التكامل بدلا من الأندماج
الواقع الأسلامي العراقي يتنوع بتنوع الأطروحات والأفكاروالرؤى. ونستطيع ان نستشف ان هذا الواقع كان منذ ان وجد الى اليوم يتميز بهذا التنوع الغني والعميق والذي يوحي لمتابعيه من الخارج بشيئ من الغموض مثيرا بهم الأعجاب تارة والخوف تارة اخرى . الا ان هذا التنوع الغني والضروري للعراق لم تستطع- مع الأسف- الشخصية العراقية رغم شهرتها بالتسامح والطيبة ان تصنع منه جهازا يقوي واقعها ويندفع بها باتجاه المستقبل بقوة واندفاع.
وبمرور عاجل على الواقع الأسلامي العراقي نرى عدة خطوط تقتسم الواقع العراقي وتفرض علينا سواء شئنا ام ابينا القبول بهذا الواقع-رغم عدم رضانا عنه- من وجهة نظرنا, او عدم رضا الآخرين عنه من وجهة نظرهم. والخطوط يمكن تقسيمها الى الخطوط التالية تبعا لقوتها في المجتمع العراقي وان كان هذا التقسيم قد يعتبره الآخرون انه غير منصف بحقهم. ولكن هذا التقسيم ينطلق من نظرتي الذاتية للواقع.
1. تيار السيد الشهيد الصدر الثاني، وهو تيار اكتسح الساحة الأسلامية ولاقى قبولا واسعا من قطاعات واسعة من الأمة العراقية، واهم ما يميز هذا التيار هو جماهيريته الواسعة وبعده الأجتماعي.
2. تيار الحركة الأسلامية العراقية. ويمثل هذا التيار بقوة حزب الدعوة الأسلامية، وهو تنظيم اسلامي يتميز بالوعي والعقلانية ويتمتع بكثير من الأستقلالية في قراراته. كما ان التاريخ الدامي في المواجهة مع النظام لبعثي يعطي الحزب تمييزا نوعيا في مجال وجوده في الوجدان العراقي وانه يعتبر هو الأصل الذي انبثقت منه اغلب الوجودات الأسلامية العراقية الحالية. وضوح الحزب وتاريخه وقوته الفكرية وعدم استناده على الفردية في العمل يعطيان هذا التنظيم قوة استراتيجية في الواقع العراقي ككل وفي الواقع الأسلامي العراقي على وجه الخصوص.
3. تيار محمد باقر الحكيم. ويستند هذا التنظيم على المجلس الأعلى للثورة الأسلامية في العراق.
وتكمن قوة هذا التنظيم في انه يتمتع بقوة ونفوذ في العراق وبعلاقات اقليمية هامة تشمل ايران والكويت بالأضافة الى تكوينه منظومة ادارية تقترب من منظومة الدولة، وهو تنظيم يشبه الى حد كبير منظمة التحرير الفلسطينية اثناء تواجدها في الخارج او في الداخل. كما ويتميز بقوة عسكرية لا يستهان بها.
4. المرجعية التقليدية في النجف. وتتميز هذه المرجعية بامتداد شعبي واسع في العراق وخارج العراق على مستوى الممارسات الفقهية التقليدية و بحيادها شبه الكامل امام أغلب الممارسات السياسية سواء في العراق او البلدان الأخرى وهي تصلح ان تكون معهدا اختصاصيا يهتم بجوانب التدريس إضافة إلى أن تكوّن مؤسسة تهتم بالجوانب الأسترايجية في المجتمع العراقي. المرجعية هذه تتوفر على كم هائل من الموارد الأقتصادية والتعاطف الشعبي قد يمكن استغلالها بشكل جيد ان يعمل على ايجاد نهضة اسلامية اجتماعية شاملة في العراق.
5. الحركة الشيرازية. وهي حركة اسسها محمد الشيرازي في كربلاء. وتتميز هذه الحركة باحتوائها على طيف من اقصى اليسار الى اقصى اليمين، كما تتميز بمرونتها في الدخول الى كافة البيئات واستقطاب شرائح متعددة من المجتمع.
6. التيار العشائري. وهو تيار يمثل ثقلا مهما في بنية الواقع العراقي الشيعي. ويتميز هذا التيار بقوته وتماسكه سواء على المستوى الأجتماعي او الأقتصادي. كما ويمثل هذا التيار مخزنا مهما لمنظومة القيم العراقية العربية الأسلامية لا يستهان به.
7. مرجعيات محلية ومستقلون. وتمثل هذه الطبقة ايضا واقعا يفرض وجوده في الكثير من المناطق والأحياء العراقية المختلفة. حيث تبرز قوة بعض المرجعيات المحلية او الشخصيات المتنقذة في تحريك الواقع المحلي بهذا الأتجاه او ذاك.
أردت من هذا الأستعراض ان اقف على مواقع القوة التي يمكن ان تتكامل بين هذه القوى والتيارات التي تنوع الواقع الاسلامي العراقي. وهي كما نرى تمتلك ادوات قوة جبارة تستطيع اذا قدر لها ان تتكامل فيما بينها ان تنتج قوة عظمى في الواقع العراقي بل وفي الواقع العربي ايضا. ولكن ما هي امكانية اقناع هذه التيارات بالتكامل بدلا من فرض الأندماج. اذ ان الكثير من هذه التيارات "كانت" والى زمن قريب تمارس سياسة فرض الأندماج على كل من لا يشترك معها في بعض افكارها. وهي مشكلة تعود في جذورها الى المنظومة الفكرية الموجهة للكثير من واجهات واقعنا الشيعي، ومجرد نظرة سريعة على الكثير مما يكتب او يناقش به او اسلوب تصرف البعض ممن يحسبون على هذا التيار او ذلك المرجع يكشف لنا الأزمة التي نعاني منها.
انها دعوة الى محاولة فهم آليات تكامل بين التيارات المختلفة.