ولما رأى إبليس وأعوانه ما فيها من المنافع والفوائدوأنه لا يُمكنهم إبطالها بجميع ما عندهم من الحيل والمكائد توسلوا إلى إغواءالناس بحملهم على أن يُدخلوا فيها البدع والمنكرات وممّا يُشينها عند الأغيارقصداً لإفساد منافعها وإبطال ثوابها فأدخلوا فيها أموراً أجمع المسلمون علىتحريم أكثرها وأنها من المنكرات وبعضها من الكبائر التي هدّد اللَّه فاعلها وذمّه فيكتابه العزيز.
(1) فمنها : الكذب ؛ بذكر الأمور المكذوبة المعلوم كذبها وعدم وجودها فيخبر ولا نقلها في كتاب ، وهي تُتلى على المنابر وفي المحافل بُكرة وعشيّاً ، ولا منمُنكِرٍ ولا رادع. وسنذكر طرفاً من ذلك في كلماتنا الآتية إن شاء اللَّه ، وهو من الكبائربالإتّفاق ، لا سيما إذا كان كذباً على اللَّه أو رسوله أو أحد الأئمة - عليهم السلام -.
(2) ومنها : إيذاء النفس وإدخال الضرر عليها ، بضرب الرؤوس وجرحهابالمدى والسيوف حتى يسيل دمها ، وكثيراً ما يؤدي ذلك إلى الإغماء بنزف الدمالكثير وإلى المرض أو الموت وطول برء الجرح. وبضرب الظهور بسلاسل الحديدوغير ذلك. وتحريم ذلك ثابت بالعقل والنقل وبما هو معلوم من سهولة الشريعةوسماحتها الذي تَمدح به رسول اللَّه "ص" بقوله "جئتكم بالشريعة السهلةالسمحة"من رفْع الحرج والمشقّة في الدين بقوله تعالى : "ما جعل عليكم فيالدين من حرج".
(3) ومنها : استعمال آلات اللهو كالطبل والزمر )الدمام( والصنوج النحاسيةوغير ذلك.
(4) ومنها : تشبّه الرجال بالنساء في وقت التمثيل.
(5) ومنها : إركاب النساء الهوادج مكشّفات الوجوه وتشبيههن ببنات رسولاللَّه )ص( وهو في نفسه محرّم لما يتضمنه من الهتك والمُثلة فضلاً عما إذا اشتملعلى قبحٍ وشناعة أخرى ، مثلما جرى في العام الماضي في البصرة من تشبيه إمرأةخاطئة بزينب "ع" وإركابها الهودج حاسرة على ملأ من الناس.
(6) ومنها : صياح النساء بمسمع من الرجال الأجانب ولو فرض عدمتحريمه فهو معيب شائن منافٍ للآداب والمروءة يجب تنزيه المآتم عنه.
(7) ومنها الصياح والزعيق بالأصوات المنكرة القبيحة.
(8) ومنها كل ما يوجب الهتك والشنعة مما لا يدخل تحت الحصر ويختلفالحال فيه بالنسبة إلى الأقطار والأصقاع ، إلى غير ذلك.
فإدخال هذه الأشياء في إقامة شعائر الحزن على الحسين "ع" من تسويلاتإبليس ومن المنكرات التي تُغضب اللَّه ورسوله "ص" وتُغضب الحسين "ع" فإنه قتلفي إحياء دين جده "ص" ورفع المنكرات ، فكيف يرضى بفعلها ؟ لا سيما إذا فُعِلتبعنوان أنها طاعة وعبادة!!
وقد رأينا في هذه الأيام أوراقا مطبوعة ذَكر فيها صاحبها أنه يردّ على ناشئةعصرية من صفتها كذا ، فطائفة منها ازدلفت إلى مشاهدهم المقدسة ببقيع الغرقدفهدمتها ، وطائفة منهم قد تألبت لإبطال إقامة العزاء للنبي وآله وعترته أيام وفياتهمالمعلومة لا سيما يوم عاشوراء.
ثم ذكر حُسْن إقامة المآتم والبكاء على الحسين "ع" بما كفيناه مؤونته فيكتابنا (إقناع اللائم على اقامة المآتم) كما كفيناه مؤونة الأمر الثاني في كتابنا (كشفالإرتياب في أتباع محمد بن عبدالوهاب) وفي قصيدتنا (العقود الدرّية).
وحسَّن فيها ما يفعله بعض الناس أيام عاشوراء من لبس الأكفان وكشفالرؤوس وجرحها بالمدى والسيوف حتى تسيل منها الدماء وتلطخ بها تلك الأكفانودق الطبول وضرب الصنوج والنفخ في البوقات )الدمام( وغير ذلك، والسير فيالأزقة والأسواق والشوارع بتلك الحالة.
وعرّض بنا وببعض فضلاء السادة في البصرة بسوء القول لنَهْينا عن قراءةالأحاديث المكذوبة ، وعن هذا الفعل الشائن للمذهب وأهله والمنفر عنه والملحقبه العار عند الأغيار ، والذي يفتح باب القدح فيه وفي أهله ونسبتهم إلى الجهلوالجنون وسخافة العقول والبعد عن محاسن الشرع الإسلامي واستحلال ما حكمالشرع والعقل بتحريمه من إيذاء النفس وإدخال الضرر عليها ، حتى أدى الحال إلىأن صارت صورهم الفوتوغرافية تُعرض في المسارح وعلى صفحات الجرائد. وقدقال لنا أئمتنا "ع" "كونوا زَيْناً لنا ولا تكونوا شَيْناً علينا" وأمرونا بأن نفعل ما يُقال لأجله، "رحم اللَّه جعفر بن محمد ما أحسن ما أدّب به أصحابه". ولم ينقل عنهمأنهم رخّصوا أحداً من شيعتهم في ذلك ولا أمروهم به ولا فُعل شيء من ذلك فيعصرهم لا سرّاً ولا جهراً.
وقد كتب على ظهرها أنها للمصلح الكبير!! فهذا هو الإصلاح الذي يوصف صاحبه بالمصلح الكبير بالحثّ على أمر لو فُرض محالاً أنه ليس محرماً فهو ممايُلصق العار بالمذهب وأهله ويُنفّر الناس عنه ويفتح باب القدح فيه!
أليس من الورع في الدين والاحتياط فيه التحاشي عنه ؟ أما يقتضي الإصلاحلو كان القصد الإصلاح تركه والتجافي عنه صيانةً للمذهب وأهله من إلصاق العيببهم والتنفير عنهم؟ فلو فرض إباحته فهو ليس من واجبات الدين التي يضرّ تركها.
وكتب على ظهرها أيضاً أنها طُبعت على نفقة "الجمعية الدينية في النبطية".