ملاحظاً أخطاء أميركية في تقدير الموقف الشيعي وملمحاً إلى مقاومة ستلي سقوط النظام

فضل الله: الصورة المستقبلية في العراق لا تزال ضبابية


نصير الأسعد *


من الحسابات الخاطئة التي أجرتها القيادة الأميركية في حربها على العراق أن الشيعة العراقيين سيكونون في طليعة الترحيب الشعبي بالقوات الأميركية الآتية تحت عنوان تحرير العراق من نظامه، وذلك على افتراض منها أن الشيعة عانوا من نظام صدام حسين اضطهاداً مزدوجاً، بوصفهم شيعة أولاً، وبوصفهم من عموم الشعب الذي واجه الآلة القمعية للنظام الدكتاتوري ثانياً، وأن هذه "الإشكالية" كفيلة تالياً بتهميش "الوطنية العراقية" التي سرعان ما اكتشفت أميركا في الميدان أنها "الشرعية" التي يحتاجها الطامحون إلى حكم العراق بعد صدام، وأنها الضمانة من التفكيك والتقسيم، وإن كان عدم الترحيب بالقوات الأميركية لا يرقى إلى مستوى قرار سياسي "حاسم" بمواجهتها حتى الآن.

في هذا المجال يؤّكد المرجع الإسلامي الكبير العلامة محمد حسين فضل الله أن المناطق الشيعية في العراق مثل البصرة والفاو وأم القصر والناصرية واجهت الاحتلال الأميركي بشكل قاس وأربكت خطواته. ويعتبر أن قول البعض إن النظام هو الذي منع الشيعة من استقبال الاحتلال بالترحاب ينطوي على تبسيط وخبث، ذلك أنه من المحتمل أن يكون النظام في صدد ضغط كي لا تحصل انتفاضة ضده في ظروف الحرب، لكن لا شك في أن ارتفاع المعنويات بعد الضربات التي سُدّدت لقوات الغزو أدى وسيؤدي إلى تغيّر في المعطيات. ومن هنا، يلفت السيد فضل الله إلى أنه "إذا كان أحد يفكر في الانفتاح على المحتل فإن طبيعة التطورات ستغيّر هذا التفكير لأن المسألة تتحرك في خط الشرف والكرامة والعزة والعنفوان الوطني والقومي والإسلامي".

ويوضح فضل الله أنه إذا كان ذلك هو "منطق" تطور الأمور، فإن ثمة "مواقع متقدمة ومتحركة عند الحركيين الشيعة الموجودين داخل العراق كانت تفكر على هذا الأساس منذ البداية". ويضيف أن "الفتاوى الدينية تركت تأثيراً في الوجدان الشيعي يضاف إلى تاريخ رفض الظلم عند الشيعة". وإذ يشدد على أن ما يطرحه لا يدخل في باب "طائفي أو مذهبي"، يلفت الى "الجذور التاريخية للاضطهاد الذي عاشه الشيعة والتي جعلتهم يتمردون على كل ظلم سواء كان داخلياً أو خارجياً"، ويعرب عن اقتناعه بأن حصول العدوان في مناخ عاشوراء ساهم في لجوء العراقيين إلى مفاهيم عاشوراء مذّكراً بأن هذه المفاهيم "تجسّدت في المقاومة ضد إسرائيل"، وبأن الإمام الخميني هو القائل "كل ما عندنا هو من عاشوراء".

ويعتبر المرجع الشيعي أن النظام في بغداد "استفاد من الوجدان الشعبي الرافض للاحتلال أكثر من كونه مبادراً بنفسه الى ذلك"، ويؤكد أن "لشعب العراقي خرج من القمقم". ويلاحظ أن الولايات المتحدة ارتكبت مجموعة من الأخطاء في التقدير إذ حسبت أن "النظام لن يقدم على خطوات وأن الشيعة لن يكون لهم دور".
على أن السيد فضل الله بعد أن يحدد موقع الشيعة العراقيين في المواجهة مع الغزو الأميركي، يسارع الى القول إن "مسألة النظام وصلت الى نهاياتها بقطع النظر عن حركة الأحداث في حجمها الكبير لأن النظام، بالعلاقة مع التعقيدات العربية والدولية إضافة الى الوضع الداخلي، لا يملك الاستمرار إلا بالحديد والنار"، مسّجلاً أن "ذلك لم يعد ممكناً في ظروف يستطيع الشعب أن يعبّر عن نفسه"، مضيفاً أن "الشعب ليس مع المحتل لكن حركة المحتل قد تفتح بإشكالياتها الكثيرة منفذاً".

