[align=center]الشيعة في السعودية: الحقيقة المغيّبة [/align]

[align=center]الشيعة في السعودية: الحقيقة المغيّبة ( للكاتب : موسى عبد الشهيد )


بفضل الشيعة في القطيف والاحساء استطاعت شركة أرامكو تجهيز البنية التحتية لمصافي النفط في المنطقة الشرقية لتتحول الشركة بعد ذلك الى أكبر شركة نفطية في العالم. بالنفط استطاعت كذلك العربية السعودية ان تنمو وتتحول الى دولة مترامية الأطراف بعد ان كانت مجرد شتات في الصحراء يقتات سكانه من لحوم ولبن الماعز والجمال. فكان على الحكومة السعودية بالتالي وجوب الاعتراف بفضل شيعة القطيف والاحساء لدورهم الأساسي في بناء الاقتصاد الوطني. إلا إن هذا الفضل جرى طمسه، وبدلا عن ذلك تركت المناطق الشيعية محرومة من ثروتها النفطية حيث الفقر والتهميش والتلوث المصاحب لعمليات استخراج النفط. فاصبح سكان المنطقة وخاصة الشيعة القريبين من حقول النفط عرضة للكثير من الأمراض القاتلة التي لم تتخذ الحكومة السعودية بشأنها أية تدابير وقائية وعلاجية لحمايتهم.

في نوفمبر عام 1980 انتفض الشيعة يطالبون بحقوقهم التي انتهكتها الحكومة السعودية بغطاء ديني سلفي، جرّاء ذلك استشهد وجرح واعتقل الكثير من الشيعة، فتعرضوا للتشويه الإعلامي السعودي، كما فُرض عليهم حظر التوظيف في شركة أرامكو التي تدير حقول النفط السعودية منذ الأربعينات من القرن الماضي. ومع ذلك استمرت مطالب الشيعة لتحسين أوضاعهم الاقتصادية والسياسية والمذهبية إلا أن الحكومة السعودية لم تكترث بهذه المطالب.

تتعامل الحكومة السعودية مع الشيعة بازدراء وتتهمهم بعدم الولاء لوطنهم. بل وتطالبهم باستمرار تأكيد وطنيتهم وولائهم كلما التقى وفد منهم بمسئول حكومي رفيع الدرجة كأمير المنطقة الشرقية أو نائبه. أمير المنطقة الشرقية محمد بن فهد نفسه يتعامل مع الشيعة بإزدراء وعنصرية. كما تقوم الشرطة الدينية «المطاوعة» بإجراءات قمعية ضد السكان الشيعة وإجبارهم على التوقف عن البيع والشراء في أوقات صلاة العصر والمغرب والعشاء كل يوم. علما بأن الشيعة لا يتشددون في دفع الناس للاغلاق بسبب تفسيراتهم غير المتشددة للنصوص الدينية التي يعتبرها الوهابيون تفسيرات منحرفة وخارجة عن الإسلام.

لا يزال عدد من الشيعة في المعتقلات بدون محاكمة أو توجيه تهمة منذ منتصف التسعينيات من القرن العشرين حتى الآن حيث اتهموا بتفجيرات الخبر. فالقضاء السعودي غير المستقل يسيطر عليه قضاة سلفيون وهم امتداد للقيادة الدينية النجدية السعودية الحالية والتي نشأت منذ تحالف محمد بن سعود مع محمد بن عبد الوهاب قبل أكثر من 100 عام. كما يتعرض الشيعة لمضايقات بشكل دائم من قِبل السلفيين المنتسبين لجهاز الشرطة المدنية. وغالباً ما تحدث هذه المضايقات والانتهاكات في نقاط التفتيش المنتشرة على الطرقات السريعة. كما تتعمد أجهزة الشرطة المدنية والمرور وضع نقاط تفتيش عشوائية في المناطق الشيعية سواء خارج المدن أو داخلها لفرض مخالفات وجزاءات مختلفة بشكل تعسفي لا يخلو من عنصرية مذهبية مبطّنة. علما أن مثل هذه الإجراءات لا تتم إلا نادراً في المناطق السنية في المنطقة الشرقية. ومنعدمة في منطقة نجد وخاصة في الرياض والقصيم.

حقوق الشيعة في النفط والسيادة الإدارية في الدولة

عند التجول في المناطق الشيعية المختلفة ستجد الكثير من مظاهر الفقر والمعاناة. فبينما يبني سعوديون في نجد ثروات طائلة من عائدات النفط، يبقى الآخرون - وهم الأكثرية الساحقة - وخاصة الشيعة في المنطقة الشرقية يعانون الفقر والحرمان. ومع ذلك لا يحق لأحد الاعتراض علنا على التوزيع الظالم لهذه العائدات ولا أن ينتقد استئثار العائلة الحاكمة والوهابيون الرسميون بمعظم الثروة الوطنية التي مصدرها الأساسي القطيف والاحساء.

السعودية التي تفتقد لدستور ديمقراطي يُحضر فيها على الشيعة الإعلان عن حقوقهم في ثروتهم النفطية الموجودة في مناطقهم أو عن حقوقهم السياسية والمذهبية. بينما نُظراؤهم في العراق ساهموا بقوة في إنجاز دستور ديمقراطي يضمن لهم حقوقهم في إدارة بلادهم سياسيا واقتصاديا ودينيا. كما يضمن لهم حقوقهم في ثروة العراق النفطية الموجود جزء كبير منها في مناطقهم في جنوب العراق. فهاهم اليوم قد نالوا، بفضل دستورهم الجديد، حقوقهم بعد أن سلبها منهم نظام صدام حسين.

لا يشعر الشيعة في السعودية بالرضا بسبب استلاب حقوقهم. فالبعض منهم يعاني البطالة والفقر والانحراف والجريمة بسبب انتهاج الحكومة السعودية سياسة التمييز الطائفي ضدهم. لا أحد في الدولة السعودية يعتني بجدية بمشاكل الشيعة. ومع ذلك لا يحظون بالقبول في شركة أرامكو النفطية أو في شركات كبرى أخرى، ويفضل بدلا عنهم السنة سواء السنة القادمين من جنوب وشمال ووسط السعودية أو من العمال الأجانب.

قبل عامين تقدم الشيعة بعريضة يطالبون فيها بحقوقهم المذهبية وبأن يعتبروا مواطنين كاملي الحقوق والواجبات. لم تلبي الحكومة السعودية مطالبهم حتى الآن رغم وعود الأمير عبد الله «الملك الحالي للبلاد» بالنظر لمطالبهم باهتمام.

بصفة عامة لا تزال العائلة الحاكمة ترفض الإعلان عن إصلاحات جادة تلبي المطالب الشيعية في حقوقهم في الثروة وإدارة البلاد. الحكومة تراهن بدلا عن ذلك على عوامل متعلقة بإعادة العلاقة مع واشنطن التي اهتزت بسبب هجمات الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001. كما تراهن على عامل ارتفاع النفط لتأجيل الاصلاحات.

فهم يستخدمون النفط كسلاح ضد معارضيهم سواء عبر تحسين الأوضاع الاقتصادية بعض الشيء «زيادة رواتب موظفي الدولة 15% » أو عبر زيادة عدد الصفقات كما ونوعا مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية للحؤول دون مطالبة الحكومة بالحاح بتغييرات ديمقراطية في السعودية والتشديد على معارضيها في بلدانهم. لا شك أن مثل هذه العوامل لن تكون في صالح التواقين للاصلاحات الفعلية التي تعطي كل ذي حق حقه. فهذه العوامل - إن هي استمرت - سوف تمكّن الحكم السعودي من جعل الاصلاحات دون مستوى الطموحات الشعبية بكثير.

أما الشيعة فسوف يكونون الشريحة الأكثر خيبة بسبب ضعف مواقفهم السياسية الراهنة إزاء الإعلان عن حقوقهم المذهبية وحقوقهم في إدارة الدولة والثروة النفطية. فربما تسفر التغييرات التي يعتزم الملك عبد الله الاعلان عنها في الفترة القادمة عن رمي عظمة للأفواه الشيعية التي تعلن بخجل عن حقوقها. ولكن هذه التغييرات لن تتضمن حقوقا للشيعة تتناسب مع كونهم عصب الصناعة النفطية منذ الأربعينات من القرن الماضي حتى الآن. ولن تتضمن التغييرات ايضا اعترافا باهمية المنطقة الشرقية المصدر الرئيسي لشريان الاقتصاد السعودي.

وإضافة لذلك لن تعترف الحكومة السعودية بحقوق للشيعة في التغييرات القادمة بما يتناسب مع حجمهم السكاني ومقدار الأخطار التي يتعرضون لها الناجمة عن التلوث المنبعث من آبار النفط القريبة من مساكنهم. كما لن تتضمن التغييرات أية زيادة ذات شأن في عددهم في المجلسين الشورى والوزراء. فالزيادة المتوقعة لعددهم في مجلس الشورى قد تصل لثلاثة أو أربعة فقط. ولعلّ أحدهم يُعين مستشارا في إحدى الوزارات أو يُوزّر في إحدى الوزارات غير السيادية. أما نصيبهم في هيئة كبار العلماء والقضاء الأعلى فسوف يكون صفرا. كما لن تتحقق لهم التغييرات القادمة الحصول على مواقع في الإدارات العليا في شركة أرامكو وسكيكو ولا في أية شركة من شركات الجبيل وينبع. وسوف تظل معظم الوظائف الإدارية العليا للأجهزة الحكومية في مناطقهم في يد الإدارة السنية.

إن النتيجة النهائية للتغييرات السعودية المحتملة سوف يكون الشيعة فيها آخر المستفيدين وأول الخاسرين إن هم تجاهلوا ما يجب أن يقوموا به حيال حقوقهم في النفط والسياسة والشأن الديني.[/align]


[align=center]مني لك أخي الفاضل إبن القطيف.[/align]