 |
-
نواصب ٌ وروافض!
[align=center]نواصب ٌ وروافض![/align]
مرام عبدالرحمن مكاوي * - « صحيفة الوطن السعودية » - 30 / 11 / 2005م - 1:16 م
في مقالي الأسبوع الماضي تحدثت عن المؤتمر الذي كان بعنوان «عالم واحد..ودينان»، والذي دعا إلى تعايش حقيقي وتآلف بين المسلمين والمسيحيين دون أن يمس ذلك بعقيدة كل طرف تماشيا مع مبدأ «الاحتفاء بالاختلاف.. مع البقاء على الإيمان» أو «Celebrating Difference Staying Faithful».
سأنتقل اليوم إلى موضوع أخطر، وخصوصا هذه الأيام، وهو القضية المذهبية بين المسلمين. فربما نحن بحاجة إلى مؤتمر شعبي اسمه«دين واحد..ومذهبان»، وطبعا أنا أقصد هنا المذهبان السني والشيعي. فقد أصبح الاختلاف بين المذهبين ظاهراً للعيان حتى للأوروبيين، الذين صاروا يسألوننا إن كنا شيعة أم سنة؟!
عاش معظمنا فترة طويلة، لا يعرف الكثير عن المذاهب الأخرى، ولا عما يعتقده أتباع كل مذهب في الآخر ثم اقتحم الإنترنت العالم العربي والإسلامي فجأة، لنكتشف فجأة بأننا كنا نجهل الكثير عما يجري حولنا أو عن الناس من حولنا. شخصياً كان أول ما لفت نظري في منتديات الحوار، هو هذه المعركة الشرسة بين السنة والشيعة. سمعت لأول مرة مصطلحات مثل «ناصبي» وعرفت أن قومي من أهل السنة يصنفون لدى البعض تحت هذا المسمى، وعرفت في المقابل بأن الآخرين من الشيعة يصنفون عند البعض بـ«الروافض»، وأن كل فئة تعتبر الفئة الأخرى أشد كفراً من اليهود والنصارى على حد قولهم، مما نتج عن ذلك علاقة غاية في التوتر ومعارك لا يمكن أن تخرج منها بقلب صاف. فكل طرف يستميت في تحقير الطرف الثاني وتكفيره وتصويره على أنه ابن شرعي لإبليس!
ولما كنتُ من مجموعة لا ترى هذه التعميمات الجائرة، ولا تعتقد بأن من يخالفني فهو عدوي، ولا ترغب أصلا بالدخول في مهاترات عقائدية، لأننا لن نمحو اليوم قضايا عمرها 1400 سنة، فقد وجدت نفسي محل سخط وغضب من قبل كلا الفريقين. ولعله من الظريف أن أذكر أنني اتهمتُ بأني رافضية ووهابية في نفس الوقت. وتطورت القضايا من مذهبية إلى سياسية، فصارت السعودية في مقابل إيران في هذه المعارك.
وهكذا وجد الكثيرون في الإنترنت فرصة لنشر الكراهية، وفتح جروح مندملة في أمتنا، وتم إذكاء روح العداوة حتى عند أناس لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه. وستأتي بعد ذلك حرب العراق، وما يجري فيه اليوم، فتكاد أن تضع حداً لأحلام أولئك الذين حلموا بتحقيق نوع من التآلف المبني على أدنى درجات الاحترام، فقد كنا نحلم فقط أن تتوقف تلك الاتهامات البذيئة التي يتبادلها الطرفان.
لقد كان العراق العريق بأطيافه المتعددة نموذجاً للتعايش الحقيقي الذي يصل حد المصاهرة بين أتباع أكبر مذهبين إسلاميين، فصار اليوم أقرب من أي دولة أخرى ليصبح ساحة لحرب أهلية. ولأننا نتحسس الخطر القادم من الشمال، إذ ما اندلعت حرب أهلية صريحة لا قدر الله، على أسس طائفية ظاهريا، ولأجل مصالح دنيوية وصراعات سلطوية كما هو الحال دائما في حقيقة الأمر، كان لا بد من دق أجراس الخطر.
هذه المرة أنا لن أخاطب المسؤولين من أجل أن ينظموا مؤتمرات من أجل تشجيع التعايش السلمي بين المذاهب، وإن كنت أطلب دعمهم المعنوي، لكن خطابي هنا للأفراد. فما أعظم النتائج التي تتمخض عن سلوك إنساني بسيط كالابتسامة أو التحية، فهناك من يبخل حتى بهذه على الآخر.
أنا شخصيا لديَ نموذجان أعود إليهما كلما كاد المد الطائفي يغمرنا ويحملنا معه، وكلما قرأت كلاماً مسيئا لمذهبي وأهلي وبلدي من بعض الجهلة. الأولى، هي فاطمة، صديقة سعودية من القطيف، فتاة لم ألتقها أول ما التقيتها إلا في لندن. أستطيع أن أقول إنها واحدة من ألطف وأعز الصديقات الذين عرفتهم في حياتي. وأن ذكرياتي معها حتى الآن هي من أجمل الذكريات لي في بريطانيا، رغم مرور أكثر من عامين على عودتها للسعودية. فقد تشاركنا القصص والأحلام والمشاعر والمخاوف، كما تشاركنا الفرح والمرح والضحكات. ضحكنا على أنفسنا وعلى لهجاتنا، وعلى القصص التي يتبادلها قومنا عن بعضهم. أكاد أجزم أنني أخبرتها أموراً لم أخبر بها قريباتي، لأنها كانت أقرب لفكري منهن. لم أشعر للحظة بأن صديقتي هذه غريبة عني، كانت سعودية مثلي تماما، تحب بلدها وتتمنى أن تراه متقدماً مزدهراً، وبالرغم من أنها مرت ببعض المواقف غير المستحبة من قبل بعض المتطرفين إلا أن ذلك لم يزعزع إيمانها، ولم يجعلها تتخذ مني أنا «كسنية» موقفاً.
أما النموذج الثاني، فهو لأحد القراء الذي دأب على مراسلتي منذ أن بدأت الكتابة تقريباً، فأبو فاطمة هو رب أسرة من الأحساء، وهو أستاذٌ في إحدى المؤسسات التعليمية، وكثيراً ما اتفقت آراءنا حول الكثير من القضايا الوطنية، ولم أشعر للحظة بأنه مختلف عن أي مواطن سعودي آخر. بل لم أعرف أنه شيعي، لولا أن جاءت مناسبة لقول ذلك. حين أقرأ رسائله لا أرى فيها إلا ذات الهموم التي يحملها المثقف السعودي في الرياض أو جدة أو أبها، كوقوف التقاليد في وجه التقدم، أو وضع المرأة في المجتمع، أو حال التعليم أو البطالة في البلد. فهنا مواطن يحب بلاده، فنحن لا نقلق إلا على ما نحب، وعلى من نحب.
أجد أنه من واجبي اليوم أن أتحدث عن هذه النماذج، كما أنني واثقة من أن فاطمة وأبا فاطمة سيوضحون للناس من جانبهم، بأنه ليس كل السنة كهؤلاء الذين يشتمونهم من وراء الحجب على الشاشة. فأحيانا يساهم سلوك طيب من شخص على تغير صورة أمة. إنها دعوة ليبدأ كلٌ منا بمحيطه إن كان فيه أناسٌ من غير مذهبه، فيدعو للقاءات منتظمة، يجتمع فيها البعض ويتعارفون ويتآلفون ويناقشون همومهم المشتركة، مع تجنب الحديث تماماً في المواضيع المذهبية الجدلية قبل أن تصبح العلاقات وطيدة «إن كان ما من مناقشتها بد».
هذه العلاقات الإنسانية التي سننشئها، سواء بين الكبار أو الصغار، في المدرسة أو الشارع أو الجامعة أو العمل، في أي مكان من بلاد العرب، وخاصة في الخليج والعراق، هي التي ستقف كدرع يحمي الأوطان، حين يرفع أمراء الحروب راياتهم. وهي التي بفضل الله، لا تزال تحفظ الوضع في العراق من الانفجار رغم كل شيء، ورغم مخططات العدو المستعمر الذي تعمد أن ينخر في النسيج الوطني منذ أول يوم ليجعل العراقيين يقتلون بعضهم بأنفسهم، من خلال تشجيع طرف على حساب طرف.
لا لا يكفي ألا تكون عنصرياً ولا طائفياً، بل عليك أن تحاول نشر روح التسامح من حولك. تحدث بإيجابية عن الآخر، وساهم في إيقاف مروجي التعصب عند حدهم حتى لو دعا الأمر أن تغادر المكان. وإن كنت شيخاً أو إماماً أو سيداً أو مرجعاً أو مثقفاً أو أستاذاً أو وجيهاً أو أباً أو أماً، فحينها أنت قدوة لفئة من الناس، وبالتالي فواجبك أكبر وحملك أثقل. وتذكر بأنه لا يمكن يكون رضا الله في إيذاء مخلوق أو تشجيع إيذائه دونما ارتكابه لحد من حدود الله، كما لا يمكن أن يكون إفشاء السلام، وعمل الخير، وحب الناس ومساعدتهم، موجباً لسخط الله أياً كانوا.. فالخلقُ.. كل الخلق.. عيال الله.. وأحبهم إليه أحسنهم لعياله.
المصدر:
http://www.rasid.com/artc.php?id=8852
--------------------------------------
هكذا يا أكثم نريد مداخلاتك أن تكون وسطاً إنساناً لاعفريتاً .. نريد مداخلات تنطق بالواقع الملموس والأهداف المرجوة من الكل!!!
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |