النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2005
    المشاركات
    151

    افتراضي حكاية من الزمن الصعب/ الحكاية الثانية

    دوران في الدوائر
    (حكاية من الزمن الصعب)
    الحكاية الثانية
    - جواد المنتفجي
    - 1 -
    - استودعك الله ...
    ومشت في يوم كان جوه ملبدا بالغيوم،
    قبل ذلك كان اللوم يعتصر شفتيه لمّا ترادف لسمعه ما باحت به زوجته قبل أن تتركه لوحدته منسيا...
    - لم تعد تهتم لأبسط حاجاتنا اليومية، بسبب عجزك بالحصول على عمل، هذا بالإضافة إلى ما تعاني من رهق ديونك الكثيرة. كان لا يملك حيال ذلك ردا عندما قررت مغادرة البيت، البيت الذي فضل أن يبيع ما فيه، مثلما فعلناه نحن جميعا في الساعات تلك من الزمن الصعب، فخوي من كل أشيائه.

    - 2 -

    هذا هو منواله...
    يدور في خضم همومه يوميا، يفعل كل ما بوسعه ليستعيد قوته الواهنة، أحيانا يندح نحو المرآة.. ينتصب أمامها.. يتفقد هيأته.. يبدأ بلملمة تجاعيده الممطوطة على شيح وجنتيه، يسأم بعض الشيء لحظة، يضع يديه على ثدييه.. يعرض منخريه قليلا عندما تهب تلك الرائحة، رائحة عرق أبطيه الحمضية.. يجود برقصة آلم، وبحرقة يرتجل تأوهاته ويصرخ...
    - ربي.. ولي أمري.. اليوم أخر مواسم الصيام، ولا حاجة عندي للقضاء على الجوع غدا؟

    - 3 -

    أحواله؟
    ومن ذا الذي يا تراه سيكترث بها؟
    فهو لا جفن يغفو له، يتقلب الليل كله... يحصي جوارحه المتصدعة ، جوارحه المنسية، يتدثر بملاءاته ، يتثاقل من عبء أنفاسه، أنفاسه الحرى بلفح الهموم... همومه الفزعة كلما وازته لتوقظه من جفاف سلوته، حينئذ تهمي دموع خفيفة، وما يلبث ألا أن يجهش بالبكاء ، فتتلبسه غمامات كوابيسه، كوابيسه الخاطفة... كوابيس تقضي على أحلامه النزيرة ، تناجيه أحداهما.. تصافحه الأخرى...تقاسمه حتى نعّم حبات النعاس اللذيذة ، ولما يحس بها تكاد أن تخنقه
    ... تفاجئه خيوط الصباح ، فتسكت الديكة عن الصياح.

    - 4 -

    وفي أول يوم للعيد،
    ومثلما غابت عنه مواسمه الملغاة ولسنين طويلة... تفترسه شكاوى زوجته الحميمة ، تناشده...
    - كيف تتحمل رؤية أسمال أطفالك البالية؟
    وتارة تثير مشابك أعصابه بإيماءاتها الغريبة، وتود أن تسأله عن سبب انطفاء وجد حبه، ولما لم تجد جوابا لسؤالها... يشف صبرها وتحتدم بينهما النزاعات، وقتئذ يستوطنه حدس الهروب من البيت، البيت الذي سماه مؤخرا(آتون الجحيم) حينها يرتدي ما بوسعه من ملابس ، ويفر مذعورا عبر صر صرة باب بيته المخلوع، وبلا أرادة منه يمتطي خفيّ جواده البري، وهناك... هناك بين مثابات أزقة الحي ... يختفي متلويا عن مكامن أنظار دائنيه المعهودة الذين باتوا يرصدونه في جميع الأمكنة،

    -5 -

    يتعجل في عودته إلى البيت في رهف الظهيرة ... يتلمس بقع فواتير ديونه الفاقعة ، يتفقدها... ينتزع من رأسه فكرة عجائب ربح (اللوتو) المبتكرة للرزق وتغرق المياه مزارعه من فيض بطاقات( امسح واربح)، وتمتلىء آواني مطبخه من خيرات كفوف عفاريت ذهب معجون طماطم (الزهرة) الذي لم يمسه، ولم يرى يوما من يمسح التراب عن بريقه، وفجأة يتخذ أخر قراراته...
    - يجب أن اقبل بالمجازفة؟

    - 6 -

    في أخر يوم للعيد...
    يشرع بتفقد أخر تجليات ابتساماته الساخرة ، يقترب من المرآة ، وبخطوتين متخلخلتين يرّص رأسه بيديه، تنشق من جديد رائحة اخضرار أبطيه، فيرقص قليلا... يرتل بحرقة...
    - سئمت الفرار من الوحدة

    - 7 -

    وكعادته ... يظل يفكر بمهنته التي كان يزاولها منذ نعومة أظافره، فتخطر له مغزى فكرة...
    - يبدو أني سأبيع خشب جميع التوابيت التي لم اصنعها لحد الآن، فقد صار الدفن جماعي.

    -8 -

    دار في مكانه دورات عديدة، آثر بغصة ضحكة طويلة، يهوى بجمسه على أرضية الغرفة، يتشبث بالوقوف مرة أخرى ، تخونه قدميه...تشاهد، وسلّ اللوم يعتصر رئتيه، يرفس قليلا ، لفض آخر أنفاسه، والدعوى لله تحوم في قزحيتّي عينيه.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2003
    المشاركات
    159

    افتراضي

    الاخ جواد المنتفجي
    حكاياتك تترك في النفس أثرا لكل من يقرأها
    قد نكون ادمنّا على قراءة ماتكتبه
    احسنتم
    :e_blume02كَفَى بِالْقَنَاعَةِ مُلْكاً، وَبِحُسْنِ الْخُلُقِ نَعِيماً:e_blume02

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني