النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: شيئ من التاريخ

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    325

    افتراضي شيئ من التاريخ

    الإحساء وسقوطها

    جهتان كانتا وراء الفتنة والاخلال بالأمن، الانجليز وابن سعود.. وكان الطرفان يدعمان القبائل البدوية ويعيناها على اشعال الفتنة، وكان لكلا الطرفين جواسيسه ومخبروه من النجديين المقيمين في الاحساء، وكلاهما كان يرقب الوضع السياسي والأمني في المنطقة لاستثماره.

    وكان العجمان ـ حلفاء ابن سعود وأبيه عبد الرحمن وعمّه سعود ـ وكذلك آل مرّة، يسعون للنهب، ولم يكونوا يريدون غيره، كما لم يفهموا كامل المخطط الا بعد احتلال الاحساء، وحينها وقفوا معارضين لابن سعود، فصفّاهم بشكل دموي.

    فور احتلاله للرياض، وثّق الحاكم السعودي تحالفه مع القبائل البدويّة في المنطقة، وشجّعها على مهاجمة القرى والحواضر ونهبها وحرقها، لتحقيق هدفين اساسيين:

    * الاول: اضعاف هيبة الاتراك لدى الأهالي.

    * الثاني: دفع الاهالي لقبول حكمه والتعاون معه في طرد الاتراك.

    ولئن حقق ابن سعود هدفه الاول، فان هدفه الثاني لم يحصل عليه، رغم إلحاح مجموعة النجديين المقيمين في محلّتي الرفعة والنعائل بالهفوف، حيث ((أخذت ترسل في الخفاء الرسائل السريّة لابن سعود تخبره فيها عن الاوضاع الداخلية، وعن مدى استعدادات الاتراك هناك، وعن مدى امكانية نجاحه إذا حاول استرداد المنطقة))، كما يقول كاتب سعودي[35].

    وهذا اعتراف واضح بأن النجديين ـ رغم قلتهم ـ كانوا أداة للتجسّس والتحريض. ونقول النجديين، لان العوائل التي دعمت ابن سعود وراستله ودعته للاحتلال، هي عوائل نجدية الأصل، وهابية المذهب ـ في الأغلب ـ.

    ويرى الكاتب السعودي المذكور، ان من مقدمات احتلال ابن سعود للاحساء: ((أنه استطاع كسب جماعة من قبائل العجمان التي أخذت تهاجم القوات العثمانية[36] في الاحساء بين الحين والآخر، وهذه الغزوات[37] أحدثت بلبلة وفوضى في المنطقة، زادت الطين بلّة بالنسبة للاستراتيجية العثمانية[38].

    وأشار المؤلف إلى ان بريطانيا كانت توزّع السلاح على القبائل البدوية هبة مجانية لتعمل على مناهضة الحكم العثماني وخربطة الأمن ((وبهذا الاسلوب، فان بريطانيا كانت تعمل على اثارة الفتن، وأعمال الشغب والاضطراب في المناطق الخليجية الواقعة تحت السيادة العثمانية ـ أي الاحساء والقطيف ـ. وهذا الاجراء كان عاملا من العوامل التي اضعفت مركز الاستراتيجية العثمانية في الاحساء، وكان همّ بريطانيا ان تخرج الدولة العثمانية من مناطق الخليج والعراق))[39].

    وأشار المؤلف في بحث آخر، بأن بريطانيا والقوى الوطنية المجاورة ((ويقصد ابن سعود)) قامت بمحاولات تشويش وتشجيع القبائل على الثورة ضد الاتراك، وان شيوخ القبائل كانوا يتقاضون أموالا من الانجليز، اصحاب السلطة في الخليج، ومن العثمانيين أيضاً[40].. ومعلوم ان عطايا الاتراك كان لضمان هدوء القبائل، أما عطايا الانجليز فتهدف عكس ذلك.