وإذا كان السيد لا يتردد في الجزم بنهاية النظام القائم في بغداد الآن، فإنه يبدي مع ذلك قدراً من الحذر حيال مرحلة ما بعد نهاية النظام. وفي هذا الإطار يقول إن "الوضع في العراق بعد سقوط النظام هو من التعقيد بحيث لا يملك الإنسان أمام الخيوط المتشابكة داخلياً وخارجياً، رؤية واضحة ازاء ما قد يحدث لأن تطورات الوضع السياسي دولياً وإقليمياً قد تفرض نفسها على صعيد تنظيم الوضع العراقي الداخلي".

وفي وقت يتحفّظ فضل الله عن توقع مهلة للمرحلة الأولى المتمثّلة بإنهاء النظام الذي يراه بمثابة "تحصيل حاصل"، فإنه وتأسيساً على قراءته لما سماه "التعقيد" بعد سقوط صدام، يعتبر أن "الصورة المستقبلية في العراق لا تزال ضبابية"، ويعزو ذلك إلى أن "الشعب العراقي لن يكشف عن مكنوناته منذ الآن وعن كل خطوطه وأوراقه"، ويعرب عن اعتقاده بأن "التطورات اللاحقة سيكون لها دور في تحديد الصورة المستقبلية للوضع هناك". لكنه "يمرّر" ضمن قراءته ملاحظة تفيد أن "ثمة شقين عسكرياً وسياسياً والانتصار في الأول لا يعني الانتصار في الثاني".. ويتساءل "هل تملك أميركا بعد صدام وسائل السيطرة على الشعب؟"، ولا يتردد في الإجابة "أشك في ذلك ولذا فإن أميركا تبحث عن قرضاي عراقي وتعلن أنها ستبقى خارج المدن".

ما لم يقله السيد فضل الله، لكن ما يمكن استنتاجه من كلامه، من غير تحميله مسؤولية الاستنتاج، هو أن قرار مواجهة الغزو أو مقاومته لن يوضع موضع التنفيذ هذا في حال كان متخذاً بالفعل، إلا في المرحلة التي تلي سقوط نظام صدام حسين، أي أن ليس ثمة مقاومة من "اللحظة الأولى" بالمعنى السياسي الكبير كي لا تساهم مقاومة من هذا القبيل في تمديد عمر النظام. بكلام آخر إنّ معادلة "دع الغزو يدمّر الدكتاتورية أولاً ثم اكشف الأوراق" هي المعادلة التي تبدو معتمدة من قبل المعارضة، والشيعية منها على وجه الخصوص. وفي انتظار ذلك يجري الاكتفاء من المعارضة بعدم الترحيب بالغزو. ولعلّ تلك هي المعادلة "العملية" التي توصلت إليها لمواجهة "الإشكالية" التاريخية بين "مطرقة" النظام و"سندان" الاحتلال.

على أن هذا الاستنتاج الكاشف لسر أداء المعارضة والذي لم يصغه فضل الله بنفسه يثير العديد من الأسئلة حول ما إذا كانت المعارضة التي "رتّبت" أولوياتها نظرياً ستستطيع التسلسل فيها حسبما تشتهي كما لو كانت أميركا تعمل "عند" المعارضة أم أنها فقدت المبادرة فعلاً عندما لم تستطع الإمساك ومنذ اللحظة الأولى ب"قرار المقاومة" أي بناصية "الوطنية العراقية" فتشكل البديل، من هذا الموقع بالذات؟ وعلى كل حال يبقى "المعطى الشيعي" واحداً من تعقيدات مشروع السيطرة الأميركية على العراق بعد إسقاط نظام بغداد، ويعيد المرجع الكبير السيد فضل الله إلى الأذهان في هذا المجال "حقيقة أننا عندما ندرس حركة تاريخ الشيعة في العراق لا سيما قاعدة الانطلاق للمسلمين الشيعة أي الحوزة العلمية والمرجعية في النجف سنجد أنهم كانوا الطليعة في مواجهة الاستعمار وكانوا من تحمّل مسؤولية تهيئة الظروف لحكم وطني في العراق".


--------------------------------------------------------------------------------

* كاتب لبناني

صحيفة "السفير"اللبنانية25 محرم 1424هـ / 28-3-2003م