قضاة مصريون يتخوفون من مذبحة جديدة للقضاء
الإثنين 28 نوفمبر 2005
. نبيل شرف الدين



--------------------------------------------------------------------------------



نبيل شرف الدين من القاهرة :وسط قلق بين أوساط قضاة مصر مما اعتبروه تصاعد للتدخلات الحكومية في شؤونهم، على نحو وصفه بعضهم بأنه يمهد لمذبحة قضاء جديدة على غرار ما جرى إبان حكم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، فقد تجاهلت رئاسة الجمهورية في مصر طلباً تقدم به مجلس إدارة نادي القضاة للقاء الرئيس حسني مبارك لشرح التجاوزات ضد القضاة الذين شاركوا في الإشراف على الانتخابات البرلمانية في مرحلتيها الأولى والثانية، اللتين شهدتا أعمال عنف على نحو واسع.من جهة أخرى أوقفت أجهزة الأمن المصرية اليوم نحو 150 من نشطاء جماعة "الإخوان المسلمون" في إجراء جديد اعتبرت الجماعة أنه يستهدف "تقويض فرصها في الفوز بمزيد من المقاعد في الجولة الثالثة والأخيرة من الانتخابات البرلمانية"، المقرر إجراؤها مطلع الشهر المقبل، بعد أن تمكنت من الحصول على 76 مقعداً حتى الآن .من جانبه قال المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي قضاة مصر إنه اجتمع مع المستشار محمود أبو الليل وزير العدل ورئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات، موضحا أن مجلس ادارة النادي رفع إلى الوزير مذكرة تفصيلية بالممارسات السلبية ضد القضاة المشرفين علي الانتخابات، ومنع الناخبين من دخول اللجان للإدلاء بأصواتهم، وانتشار ظاهرة البلطجة على نحو مريع، وغير ذلك من الانتهاكات التي شابت عمليتي الاقتراع والفرز، فضلاً عما سبقهما من دعاية شهدت مصادمات وتجاوزات .

مذبحة القضاء

وفي القاهرة شن عدد من القضاة هجوما عنيفا على ما أسموه تدخل السلطة التنفيذية في شؤون القضاء وهدر استقلاليته، وحذروا من المصير الذي شهده القضاة عام 1969 في ما عرف وقتها باسم "مذبحة القضاء" والتي أطيح فيها بعدد كبير منهم خارج السلك القضائي، بينما كان الخطاب الحكومي حينذاك يتحدث أيضاً عن ضرورة التغيير والإصلاح بعد هزيمة حزيران (يونيو) من العام 1967، مشيرين إلى أن "المذبحة الجديدة قد تكون عن طريق اختراق الصفوف، والدفع بعروض الترغيب كالإغراء المالي للقضاة".

وقال رئيس نادي القضاة في بيان له إن قضاة كثيرين لاحظوا حصارا أمنيا لمقار الاقتراع، ورصدوا منعا للناخبين من الدخول، واستبدال جداول الانتخاب، وأضاف قائلاً إن مجلس إدارة النادي أوصى القضاة بان "يثبتوا في محاضرهم الرسمية ما لديهم من وقائع وشهادات، وان يطلبوا من اللجنة المشرفة على الانتخابات وقفها أو إعادة إجرائها" .

وبينما أعلن المجلس الأعلى للقضاء ـ وهو كيان حكومي يعين أعضاؤه، خلافاً لنادي القضاة المنتخب من القضاة ـ أنه سوف يحيل أي قاض يدلي بتصريحات لوسائل الإعلام الى التحقيق "الفوري"، فقد طالب نادي القضاة الحكومة بحماية مكاتب الاقتراع من "أعمال البلطجة"، التي تسهلها الشرطة، في ما وجه المجلس الحكومي الأعلى للقضاء الذي يتمتع بصلاحيات واسعة، القضاة النشطاء عبر ناديهم بتهمة "الاشتغال بالسياسية" بالمخالفة لأحكام القانون، وهو الأمر الذي رفضه القضاة بشكل قاطع .

وجاء في بيان أصدره النادي أن "وقائع التعدي التي تعرض لها العديد من القضاة في المرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية أفصحت عن عجز الشرطة"، وتحدث البيان عن "تعمد الشرطة السماح لمرتكبي البلطجة بدخول مراكز الاقتراع والفرز والتعدي على رؤساء اللجان، وإحراق وإتلاف بطاقات الاقتراع وصناديق التصويت، وإلقائها من النوافذ، فضلاً عن ترويع الناخبين" .
وطالب بيان نادي القضاة أيضاً "بالاستعانة بالقوة العسكرية ممثلة بالقوات المسلحة، إعمالا لنص المادة 26 من قانون مباشرة الحقوق السياسية"، ومنه المادة التي تنص على أن "حفظ النظام في مراكز الانتخاب منوط برئيس اللجنة، وله أن يطالب الشرطة أو القوة المسلحة في أحوال الضرورة" .واختتم بيان نادي القضاة قائلاً إن تعرض المواطنين أثناء التصويت لإرهاب لمنعهم من إبداء الرأي، أو إكراههم على إبدائه على نحو معين، يبطل العملية الانتخابية برمتها، ويفقد الإشراف القضائي على الانتخابات معناه" وفق ما ورد في بيان نادي قضاة مصر .

ضرب القضاة

وعلى صعيد ردود الفعل بين أوساط القضاة فقد أشار المستشار محمود الخضيري، رئيس نادي القضاة بالاسكندرية، حيث وقعت أكثر حوادث العنف خلال الجولة الاخيرة للانتخابات الأسبوع الماضي، إلى أن "ما حدث خلال جولتي الانتخابات كان مأساة بكل المعايير لم يسبق ان تعرض القضاة لمثلها من قبل"، وأضاف قائلاً إن "ثمانية قضاة على الأقل تعرضوا للاعتداء البدني بالضرب من قبل بلطجية في مدن الاسكندرية ودمنهور وبورسعيد حيث احرق البلطجية ثلاثة صناديق للاقتراع".

وقال عدد من القضاة ـ اشترطوا عدم ذكر أسمائهم ـ إن لديهم "شكوك في ان اجهزة الامن استخدمت جنودا من شرطة مكافحة الشغب يرتدون زيا مدنيا في اعمال البلطجة، لكن ليست لدينا وسيلة لاثبات صحة هذه الشكوك"، وهو ما تنفيه الحكومة بشدة، ووصف القضاة الأمر بأنه "يعكس نمطا من التفكير يجب أن يتغير فليس من مهام الحكومات أن تعاند شعوبها، وتنكل بالقضاة الأمناء على مصلحة المجتمع والمواطنين"، كما ورد على لسان قاض رفيع تحدثت معه (إيلاف) طالباً عدم ذكر اسمه .

أما المستشار محمود مكي، نائب رئيس محكمة النقض، فقد اعتبر أن "الحكومة كشفت عن نواياها بوضوح، وعن إصرارها على إفساد تجربة الإصلاح المزعومة رغم ان القضاة كانوا قد صدقوا وعود الحكومة بأنها ستقوم بتجربة ديمقراطية حقيقية خلال الانتخابات التشريعية"، واضاف" تبددت كل الوعود التي ابلغنا اياها وزير العدل بان الشرطة ستقوم بحماية العملية الانتخابية" على حد تعبيره .

وأضاف مكي قائلاً إن "الحيلة الجديدة التي لجأت اليها الحكومة هي استبدال كشوف الناخبين، اذ رصدت مكاتب الاقتراع التي يوجد بها مرشحون للمعارضة وحذف منها عدد كبير من الاسماء وهذا العبث بالكشوف يشكك في العملية الانتخابية بكاملها"، مؤكداً أن قضاة رأسوا مكاتب الاقتراع أفادوا بـ "وقوع حالات اقتحام للجان وترويع لهم في حضور ضباط الشرطة من قبل جماعات مسلحة من المجرمين والخطرين حاملي السيوف والسكاكين والعصي"، حسب تعبير المستشار مكي .