    وهكذا رأت القبائل، كم هي فرصة ثمينة للنهب، خاصة وان السلاح يُدفع بالمجان، فبادرت بالهجوم وتهديد القوافل التجارية، ونهب السكان غير مرة، بل ومحاصرة القطيف اكثر من ستة اشهر، وحرق قرى بأكملها، وغير ذلك من الافعال.. هذه هي الافعال التي سمّاها الكتاب السعوديون بـ ((الحركات الاجتماعية!))، وهذا هو ((الكفاح المسلح!)) لأهالي الاحساء ضد دولة الخلافة!.

    لقد وعى الاتراك، وابن رشيد، والحاج منصور باشا بن جمعة ـ زعيم شيعة القطيف ـ، وعوا مبكرا ما تفعله الايدي المحركة للاضطرابات، لكن ضعف الاتراك العام، وسدّ الانجليز الطريق أمامهم لم يمكنهم من ترتيب أوضاعهم إزاء الاخطار الجديدة الناشئة.

    تنبّه ابن رشيد في وقت مبكر إلى محاولات التسلّل البريطاني للاحساء، والذي ترافق وتناسق مع محاولات ابن سعود في اثارة القبائل البدوية.. وكل الوثائق التي بين ايدينا تشير إلى ان ابن سعود وبعد اقل من شهرين من احتلاله للرياض، بدأ يظهر اطماعه في الاحساء.

    كان ابن رشيد ـ حاكم حائل وأغلب مدن نجد ـ أول من تنبّه إلى خطوات ابن سعود، فارسل إلى الوالي التركي في الاحساء يبلغه ويحذره من الثلاثي ((الانجليز ـ مبارك الصباح ـ ابن سعود)).. ثم ما لبث ان ارسل إلى السلطان العثماني رسالة يشرح فيها الاخطار المحدقة بالاحساء، وان الانجليز يستعدون لاحتلالها.. الا انه لم يلق التجاوب المطلوب، لعجز وقصور في السلطة العثمانية نفسها، والتي وافتها اخبار اخرى تؤكد المسألة.

    إعتمادا على الوثائق البريطانية، فان ابن رشيد تنبّه إلى ان ابن سعود بدأ بتوطيد علاقاته مع الاقلية النجدية الوهابية المقيمة في الاحساء، وانه يستخدمهم لتأليب السكان والرأي العام المحلي ضد الاتراك، ورأى من جهة اخرى انه قد عقد تحالفات جديدة مع العجمان وآل مرّة، وأخذ يدفعهم لمهاجمة الحضر، ليكون اختلال الأمن الحجة والمبرر للاحتلال.

    ارسل ابن رشيد مبعوثا للوالي التركي في الاحساء اسمه ((سعد الحازمي)) ليطلع على الاوضاع هناك، فعاد هذا الاخير وأبلغ ابن رشيد بأفعال الجماعة النجدية، واقترح اعتقال مجموعة من المتعاونين مع ابن سعود، كان ذلك بعد شهرين من احتلال الرياض فقط، أي في أواخر فبراير ـ أو بداية مارس ـ أما الاشخاص الذين نصح باعتقالهم فهم:

    ((محمد بن عبد الله حسين، ابراهيم بن طوق، مساعد بن عبد المحسن السويلم، وابراهيم بن سيف)).. ولم ينس الانجليزي ان يشير اليهم بالقول: ((وكلّهم من مواطني الرياض المقيمين في الاحساء، ومن اشد المتحمسين والمرتبطين بعائلة آل سعود))[41].

    ولمّا كان من الصعب على والي الاحساء قبول رأي ابن رشيد ((فقد كتب الامير ـ ابن رشيد ـ إلى والي البصرة حول الموضوع، وبناء على ذلك اصدر هذا الوالي إلى متصرف الاحساء، بأن ينقذ رغبة سعد الحازمي.. وهكذا تمّ القبض على ثلاثة منهم مؤخرا ـ مارس 1902 ـ بينما تمكن ابراهيم بن سيف من الهرب بمساعدة أحمد بن عبد الله بن ملحم، وهو احد ابناء الاحساء[42]. حيث رافقته مجموعة حماية إلى مكان أمين. وكانت المجموعة مؤلفة من 16 رجلا من رجال قبيلة المرّة، حيث أوصلوه بأمان إلى منطقة الحسين، الواقعة على بعد ثمانية أميال جنوبي القطيف، ومن هناك قدم إلى البحرين يوم 26 مارس، على ظهر قارب أرسله له خصيصا الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الذي أخبر بموعد اقترابه عن طريق احمد عبد الله الملحم، حيث طلب الاخير من الشيخ محمد بن عبد الوهاب ان يهيّئ الترتيبات اللازمة لنقله سالما إلى البحرين)).

    وما كاد ابراهيم بن سيف يصل إلى البحرين، حتى أُعدّ له لقاء مع المعتمد السياسي البريطاني هناك، ليعرف منه آخر الاخبار، وقد ابلغ ابراهيم المعتمد بسيطرة ابن سعود على جنوب نجد ـ وهو غير صحيح يومئذ ـ، واضاف بأن البدو انضمّوا لابن سعود. ومن الاخبار التي نقلها للمعتمد، انه ((وبناء على طلب من عبد العزيز آل سعود، فقد نفذ البدو عملية اغتيال لعبد الله بن ابراهيم بن عبد الرحمن، والذي كان والده احد كبار موظفي الامير ـ ابن رشيد ـ، حيث كان ذلك الشخص موجودا بين البدو لشراء الاغنام والماعز))[43].

    في ذات الفترة ـ مارس 1902 ـ ارسل ابن الرشيد رسالة إلى رئيس الوزراء العثماني في 21 ذي القعدة 1319هـ، أي بعد شهر ونصف من احتلال الرياض.. يشرح له الاحوال السياسية ببراعة، ولكن رُسُل ابن الرشيد اطلعوا أحد الموظفين الانجليز عليها، قبل ان يسلموها إلى ((الصدر الاعظم!!))[44].

    نضع أمام القارئ نصّ الرسالة المترجم من الانجليزية لأهميته:

    ((21 ذي القعدة 1319 ، 1 مارس 1902،

    إلى الوزير الأعظم.

    بعد السلام والدعاء للسلطان بالتوفيق.

    تعلمون سموّكم بالقضية التي أخبرناكم بأساسها، ولا يخفى عليكم ما حدث نتيجة مؤامرات ودسائس ذلك الوغد النذل مبارك الصباح بالاشتراك مع الحكومة البريطانية، وانقضاض هذه الاخيرة على الكويت[45].

    كما تعلمون ان الكويت نقطة هامة، فهي مفتاح العراق، وحتى جزيرة العرب كلها، وقد تكون نتائج وعواقب سيطرة بريطانيا على الكويت فادحة الخطورة على الامة الاسلامية، لان الحكومة البريطانية نفذت مخططاتها، وقد حققت بعض المكاسب الهامة، والكثير من مخططاتها اصبحت مكشوفة، ونيّاتها مفضوحة تهدف إلى الاستيلاء على تلك الاجزاء من الساحل والتي تشرف على الاحساء، وكذلك السيطرة على الاحساء والقطيف، كما وتهدف إلى اقامة علاقة وثيقة مع العرب عن طريق مبارك وابن سعود.

    ولقد حذّرت الحكومة الامبراطورية ((العثمانية)) بأن هذه المسالة قد يكون لها عواقبها الخطيرة والوخيمة، وتتطلب الحذر والانتباه.

    أنتم تعلمون كيف بدأت هذه القضية، فلقد خُدع محسن باشا وغُرّر به.. واننا لم نتوقف عن التنبيه إلى خطورة هذه المسألة خوفا من العواقب.. وإنني إذ اسمح لنفسي بوضع هذه القضية أمامكم واطلعكم عليها، لأعلم علم اليقين بأنكم الناصح والمستشار الامين للامبراطورية وللامة، وأنكم ستحيطون جلالة السلطان علما بها، حفظه الله وقواه ونصره على أمم الكفار، وأعاننا به، وأعاننا بمشورة ونصيحة ورأي سموّكم، وإنني ادعو الله بأن لا تنسونا، وان تهتموا بأمرنا.

    صديقكم/ عبد العزيز الرشيد

    ((أمير نجد))[46]

    إن محتوى الرسالة وتوقيتها، يدلّ ـ كما قلنا ـ على وعي مبكر بمجريات السياسة البريطانية في الخليج، ومحاولاتها احتلال ما تبقّى من الشريط الساحلي العربي. ولم يكن ابن رشيد يعدّ ما جرى من احتلال الرياض عملية منفصلة عن المخطط البريطاني الكبير، حيث التحالف الثلاثي، بريطانيا ـ مبارك ـ ابن سعود، والهادف إلى تمزيق النفوذ العثماني وانهائه بشكل مباشر، كما جرى في عمان والبحرين وغيرهما، أو عن طريق واجهات محلية، كابن صباح وابن سعود والشيخ خزعل.

    وابن رشيد ركز في حربه الاعلامية مع ابن سعود على ان الاخير عميل للكفار، وان قوّته ليست ذاتية وانما تأتيه من مبارك الصباح والانجليز، لذا كان بحاجة إلى اضعاف ركيزة الانجليز بالتعاون مع الدولة العثمانية، والا فان الخطر الذي يتهدّد حكمه سيتصاعد.

    وقد كتب القنصل البريطاني في البصرة في الحادي والثلاثين من يوليو 1902، إلى السفير البريطاني في القسطنطينية ((اوكنور))، ان ابن رشيد ((حاول عزل واستمالة بعض القبائل التي انضمت إلى ابن سعود، وذلك باعلان ان هذا الاخير ما هو الا أداة في ايدي الكفار الانجليز، وان من واجب كل مسلم صادق ان يتخلّى عنه)).

    بالنسبة للاتراك فانهم بدأوا وبعد استيلاء ابن سعود على الرياض بتدعيم حامياتهم في المنطقة خوفا عليها، في حين كان الانجليز يرقبون الوضع من خلال مخبريهم.. وتنقل وثيقة بريطانية صورة عن وضع القوات التركية في الاحساء وقطر والقطيف بعد شهرين من احتلال ابن سعود للرياض، عبر ما كتبه ج. س. فاسكن، مساعد المعتمد السياسي البريطاني في البحرين، إلى المقيم السياسي البريطاني في بوشهر س. أ. كمبال، اعتمادا على اقوال مخبر سرّي وصله يوم 27 / 3 / 1902 من قطر، وقال انه يثق به.. قال ((ان قائد الحامية التركية في البيضا ((بقطر)) قال في حديث امام جمع كان المخبر أحدهم، بأن السلطات التركية تنوي زيادة افراد الحامية الموجودة هناك في فترة قريبة.. وان مناشدة القائد لأهالي البصرة والاحساء للتبرع بالاموال لسداد نفقات رواتب واعاشة القوات الموجودة تحت امرته لم تلق أي تجاوب، وانه اضطر ان يأخذ قرضا بمبلغ اربعة آلاف دولار استرالي من الشيخ احمد بن ثاني ليرضي قواته به، وأنه كحل اخير ارسل امين صندوق الحامية إلى الاحساء لجمع الاموال من أهلها)).

    ولم تكن محاولة الاتراك في زيادة افراد حامياتهم، ناشئة من فراغ، فهم يشعرون بضغط التدخل الاجنبي، كما لم يكن صعبا عليهم زيادة جندهم، فالمشاكل لم تتضخّم بعد، كما حدث بعد سنوات واضطروا إلى سحب العديد من قواتهم ـ رغم ضعفها وقلّتها ـ لمواجهة الايطاليين الذين احتلوا ليبيا عام 1912، وقبلها لمواجهة اضطرابات البلقان عام 1911.

    لكن ما تميّز به الحكم التركي من فساد في الادارة، المرافق للضعف العسكري والمالي، هو الذ يجعل امبراطورية بحجم الدولة العثمانية عاجزة عن سداد رواتب بضع مئات من جنودها ـ على اكثر تقدير ـ.

    والملاحظ انه في نفس الفترة، أي عام 1902، عيّنت الدولة طالب النقيب متصرفا على الاحساء، وذلك بهدف اخضاع العشائر والفتن والثورات التي كانت تهدف إلى سلخ الاحساء من جسم الدولة.

    أما ابن جمعة ((منصور باشا))، فله مواقف مشرّفة في مجابهة الاطماع الاجنبية البريطانية، حينما حاولت بريطانيا تكوين امارة محلية في القطيف والاحساء تحت رئاسته.. وكانت الخطوة الاولى تشجيعه على الانفصال، ليتم فيما بعد تقديم الحماية للامارة الوليدة، وبسط الهيمنة عليها.

    والمعلوم ان عروضا من هذا القبيل كانت قد تمت قبل نهاية القرن التاسع عشر.. ففي عام 1899، مثلا، زار المعتمد السياسي في البحرين، الباشا منصور بن جمعة، وعرض عليه المساعدة على الاستقلال، وتقديم الحماية ضد أي اجراء عسكري، قد تتخذه تركيا ((ولكن منصور باشا، وبوازع من الحميّة الدينية، ووفاء للدولة الاسلامية، رفض العرض البريطاني جملة وتفصيلا. وقد نمي إلى علم السلطان عبد الحميد امر هذه المحاولة ورفض ابن جمعة قبولها، فأنعم عليه برتبة الباشوية))[47].

    وحاول ابن جمعة من جانب آخر تقوية الحاميات التركية في المنطقة، والحّ في طلب زيادة الافراد، حيث بدأت الحكومة يومئذ بارسال بعض منها تحت ضغط الالحاح، وذلك في النصف الاول من عام 1902، مع ان الانجليز احتجوا على ذلك، وحاولوا منع وصول التدعيمات.

    وهكذا ارسل العثمانيون بعض الافراد إلى جزيرة بوبيان، وأم قصر وغيرهما، وارسلوا آخرين عن طريق البحر إلى القطيف والعقير والدوحة، كما دُعّم الوجود العثماني في جزيرة العماير في خليج المسلّمية، شمال القطيف بنحو سبعين ميلا.. وكتب مبارك الصباح المقيم السياسي البريطاني في بوشهر المستر كمبال، في العاشر من محرم 1320، الموافق للتاسع عشر من ابريل 1902، يخبره بأمر القوات التركية.. يقول في جانب من رسالته:

    ((.. في هذه الأيام بعث الاتراك من القطيف، ثلاثين جنديا برفقة بن جمعة إلى جزيرة العماير، لأجل ان يبقى الجنود هناك، ولكن السكان لم يسمحوا لهم بالبقاء[48]، لذلك عاد الجنود إلى القطيف، وبعدئذ اقاموا مع ابن وهب في دارين))[49].

    وأخبر ابن صباح المستر كمبال، بأن الجنود الاتراك حاولوا اثارة القبائل ضدّه هو، ولكنها لم تفعل شيئا.. وقال ان الجنود المزمع إرسالهم جنوبا، لا يزالون في بوبيان وصفوان وأم قصر، وان احد رجال ابن رشيد معهم في صفوان.

    وسجل كمبال في مذكراته ان الاتراك وضعوا قواتهم في العماير في الاسبوع المنتهي في الرابع عشر من ابريل 1902، وقد بعث بهذه المعلومة لحكومة الهند ضمن رسالة بتاريخ 26 / 4 / 1902[50].

    وفي عام 1905، قامت بريطانيا بمحاولة أخرى لاقناع ابن جمعة وزعماء الشيعة الآخرين بتكوين امارة خاصة لهم تحت الحماية البريطانية، وقُدّم العرض هذه المرة إلى المرحوم حسين بن نصر، عمدة مدينة سيهات، ولكنه رفض العرض البريطاني، وأحاله إلى زعيم القطيف الكبير بن جمعة، والذي اكد رفضه للمرة الثانية ولذات الاسباب التي رفض فيها العرض السابق[51].

    ومرّة ثالثة في سنة 1907، تولّى المحاولة المقيم البريطاني في الخليج نفسه، السير بيرسي كوكس، والذي نزل ضيفا على منصور بن جمعة في قصره المسمّى بقصر الدرويشية بالقطيف، وطلب منه الموافقة على مساعدة بريطانيا له للاستقلال بالاحساء والقطيف، دون التقيّد بمعاهدة حماية بريطانية، ولكن منصور أصر على ان شعوره الديني وحده، يمنعه من التنكر للدولة الاسلامية، وليس الحاجة للمعونة العسكرية أو الحماية[52].

    ما كان ابن جمعة واهما ليحصل على استقلال دون حماية، فالاستقلال يعني محاربة دولة الخلافة، ومحاربة دولة الخلافة تعني الحاجة إلى استناد إلى حليف قوي في المنطقة، وليس هناك غير الانجليز.. وقد نظر رجال الدين وابن جمعة إلى الامر من زاوية الاختيار بين حكم فاسد، وبين حكم فاسد وكافر أيضاً، ونعني به حكم الانجليز، فاختار الشيعة الاول، واختار آخرون الانجليز، كما حدث بالنسبة لابن سعود ولوجهاء البصرة من آل النقيب، وكما حدث لامراء الكويت وغيرهم.

    ولَئن كان مبارك الصباح، واشباهه قد قبلوا حكم الانجليز ورفضوا حكم الاتراك، فان الشيعة في القطيف لم يقبلوا ذلك انطلاقا من القاعدة الدينية التي توجب الدفاع عن حرمة ديار الإسلام.. وليس الدفاع عن الحكم التركي.. ولو قبل الشيعة يومها الحماية الانجليزية، لكان بيدهم اليوم أغنى دولة في العالم، ولكن على حساب الدين والمبدأ!.

    قد يقال ان الشيعة في المنطقة كانت تنقصهم المعرفة والوعي السياسيين، وان رفضهم العروض الانجليزية دليل على ذلك.. إذ لو قبلوا لما عاشوا بعد ذلك وإلى يومهم هذا في محن سوداء يترى بعضها بعضا.. ولما كانوا مواطنين من الدرجة الثانية، ولما كانوا ـ رغم ان بلادهم مصدر الخير والعطاء في الزراعة والنفط ـ أفقر السكان، ولما انتهكت حقوقهم كمسلمين وكبشر!.

    نعم.. قد يكون ذلك صحيحاً، فالألاعيب السياسية لم يكن الشيعة بالامس، ولا اليوم يهوونها، ليس في الاحساء والقطيف فحسب، بل وفي كل مكان. وهم رغم ثوراتهم التي لا تعرف الكلل والملل ضد الانظمة الفاسدة، يعرفون هذه الألاعيب، ولكنهم يأنفون من ممارستها، لذلك فان ثوراتهم تُسرق في كل مكان، لا لجهل ـ في الغالب ـ، وإنما ترفّعا عم ممارسات مناقضة للشرع.

    غير أن هذا لا ينبغي ان ينسينا بأن زعماء الشيعة في المنطقة ضيّعوا فرصا كبيرة في تسلم زمام امورهم بانفسهم، وكانت الاوضاع الدولية مهيأة لذلك، فلم يستثمروها، أو يعدّوا انفسهم لاستثمارها، دون الخروج عن اطار الشرعية الدينية.

    مهما يكن من أمر، فقد اعيت بريطانيا الحيلة في الحصول على واجهة وطنية تبرر تدخلها المباشر في ساحل الاحساء، فأرسلت سفينة حربية عام 1908 / 1327هـ، ورست في رأس تنورة، وأقامت فوقه العلم البريطاني، ثم تقدمت إلى رؤساء البلاد بعروضها لحمايتهم من عبث البدو، الذين كانت تهيجهم وتسلحهم ضد الاهالي، غير ان أهل الحل والعقد رفضوا عروضها باعتبارها دولة غير مسلمة لا يجوز لها التدخل في شؤون المسلمين وقاوموا عروضها بشدّة.. وبادر أهالي صفوى[53] إلى إنزال العلم البريطاني وتمزيقه وتحطيم ساريته مما ترك شعورا باليأس لدى المسؤولين البريطانيين في الخليج، وحملهم على التفاوض المباشر مع ابن سعود، وتسهيل مهمته في احتلال الاحساء نيابة عنهم، وطرد النفوذ التركي من الخليج كلّه وإلى الابد[54].

    [35] دراسات في تاريخ الجزيرة العربية، مصدر سابق، ص 122.

    [36] في الواقع كان هجومها مركزا على الاهالي، وقد أراد المؤلف أن يصبغ عملية النهب بصبغة معارضة مسلحة وسياسية ضد الاتراك.

    [37] أيضاً العبارة مهذبة، وكان يجب أن يوضح أنها عمليات سطو ونهب.

    [38] دراسات في تاريخ الجزيرة العربية، ص 122.

    [39] المصدر السابق، ص 120.

    [40] الاصلاح الاجتماعي، ص 54، 69، 67.

    [41] وثيقة رقم 64، من ج. س. فاسكن، مساعد المعتمد السياسي في البحرين إلى المقيم السياسي في بوشهر، بتاريخ 29 مارس 1902.

    [42] آل ملحم ليسوا احسائيين اصلا، فقد نزحوا من الجزعة قرب الرياض، وسكنوا محلّة النعاثل في الهفوف، وكان استيطانهم للاحساء حديثا. انظر آل عبد القادر، مصدر سابق، ص 34.

    [43] الوثيقة السابقة.

    [44] انظر الوثيقة رقم 282، تاريخ 17 / 6 / 1902، مرسلة من م. دي. هنسن إلى الماركيز لاندزون، وزارة الخارجية، لندن.

    ويقول المرسل: ((نقلت إلى رسالة باللغة العربية، صادرة عن امير نجد ـ ابن رشيد ـ ومرسلة إلى الوزير التركي الاعظم، لي الشرف ان ارفق ترجمتها مع هذه الرسالة. وقد اطلعت عليها بشكل سري، وعلى اساس الثقة بانها ستبقى هي والذي اطلعني عليها في طي الكتمان. الرسالة تتهم الانجليز بأنهم يسعون بمساعدة ودعم من شيخ الكويت إلى فرض سيطرتهم على اجزاء من شبه الجزيرة، وهي الاجزاء التي تشرف وتسيطر عليها الحكومة التركية في الاحساء والقطيف. ويحذر امير نجد تركيا من عواقب المكائد والدسائس البريطانية. الرسالة مهمة إلى حد ما، لأنها تفضح احد المصادر التي تغذي شكوك السلطان فيما يتعلق بسياسة انجلترا في شبه الجزيرة العربية والخليج الفارسي))!.

    [45] يشير ابن الرشيد هنا إلى ما تلى معركة الصريف ((1901)) وهزيمته لابن الصباح، مما ادى إلى تدخل الانجليز، وكيف ان والي البصرة محسن باشا ـ صديق مبارك ـ ميّع الموقف الحاسم لأنهاء حكم آل صباح.

    [46] انظر مقتطفا من الرسالة، في قيام العرش السعودي، ناصر الفرج، ص 34.

    [47] المصدر السابق، ص 15.

    [48] الثابت انه كان للاتراك حامية هناك وكانت على جانب من القوة.

    [49] انظر الوثيقة (( FO. 78 / 5252 )).

    [50] الوثيقة السابقة.. من الليفتانت كولونيل كمبال، إلى هـ. س. بارنز، حكومة الهند في سيملا.

    [51] قيام العرش السعودي، مصدر سابق، ص 15.

    [52] المصدر السابق.

    [53] صفوى: مدينة تقع على بعد 12 كم شمالي القطيف، وتقع رأس تنورة على مقربة منها في الشمال الشرقي.

    [54] ساحل الذهب الاسود، الاستاذ محمد سعيد المسلم، ط 2، بيروت، ص 192، 193. وانظر ناصر الفرج، مصدر سابق، ص 16.

    الشيعة في المملكة السعودية/الجزء الأول
    حمزة الحسن

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    المشاركات
    517

    افتراضي

    شكرا على هذه المعلومات التاريخية

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Aug 2003
    الدولة
    الغنى في الغربة وَطنٌ. والفقر في الوطن غُربةٌ
    المشاركات
    1,266

    افتراضي

    عمالة سعودية متأصلة في التاريخ

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني