ذاكرة المدن: الشطـرة
محمد شريف أبو ميسم
تقع الشطرة على بعد مسافة تصل إلى 330 كم جنوب بغداد، وهي أحد أقضية محافظة ذي قار وأكثرها شهرة.. نشأت كقرية صغيرة مبنية من القصب والطوب في نهاية القرن الثامن عشر، على ضفتي نهر يسمى الخليلية.. ويقال أن الشيخ حسن السنجري، قد مصر الشطرة القديمة في عام 1788، وأن الحياة فيها قد استمرت نحو تسعين عاماً، وفي الدليل الإداري للجمهورية العراقية، يشار إلى أن الشطرة الخليلية قرية صغيرة دامت آهلة بالسكان نحو قرن..
ويورد الشيخ باقر الشبيبي، إنها دامت آهلة عامرة نحو قرن وأكثر، وأن سكانها يوم إذ من قبائل العبودة، وهي الوحيدة من بين قرى بطائح المنتفق (محافظة ذي قار حالياً) التي يؤمها تجار بغداد وسائر مدن العراق.. والشطرة بطيحة من بطايح الغراف، انحسر الماء فنشأت كجزيرة تحيط بها المياه، وانشطرت إلى أن انعزلت عن البطائح والعامة، فسميت بهذا الاسم لانعزالها (كما يورد الشيخ الشبيبي) والشطرة لغة من أسماء الأرض وربما يقال أن تسميتها جاءت من باب تسمية الجزء باسم الكل.. وحول الأصل في اسم نهر الخليلية، فإن البعض يعتقد أنه منسوب إلى القائممقام العثماني (خليل بيك) والبعض الآخر يعتقد أن الشيخ السنجري عندما قرر الانتقال من الشاهينية إلى موقع الشطرة القديم، استخدم في بحثه عن المكان الجديد (المشاحيف) مصطحباً معه أبناء عشيرته من السناجر والعبودة، وكان من بين أبناء عشيرته رجل يدعى (سيد خليل) وقد أوكل لهذا الرجل مهمة توجيه المشاحيف، وتقديراً لجهوده سمي النهر باسمه..
في ذلك الوقت كانت بطائح الغراف بأكملها من لواحق إمارة ربيعة، وقد ذهب الشيخ حسن السنجري إلى أميرها (مشكور) فأحسن هذا الأخير استقبال الشيخ حسن وأكرم مثواه، ومنحه أطيان الشطرة هبة له، فخف الشيخ حسن إليها، وعمرها.. فأمها كثير من الناس وصارت قرية لها شأن في ذلك العهد.. كانت حدود الشطرة القديمة، محصورة ما بين نهر الغراف من الشرق ونهر أبي مهيفة من الغرب والهاشمية من الشمال ونهر اسليم من الجنوب.. كانت ولادة هذه القرية قد سبقت ولادة مدينة الناصرية كمركز حضري بحوالي ثمانين عاماً.. فكانت حلقة الوصل ما بين مدينة الكوت والمدن الجنوبية الأخرى، وهذا الموقع منحها اهمية كبيرة في منطقة خالية من المدن تقريباً، إذ ليس فيها سوى بعض من القرى والتجمعات السكانية المتفرقة.. يقول الدكتور كامل سلمان الجبوري في مقدمة مذكرات الضابط الإنكليزي برترام توماس (كانت الشطرة أهم بلدة في المنتفق بعد الناصرية، ولعلها كانت أهم من الناصرية من حيث قوتها العشائرية، فهي من الوجهة الجغرافية، تعد مركزاً لاتحاد عشائر المنتفق الذي كان يشغل الحوض الأسفل لنهر الغراف) ويورد الشيخ باقر الشبيبي أن بطائح الغراف كانت من لواحق حكم إمارة ربيعة ولم يكن لآل سعدون نصيب فيها (السعدون قبيلة عربية كانت تحكم مناطق في جنوب العراق) فنشبت حرب بين الاثنين على أرض الشطرة انتهت بمقتل الأمير مشكور، فتم فصل الغراف عن إمارة ربيعة لمصلحة السعدون، وأقيمت على الشطرة الإمارة الجديدة..
واستحدث (ديوان الرسومات) وجعل عليه رجلاً يدعى الخواجة نعوم (وهو مسيحي حلبي) وفي أوائل أيام الشيخ ناصر السعدون طلب من زعماء القبائل أن يدفعوا خراجهم دراهم بدلاً من (غلة المنتوج) وكانوا يتكلفون الأمر بسبب قلة تداول النقود عندهم، واتفق أن الخواجة نعوم قد اشترى خراجاً من الأرز ودفع ثمنه إلى ناصر باشا، وقد اتفق أيضاً أن الغراف قد اصابها قحط في ذلك العام وهو عام 1871 ودام القحط لثلاث سنوات فباع الخواجة نعوم ما لديه من الأرز بأثمان باهظة، عادت عليه بربح فاحش، ويورد الشيخ الشبيبي أن الشطرة الحديثة خططت في موضوع (الأنبار) الذي اتخذه الخواجة نعوم وكان السبب لتخطيطها، فقد أمر وكلاءه هناك بأن يحدثوا له سوقاً فأنشأوه، وهاجر شيئاً فشيئاً إليها أهل الشطرة القديمة ورغبوا في تعميرها وسكناها لأن قريتهم الأولى لم تكن صالحة إذ ذاك للسكن وذلك لاندراس النهر الذي خططت عليه وقد سكنت الشطرة الحديثة سنة (1290هـ - 1876م) وهاجرت إليها جماعة من أنحاء شتى كان في طليعتهم الملاك المشهور (علي الشعر باف) الذي أحدث فيها أسواقاً وبنايات كثيرة وأنشأ فيها حماماً ودوراً وخانات ومسجداً، فكان قدوة لغيره فكثرت أسواقها وزادت بيوتها.
http://www.almadapaper.com/sub/12-563/p11.htm#1